تقریر بحث سیدنا الاستاد المرجع الدینی الاکبر الایه العظمی الحاج السید حسین الطباطبائی البروجردی فی القبله، الستر و الساتر، مکان المصلی المجلد 1

اشارة

سرشناسه : بروجردی، حسین، 1340 - 1253

عنوان و نام پديدآور : تقریر بحث سیدنا الاستاد المرجع الدینی الاکبر الایه العظمی الحاج السید حسین الطباطبائی البروجردی فی القبله، الستر و الساتر، مکان المصلی/ تقریر علی پناه الاشتهاردی

مشخصات نشر : قم: جماعه المدرسین بقم، موسسه النشر الاسلامی، 1416ق. = 1374.

مشخصات ظاهری : ج 2

فروست : (موسسه النشر الاسلامی التابعه لجماعه المدرسین بقم؛ 767، 768)

شابک : بها:15000ریال(دوره کامل)

يادداشت : عربی.

يادداشت : عنوان دیگر: تقریر بحث سماحه آیه الله العظمی السید البروجردی قدس سره.

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : تقریر بحث سماحه آیه الله العظمی السید البروجردی قدس سره.

عنوان دیگر : تقریر بحث سماحه آیه الله العظمی السید البروجردی قدس سره

موضوع : نماز

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : اشتهاردی، علی پناه، محرر

شناسه افزوده : جامعه مدرسین حوزه علمیه قم. دفتر انتشارات اسلامی

رده بندی کنگره : BP186 /ب47ت7 1374

رده بندی دیویی : 297/353

شماره کتابشناسی ملی : م 75-5478

[مقدمة المؤسسة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين أبي القاسم محمد المصطفى و على آله الطيبين الطاهرين، و اللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

و بعد، فلا يخفى على ذوي العلم و الفضيلة ما للتقريرات التي يسطّرها الكمّل من أهل التحقيق و التدقيق من دور مهمّ في عكس آراء الفقهاء و المجتهدين و نقل أنظارهم الاستدلالية في حقلي الفقه و الأصول، و التي أتعبوا نفوسهم الشريفة و بذلوا أعزّ ما عندهم في سبيل تحصيلها و تنقيحها حتى أضحت مراجعة كتب التقريرات إحدى الوسائل و الطرق لتقييم مدى أعلمية الفقيه المقرّر له، و قد عرفت الحوزات الشيعية بهذا الفنّ من التصنيف، و على ضوئه يمنح المقرّرين عادة درجة الاجتهاد من أساتذتهم في علمي

الفقه و الأصول.

و الكتاب- الماثل بين يديك- هي تقريرات فقهية لمباحث فقيه الطائفة و مرجع وقته آية اللّٰه العظمى السيد البروجردي نوّر اللّٰه مضجعه كتبها و قرّرها نخبة الأساتذة المحقّقين العلّامة المدقّق آية اللّٰه الحاج الشيخ علي پناه الاشتهاردي دامت بركاته.

و وفاء للعهد الذي اتّخذته المؤسّسة على عاتقها في إحياء علوم أهل البيت صلوات اللّٰه عليهم أجمعين و خدمة الحوزات العلميّة تلقّت مشروع طبع و نشر هذه التقريرات بالقبول، سائلة اللّٰه جلّ شأنه للمقرّر المفضال و لها التوفيق لإحياء تراث آل محمّد عليه و عليهم السلام إنه وليّ التوفيق.

مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 4

[مقدمة المقرر]

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم الحمد للّٰه الولي الحميد الحكيم المجيد الفعال لما يريد و الصلاة و السلام على من بعثه من الأنبياء و المرسلين الذين ختمهم ببعث سيد المرسلين و الذي تمّم به مكارم الأخلاق ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول اللّٰه و خاتم النبيين.

و على وصيه و وزيره الذي هو بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعده، اعنى ابن عمه و صهره على بن أبي طالب (ع) أول الأئمة، ثم على أولاده المعصومين المظلومين المطهرين من الأرجاس لا سيما امام العصر و خليفة الماضين الحجة بن الحسن العسكري عليه و على أجداده الطيبين الطاهرين صلوات المصلين.

و بعد فهذا هو تقرير بحث سيد الفقهاء و المجتهدين الذي الزمان بمثله لعقيم، سيدنا الأستاذ الأعظم و الطود العظيم العالي المرجع الديني العام في زمانه الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي قدس سره الشريف من بحث القبلة و الستر و الساتر و شرائط لباس المصلي.

و الحمد للّٰه رب العالمين

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 5

[كتاب الصلاة]

فصل في القبلة «1»

[الجهة الأولى في قبلة القريب]

اشارة

و يشترط في الصلاة استقبال القبلة بالضرورة من الدين بحيث لم يختلف (يخالف خ) فيه أحد من العامّة و الخاصّة، بل الاستقبال الى قبلة ما في العبادة الخاصّة كان مرسوما قبل الإسلام في الأديان السابقة و كان قبلة اليهود بيت المقدس، و عمل النصارى اليوم هكذا، و لكن يظهر من بعض الكتب أنّ قبلتهم كان في أوّل الأمر مشرق الشمس و لا يخفى أنّ من الأمور المسلّمة التاريخيّة، أنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله كان يصلّى في بدو الأمر قريبا من ستّة عشر أشهر بعد الهجرة إلى طرف بيت المقدس و كان ذلك قبل غزوة بدر بشهرين، ثمّ أمر بعد ذلك بالتوجّه نحو الكعبة.

و يستفاد من بعض الآيات أنّ من المعرفات لنبيّنا صلّى اللّٰه عليه و آله المذكورة في كتب اليهود و النصارى، الصلاة الى الكعبة، و أن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله كان منتظر للأمر من اللّٰه تعالى بالتوجّه نحوها و كيف كان.

فقد قال اللّٰه تعالى قَدْ نَرىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمٰاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ الآية «2».

قوله تعالى فَلَنُوَلِّيَنَّكَ يحتمل أن يكون من الولاية بمعنى السلطنة

______________________________

(1) قد وقع الشروع في هذا البحث في 19 ذي القعدة الحرام 69 ه ق

(2) سورة البقرة، الآية: 144.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 6

و كون الشخص صاحبا لأمر فمعناه حينئذ، نجعلك صاحبا لقبلة إلخ، أو من (ولّي) إذا تبع فمعناه حينئذ نجعلك تابعا لقبلة فكأنّه بتوجيهه في كل موضع إلى أمر يتابعه و ذلك الأمر أمامه، و هذا أظهر.

و قال تعالى وَ مِنْ حَيْثُ

خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلّٰا يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ «1».

الشطر جاء بمعنى النصف و الجانب، و المناسب هنا هو الثاني، و قوله تعالى لِئَلّٰا يَكُونَ إلخ يدل على ما ذكرنا من أنّ من المعرّفات لنبيّنا صلّى اللّٰه عليه و آله، المذكورة في كتب اليهود و النصارى، الصلاة الى الكعبة هذا كلّه فيما يتعلّق بتاريخ الكعبة.

و أمّا ما هو المتعلّق بالبحث الفقهي من جهتين (الجهة الأولى) في أنّ القبلة هل هي المسجد الحرام أو الكعبة، و على الثاني فيقال:

لا ينافي ذكر المسجد الحرام في الآية، لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله حين أمر بالتوجّه نحوه كان صلى اللّٰه عليه و آله في المدينة الطيّبة، و التوجّه من البعيد نحوه يستلزم التوجّه نحوها.

أمّا الأخبار الواردة في هذا الباب فنقول: يظهر من أكثرها أنّ القبلة هي الكعبة و في هذه الأخبار عبّر كثيرا ما بالكعبة، و في بعضها عبّر بالبيت و هو الكعبة أيضا كما قال اللّٰه تعالى جَعَلَ اللّٰهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرٰامَ قِيٰاماً لِلنّٰاسِ «2».

(فمنها) ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن على بن الحسن الطاطري عن ابن أبي حمزة (يعني محمّدا- ئل)، عن معاوية بن عمّار، عن أبي

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية: 149، 150، 144.

(2) سورة المائدة، الآية: 92.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 7

عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قلت له: متى صرف رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله إلى الكعبة؟ قال: بعد رجوعه من بدر «1».

و بإسناده عنه أيضا، عن وهيب، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام (في حديث) قال: قلت: اللّٰه أمره أن يصلّى الى البيت المقدس؟ قال: نعم الا ترى أنّ

اللّٰه يقول وَ مٰا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهٰا إِلّٰا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ الآية «2» ثمّ قال: انّ بنى عبد الأشد أتوهم و هم في الصلاة و قد صلّوا ركعتين الى بيت المقدس فقيل لهم:

انّ نبيّكم صرف الكعبة فتحول النساء مكان الرجال و الرجال مكان النساء و جعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين فلذا سمّى مسجدهم مسجد القبلتين «3».

و عن معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: متى صرف رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله إلى الكعبة؟ قال: بعد رجوعه من بدر و كان يصلّى الى بيت المقدس سبعة عشر شهرا ثمّ أعيد إلى الكعبة «4».

الى غير ذلك من الروايات التي عبّر فيها بلفظ الكعبة فراجع

______________________________

(1) الوسائل باب 2، حديث 1 من أبواب القبلة، ج 3 ص 215.

(2) سورة البقرة، الآية: 143، و تمام الآية مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلىٰ عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كٰانَتْ لَكَبِيرَةً إِلّٰا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّٰهُ وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِيعَ إِيمٰانَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ بِالنّٰاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.

(3) الوسائل باب 2، حديث 2 من أبواب القبلة.

(4) الوسائل باب 2، حديث 4 من أبواب القبلة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 8

الوسائل «1»، هذا و لكن في بعض الروايات أنّ الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد قبلة لمن في الحرم، و الحرم قبلة لمن هو خارج عنه.

مثل ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّٰه، بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن الحسين، عن عبد اللّٰه بن محمّد الحجال، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: انّ اللّٰه تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل

الحرم، و جعل الحرم قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم، و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا «2».

و بإسناده، عن أبي العباس ابن عقدة، عن الحسين بن محمّد ابن حازم، عن تغلب بن الضحاك، عن بشر بن جعفر (حفص خ ل) الجعفي (أبي الوليد خ)، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال:

سمعته يقول: البيت قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة لأهل الحرم، و الحرم قبلة للناس جميعا.

و روى الصدوق رحمه اللّٰه مرسلا مثل الأوّل «3».

و مقتضى هذه الروايات أنّ المصلّى في الحرم إلى نقطة من المسجد الحرام تصح صلاته و ان علم بعدم توجّه إلى الكعبة، و كذلك المصلّى من خارج الحرم إلى نقطة من الحرم تصح صلاته و ان علم بعدم توجّهه إلى الكعبة أو الى المسجد بل مع كونها خلفه كما يمكن أنّه قد يتّفق، مع أنّه لم يلتزم به أحد من الفقهاء حتى القائلين بما تضمنه هذه الروايات،

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 2، 3، 4 من أبواب القبلة، ج 3 ص 215 الى 222.

(2) الوسائل باب 3 حديث 1 من أبواب القبلة ج 3، ص 220.

(3) الوسائل باب 3 حديث 2- 3 من أبواب القبلة ج 3، ص 220.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 9

في الفرضين.

فحينئذ يمكن أن يقال: كونها معرض عنها عند الأصحاب هذا.

مضافا الى إرسال رواية ابن الحجال و ضعف رواية ابن عقدة لكونه عاميّا فالأرجح أنّ القبلة هي الكعبة فقط.

ثمّ لا يخفى أنّ المراد بكونها قبلة هو التوجّه الى هذا الموضع و ما يحاذيه من الفوق أو التحت بحيث لو صلّى فوق جبل كان ارتفاعه أكثر من ارتفاع الكعبة و كان توجّهه الى الفضاء الذي فوق الكعبة

كانت صلاته صحيحة، كما يدل عليه ما رواه الشيخ (ره) بإسناده، عن الطاطري، عن محمّد بن أبي حمزة، عن عبد اللّٰه بن سنان، قال: سأله رجل، قال:

صلّيت فوق أبى قبيس العصر فهل يجزى ذلك و الكعبة تحتي؟ قال: نعم انّها قبلة من موضعها الى السماء «1».

فرعان
(الأوّل) حجر إسماعيل (على نبيّنا و آله و عليه السلام) هل هو داخل في الكعبة أم لا؟

الظاهر لا، لتبادر غيره منها من دون الحجر.

(الثاني) هل المعتبر التوجّه بتمام أجزاء بدنه إليها أم يكفي خصوص الوجه؟

وجهان من أنّ المأمور به بالتوجّه إليها بمقتضى قوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ «2» هو الوجه، فيكفي هو خاصّة، و من أنّ تولية الوجه يمكن أن يكون كناية عن توجّه الشخص بجميع مقاديم بدنه الى

______________________________

(1) الوسائل باب 18، حديث 1 من أبواب القبلة، ج 3 ص 247.

(2) سورة البقرة، الآية 144- 150.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 10

الكعبة، لأنّ توجّه الوجه إلى القبلة على وضعه الطبيعي يستلزم توجّه سائر المقاديم كذلك، و بالعكس إذا كانت المقاديم متوجّهة على وضعها الطبيعي إلى جهة غير القبلة يكون الوجه أيضا بالطبع- متوجّها اليه، و صرف الوجه إليها خلاف الوضع الطبيعي، فلذا عبّر عن التوجّه بمقاديم الشخص بتولية الوجه في قوله تعالى فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ إلخ «1»، فلو كانت تولية الوجه كافية لزم الحكم بصحّة صلاة من توجّه الى غير القبلة، و لكن حوّل وجهه إليها- مع عدم الالتزام بذلك.

و يتفرّع عليه أنّه لو صلّى في المسجد متوجّها الى زاوية الكعبة بحيث لم يكن بتمامه متوجّها إليها، بل كان كتفه الأيمن أو الأيسر مثلا غير محاذ للكعبة (فعلى الأوّل) يصح و (على الثاني) لا.

و لكن يمكن أن يستشكل ما وجّه به القول بعدم الكفاية بأنّه و ان كان تولية الوجه عبارة عمّا ذكر من كونه كناية عن التوجّه بجميع مقاديم البدن، لكن كون المكفى عنه عبارة عن جميع المقاديم حتى المقاديم التي لا تكون محاذية للوجه كالكتف الأيمن أو الأيسر، فغير مسلّم.

نعم القدر المتيقّن منها المفهوم من تولية الوجه، توجّه الشخص بالمقاديم التي تكون محاذية، أمّا غيرها فلا و لا أقلّ من أنّ اعتبارها مشكوك

و الأصل عدمه.

فحينئذ، فهل المعتبر التوجّه بتمام الوجه أم يكفي التوجه ببعضه؟

وجهان من كون الوجه محدّب الشكل غير مستوى السطح فلا يمكن اتصال جميع الخطوط الخارجة منه الى الشي ء المتوجّه اليه، على نحو

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية: 144.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 11

الموازاة و المساواة فلا يمكن توجّه الإنسان بتمام وجهه إليها أو الى غيرها من الأجسام بحيث يخرج من وجهه خطوط حدثت من مبدئها على الوجه زوايا قوائم و كانت متوازية و تتصل تلك الخطوط بالجسم المتوجّه اليه.

و على هذا فان كان المعتبر من التوجّه إلى القبلة، التوجّه بتمام الوجه بهذا المعنى فهو غير معقول فلا بدّ أمّا من القول بانّ المعتبر، التوجّه ببعض الوجه بحيث يحدث من مبدأ الخطوط الخارجة من ذلك البعض زوايا قوائم «1» و أمّا من القول بانّ المعتبر التوجّه بتمام الوجه و المقاديم المحاذية لها عرفا، و ما ذكر من خروج الخطوط الخارجة المتوازية مع كون الزوايا التي تحدث على الوجه من مبدأ تلك الخطوط غير قائمة، غير معتبر في الإطلاق العرفي.

الجهة الثانية في قبلة البعيد

اشارة

هل قبلة البعيد مكّة المكرّمة بعينها، أو الكعبة كذلك، أو الجهة؟

أقوال، فقيل بالأوّل استنادا الى أخبار ضعيفة السند غير منجبرة بعمل الأصحاب بحيث يكشف عن صدورها أو صدور بعضها عن المعصوم عليه السلام، أو عن وجود نصّ معتبر.

و قيل بالثاني استنادا الى الأخبار الواردة في القبلة المعبّر، بلفظ الكعبة و قد مرّ بعضها.

و المشهور هو الأخير و هو الحق، يدل عليه قوله تعالى وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «2» حيث أمر اللّٰه تعالى

______________________________

(1) و لا يخفى أنّه لا يمكن ظاهرا استفادة هذا المعنى منه (قده)

(2) سورة البقرة، الآية: 150.

تقرير بحث

السيد البروجردي، ج 1، ص: 12

بتولية الوجه نحوه و كأنّ مورد الآية للبعيد فإنّه فرض الخروج من مكّة و أمر بجعل الوجه قبال المسجد الحرام الذي أريد به الكعبة- كما تقدّم بيانه.

و حيث أنّ الوجه محدب الشكل لا يكون جميع خطوطه الخارجة الواصلة إلى الكعبة متوازية، فإذا خرج منه خطوط عديدة فيمكن أن يصل بعضها إليها إذا كان مواجها لجهتها، بل يمكن الدعوى القطعيّة بوصول بعضها إليها.

بيانه أنّ رأس الإنسان كرويّ الشكل تقريبا- لا تحقيقا-، فإذا قسّمت الدائرة التي هي محيطة بالرأس و الخطّين المارّين على محيط الدائرة، المتقاطعين في مركزها وجدتها منقسمة إلى أقسام أربعة متساوية و إذا فرضت دائرة أعظم من الدائرة التي هي محيطة بالرأس وجدت أعظم منها من حيث المحاذاة، و هكذا الى أن تفرض دائرة عظيمة محيطة بالكعبة بحيث تكون الكعبة في مركزها، يكون كلّ ربع من الصغيرة محاذيا لربع من العظيمة.

فإذا فرضنا الكعبة في واحد من الأقسام الأربعة و يكون الشخص مواجها لتلك الجهة، يكون وجهه الذي هو بمقدار ربع دائرة رأسه محاذيا لربع تلك الدائرة الصغيرة إليها و المفروض كون الكعبة واقعا في ذلك الربع فلا محالة يصل أحد الخطوط الخارجة من الوجه إلى الكعبة.

نعم كلّما كان الإنسان المواجه أبعد يكون اتصال الخطوط أقل.

و من هنا يمكن أن يقال: انّ الجسم كلّما ازداد الإنسان عنه بعدا ازدادت محاذاته ضيقا يعنى محاذاته الحقيقيّة التي عبارة، عن اتصال الخطوط كما هو المحسوس، لا أنّه ازدادت سعة كما اشتهر، نعم

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 13

يصير المرئي بسبب البعد أصغر و السرّ في صيرورته أصغر ما ذكرنا أيضا، فكلّما صار المواجه أبعد تكون المحاذاة المرئيّة أكثر.

فتحصّل أنّ البعيد لا

يلزم أن يكون بتمام وجهه محاذيا الكعبة و متوجّها الى عينها بل لا يمكن ذلك عادة.

مع أنّه لا دليل عليه الّا الآيات و الأخبار الواردة في لزوم الاستقبال بالوجه و هو يحصل بما ذكرنا فلو لزم الاستقبال الى العين لنبّهوا عليهم السلام، و لأوجبوا تعلّم الهندسة و قواعد الأسطرلاب على المصلّين.

بل مقتضى كون المسألة محل ابتلاء لعامة المسلمين في كثير من التكاليف المتوجّهة إليهم كالصلاة الواجبة، بل و المندوبة في الجملة، و حل الذبائح و عدم جواز التخلّي إليها و وجوب دفن المسلمين إليها و أمثال ذلك ممّا يوجب معرفة القبلة و لو مقدّمة، كون الأخبار الواردة عنهم عليهم السلام متواترة، مع عدم نقل خبر واحد عنهم عليهم السلام فضلا عن المتواتر.

و هذا أعنى كون الوجه محدّبا و اتّصال بعض الخارجة إلى الكعبة هو السّر في الاكتفاء بالجهة.

لأنّ الاستقبال هو المأمور به و هو أمر عرفيّ و ان لم يصل الخط الخارج إليها، بل و ان علم عدمه كما يظهر من الجواهر.

و لأنّ العرف يفهمون من قوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ الآية ذلك بالنسبة إلى البعيد كما يظهر من مصباح الفقيه الهمداني (ره) و ان كان موجّهين أيضا الّا أنّ ما ذكرناه أوجه لمعلوميّة الملاك حينئذ.

و على ما ذكرنا ينطبق ما رواه زرارة في الصحيح، عن أبى جعفر عليه السلام من أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة «1» بعد سؤاله عن حد

______________________________

(1) الوسائل باب 9، حديث 2 من أبواب القبلة، ج 3 ص 227.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 14

القبلة.

و كذا صحيحة معاوية بن عمّار «1»، بناء على أن يكون المراد ما بين مشرق أوّل الجدي و مغربه، و ان كان المراد ما

بين مشرق الاعتدال و مغربه يكون قبلة، يكون جهة القبلة بمقدار نصف الدائرة فحينئذ يقيّد بغير العامّة.

لما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو ابن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمّار الساباطي، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، رجل صلّى على غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته؟ قال: ان كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه القبلة ساعة يعلم، و ان كان متوجّها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة «2».

دلّت الرواية على أن ما بين المشرق قبلة لغير العالم بها و أمّا للعالم فلا، و لذا أمر عليه السلام بالتحويل من ما بينهما إلى القبلة ساعة يعلم و السائل أيضا فرض أنّ الصلاة الى ما بينهما صلاة الى غير القبلة، فكأنّ بطلان الصلاة في صورة العمد و العلم كان مفروغا عنه عنده، فلذا سأل عن صورة الجهل و الغفلة.

و المراد «3» من قوله عليه السلام: (دبر القبلة)- بقرينة جعله

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 14، حديث 1 من أبواب القبلة، ج 3 ص 228

(2) الوسائل باب 10، حديث 4 من أبواب القبلة، ج 3، ص 229.

(3) و سيأتي الإشكال فيه من الأستاذ دام ظلّه بقوله: و كيف كان ان كان المراد إلخ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 15

مقابلا للصلاة- الى ما بين المشرق و المغرب، هو غير القبلة يعني إذا كان صلّى الى غير القبلة إلخ.

فيعلم أنّ الصلاة الى ما بينها صلاة القبلة، غاية الأمر، بغير العالم بها.

و كيف كان ان كان

المراد ممّا بين المشرق و المغرب في صحيحة زرارة و معاوية بن عمّار هو المكان الذي لا يطلع فيه الشمس في تمام السنة ينطبق مع ما ذكرناه من كونه ربع الدائرة تقريبا المطابق لربع الرأس تقريبا، و ان كان المراد هو المشرق و المغرب العرفيّين، فبعد تقيّدها برواية عمّار ينطبق عليه فتأمّل جدا.

و يؤيّد ما ذكرناه من كون قبلة البعيد، الجهة لا العين، الأخبار الآمرة بالصلاة إلى أربع جهات مع التحيّر، فإن الصلاة الى أربع جهات ليست بعنوان التعبّد- كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى- بل لتحصيل العلم بإتيان المكلّف به فيظهر منها أنّ العلم يحصل بأربع صلوات على تقدير كون القبلة في أي جهة من الجهات الأربع.

و يؤيّده أيضا، بل يدل عليه العلامات المذكورة لتعيينها لمن لا يعلم القبلة، مثل جعل الجدي خلف المصلّى كما يدل عليه ما رواه الشيخ (ره) بإسناده عن الطاطري، عن جعفر بن سماعة، عن علاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن القبلة فقال: ضع الجدي في قفاك و صلّه «1».

و ما رواه الصدوق (ره) مرسلا، قال: قال رجل للصادق عليه السلام: انّى أكون في السفر و لا أهتدى الى القبلة بالليل، فقال:

______________________________

(1) الوسائل باب 5، حديث 1 من أبواب القبلة ج 3 ص 222.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 16

أ تعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت: نعم، قال: اجعله على يمينك و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك «1».

و الظاهر انّه ان كان المراد من القضاء في الرواية الأولى مقدار ما قابل الوجه من الخلف فحينئذ ينطبق مع بعض البلاد الغربيّة للعراق، كالموصل فيكون القبلة نقطة الجنوب، و

ان كان المراد ما بين الكتف الأيمن و الأيسر فيشمل أكثر البلاد العراقيّة، و هو الأظهر لكون محمّد بن مسلم من أهل الكوفة و قبلة الكوفة منحرفة عن نقطة الجنوب الى طرف المغرب.

و هذه العلامة- مضافا الى عدم كونها قطعيّة المراد- لا تفيد بنفسها القطع بعين الكعبة على تقدير المعلوميّة، لأنّ في الجدي اختلافا في كونه من السيّارات أو الثابتات.

فقد نقل المحقّق الأردبيلي (ره) عن خاله أنّه وضع القصبة محاذية للجدي في أوّل الليل و لم يتغيّر الى آخر الليل «2».

فيدل هذا النقل على عدم كونه متحرّكا، و لكن تقييد جماعة علاميّته بأنّه علامة في حالة جعل الجدي حالة غاية انخفاضه و ارتفاعه خلف المنكب الأيمن، يدل على تحرّكه، مع أنّ في معنى المنكب أيضا اختلافا في أنّه هل هو المفصل بين الكتف و العنق أم المفصل بين الكتف و العضد و لازم الأوّل، الانحراف من الجنوب الى المغرب قليلا و لازم الثاني، الانحراف المذكور كثيرا، فمع ذلك كيف يدّعى أنّ قبلة

______________________________

(1) الوسائل باب 5، حديث 2، من أبواب القبلة، ج 3 ص 222.

(2) راجع مجمع الفائدة الطبعة الثانية، ج 2، ص 72 الى 73 نشر جامعة المدرّسين بقم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 17

البعيد هي العين فهل يمكن ذلك.

مع أنّ العلامتين الأخريين اللتين ذكرهما الأصحاب لأهل العراق مخالفتان للعلامة الأولى، فإنّ إحديهما جعل المشرق على اليسار و المغرب على اليمين فعلى تقدير ارادة الاعتداليين منهما، يصير نقطة الجنوب، و على تقدير ارادة مطلق المشرق و المغرب يلزم الانحراف كثيرا الى المشرق تارة و الى المغرب اخرى و ثانيتهما جعل الشمس على الحاجب الأيمن عند الزوال مع أنّ لازمها، الانحراف عن نقطة الجنوب

إلى نقطة المشرق قليلا.

فمع اختلاف نفس هذه العلامات الثلاثة مع اتحاد ذي العلامة يكشف عن الاكتفاء بالجهة.

اللّٰهمّ الّا أن يحمل على اختلاف البلاد العراقيّة كحمل الأولى على البلاد الغربيّة و حمل الثانية على أوساط العراق، و مع ذلك لم يبق للثالثة ما يناسبها فإنّه ليس في العراق بلد كان قبلته منحرفا إلى نقطة المشرق كما لا يخفى على الماهر الخبير المتتبّع.

مسألة 1: لو فقدت الأمارات الموجبة للعلم بالجهة
اشارة

كالعلامات الثلاثة المذكورة آنفا، للعراقي مثلا، فهل يجب تحصيل الظنّ أولا ثمّ الصلاة الى أربع جهات، أم يجب ذلك ابتداء، أم يتخيّر بين الجهات؟

وجوه.

و الأخبار في المسألة على طوائف ثلاثة (منها) ما يدلّ على وجوب التحرّي مثل ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبى

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 18

جعفر عليه السلام قال: يجزى التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة «1».

(و منها) ان المتحيّر يصلّى حيث شاء من الجهات، مثل صحيحة ابن أبى عمير، عن بعض أصحابنا، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبلة المتحيّر؟ قال: يصلّى حيث يشاء «2».

و صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبى جعفر عليه السلام أنه قال: يجزى المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة «3».

(و منها) ما يدل على وجوب الصلاة الى أربع جوانب على المتحيّر، مثل مرسلة خداش (خراش- ئل) عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال:

قلت له: جعلت فداك: انّ هؤلاء المخالفين علينا، يقولون: إذا أطبقت السماء علينا أو ظلمت فلم نعرف السماء كنّا و أنتم سواء في الاجتهاد، فقال: ليس كما يقولون، إذا كان كذلك فليصلّ إلى

أربع جوانب (وجوه- ئل) «4» قول الراوي إذا أطبقت إلخ مشعر أيضا لما ذكرنا من أنّ الرجوع الى العلامات يفيد القطع بالجهة، فإنّ إيراد المخالفين على أصحاب الأئمّة عليهم السلام كان بعد فرض عدم ما يوجب القطع و أنّهم مثلنا في الاكتفاء بالظن فأجاب عليه السلام بما أجاب دفعا للإيراد.

و من نقل عن الشهيد (ره) انّ العلامات انّما هي مفيدة للظنّ بالنسبة إلى العين و أمّا بالنسبة إلى الجهة فمفيدة للقطع.

______________________________

(1) الوسائل باب 6، حديث 1، من أبواب القبلة: ج 3 ص 223.

(2) الوسائل باب 8، حديث 3، من أبواب القبلة: ج 3 ص 226.

(3) الوسائل باب 8، حديث 2، من أبواب القبلة: ج 3 ص 226.

(4) الوسائل باب 8، حديث 5، من أبواب القبلة: ج 3 ص 226.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 19

و كيف كان فبناء على إطلاق مرسلة خداش تكون دالّة على وجوب التكرار و يدل عليه مرسلة الكليني رحمه اللّٰه فإنّه بعد نقل مرسلة ابن أبى عمير المتقدّمة قال: و روى انّه يصلّى الى أربع جوانب «1»، و مرسلة الصدوق رحمه اللّٰه قال: و روى فيمن لا يهتدى إلى القبلة في مفازة أنّه يصلّى الى أربع جوانب «2» بناء على أنّ المراد من عدم الاهتداء، التحيّر و قوله عليه السلام: (في مفازة) مشعر أيضا لما مر مرارا حيث أنّه عليه السلام فرض عدم الاهتداء في مفازة و الّا فالبلدان بسبب معروفيّة مشرقها و مغربها- تعرف قبلتها.

إذا عرفت هذه الروايات فنقول: انّ الظاهر عدم المعارضة بين روايات التحري و روايات المتحيّر لعدم صدق المتحيّر عرفا على الظان الحاصل ظنّه بالتحري، مضافا الى أنّ جعل حكم المتحيّر- و هو التخيير- للظان بعيد

من الشرع، لأنّ العمل بالظن عند انسداد باب العلم مركوز عند العقلاء، فالتخيير من الشارع و اختيار طرف المرجوح من المكلّف ترجيح للمرجوح على الراجح كما لا يخفى.

و على تقدير التعارض فروايات المتحيّر في مورد الظنّ قد أعرض عنها الأصحاب نعم التعارض واقع بين روايات التحري و مرسلة خداش فإنّها كالصريح في أنّ الظنّ لا يكتفى به، بل يجب تحصيل العلم- و لو إجمالا- بوقوع المكلّف، و لكنّها مع إرسالها و مجهوليّة خداش و من قبله و عدم جابر لها، معرض عنها عند الأصحاب فإنّهم أفتوا قديما و حديثا بجواز العمل بالتحري، بل قال بعضهم بوجوبه، فالترجيح

______________________________

(1) الوسائل باب 8، حديث 4 من أبواب القبلة: ج 3 ص 226.

(2) الوسائل باب 8، حديث 1، من أبواب القبلة: ج 3 ص 225.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 20

لروايات التحرّي، بل ليس من الترجيح لعدم حجّية ما قابلها لو لا المعارض كما هو المناط في المتعارضين.

كما أنّ التعارض واقع أيضا بين المرسلتين و بين ما دلّ على أنّ المتحيّر يصلّى حيث شاء، كمرسلة ابن أبي عمير عن زرارة و لكنّ المرسلتين مورد تسالم الفقهاء فتوى لتكون المرسلة معرض عنها فتسقط عن الحجّية.

فرع الظاهر عدم جواز الاكتفاء بأقل مراتب الظنّ،

بل يجب تحصيله بقدر الوسع كما يدل عليه قوله عليه السلام: (اجتهد رأيك) «1» و قوله عليه السلام: (تعمد القبلة بجهدك) «2»، كما لا يخفى.

و على كلّ حال فهل يجب تحصيل الظنّ معيّنا أم يجوز الاكتفاء و العمل بالعلم الإجمالي كالصلاة إلى أربع جهات؟ وجهان مبنيّان على انّ الامتثال التفصيلي و لو ظنّها هل هو مقدم على الامتثال الإجمالي و لو علما أم لا؟ و قد قرر في الأصول.

و كيف كان فلا إشكال

في جواز العمل به بناء على وجوب تحصيله أوّلا لورود التعبد و ان كان مقتضى القاعدة عدم حجّية الظنّ.

مسألة 2- لو لم يتمكّن من تحصيل الظنّ،

لا إشكال في لزوم الصلاة الى أربعة جوانب و عدم سقوط شرطيّة الاستقبال كما استظهرناه

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 6 حديث 2 من أبواب القبلة: ج 3 ص 223.

(2) راجع الوسائل باب 6 حديث 3 من أبواب القبلة: ج 3 ص 223 مع اختلاف في التعبير.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 21

من المرسلتين و حينئذ فهل هذا الحكم تعبّد من الشرع أم يكون موافقا للقاعدة لكونه موجبا للقطع بالامتثال؟ الظاهر الثاني لفهم العرف ذلك و هو الذي ذكرنا من أنّه مؤيّد لما اخترناه من كفاية الجهة و عدم وجوب استقبال عين الكعبة، من جهة أنّ الصلاة الى الجوانب الأربع انّما هي لفرض الدائرة المارّة على القبلة على أقسام أربعة متساوية بحيث تكون القبلة في ربعها فإذا علم بالجهة يأتي بالصلاة إليها فقط و الّا يأتي بالأربع.

و لا حاجة الى تجشم أن يقال: انّ الاكتفاء بها باعتبار أنّه جاهل بل قد توسّع له في القبلة و جعل ما بين المشرق و المغرب قبلة كي يرد عليه حينئذ بأنّ لازم ذلك جواز الاكتفاء بثلاث جوانب فيجاب بأنّه كذلك في الناسي و الساهي دون الجاهل، فلعلّ فيه خصوصيّة تقتضي وجوب الصلاة الى أربع جهات.

فإنّه «1» على ما ذكرناه يكون الصلاة الى أربعة جوانب بمقتضى القاعدة.

مسألة 3- لو لم يتمكّن الّا الى جهة واحدة يتخيّر الى أى جهة شاء

بمقتضى حكم العقل، مضافا الى حمل الروايات الدالّة على التخيير للمتحيّر، على غير المتمكّن.

(ان قلت): مقتضى القاعدة عدم سقوط شرطيّة الاستقبال و لزوم الصلاة الى أربع جهات.

(قلت): حيث أنّا وجدنا- بعد التتبّع مراعاة الشارع للوقت إذا دار الأمر بينه و بين سائر الشروط كالطهارة المائيّة، و طهارة

______________________________

(1) تعليل لقوله (قده): و لا حاجة إلخ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 22

اللباس،

و ستر العبورة، و سقوط جملة من الأجزاء كالحمد، و السورة و ذكر الركوع و السجود في بعض الموارد فلم يوجب الشارع الصلاة قضاءا مع إحراز هذه الشرائط و الأجزاء، بل أوجب الصلاة و أسقطها فكشف «1» أنّ مراعاة الوقت أهمّ في نظره من غيره.

ففي المقام أيضا يمكن أن يقال بسقوط شرطيّة الاستقبال و وجوب الصلاة أداء، فإذا كان وظيفة المصلّى ذلك يتحقّق الامتثال بإتيان صلاة واحدة فيسقط الأمر.

نعم لو أخّر عمدا الى أن لا يتمكّن الّا الى جهة واحدة، فهل له الاكتفاء بالواحدة أم لا؟ فقد يقال: بوجوب الصلاة الى أربع جهات لكون تأخيره معصية و المفروض تمكّنه من الصلاة الى القبلة و لو قضاءا فتجب.

و لكن يمكن أن يقال بعدم اللزوم هنا أيضا فإنّه و ان أخّرها عمدا الّا أنّه امّا مأمورا بالصلاة المأمور بها أم لا؟ فعلى الأوّل لا وجه لعدم الكفاية بعد فرض كونها مأمورا بها، و الثاني مفروض العدم عند القائل بعدم الكفاية و أمّا مسألة العصيان و ان كان المشهور بين المتأخّرين ذلك الّا أنّه لا دليل عليه، فانّا لا نجد للعصيان وجها الّا كونه مخالفة للأمر، فبعد تأخيره امّا أن يدعى بتحقيقه بمخالفة الأمر الصلاتي فالمفروض عدم المخالفة بالنسبة إليها و امّا بمخالفة الأمر الآخر فالمفروض عدمه.

مسألة 4- لو تمكّن من الصلاة الى أزيد من جانب و أقلّ من أربع

فهل يجوز الاكتفاء بالصلاة الواحدة إلى الجهة الواحدة أم يجب بمقدار ما يتمكّن؟ وجهان بل قولان، قد يقال بعدم الوجوب زائدا على الجهة الواحدة لعدم وجوب المقدمة العلميّة لفرض سقوط وجوب ذيها و هو

______________________________

(1) جواب لقوله دام ظلّه: حيث انّا وجدنا إلخ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 23

العلم بإتيان الواجب لعدم التمكّن بالفرض فيسقط المقدّمة أيضا.

و هذا القول نشأ

من توهّم أنّ تحصيل العلم واجب مستقل غير أصل الواجب فيترتّب عليه ما ذكر و ليس كذلك بل الواجب الصلاة الى القبلة فبمقتضى حكم العقل تجب عليه إلى أربع جوانب إذا تمكّن و مع عدم التمكّن يحكم العقل بلزوم الإتيان مهما أمكن بحيث لو أخلّ بالمقدار الممكن و تصادف مخالفته للواقع لم يكن معذورا.

(و بعبارة أخرى) كما أن العقل يحكم في صورة عدم التمكّن الّا من جهة واحدة بتقدم ما هو راجح في نظره بحيث لو أتى بالمرجوح و خالف الواقع لا يستحق العقاب، فكذا إذا كان تحقّق الرجحان بإتيان الصلاة الى أزيد من جهة واحدة و لو لم يتمكّن من تحصيل العلم.

و الحاصل أن إتيان الصلاة الى الجهتين الممكنتين مثلا بالفرض أقوى احتمالا للمطابقة مع الواقع من الإتيان بالجهة الواحدة فيتعيّن بحكم العقل، فيتبين أنّ الأقوى وجوب الإتيان بمقدار التمكّن.

مسألة 5- هل يجب إتيان جميع محتملات الأولى كالظهر و المغرب أوّلا ثمّ بمحتملات الثانية
اشارة

كالعصر و العشاء أم يجوز الاكتفاء بإتيان الاولى ثمّ الثانية إلى تلك الجهة و هكذا الى أن يتم؟ وجهان (من) أنّ الثانية مترتّبة على الأولى فما لم يحرز الإتيان بالأولى لا يجوز الشروع في الثانية فكان مردّدا في توجّه التكليف بالثانية إليها.

(و بعبارة اخرى) أنّ الترديد في الأولى من جهة واحدة و هو الاستقبال، و في الثانية من جهتين، الاستقبال و حصول الترتيب، و الجهة الأولى بملاحظة عدم تمكّنه من العلم التفصيلي بها ساقطة بهذا المقدار و يكفى تحصيلها إجمالا، بخلاف الجهة الثانية فإنّه متمكّن منها

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 24

تفصيلا بأن يأتي بالأولى إلى تمام الجهات المحتملة، ثمّ بالثانية.

(و من) أنّ الترديد الحاصل من ناحية وجوب الترتيب لا يكون أزيد من الترديد الحاصل من ناحية تردّد القبلة، فإنّ الصلاة الأولى

مثلا ان كانت إلى القبلة كانت الصلاة الثانية أيضا إليها و يحصل الترتيب و الّا، فلا يصح الأولى أيضا و هكذا الى أن يأتي بها الى جميع الجهات المحتملة فيحصل له العلم بإتيان كلتيهما مترتّبتين إلى القبلة.

فمقتضى القاعدة هو الوجه الثاني و ان كان الأحوط هو الأوّل.

و قد يقال باستصحاب عدم وقوع الأولى قبل الإتيان بأربع جهات.

(و فيه) أنّه كان المراد بالاستصحاب ترتّب عدم جواز الشروع في الثانية ففيه انّه ليس حكما تكليفيّا حتّى يترتّب عليه، بل هو بمعنى عدم وقوع الثانية صحيحة على تقدير كونها هي القبلة و ان كان المراد من عدم وقوع الثانية عدم وقوع العصر فليس من آثاره الشرعيّة بل هو كحكم العقل بأنّه لم يحصل المترتّب عليه فتأمّل.

فروع
(الأوّل) بناء على ما قوينا الوجه الثاني لا يجوز الإتيان على نحو الاختلاف

بأن يأتي بالأولى مثلا إلى جهة و الثانية الى غير تلك الجهة لعدم إحراز الترتيب حينئذ.

(الثاني) بناء على ما قوينا سابقا من كون القبلة للبعيد هي الجهة المنطبقة على ربع الدائرة المحيطة بالكعبة

لا يلزم في مقام الإتيان بالصلاة إلى الجهات المتعدّدة ان تقع إلى نقطة واحدة، بل يجوز و لو كان منحرفا يسيرا في الجهة إلى إحدى الجهات، بل و كذا على القول الآخر في فرض الجهل بالقبلة أو الغفلة و النسيان فانّ المقام من قبيل الأوّل.

(الثالث) لو لم يتمكّن من إتيان الصلوات الثمانية،

فهل يرد النقص على الأولى أو الثانية أو التخيير؟ وجوه لا وجه للأخير نعرفه، نعم

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 25

الوجهان الأوّلان مبنيّان على أنّ الوقت المختصّ للعصر، هل هو في مقام عدم التمكّن بالعلم التفصيلي من إحراز الشرائط مقدارا يتمكّن معه إحرازها إجمالا، أم هو بمقدار أربع ركعات مطلقا، غاية الأمر سقوط اشتراط الاستقبال إذا لم يتمكّن؟ وجهان.

(ان قلت) يمكن أن يكون الوجه في التخيير إجمال رواية داود بن فرقد، الدالّة على وقت الاختصاص هل هو على الوجه الأوّل أو الأخير؟

(قلت): على تقدير الإجمال يرجع الى إطلاقات الأدلّة الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان الّا أنّ هذه قبل هذه فيحكم بوجوب تقديم الظهر.

و كيف كان فالأظهر لزوم إيراد النقص على الثانية، لأنّ المستفاد من مرسلة داود المتقدّمة في بيان الأوقات هو اختصاص مقدار أدائها شرعا بحسب الجعل الاوّلى و هو أربع ركعات في الحضر و اثنتان في السفر.

و لا فرق فيما ذكرنا بين التمكّن من أداء سبع صلوات مثلا لو كان المحتملات في جميع الجوانب، أو أقلّ حتّى لو تمكّن من أداء ثلاث صلوات يأتي بالظهر الى جهتين و بالعصر إلى جهة واحدة.

(الرابع) لو أتى بالصلاة إلى جهة أو جهتين ثمّ علم أو ظنّ أنّ ما أتى به كان الى القبلة معيّنا أو مردّدا

فلا يجب الإتيان ببقيّة الجهات قطعا، فهل يجب الإعادة أم لا؟ الظاهر لا، لأنّه لا يعتبر العلم بكون هذه الجهة حين العمل قبلة.

و توهّم أن قصد القربة غير متحقّق حين العمل فلا بدّ من الإعادة (مدفوع) بانّ قصد التقرّب يكفى فيه كون احدى هذه إلى القبلة و المفروض

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 26

أنّ ما قصده كان في ضمن هذه الصلاة أو الصلاتين.

مسألة 6- لا فرق فيما ذكرنا- من التكاليف في صورة العلم و الظنّ و التحيّر- بين الصلوات اليوميّة و غيرها

كالآيات و القضاء و المنذورة.

نعم يمكن أن يقال «1»: انّ صلاة الجمعة و العيدين، بل و الاستسقاء، خارجة عن حكم التحيّر و يكون التكليف فيه التخيير لأنّ وضع الصلوات المذكورة لا تقتضي تعدّد الصلوات.

مسألة 7- هل الحكم المذكور للمتحيّر في أصل الصلاة، جار في قضاء الأجزاء المنسيّة كالتشهّد و السجدة الواحدة أم لا

مثلا إذا علم بعد الفراغ من الرابعة أنّه نسي التشهّد في إحدى الصلوات الأربع، فإذا علم أنّه من الجهة المعيّنة بعينها قضاه الى تلك الجهة فقط.

و ان لم يعلم فهل يجب عليه أربع تشهّدات أم لا؟ وجهان مبنيّان على جريان قاعدة الفراغ و عدمه، (من) انّ العلم الإجمالي لا أثر له على تقدير كون المنسي في الجهات الثلاث الّتي تكون الى غير القبلة فهو غير منجّز على كلّ تقدير.

______________________________

(1) يمكن أن يقال: بعدم فرض التحيّر في الثلاثة الأولى، لأنّ المصلّي لها امّا الإمام عليه السلام أو نائبه الخاص أو العام، و على التقادير جهة القبلة معلومة لهم بحسب العادة و على تقدير فرض التحيّر لا وجه لإخراجه إلّا الاستبعاد، غاية ما يقال: انّ لها جهتين جهة سياسة اجتماعية و جهة عبادة و ذلك لا يقتضي خروجها عن قاعدة العلم الإجمالي المقتضى للتكرار فتأمّل.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 27

(و من) أنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على وجوب الإتيان إلى أربع جهات المؤيّدة لحكم العقل، وجوب إتيانها على ما هي عليها من الاحكام و المفروض أنّ منها تنجيز التكليف لو وقعت ظرفا للعلم و لا يبعد هذا الوجه «1».

نعم الإشكال في كيفيّة إتيان التشهّد المنسيّ إلى الجهات مع وقوع المنافي على تقدير كون المنسي من غير الأخيرة بما يكون منافيا عمدا و سهوا كالاستدبار فيشكل الحكم بصحّة الصلاة بمجز و إتيان التشهّد الى الجهات المتعدّدة.

فالأحوط الإتيان بثلاث صلوات و كفاية تشهّد واحدة،

لأنّ المنسي.

ان كان من الأخيرة فتصحّ الصلاة و تجزى واقعا ان كانت واقعة إلى القبلة الواقعيّة و الّا كانت احدى الصلوات الثلاث مجزية، و ان كانت من غير الأخيرة، فامّا ان يقع الفعل بين المنسي و المنسي منه بواحدة أو باثنتين أو بثلاث، و على كلّ تقدير تكون الصلاة واحدة كانت أم اثنتين أم ثلاث باطلة فلا حاجة حينئذ إلى ضمّ التشهّد للصلاة الباطلة فيكفي التشهّد الواحد و اعادة الصلوات الثلاث.

و أمّا سجود السهو فوجوب جريان حكم المتحيّر لا يخلو من شائبة إشكال، لأنّ أصل اشتراط الاستقبال فيها محلّ كلام و اشكال لعدم دليل واضح له، بل مقتضى قوله عليه السلام: يسجد سجدتي السهو هو أنّه يأتي بهما على حالته التي هو عليها من الاستقبال و الطهارة و سائر الشرائط في وجوب تسرية الحكم إلى صورة التحيّر غير معلوم الاعتبار، نعم

______________________________

(1) مضافا الى ما أفاده دام ظلّه يمكن أن يقال: انّ أدلّة قاعدة الفراغ منصرفة عن أمثال هذه الفروض.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 28

مراعاة الاحتياط مطلوبة.

و لا اشكال هنا في وجوب إتيان السجود إلى أربع جهات، لأنّ الفصل بينها و بين الصلاة غير مضرّ بصحّة الصلاة و لو كان عمدا.

مسألة 8- لو علم بعد الوقت أو قبله بعد إتيان الأربع بعدم صحّة إحديهما إمّا بترك الركوع أو السجدتين معا في ركعة واحدة،

فإن علم بعينها أعادها و الا ففي جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الصلاة الواقعيّة و عدمه وجهان (من) أنّ الشك بالنسبة إلى الصلاة الواقعيّة بدوي فيحتمل صحّتها فيجري قاعدة الفراغ و المفروض عدم تأثير العلم الإجمالي على تقدير كون ترك الركوع مثلا في تنجّز التكليف و (من) انّه يعلم بعدم إتيان ما هو وظيفته بحكم العقل.

(و بعبارة أخرى) لا يصدق عليه أنّه فرغ و مضى فلا يشمله قوله عليه السلام: كلّما مضى

من صلاتك و طهورك فامضه كما هو «1».

و قوله عليه السلام: (انّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه) «2».

و قوله عليه السلام: (هو حين العمل اذكر منه حين يشك) «3».

(و بعبارة ثالثة) كما أنّ العقل يحكم بلزوم إتيان الأربع أوّلا كذلك يحكم فعلا به، لعدم إحراز إتيان ما هو الواقع، و بالجملة قاعدة الفراغ حاكمة على الاستصحاب في صورة الشكّ في الإتيان لا بالنسبة إلى القطع بعدمه.

مسألة 9- لو أتى بواحدة من الأربع ثم شك بعد الإتيان،

في أنّه أتى إلى القبلة الواقعيّة أم لا يجب عليه الإتيان بثلاث صلوات إلى بقيّة الجهات الثلاث، و أمّا لو علم بعد إتيانها غافلا عن القبلة أنّه

______________________________

(1) الوسائل باب 42 حديث 6 من أبواب الوضوء، ج 1 ص 331.

(2) الوسائل باب 42 حديث 2 من أبواب الوضوء، ج 1 ص 331.

(3) الوسائل باب 42 حديث 3 من أبواب الوضوء، ج 1 ص 331.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 29

أتى إليها واقعا صحّت صلاته و ان كان لم يعلم حين الإتيان أنّه أتى بها الى القبلة الواقعيّة، لأنّه لا دخل للعلم بالقبلة في تحقّق الامتثال.

مسألة- 10- لو ظنّ القبلة إلى جهة فصلّى إليها ثمّ حصل له الظنّ إلى جهة أخرى

فهل يجب إعادة الأولى أم لا؟ وجهان مبنيّان على تحقّق الترتيب و عدمه (من) كون الإتيان بمقتضى الأمر الظاهري مجزيا فيحصل الترتيب (و من) ان الظنّ بأن الجهة الأخرى قبلة مستلزم للظن بعدم الإتيان بالأولى و هو امارة تعبّدا فيثبت لوازمه، فكما أنّه إذا حصل له العلم بكون المأتي بها الى غير القبلة فكذا في صورة الظن، فالأحوط لو لم يكن أقوى اعادة الاولى لإحراز الترتيب.

مسألة 11- لا إشكال في وجود المراتب الثلاث للامتثال في مسألة القبلة

(أحدهما) العلم التفصيلي (ثانيها) التحري (ثالثها) العلم الإجمالي، و لا إشكال أيضا في جواز الاكتفاء بالثاني عند عدم التمكّن من الأوّل، و عدم لزوم العمل بالعلم الإجمالي و في تقدم الأوّل على الثاني و أمّا تقدم الثاني على الثالث ففيه وجهان بل قولان قد مرت الإشارة إليهما.

إنّما الكلام و الاشكال في أنّه هل هنا مرتبة أخرى مقدمة على الأخيرين أم لا؟ كما قد يتراءى من كلمات جماعة من الفقهاء أنّه إذا لم يتمكّن من العلم التفصيلي يرجع الى الأمارات الشرعيّة أم لا؟

و التحقيق أن يقال: انّ ما قيل: أنّه أمارة شرعيّة كجعل الجدي خلفه أو بين المنكبين ليس فيه تعبّد شرعي، بل من باب أنّه أحد مصاديق ما يفيد الظنّ، مضافا الى عدم ورود خبر غير الجدي، فالتعبير بالرجوع إلى الأمارات الشرعيّة ليس في محلّه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 30

نعم قد يقال: بكون قبلة المسلمين، و محاريب مساجدهم و وضع قبورهم في مقابرهم من العلامات.

و لكن فيه أيضا أنّه ليس لنا دليل خاصّ تعبّدي بكونها أمارات شرعيّة، نعم في صورة الجهل، الأمور المذكورة تفيد الظنّ قطعا، و يتفرع عليه عدم تقدّمها على الظنّ الحاصل للمكلّف على خلافها فالمناط- في صورة عدم حصول العلم- حصول الظنّ بأيّ طريق.

فحينئذ

النزاع في أنّه إذا كان أخبار صاحب الدار مثلا مخالفا للظنّ الحاصل للمصلّي في غير ناحية الأخبار هل يلزم العمل بالأوّل أو الثاني أو التخيير فإنّه على ما ذكرنا يعمل بظنّه قطعا.

مسألة- 12- لا اشكال و لا كلام في وجوب الإعادة إذا صلّى منحرفا عن القبلة عمدا،
اشارة

و أمّا إذا انحرف عنها غير عامد ففيه تفصيل منشأه الأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام فلا بدّ من نقل بعضها أوّلا تيمّنا.

فنقول روى الصدوق عليه الرحمة، بإسناده، عن معاوية بن عمّار أنّه سئل الصادق عن الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا فقال له قد مضت صلاته و ما بين المشرق و المغرب قبلة «1».

و في الرواية جهات من البحث (الاولى هل المراد من السؤال كون السائل ظانا بالقبلة ثمّ بان خطأه أو يشمل ما إذا كان عالما بها فيرى خطأه أو يعلم النسيان و الغفلة أيضا.

(الثانية) هل المراد من الانحراف انحراف ما بين المشرق

______________________________

(1) الوسائل باب 10، حديث 1، من أبواب القبلة: ج 3 ص 288.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 31

و المغرب فقط كما هو ظاهر الجواب، بل صريح التعليل أم يحتمل شموله لهما و للاستدبار؟

(الثالثة) هل المراد من مضيّ الصلاة فضيلتها في الوقت و خارجه أم يختصّ بأحدهما، و حيث أنّ استقصاء البحث في الجهات المذكورة يتوقّف على ملاحظة الأخبار الواردة فلا بدّ من ذكرها أوّلا.

فنقول- بعون اللّٰه تعالى-: انّها على أقسام أربعة:

(الأوّل) ما يدل على وجوب الإعادة على من صلّى على غير القبلة مطلقا مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن قاسم بن الوليد، قال:

سألته عن رجل تبيّن له و هو في الصلاة أنه على غير القبلة، قال:

يستقبلها إذا ثبت ذلك و ان

كان فرغ منها فلا يعيدها «1».

و مثل ما رواه أيضا بإسناده، عن محمّد بن على بن محبوب عن أحمد، عن الحسين (بن سعيد- ئل)، عن فضالة عن ابان، عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال: إذا صلّيت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنّك صلّيت على غير القبلة فأعد صلاتك «2».

و مثل ما رواه الصدوق (ره) أيضا بإسناده إلى زرارة عن أبى جعفر عليه السلام، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لا تعاد الصلاة الّا من خمسة، الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود «3».

(الثانية) التفصيل بين التحري و عدمه بعدم وجوب الإعادة في الأوّل مطلقا و عدمه في الثاني مطلقا، مثل ما رواه محمّد بن يعقوب

______________________________

(1) الوسائل باب 10، حديث 3 من أبواب القبلة: ج 3 ص 228.

(2) الوسائل باب 9، حديث 1 من أبواب القبلة: ج 3 ص 227.

(3) الوسائل باب 21، حديث 3 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 32

الكليني (ره)، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في الأعمى يؤم القوم و هو على غير القبلة، قال: يعيد و لا يعيدون فإنّهم قد تحروا «1».

(الثالثة) التفصيل بين ما إذا كان الانحراف الى ما بين اليمين و اليسار و غيره بعدم وجوب الإعادة في الأوّل مطلقا و وجوبه في الثاني مطلقا، مثل صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة «2».

و موثقة عمّار، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام: رجل صلّى على غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: ان كان متوجّها فيما

بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و ان كان متوجّها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة «3».

و رواية حسين بن علوان المرويّة في قرب الاسناد، عن جعفر بن محمّد عن ابنه عن على عليهم السلام أنّه كان يقول من صلّى على غير القبلة و هو يرى أنّه على القبلة ثمّ عرف بعد ذلك فلا اعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق و المغرب «4».

(الرابعة) التفصيل بين الوقت و خارجه بوجوب الإعادة في الأوّل مطلقا و عدمه في الثاني مطلقا، مثل ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده عن عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام أنّه سئل الصادق عليه السلام عن رجل أعمى صلّى على غير القبلة، فقال: ان كان

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 7 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(2) الوسائل باب 10 حديث 1 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

(3) الوسائل باب 10 حديث 4 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

(4) الوسائل باب 10 حديث 5 منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 33

وقت فليعد و ان كان قد مضى الوقت فلا يعد، قال: و سألته عن رجل صلّى و هي مغيّمة ثمّ تجلّت فعلى أنّه صلّى على غير القبلة، فقال: ان كان في وقت فليعد و ان كان قد مضى الوقت فلا يعد «1».

و قريب منها ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه (تارة) بواسطة فضالة بن أيّوب (و أخرى) بواسطة أبان بن عثمان مع إسقاط صدر الحديث الراجع إلى الأعمى «2».

و لا يبعد أن يكون أصل الرواية

واحدة رواها الصدوق و الشيخ رحمهما اللّٰه، و حيث انّ رواية الصدوق مأخوذة من كتاب عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه بمقتضى اعترافه رحمه اللّٰه في أوّل كتابه الفقيه و تكون مشتملة على الزيادة فاللازم العمل بمقتضاها، و ليكن على ذكر منك ينفعك بعد (ان شاء اللّٰه).

و صحيحة يعقوب بن يقطين قال: سألت عبدا صالحا عن رجل صلّى في يوم غيم سحاب على غير القبلة ثمّ طلعت الشمس و هو في وقت أ يعيد الصلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة و ان كان قد تحرى القبلة بجهده أ تجزيه صلاته؟ فقال: يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا اعادة عليه «3».

و نظيرها مكاتبة محمّد بن الحصين عن العبد الصالح «4».

و رواية سليمان بن خالد، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام:

______________________________

(1) الوسائل باب 11، حديث 8 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(2) الوسائل باب 11، حديث 1، 5 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(3) الوسائل باب 11، حديث 2 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

(4) الوسائل باب 11، حديث 4 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 34

الرجل يكون في نفر من الأرض في يوم غيم فيصلّى لغير القبلة ثمّ يصبح فيعلم أنّه صلّى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال: ان كان في وقت فليعد صلاته، و ان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده «1».

و مثل ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن أبى بصير، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: الأعمى إذا صلّى لغير القبلة، فإن كان في وقت فليعد و ان كان قد مضى الوقت فلا يعد «2».

و عن النهاية لشيخ

الطائفة رحمه اللّٰه، قال: قد رويت رواية في انّ من صلّى الى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة «3» و هذا هو الأحوط و عليه العمل.

إذا عرفت هذا فنقول: لا إشكال في لزوم تخصيص الطائفة الأولى إنّما الكلام و الاشكال في كون المخصّص هو الطائفة الثالثة أو الرابعة بمعنى الحكم بالتفصيل بين الانحراف اليسير الغير البالغ الى اليمين أو الى اليسار و بين غيره فلا يجب الإعادة، سواء كان في الوقت أو خارجة أو الحكم بالتفصيل بين الوقت و خارجه ففي الوقت تجب الإعادة سواء كان الانحراف يسيرا أم كثيرا؟ وجهان بل قولان نسب الى صاحب الحدائق مستظهرا ذلك مضافا الى كونه مقتضى الجمع بين الأخبار المتعارضة من كلمات القدماء أيضا لأنّهم لم يذكروا في هذه المسألة الّا التفصيل بين الوقت و خارجه و لم يتعرّضوا لحكم الانحراف اليسير.

لكن يرد عليه (أوّلا) أنّ مقتضى الجمع العرفي هو العكس فإنّ

______________________________

(1) الوسائل باب 11، حديث 6 من أبواب القبلة: ج 3 ص 230.

(2) الوسائل باب 11، حديث 9 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(3) الوسائل باب 11، حديث 10 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 35

الظاهر خصوصا في صحيحة معاوية بن عمار «1» انّ علّة عدم وجوب الإعادة في الانحراف اليسير انّ ما بين المشرق و المغرب، امّا قبلة- بناء أعلى كون هذه الأدلّة واردة على أدلّة اشتراط الاستقبال أو بحكم القبلة- بناء على كونها حاكمة عليها.

و الحاصل انّ للحكم بعدم وجوب الإعادة في الانحراف اليسير خصوصيّة تعرف من الأخبار الدالّة على ذلك، و امّا بناء على ما ذكره صاحب الحدائق لا يكون

لهذه الخصوصيّة دخل في الحكم و هو ظاهر التفصيل و هذا بخلاف العكس، فإنّه يمكن أن يكون لعدم وجوب الإعادة علّتان، (أحدهما) كون الصلاة واقعة بين اليمين و اليسار الذي هو قبلة أو بحكم (القبلة (ثانيهما) خروج الوقت هذا كلّه في مقام الإثبات أمّا مقام الثبوت فيمكن أن يكون الوجه في عدم الوجوب في الانحراف كون ما بين المشرق و المغرب بالنسبة إلى البعيد الجاهل و المعتقد على الخلاف قبلة، و في خارج الوقت سقوط اشتراط الاستقبال لعدم قدرته على إحرازه حينئذ.

(و ثانيا) عدم تسلم عدم تعرض القدماء لتلك المسألة، فانّ مرادهم في قولهم: من صلّى على غير القبلة هو اليمين و اليسار و الاستدبار مثلا، لأنّ الانحراف الى ما بين اليمين و اليسار كان غير مضرّ في صدق القبلة أمّا مطلقا أو الجاهل و الغافل.

فتحصّل أنّ الأقوى عدم وجوب الإعادة في الانحراف اليسير و لو كان في الوقت.

هذا كلّه بالنسبة إلى الجهتين الأخيرتين من الجهات الثلاث التي

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 10، حديث 1 من أبواب القبلة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 36

أشرنا إليها.

و أمّا الجهة الأولى فالظاهر من رواية عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام- المرويّة بطريق الصدوق- «1» هو الاختصاص بمعقد الخلاف لا شمولها للغافل و الجاهل، لأنّه فرض السؤال في الصلاة في يوم غيم و هو ظاهر عدم تمكّنه من تشخيص القبلة على سبيل القطع فصلّى مجتهدا ظانّا و كان اجتهاده خطأ.

و كذا رواية يعقوب بن يقطين، بل صرّح في رواية سليمان بن خالد بذلك حيث قال عليه السلام: (و ان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده) «2».

و الحاصل أنّه لا يشمل الأدلّة صورة النسيان

و الغفلة كما سيأتي مفصّلا، لأنّها ظاهرة في خطإ اجتهاده، نعم لا فرق فيه بين الموجب للظنّ أو للعلم فتحصل أنّه ان كان انحرافه فيما بين المشرق و المغرب لا يجب الإعادة مطلقا و ان كان الى اليمين أو اليسار أو الاستدبار فبأنّ خطأه في الوقت يجب الإعادة و ان كان في خارجه لا تجب في اليمين أو اليسار.

و أمّا إذا كان الى الدبر فهل تجب الإعادة أم لا؟ قولان ذهب الى الأوّل الشيخ المفيد عليه الرحمة في المقنعة، و الشيخ الطوسي رحمه الهّٰل في التهذيب و الاستبصار و النهاية و المبسوط، و سالّار بن عبد العزيز في المراسم، و الشيخ ابن أبى المجد الحلبي في إشارة السبق، و الى (الثاني) السيّد المرتضى عليه الرحمة في الناصريّات، و ابن الجنيد من

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 11، حديث 8 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(2) راجع الوسائل باب 11 حديث 2 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 37

القدماء- على المحكي في المختلف، و ابن إدريس (ره) في السرائر، و المحقّق في المعتبر، و العلّامة في المختلف، و جماعة من المتأخّرين.

و يمكن أن يكون نظر القائلين بالأوّل إلى الرواية التي نقلها الشيخ عليه الرحمة بقوله: قد رويت أنّ من صلّى الى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة و هذا هو الأحوط و عليه العمل «1» (انتهى).

و إليها أشار السيّد (ره) و ابن إدريس (ره) أيضا، و عدم علمهما بناء على أصلهما لا يضرّ.

و مخالفة ابن الجنيد (ره)- مع أنّا لم نحرز مقدار فقاهته و اطلاعه بالأخبار، و مع عدم وجود الجوامع الأربعة عنده إلّا

الكافي، و مع وجود هذه بهذا المضمون الذي ذكره الشيخ (ره) في هذه الجوامع، غير مضرّة بعد عمل جمع من أصحابنا الفقهاء الذين يعتمد عليهم.

و الاشكال بأنّها مرسلة، مدفوع بانجبارها بعمل الأصحاب و لا يلزم في الانجبار، الاستناد كما قرّر في محلّه مع أنّ الشيخ (ره) قد استند في النهاية.

كما انّ الاشكال بمعارضتها لإطلاق الأدلّة الدالّة على وجوب الإعادة مطلقا على التفصيل المذكور، مدفوع أيضا بكونها أخصّ منها من وجهين (أحدهما) ظهور الخطأ بعد الوقت (ثانيهما) ظهور الاستدبار.

(بقي إشكال) و هو أنّ الشيخ رحمه اللّٰه في الخلاف و الاستبصار قد استدلّ لهذا الحكم برواية عمار- المتقدّمة- عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام «2» و لذا جعل المحقّق رحمه اللّٰه في المعتبر و العلامة رحمه اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 10 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231.

(2) راجع الوسائل باب 10 حديث 4 من أبواب القبلة: ج 3 ص 229.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 38

في المختلف هذه الرواية سندا لفتوى الشيخ (ره).

و كيف كان ففي الرواية وجهان (أحدهما) وجوب الإعادة كما هو ظاهر الشيخ (ره) في النهاية في أنّها رواية مستقلّة، و المفروض انجباره و عدم معارضتها فيجب العمل بمقتضاها (ثانيهما) عدم وجوبها لتصريح الشيخ رحمه اللّٰه في الخلاف و الاستبصار بل التهذيب- على الظاهر- بكون مستند الحكم رواية عمار المتقدمة.

قال في الخلاف: من اجتهد في القبلة و صلّى إلى واحدة من الجهات ثمّ بان له أنّه صلّى الى غيرها و الوقت باق، أعاد الصلاة على كلّ حال، و ان كان قد خرج الوقت فان كان استدبر القبلة أعاد الصلاة و في أصحابنا من يقول بعدم الإعادة (الى أن قال): و من

قال: لا اعادة عليه و ان صلّى الى استدبارها عوّل على عموم هذه الأخبار، و من قال:

يعيدها خصّها بما رواه عمّار الساباطي عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام (انتهى موضع الحاجة).

و قال في الاستبصار- بعد ذكر الأخبار المفصّلة و رواية عمر بن يحيى و معمّر بن يحيى الدالّتين على وجوب الإعادة مطلقا-: ما لفظه:

الوجه في هذين الخبرين أن نحملها على أنّه كان قد صلّى الى استدبار القبلة، فإنّه يجب عليه إعادتها، سواء كان الوقت باقيا أم منقضيا يدل على ذلك ما رواه محمّد بن يعقوب، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد ابن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن بن على بن فضال، عن عمرو ابن سعيد، عن مصدق بن صدقة عن عمّار الساباطي عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام و ذكر الرواية.

ثمّ أنّ المراد بالاستدبار هو مقدار الربع المقابل للقبلة و لا يختص

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 39

بالنقطة المقابلة لنقطة الجنوب كما قيل.

ثمّ أنّه قد يقال: بأنّه على تقدير كون عبارة النهاية رواية مستقلّة، يحمل على أنّه مع غير القبلة بقرينة رواية عمّار حيث أنّه قوبل فيها ما بين المشرق و المغرب، مع «1» دبر القبلة.

و فيه (أوّلا) عدم استقامة هذا الحمل في رواية عمّار (و ثانيا) عدم صحّة قياس عبارة النهاية عليها فإنّه قد صرّح فيها بالاستدبار و ليس فيها قرينة مقابلة.

فروع

لو صلّى الى غير القبلة ناسيا فهل تجب الإعادة مطلقا أو لا مطلقا أو التفصيل بين كونه ما بين المشرق و المغرب؟ وجوه أمّا إذا كان بين المشرق و المغرب فسيأتي فيه الكلام ان شاء اللّٰه تعالى و أمّا غيره (فتارة) يبحث فيه مع قطع النظر عن الأدلّة

الخاصّة (و اخرى) معه، (فعلى الأوّل) نقول: مقتضى القاعدة وجوب الإعادة لعدم أمر ظاهري من قبل الشرع كي يقتضي الاجزاء و المشروط يعدم عند انتفاء شرطه مطلقا الّا ما خرج بالدليل.

(ان قلت): يكفي في الدليل حديث الرفع الدالّ على رفع الآثار (قلت) أوّلا يمكن أن يقال باختصاصه برفع خصوص المؤاخذة كما أجاب بذلك العلّامة عليه الرحمة في المختلف (و ثانيا) نقول بعدم دلالته الّا على الآثار المترتّبة على الأمور الوجوديّة، فانّا و ان لم نقل باختصاصه برفع

______________________________

(1) متعلّق بقوله: قوبل.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 40

خصوص المؤاخذة بملاحظة أنّ المتبادر منه رفع الآثار بالنسبة إلى الأفعال التي مقتضى طبع المكلّف إتيانها بجميع شرائطها و أجزائها فإذا لم يأت بها كذلك فلا بدّ من أن يكون منشأ ذلك أحد الأمور الغير العاديّة من الخطأ و الجهل و الاضطرار و الإكراه و النسيان.

لكن لا ينافي ذلك عدم استفادة آثار الأمور العدميّة و المفروض فيما نحن فيه أنّه لم يأت بشي ء إلّا الأفعال الغير المعنويّة بعنوان الصلاة فلا وجه للتمسك بحديث الرفع.

توضيح ذلك أنّ المكلّف إذا طرأ عليه أحد الطواري من الخطأ و غيره امّا أنّ يفعل ما يلزم تركه أو يترك ما يلزم فعله (فعلى الأوّل) أمّا من يكون فعله مبغوضا ذاتيّا أو مفسدا لفعل آخر مشروط صحته بعدم هذا الفعل (و على الثاني) أيضا (امّا) ان يكون تركه مبغوضا ذاتيّا أو شرطا لصحّة فعل آخر مشروط صحّته بوجود هذا الشي ء فالأقسام أربعة.

فالأوّل كشرب الخمر، و الثاني كالتكلّم في الصلاة، و الثالث كترك الصلاة، و الرابع كترك بعض الأجزاء أو الشرائط فمعنى الرفع في (ما لا يعلمون) أنّ الأمور الوجوديّة التي إذا وجدت يترتب عليها

آثار في صورة العلم بها قد رفعت عند عدم العام امّا بنفسها أن كانت هي التكاليف من الوجوبات و التحريمات و بأحكامها ان كانت موضوعات ذات أحكام و في (اضطروا اليه) و (ما استكرهوا عليه) أنّ الأمور التي وجدت في الخارج و كان يترتب عليه آثار مع قطع النظر عن الاضطرار و الإكراه قد رفعت تلك الآثار معهما.

و الشاهد على ما ذكرنا وجود (ما) الموصولة التي هي إشارة إلى الموجود و هذا بخلاف النسيان، فان الظاهر بدلالة الاقتضاء رفع آثار

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 41

النسيان.

ففيما كان من قبيل القسمين الأوّلين فمعنى الرفع فيهما رفع آثاره التكليفيّة و الوضعيّة ان كانت، بخلاف الأخيرين فإنّه ليس لهما أثر تكليفي فإنّ ترك الصلاة نسيانا ليس له أثر إلّا استحقاق العقاب على ترك المنسي من حيث أنّه يمكن أن يعاقب عليه و لو لأجل وجوب الحفظ، و أمّا وجوب الإتيان فليس أثرا لهذا الترك، بل لأنّه لم يفعل ما أمر به، و كذلك ترك الصلاة لفقد أحد الأجزاء أو الشرائط ليس له الّا أثر واحد و هو عدم العقاب، و أمّا وجوب الإتيان ثانيا فليس من الآثار الشرعيّة كما لا يخفى بل التعبير بالإعادة مجاز.

نعم قد يقال: أنّ دخالة الجزء في الجزئيّة أو الشرط في الشرطيّة مرفوعة في صورة النسيان مثلا و فيه تأمّل.

(و ثالثا) على تقدير التسليم يخصّص صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السلام: لا تعاد الصلاة الّا من خمس، الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود «1» فانّ ظاهرها، الاختصاص بصورة النسيان لا عمومها للعمد و غير كما قيل و لا ظهورها للناسي و الجاهل مطلقا.

توضيحه انّ التعبير بالإعادة انّما هو

فيما إذا أتى بشي ء بمقتضى طبعه ثمّ بان له ترك شي ء من الأجزاء أو الشرائط بطروّ الطواري من السهو و غيره فعند ذلك يحسن السؤال عن وجوب الإعادة و عدمه، و يحسن بهما، و الّا فالعامد في الترك لم يأت بشي ء حتى يقال تجب الإعادة أو لا تجب، و كذا الجاهل بالجهل المركب.

نعم يمكن أن يستفاد منها أنّ الجاهل القاصر إذا ترك شيئا من

______________________________

(1) الوسائل باب 9، حديث 1 من أبواب القبلة: ج 3 ص 227.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 42

الأجزاء و الشرائط غير هذه الخمسة بحيث لا يحتمل شرطيّة غير ما أتى به حين العمل كان كالناسي على اشكال فيه.

فتحصل أن مقتضى القاعدة الأوّليّة و قاعدة لا تعاد وجوب الإعادة على ناسي القبلة.

نعم قد يقال بعدم الوجوب استنادا إلى رواية أبي بصير «1» و إطلاق رواية عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه «2» (و فيه) أنّه لا دلالة في رواية أبي بصير، و قد مرّ بيان عدم جواز التمسّك بإطلاق الثانية بعد احتمال كونها هي الرواية التي نقلها الصدوق (ره) الدالّة على اختصاص الحكم بما إذا اجتهد و أخطأ بمناسبة سؤاله عنه عليه السلام ذلك في عدم غيم (و بعبارة أخرى) التمسّك بالإطلاق انّما يصح فيما إذا أحرز الإطلاق ففي ما نحن فيه لم يحرز ذلك لما ذكرناه.

هذا كلّه فيما إذا كان الانحراف الى اليمين و اليسار.

و أمّا إذا كان فيما بينهما فظاهر قوله عليه السلام في صحيحتي زرارة و معاوية بن عمّار «3»، و كذا في رواية أبي هاشم الجعفري عن الرضا عليه السلام في كيفيّة الصلاة على المصلوب «4» أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة، شموله للناسي و

الغافل أيضا من باب العموم حتّى بالنسبة إلى العامد.

______________________________

(1) لاحظ الوسائل باب 11، حديث 9 من أبواب القبلة: ج 3 ص 231

(2) لاحظ الوسائل باب 11، حديث 3- 5- 8 من أبواب القبلة جلد 3، ص 231.

(3) لاحظ الوسائل باب 10 حديث 1، 2 من أبواب القبلة: ج 3 ص 228.

(4) راجع الوسائل باب 35 حديث 1 من أبواب صلاة الجنازة: ج 2 ص 12

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 43

و بهذا المضمون قد روى العامّة أيضا بسندين، عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و كذا في موّطإ ابن مالك، عن النافع، عن عمر روى بهذا المضمون و ان كانت الرواية الأخيرة مرفوعة لأنّ النافع يروى عن ابن عمر لا عن عمر فروايته عن عمر مرفوعة، و موقوفة أيضا لعدم اتصال السند الى المعصوم عليه السلام «1».

و لكن المقصود تأييد الروايات الخاصّة بها، و لكنّها بإطلاقها غير معمولة عند الأصحاب بل لم يتعرّضوا لهذه المسألة بخصوصها كما عن الحدائق، بل بناء على ما احتملنا في كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، من كون المراد من المشرق و المغرب مشرق أوّل الجدي و مغربه أيضا، لم يلتزم الأصحاب.

فالأوجه حملها بقرينة رواية عمّار المعمول بها عندهم- متأيّدة- برواية حسين بن علوان- المروية من قرب الاسناد «2» و برواية محمّد بن محمّد بن الأشعث، عن إسماعيل بن موسى بن جعفر، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن أبيه عليهم السلام «3»- على غير العامد.

و أمّا ما احتمله العامّة من أنّ المراد مشرق أوّل الجدي و مغرب أوّل السرطان ليوافق قبلة المدينة الطيّبة، فهو راجع الى عدم العمل بمضمون الحديث لعدم الشاهد لهذا

المعنى، مضافا الى أنّه من قبيل حمل كلام المعصوم على بيان الموضوع دون الحكم فكأنّه صلّى اللّٰه عليه و آله قال: ان أردتم أن تعرفوا قبلة المدينة الطيّبة فاعلموا إنّها واقعة

______________________________

(1) يعنى النبي صلى اللّٰه عليه و آله.

(2) الوسائل باب 10، حديث 5 من أبواب القبلة: ج 3 ص 229.

(3) المستدرك باب 7، حديث 1 من أبواب القبلة: ج 3 ص 184.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 44

بين مشرق أوّل الجدي و مغرب أوّل السرطان و هو كما ترى «1».

مسألة 13- لا إشكال في جواز التنفل في السفر راكبا الى غير القبلة،
اشارة

و كذا ماشيا كما لا إشكال في جوازه كذلك في الحضر أيضا.

و انّما الكلام و الاشكال في جوازه كذلك مستقرا على الأرض، سواء كان في السفر أو الحضر، و النص و الفتوى متطابقان في الأوّلين إلّا ما شدّ في الثاني، و أمّا الثالث فقد اختلفوا على قولين.

فقد نسب الى المشهور عدم الجواز و ان لم تتحقّق الشهرة، و قيل بالجواز فيه أيضا، بل هو المتراءى من كلام المحقّق عليه الرحمة في الشرائع و قد يتوهّم أنّ وجوب الاستقبال ينافي ندبيّة النوافل بنفسها (و فيه) أنّ الوجوب هنا يراد به الشرطي بمعنى أنّه هل يشترط في صحّتها أم لا لا التكليفي المستلزم للعقاب على الترك.

و قد يقال: بأنّ الأخبار الدالّة على جواز التنفل الى غير القبلة في حال عدم الاستقرار دالّة عليه في حال الاستقرار بطريق أولى (و فيه) ما لا يخفى.

و قد استدلّ لعدم الاشتراط بأمور

(أحدها) أصالة البراءة (و فيه) أنّ أدلّة البراءة غير جارية في المندوبات، أمّا الدليل العقلي لها فواضح لعدم العقاب قطعا على تركها كي يحكم بعدم الاشتراط بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، و أمّا النقلي فالظاهر أنّ مضمون تلك البراءة التوسعة على المكلّفين بعدم الوجوب أو الحرمة، و هي هنا حاصلة باعتبار جواز تركها رأسا.

______________________________

(1) يمكن أن يقال بوقوع نظيره في قوله عليه السلام ضع الجدي خلف المنكب الأيمن، فإنّه بيان لقبلة أهل العراق.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 45

(الثاني) أصالة العدم (و فيه) أنّه ان كان المراد منها أصالة البراءة الأصليّة الراجعة الى الأصل الأزليّ فلا دليل على اعتبارها، و ان كان المراد استصحاب عدم الاشتراط فالحالة السابقة غير محرزة.

(الثالث) الروايات الدالّة على جواز النافلة في جوف الكعبة دون الفريضة و ليس الّا

لعدم اشتراط القبلة فيها بخلاف الفريضة (و فيه) أنّ الأظهر جواز الفريضة في جوفها لما تقدّم من كفاية الاستقبال بالنسبة إلى جزء منها، و لذا يصح صلاة الفريضة على سطحها إذا بقي منه جزء يسير يستقبل اليه و لا يلزم الصلاة على نحو الاستلقاء ليكون محاذيا الى البيت المعمور.

(الرابع) إطلاق الروايات الواردة في جوازها أينما توجّهت (و فيه) أنّه لا إطلاق فيها، فإنّ أكثرها واردة في خصوص النوافل في السفر راكبا و بعضها في الحضر ماشيا.

و استدلّ للاشتراط بأمور أيضا (أحدها) توقيفيّة العبادات و لم يرد من الشرع جوازها كذلك (و فيه) أنّ توقيفيّة العبادات حتّى في الأجزاء و الشرائط بعد ثبوت أصلها، غير ثابتة فتأمّل.

(الثاني) قوله عليه السلام في الصحيحة: (لا تعاد الصلاة الّا من خمس)- و عدّ منها- القبلة فإنّه بإطلاقه يشمل النافلة أيضا (و فيه) أنّ التعبير بالإعادة مشعر بأنّ المراد ما له مقتض لها عند تخلّف بعض المذكورات «1».

(الثالث) عدم معهوديّة فعل النافلة بين المسلمين الى غير القبلة

______________________________

(1) مضافا الى أنّ الإعادة لا تطلق قطعا في النوافل المبتدئة فالدليل أخصّ من المدّعى كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 46

اختيارا (و فيه) أنّه لا دليل على الاشتراط، نعم هو دالّ على كونه أفضل الفردين.

(الرابع) قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: (لا صلاة الّا الى القبلة، قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة، فان صلّى في يوم غيم أو في غير الوقت يعيد) «1».

و قد أورد عليه بأمور

(الأوّل) انصرافها الى الفريضة (و فيه) أنّه لا انصراف لها لعدم مسبوقيّته بالسؤال.

(الثاني) ظهور ذيلها- و هو قوله عليه السلام (فان صلّى في يوم غيم إلخ)- في الفريضة فيوجب انصراف صدرها

إليه أيضا، لأنّ ظاهر قوله عليه السلام: (يعيد) هو الوجوب مع أنّ النافلة ليست كذلك (و فيه) أوّلا أنّ مجرد ظهور ذيل كلام في فرد خاصّ لا يوجب انصراف الصدر اليه فيعمل- بمقتضى الصدر- على إطلاقه و ان كان وجوب الإعادة مختصّا بالفريضة في صورة تخلّف الشرط (و ثانيا) أنّ قوله عليه السلام: (يعيد) يعنى بالإعادة على ما هي عليها ففي الفريضة تجب و في النافلة لا تجب.

(الثالث) أنّ المراد من قوله عليه السلام: (لا صلاة) نفى الافراد النوعيّة لا نفى الطبيعة و المفروض أنّه قد خرج نوع النافلة و لو في الجملة قطعا فلا يجوز التمسّك بعمومه بعد خروجه لعدم عموم له بالنسبة إلى أحوال تلك الأنواع و بالنسبة إلى أحوال أفراد تلك الأنواع، بل العموم بالنسبة الى الأفراد النوعيّة (و فيه) أنّ ظاهر (لا) الواقعة على الجنس نفى الحقيقة و الماهيّة بلحاظ انطباق الأفراد عليها معنى أنّ الأفراد الموجودة في الخارج لا تكون أفرادا لتلك الماهيّة الّا بأن تكون إلى القبلة

______________________________

(1) الوسائل باب 9، حديث 2 من أبواب القبلة: ج 3 ص 227.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 47

و توهّم أنّه حينئذ لا يمكن التخصيص «1» و قد خصّص بالنافلة في الجملة قطعا (مدفوع) بانّ نفى الطبيعة نفى أفرادها الخارجيّة بما هي تلك الطبيعة فلا مانع من ورود النفي على الطبيعة و يراد به نفى أفرادها و حينئذ فالتخصيص قد ورد على الأفراد لا الطبيعة كي يكون مناقضا لنفيها.

(ان قلت): قد قررتم في الأصول أنّ أداة النفي قد وضعت لنفى مدخولها، فلذا لا يمكن تقيده بقيد آخر غير المنفيّ الذي هو مدخول لفظة (لا) فلا يمكن أن يراد بقوله: (لا رجل

في الدار الرجل العالم) و استفادة القيد من دليل آخر و لازم ذلك عدم جواز تقيد قوله عليه السلام:

(لا صلاة إلخ) بالصلاة الغير النافلة لعين ما ذكرنا، و هذا بخلاف الإثبات، فلا مانع من تقييد قوله- مثلا-: (أعتق رقبة) بقوله- في دليل آخر: (أعتق رقبة مؤمنة) لاستعمال كل من المطلق في الموضوع له اللغوي.

(قلت): ما ذكرناه في الأصول لا ينافي ما هنا، فانّا قلنا هناك:

أنّ الفرق بين الإثبات و النفي احتياج الأوّل- في إثبات إطلاقه- إلى مقدمات الحكمة بخلاف الثاني، فإنّ أدوات النفي الداخلة على الجنس تدل بوضعها اللغوي عليه لا أنّها تكون صريحة و ناصّة في ذلك كي ينافي التخصيص فتأمّل جدا.

فالظاهر تماميّة الاستدلال بهذه الصحيحة لقول المشهور، فالأحوط ذلك لو لم يكن مراعاة الاستقبال في حال الاستقرار.

و أمّا في غير حال الاستقرار فيجوز تركه مطلقا سفرا كان أو حضرا،

______________________________

(1) الواو حاليّة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 48

ماشيا كان أم راكبا.

و لا يلزم الاستقبال حينئذ في حال تكبيرة الإحرام كما قيل استنادا الى ما رواه الشيخ (ره) بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن عبد الرحمن ابن أبى نجران، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل قال: إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثمّ كبر و صلّ حيث ذهب بك بعيرك، قلت: جعلت فداك في أوّل الليل؟

فقال عليه السلام: إذا خفت الفوت في آخره «1».

لأنّها محمولة على الاستحباب لتصريح الرواية الأخرى بعدم لزوم الاستقبال حتّى في حال التكبير مثل ما رواه الكليني (ره)، عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عبد اللّٰه بن مسكان، عن الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّٰه

عليه السلام عن صلاة النافلة على البعير و الدابّة؟ فقال: نعم حيث كان متوجّها و كذلك فعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، قلت: على البعير و الدابّة؟ قال: حيث ما كنت متوجها، قلت:

أستقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال: لا و لكن تكبّر حيث ما كنت متوجّها و كذلك فعل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله «2».

مسألة 14- لا يجوز صلاة الفريضة على الراحلة إلّا عند الضرورة
اشارة

و لا يسقط الاستقبال أيضا على تقدير الضرورة إليها إلّا في حال الضرورة كما أنّ في سائر الشرائط لا يسقط شي ء منها الّا عندها و الأخبار المستفيضة «3» المعمول بها دلّت على جوازها

______________________________

(1) الوسائل باب 15 حديث 13 من أبواب القبلة: ج 13 ص 241.

(2) الوسائل باب 5 حديث 6، 7 من أبواب القبلة: ج 3 ص 240.

(3) راجع الوسائل باب 15 و بعض أخبار باب 16 من أبواب القبلة: ج 3 صفحة: 239 الى 244.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 49

كذلك «1».

فروع

إذا صارت النافلة مفروضة بعنوان آخر طار عليها كالنذر و غيره أو الفريضة صارت مستحبّة كالمعادة، فهل يبقى حكمها على ما هي عليه (من) جواز الأوّل على الراحلة و لو اختيارا، و عدم جواز الثاني عليها في غير خال الضرورة؟ وجهان بل قولان فهنا مسألتان.

(الاولى) في حكم النافلة مثلا (الثانية) في حكم المعادة مثلا:

أمّا الأولى فقد يقال بتعارض روايتي عبد الرحمن بن أبى عبد اللّٰه عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام قال: لا يصلّى على الدابّة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة و يجزيه الكتاب و يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي ء و يومئ في النافلة إيماء «2» و عبد اللّٰه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: أ يصلّي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ فقال: لا الّا من ضرورة «3».

مع رواية على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، قال: سألته عن رجل جعل للّٰه عليه أن يصلّى كذا و كذا، هل يجزيه ذلك على دابّته و هو مسافر؟ قال: نعم «4».

______________________________

(1) يعنى عند الضرورة.

(2) الوسائل باب 14، حديث 1 من أبواب القبلة: ج

3 ص 236.

(3) الوسائل باب 14، حديث 4 من أبواب القبلة: ج 3 ص 236 و نحوه حديث 7.

(4) الوسائل باب 14، حديث 6 من أبواب القبلة: ج 3 ص 236.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 50

فإنّ «1» الأولى عامّة من حيث المفروض بالأصل أو بالعارض، خاصة من حيث عدم شمولها لغير حال الضرورة، و الثانية عامّة من حيث الضرورة و عدمها، خاصّة من حيث عدم المفروض بالأصل فيتقدم إطلاق الأوّلين عليها.

و يرد عليه (أوّلا) عدم إطلاق الأوّلين بالنسبة إلى المفروض بالعارض و (ثانيا) ضعفه بالنسبة إلى إطلاق الثالثة و عمومها للضرورة و غيرها (و ثالثا) اخصّيتهما منها لأنّه من الممكن كون حكم النافلة- و هو جواز إتيانها على الراحلة مطلقا اختيارا أو اضطرارا- معلوما عند على بن جعفر و كان سؤاله عن خصوص هذه المسألة المفروضة فأجاب عليه السلام بجريان حكم النافلة بعد عروض الوجوب أيضا.

و يؤيّدها ذكرناه أنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على عدم جواز إتيان الفريضة في غير حال الضرورة على الراحلة هو الطبائع التي هي أوّلا و بالذات فريضة (و بعبارة أخرى) هذا الحكم من ضروريّات هذه الطبيعة بأي عنوان كان، كما أنّ حكم النافلة ترتّب على نفس الطبيعة التي معنونة أوّلا و بالذات بالنافلة و ان صارت بالعرض فريضة.

و يؤيّده أيضا أنّ عنوان الفريضة في المسألة المفروضة لا يحمل على النافلة بما هي صلاة، بل بما انّ العمل بالنذر واجب فصارت مصداقا له «2» و ظاهر الأدلّة الدالّة على عدم جواز الفريضة على الرّاحلة اختيارا هو أنّ الفريضة بما هي صلاة مفروضة بعنوان الأوّليّة الذاتيّة، حكمها كذا و كذا مثلا و كذا القول في طرف النافلة.

______________________________

(1) بيان التعارض.

(2) الواو الحاليّة.

تقرير

بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 51

فلا يبعد القول بان حكم النافلة المنذورة حكم مطلق النوافل.

لكنّ الأحوط عدم إتيانها في غير حال الضرورة على الراحلة.

و قد يقال بضعف سند رواية على بن جعفر بوجود أحمد بن محمّد العلوي و لم يرد توثيق في حقّه (و فيه) أنّ الرواية قد نقلت بسندين (أحدهما) صحيح «1».

و بما ذكرنا أخيرا يظهر حكم المسألة الثانية أعني صلاة المعادة فإنّ الظاهر بقاء حكمها و هو عدم جواز إتيانها على الراحلة إلّا للضرورة «2».

الحمد للّٰه أوّلا و آخرا و ظاهرا و باطنا اللّٰهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد مورخة 24 ربيع الأوّل 1370 ه ق و لنذكر ان شاء اللّٰه بحث الستر و الساتر و أحكام لباس المصلّى ان شاء اللّٰه تعالى و اللّٰه العالم بحقائق الأمور أقلّ الطلبة على پناه اشتهاردى

______________________________

(1) هكذا قال سيّدنا الأستاذ مدّ ظله و لكن لم نجد سندا آخر لها بعد التتبع في مظانه فتتبع و اللّٰه العالم.

(2) الى هنا استفدته أيضا من مجلس بحث سيّدنا الأستاذ الأكبر الآية البروجردي أدام اللّٰه بركات وجوده.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 52

فصل في الستر و الساتر و لباس المصلّي

اشارة

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم الحمد للّٰه ربّ العالمين، و الصّلاة و السّلام على خير خلقه محمّد و آله الطّاهرين، و لعنة اللّٰه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين.

اللباس على قسمين: ستر و غير ستر، و الكلام في الأوّل، اما في مقدار ما يجب على الرجل أو المرأة، و كلّ منهما اما ان يبحث في حكمه التكليفي أو الوضعي بمعنى اشتراطه في صحة الصلاة.

فهنا أربع مسائل

(الأولى): في مقدار الستر الذي يجب على الرجل تكليفا.

و القدر المتيقّن المتّفق عليه بين العامّة و الخاصّة هو ستر العورتين المعبّر عنهما في آية الغضّ ب (الفروج).

نعم المشهور بين العامة وجوب ستر ما بين السرّة و الركبة، و عن ابن حنيفة: وجوب ستر السرّة و الركبة.

لكن المشهور بين الإمامية هو الاقتصار على وجوب ستر العورتين

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 53

و هو الموافق لظاهر قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ «1» فان الفروج و ان لم يكن معناها اللغوي هو القبل و الدبر لكن العرف يفهمون ذلك.

و إطلاق الآية يشمل وجوب الحفظ عن الصغير و الكبير و الرجال و النساء بل المجانين إذا ميّزوا العورة عن غيرها، و مع عدم التميز أصلا فحكمه حكم الصبي الغير المميّز في عدم وجوب التحفظ عنها.

كما ان إطلاقها يشمل العلم بوقوع نظر الغير إليها أو الظن بل و الاحتمال و بالجملة شامل لكل ما كان معرضا لوقوع نظره إليها.

نعم لا بأس بكشفها مع العلم بعدم بوقوع نظر الناظر المحترم فان ظاهر الآية الشريفة و ان كان شمولها لصورة العلم بالعدم أيضا الّا انها بضميمة قوله عليه السلام في بعض الروايات: كلّ ما في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا

الّا هذه الآية فإنها للحفظ من أن ينظر إليها «2» تصير مختصة بصورة وقوع النظر إليها و لو كان بنحو المعرضية.

فما عن الجواهر من وجوب الستر إذا كان الاحتمال مرجوحا، محلّ نظر فان المناط على ما ذكرنا انه المستفاد من الآية كونها معرضا لوقوع نظر الغير سواء كان علما أو ظنا أو احتمالا متساويا أو مرجوحا و لا فوق أيضا بمقتضى إطلاقها بين ما يستر العورة به من اللباس و غيره من الطين و الورق.

و ما عن بعض العامة من وجوب ستر العورة مطلقا و لو مع العلم بعدم وقوع النظر استنادا الى وقوع نظر الملائكة و الجنّ، فلا دليل له

______________________________

(1) سورة النور، الآية: 30.

(2) الوسائل باب 1 حديث 3 من أبواب أحكام الخلوة ج 1 ص 212.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 54

بل ظاهر الآية دليل عليه كما لا يخفى.

هذا كلّه بالنسبة إلى وجوب الستر، اما بالنسبة إلى حرمة النظر إليها، فعن الأخفش «1» أن (من) في (من أبصارهم) زائدة، و ردّ بأن زيادة من في الإثبات شاذة فلا تحمل الآية عليها، فهي تبعيضية، فامّا ان يكون المراد هو التبعيض في الإبصار أو المبصر، فان كان الأوّل يكون المعنى: غضّوا بعض أبصاركم، فيكون كناية عن الابصار العمدي و على الثاني يكون المعنى: غضّوا أبصاركم عن بعض المبصرات، (فامّا) ان تحمل بقرينة الجملة الثانية أعني (وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) على الغض عن العورة و هو مقتضى البلاغة أيضا، (و اما) ان تصير مجملة مع قطع النظر عن الروايات، و على اىّ تقدير تكون ناصّة في حرمة النظر الى العورتين.

(الثانية): في مقدار وجوب الستر على المرأة،
اشارة

و البحث أيضا في مقامين: الأوّل في حرمة الكشف على المرأة، الثاني: في حرمة النظر

على الرجل.

قال اللّٰه تعالى وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبٰائِهِنَّ أَوْ آبٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ

______________________________

(1) يطلق على ثلاثة من كبار علماء النحو: الأوّل: أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد الهجري أستاذ سيبويه و الكسائي و أبي عبيدة و كان تلميذ أبي عمرو بن العلاء و كان إمام أهل العربية و لقي الأعراب و أخذ عنهم و هو أوّل من فسّر الشعر كل بيت، و هو الأخفش الأكبر (و الثاني) أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البخلى صاحب المصنفات تلميذ الخليل و هو الأوسط، (و الثالث) أبو الحسن على بن سليمان و هو الأصغر، و الأخفش إذا أطلق فهو الأوسط (الكنى و الألقاب ج 3 ص 16).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 55

أَوْ أَبْنٰائِهِنَّ أَوْ أَبْنٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوٰانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوٰانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوٰاتِهِنَّ أَوْ نِسٰائِهِنَّ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ أَوِ التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلىٰ عَوْرٰاتِ النِّسٰاءِ، وَ لٰا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَ تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. «1»

وجه دلالة الآية على الحكمين أعني حرمة كشف العورة و حرمة نظر الغير إليها: ما تقدم في الآية الاولى، و اما دلالتها على حرمة كشف ما عدا العورة: (فتارة) يبحث في مدلول نفس الآية الشريفة (و اخرى) بضميمة غيرها من الآيات الأخر (و ثالثة) بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها، و غيرها.

فنقول: معنى قوله تعالى لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا حرمة إبداء الزينة مطلقا الّا الزينة الظاهرة

بنفسها كالثياب التي يلبسنها فوق الألبسة كالإزار «2» و الملحفة «3» و نحوهما ممّا يعبّر عنه بالفارسية ب: چادر.

و لما كان المتعارف بين العرب- كما لعله الآن أيضا- ظهور

______________________________

(1) سورة النور، الآية: 31.

(2) و قد تكرر في الحديث ذكر الإزار بالكسر (الى ان قال): و في كلام البعض من أهل اللغة: الإزار بالكسر شامل لجميع البدن (مجمع البحرين).

(3) الملحفة بكسر الميم و فتح الحاء المهملة واحدة الملاحف التي يلتحف و منه الحديث المرأة بدرع و ملحفة (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 56

الجيب و مقدار من الصدر و كان قوله تعالى إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا شاملا لجميع ذلك نبّه سبحانه بقوله تعالى وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ على حرمة كشف «1» ذلك عليهنّ.

و اما تكرار قوله تعالى وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ فلأجل انّ الأوّل في مقام بيان ما يجب ستره عليهنّ، و الثاني في مقام بيان من يجب سترهنّ عنه.

فتحصل: ان المستفاد من ظاهر الآية الشريفة هو وجوب ستر كلّما يصدق عليه الزينة سواء كانت باطنة كالكحل و السوار و الخضاب أو ظاهرة كالثياب الّا ما ظهر.

و اما الوجه و الكفّان

فلا دلالة فيها على جواز كشفهما، نعم قد ورد في تفسير قوله تعالى مٰا ظَهَرَ أمران:

(أحدهما): ما عن ابن مسعود و هو الثياب الظاهرة و الكحل و السوار.

(ثانيهما): ما عن ابن عباس و هو الوجه و الكفان.

و قد ورد بطريق الخاصّة أيضا عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ما يوافق كلا التفسيرين «2» لكن التفسير الأوّل مؤيّد بأمور:

(أحدهما): قوله تعالى وَ لٰا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ حيث أطلق سبحانه على ما يظهر بضرب الأرجل على

______________________________

(1) متعلّق بقوله: (نبّه).

(2) الوسائل باب 109

من أبواب مقدمات النكاح ج 14 ص 145.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 57

الأرض الزينة، فإنه من المعلوم ان ما يظهر بضربها عليها ليس الّا الثياب.

(ثانيها): قوله تعالى أيضا يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ الآية «1» حيث أمر سبحانه نبيّه بان يقول لهنّ: ادنين جلابيبكن.

و عن الزمخشري في الكشاف: يقال للمرأة: أدنى عليك ثوبك يراد به أرخيه و اسدليه، و لفظة (ادنى) إذا تعدت بنفسه معناها الدنو و القرب، و إذا تعدت ب (على) يكون معناها الإرخاء و الإسدال و المعنى حينئذ: يحب عليهنّ إسدال الجلباب، و لا فائدة في هذا الإسدال إلّا ستر الوجه.

و وجه التأييد انّه موافق لما نقل عن ابن مسعود «2» فان تفسيره لا ينافي وجوب ستر الوجه بخلاف ما نقل عن ابن عباس «3».

(ثالثها): قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «4» و قد فسر الزينة التي يجب أخذها باللباس، و المسجد كناية عن الصلاة و المعنى- بناء عليه- صلّوا ساترا لا عاريا.

فتحصّل ان ما نقل عن ابن مسعود مؤيد بالآيات الأخر، مضافا الى كون كشف الوجه مستنكرا عرفا فكأن ما نقل عن ابن عباس معرض عنه

______________________________

(1) سورة الأحزاب، الآية 59.

(2) المفسر للزينة بالثياب الظاهرة و الكحل و السوار.

(3) المفسر لها بالوجه و الكفين.

(4) سورة الأعراف، الآية: 31.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 58

عند العرف.

هذا كلّه في المستفاد من الآيات اما مطلقا أو بضميمة تفسيرها في الجملة.

و اما الروايات فننقل ما دلّت على ان المرأة عورة

و العورة- و لو بملاحظة ظاهر الحمل- شاملة لجميع بدن المرأة فنقول- بعون اللّٰه تعالى-:

قال العلّامة: جسد المرأة البالغة الحرّة عورة بلا خلاف بين كلّ من يحفظ عنه العلم لقول النبي

صلّى اللّٰه عليه و آله: المرأة عورة، رواه الجمهور، و قال الترمذي «1» أنّه حديث حسن، (انتهى).

و روى الكليني عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: النساء عيّ و عورة فاستروا العورة بالبيوت و استروا العيّ بالسكوت «2» و روى الشيخ في المجالس، عن جماعة، عن أبى المفضل، عن جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن، عن موسى بن عبد اللّٰه الحسنى عن جدّه موسى بن عبد اللّٰه، عن أبيه، عبد اللّٰه بن الحسن و عمّه إبراهيم و الحسن ابني الحسن، عن أمّهم فاطمة بنت الحسين، عن أبيها، عن جدّها على بن أبي طالب عليه السلام عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله

______________________________

(1) صحيح الترمذي ج 1 باب 18 من أبواب الرضاع عن عبد اللّٰه عن النبي صلى اللّٰه عليه [و آله] و سلّم قال: المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، هذا حديث حسن صحيح غريب (انتهى).

(2) الوسائل باب 24 حديث 4 من أبواب مقدمات النكاح ج 14 ص 43.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 59

قال: النساء عيّ و عورات فداووا عيّهنّ بالسكوت و عوراتهنّ بالبيوت «1».

و روى الكليني، عن على بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تبدءوا النساء بالسلام و لا تدعوهنّ بالطعام فإنّ النبي صلى اللّٰه عليه و آله قال: النساء عيّ و عورة، فاستروا عيّهنّ بالسكوت و عوراتهنّ بالبيوت «2» و عن عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد، عن سماعة

بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: اتقوا اللّٰه في الضعيفين، يعنى بذلك اليتيم و النساء، و انما هنّ عورة «3».

و عنهم، عن احمد بن محمد بن خالد، عن نوح بن شعيب رفعه قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: كان علي بن الحسين إذا أتاه ختنه على ابنته أو على أخته بسط له رداء ثم أجلسه، ثم يقول: مرحبا بمن كفى المؤمنة و ستر العورة «4» و في المستدرك: الجعفريات: أخبرنا محمد، أخبرنا موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده على بن الحسين، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: النساء عورة فاحبسوهنّ بالبيوت و استعينوا عليهنّ بالعرى «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 24 حديث 6 من أبواب مقدمات النكاح ج 15 ص 43.

(2) الوسائل باب 31 حديث 6 من أبواب مقدمات النكاح ج 15 ص 173.

(3) الوسائل باب 88 حديث 2 من أبواب مقدمات النكاح ج 15 ص 121.

(4) الوسائل باب 24 حديث 3 من أبواب مقدمات النكاح ج 15 ص 42.

(5) المستدرك ج 2 باب 21 حديث 1 من أبواب مقدمات النكاح ص 536.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 60

و بهذا الاسناد عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام: ان فاطمة بنت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله دخل عليها علي عليه السلام و به كآبة شديدة فقالت: ما هذه الكآبة؟

فقال: سألنا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن مسألة لم يكن عندنا جواب لها.

فقالت: و ما المسألة؟

قال عليه السلام: سألنا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن المرأة ما هي؟

قلنا: عورة.

قال صلى اللّٰه عليه و آله: فمتى

تكون أدنى من ربّها؟ فلم نعلمه.

قالت: ارجع اليه فأعلمه ان ادنى ما تكون من ربّها ان تلزم قعر بيتها، فانطلق فأخبر النبي صلى اللّٰه عليه و آله، فقال: ما ذا من تلقاه يا علي، فأخبره ان فاطمة أخبرته، فقال: صدقت فاطمة بضعة منّي.

و رواهما السيد فضل اللّٰه الراوندي في نوادره بإسناده عنه صلى اللّٰه عليه و آله «1».

دعائم الإسلام عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله انه قال: اتقوا اللّٰه في النساء، فإنهنّ عيّ و عورة و انكم استحللتموهنّ بأمانة اللّٰه و هنّ عندكم عوان فادرأوا عيّهنّ بالسكوت و واروا عوراتهنّ بالبيوت «2»، (انتهى ما في المستدرك).

______________________________

(1) المستدرك باب 21 حديث 2 من أبواب مقدمات النكاح ج 2 ص 536.

(2) المصدر، الحديث 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 61

و بالجملة كون النساء عورة ممّا اتّفق عليه الكلّ، و لذا تمسكوا في مسألة وجوب ستر المرأة بدنها- الّا ما استثنى- بهذا الحديث المروي عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله بطريق العامة، و قد سمعت قول العلّامة في المنتهى حيث قال: و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم.

فضعف السند- ان كان- مجبور بعمل الأصحاب و تمسكهم به بالخصوص هذا من حيث السند.

و اما من حيث الدلالة، فالظاهر المتبادر من لفظة (العورة) بما هي، السوأتان، و ان كان معناه اللغوي كلّما يستحيى منه، لكن المعنى العرفي مقدم على المعنى اللغوي عند الإطلاق و هنا قد حملت لفظة العورة على المرأة فيراد أحد المعاني الثلاثة:

(اما) التشبيه البليغ و هو مشاركة المشبّه به للمشبّه في أشهر أوصافها على نحو شديد و هو هنا وجوب التستر، فكأنها لشدة هذا الحكم فيها صارت كأنّها نفس العورة، فكما انّ

العورة يجب سترها فكذا المرأة، و بعبارة أخرى: الأحكام الثابتة للسوأتين ثابتة لها فإنها عورة أيضا، (و اما) لكونها ذات عورة فسمّى الجزء باسم كلّه.

(و اما) لكونها ذات عورة فسمّى الجزء باسم كلّه.

(و اما) لكونها يستحيى منها لا من وجودها بما هي هي، بل لاحتفافها بحركات أو أفعال يستحيي منها فكان الاستحياء منها.

لكن يرد على الثاني: انه خلاف الظاهر، بل لا وجه لهذا الكلام أصلا، فإن كونها ذات عورة لا يختص بها، بل الرجل أيضا كذلك فتخصيصها بهذه الخصوصية لغو.

و على الثالث: انّه سبك مجاز من مجاز فإنه تجوّز أوّلا بحمل العورة عليها ثم تجوّز انها باعتبار اشتمالها على أفعال و حركات يستحيى منها فكان الاستحياء منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 62

مضافا الى كون أفعالها و حركاتها يستحيى منها ممنوع فحينئذ يتعيّن الأوّل أعني إرادة التشبيه البليغ.

و الحاصل ان هذا الحديث يدلّ بظاهره على كون المرأة بتمام بدنها عورة فإخراج بعض المواضع يحتاج الى دليل، و خروج الوجه و الكفين في خصوص الصلاة لا يستلزم ذلك، فان المخرج هناك في شرطيتها لصحة الصلاة كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى، و هنا في عدم وجوب التستر، بل كون الوجه منشأ لتحريك الشهوة حين النظر إليه أتم تحريك بل توجّه ذوي الشهوة إليه أكثر كما لا يخفى.

فهذا الحديث أقوى ما يستدلّ به على وجوب ستر المرأة جميع بدنها حتى الوجه.

(ان قلت): قوله عليه السلام في بعض تلك الأخبار المتقدمة:

(فاستروا عوراتهن بالبيوت) مع عدم وجوب ابقائهن في البيوت دليل على عدم وجوب سترهن أيضا، بل هو حكم استحبابي و لا سيّما قد فرع على كونهن عورة الأمر الاستحبابي مع كون تفريع الأمر الوجوبي أولى كما لا

يخفى.

(قلت): تجويز مرتبة من الستر، لا ينافي حرمة مرتبة اخرى فوقها و ثبوت عدم وجوب ابقائهنّ في البيوت لا يلازم عدم وجوب سترهن أصلا بل هذا التفريع أيضا دليل على ما ذكرنا لان المعنى انكم لم تقدروا ان تستروا عوراتهن في جميع الحالات و الأزمان لاشتغالكم بالكسب و التجارة لتنظيم أمر المعاش، و لكن تقدرون على سترهن بالبيوت بان تأمروهنّ أن يلزمن البيوت كي يسترن و يحفظن من العاهات و الآفات.

و يؤيّد ما ذكرناه بل يدلّ عليه ما في المجمع للطبرسي- ره- في

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 63

سورة النور بعد قوله تعالى وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنٰاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجٰاتٍ بِزِينَةٍ «1» فإنه قال: اى غير قاصدات بوضع ثيابهن إظهار زينتهنّ، بل يقصدن به التخفيف عن أنفسهنّ فإظهار الزينة في القواعد و غيرهن محظور.

و اما الشابات فإنّهنّ يمنعن من وضع الجلباب و الخمار و يؤمرن بلبس اكثف الجلباب لئلّا تصفهن ثيابهنّ ثم قال: و قد روى عن النبيّ صلّى الهّٰر عليه و آله: انّه قال للزوج ما تحت الدرع و للابن و الأخ ما فوق الدرع، و لغير ذي محرم أربعة أثواب: درع «2» و خمار «3» و جلباب «4» و إزار «5» (انتهى).

وجه التأييد أو الدلالة ان ظاهر هذه الرواية انّ المرأة تحتاج إلى أربعة أثواب:

(فالدرع): ما يستر من المنكب الى القدمين.

______________________________

(1) سورة النور، الآية: 60.

(2) درع المرأة قميصها (مجمع البحرين).

(3) قوله تعالى وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ الى مقانعهنّ جمع خمار و هي المقنعة سميت بذلك لأن الرأس يخمّر بها أي يغطى و كلّ شي ء غطيته فقد خمرته (مجمع البحرين).

(4) قوله تعالى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ

مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، الجلابيب جمع جلباب و هو ثوب واسع أوسع من الخمار و دون الرداء تلويه المرأة على رأسها و تبقى منه ما ترسلها على صدرها، و قيل: الجلباب الملحفة و كلّ ما يستتر به من كساء أو غيره، (مجمع البحرين).

(5) و في كلام البعض من أهل اللغة: الإزار بالكسر ثوب شامل لجميع البدن (مجمع البحرين).

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 64

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 64

(و الخمار): ما يستر الرأس و الشعر و العنق و الأذنين و ما حاذاهما.

(و الجلباب): ما يلفّ على الرأس.

(و الإزار): ما يستر من الرأس إلى القدم.

و بضميمة الآية المتقدمة، و هي قوله تعالى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، يثبت ان هذه الأثواب الأربعة تستر جميع بدنها و هو الموافق لكونها عورة كما تقدم.

هذا كلّه مضافا الى ارتكاز ذلك بين المسلمين بحيث يرى مستنكرا عندهم.

و لعله لذا لم يرد في خصوص وجوب ستر الوجه و حرمة كشفه من الأصحاب و الأئمة عليهم السلام سؤالا و جوابا، فان بناء الأصحاب في نوع الاحكام على السؤال عمّا لا يدل عليه ظاهر القرآن الكريم أو اختلف فيه العامة.

و الاستدلال على جواز الكشف بسيرة المسلمين في صدر الإسلام ناش من عدم التتبع في أحوالهم قبل نزول آية الحجاب أو بعده.

فإن آية الحجاب قد نزلت في مقارب السنة الثامنة من الهجرة و لم يعلم كون حالهم بعد نزولها كحالهم قبل نزولها.

بل في بعض ما يدلّ على كمال احتجابهم، كما عن أم سلمة زوجة النبي صلى اللّٰه عليه

و آله انها كانت عنده صلى اللّٰه عليه و آله حفصة و ميمونة، فدخل ابن أم مكتوم و كان اعمى فأمرهما صلى اللّٰه عليه و آله بالاحتجاب، فقالتا: إنّه أعمى، فقال: أ فعمياوان أنتما؟ أ لستما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 65

تبصرانه؟ قالت أمّ سلمة: ان هذا كان بعد نزول آية الحجاب «1».

و يؤيد ما ذكرنا أيضا الأخبار الدالة على انه لا ينبغي للمرأة ان تنكشف عند اليهودية و النصرانية معللا ذلك بأنهنّ يصفن لأزواجهن «2» فإنها مشعرة بأنّ إطلاق الرجال على عورات النساء قبيح فاللازم تسترها حذرا من ذلك.

هذا كلّه في الوجه و الكفين أو القدمين أيضا على وجه.

و اما وجوب ستر ما عداها فهو من المسلمات بين جميع فرق الإسلام

و المسلمين بل هو من ضروريات الإسلام بحيث يعدّ من تفوّه بجوازه خارجا عمّا جاء به النبي صلى اللّٰه عليه و آله و معارضا له صلى اللّٰه عليه و آله في أصل الرسالة.

فما تعارف في زماننا هذا «3» من التكشّف بحيث يرى العضد و الساق و الصدر بل و الفخذ من المرأة بمرأى و منظر من الناس، فهو خارج عن العمل بقانون الإسلام، أعاذنا اللّٰه من تسويلات الشيطان من الانس و الجان.

و اما الأمر الثاني: و هو عدم جواز النظر الى وجه الأجنبية مطلقا

سواء كان مع الريبة و عدمها، فالأخبار الدالّة عليه كثيرة جدا «4» حتى

______________________________

(1) الوسائل باب 119 حديث 14 من أبواب مقدمات النكاح، الى قوله: تبصرانه، ج 14 ص 172.

(2) الوسائل باب 98 من أبواب مقدمات النكاح ج 14 ص 132.

(3) و هو من سنة 1314 من الهجرة الشمسية إلى سنة 1357 منها طلوع حكومة الجمهورية الإسلامية.

(4) الوسائل باب 104 الى باب 113 من أبواب مقدمات النكاح ج 14 ص 138 الى 149.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 66

ورد انّه زنا العين حتى لو قيل بعدم وجوب ستر المرأة وجهها فهو لا ينافي القول بحرمة النظر، فإنه لا ملازمة بينهما كما في الرجال حيث لا يجب عليهم التستّر مع حرمة النظر عليهنّ الى أبدانهم.

و هل الوجه على تقدير جواز الكشف و النظر هو الوجه الواجب غسله في الوضوء

أم موكول الى العرف؟ وجهان، بل قولان.

(الثالثة): في وجوب الستر على الرجل بمعنى كونه شرطا لصحة الصلاة

دون الوجوب التكليفي لو لم يكن هناك ناظر محترم.

و قبل بيان مقدار الستر لا بدّ من بيان الفرق بين الستر التكليفي و الستر الصلاتي، و هو من وجوه:

(الأوّل): كفاية الأوّل و سقوط التكليف بكلّ ما يحصل به الستر و لو بالحشيش أو الورق أو الطين بخلاف الثاني، فإنه لا يكفى ذلك الّا اضطرارا.

(الثاني): كفاية الأوّل بأيّ وجه حفظ ما يجب ستره عن الناظر و لو لم يلاصق الساتر البدن فان المقصود محفوظيته من الناظر- كما سيأتي إن شاء اللّٰه- بخلاف الثاني لاشتراط صدق اللباس.

(الثالث): عدم وجوب الأوّل الّا مع العلم بوجود الناظر المحترم أو الظن أو كان معرضا لذلك، بخلاف الثاني، فإنه يجب و لو كان قاطعا بعدم وجوده.

و لا اشكال بل لا خلاف بين المسلمين في وجوب ستر العورتين القبل و الدبر للصلاة إلّا عن بعض العامة، ذاهبا إلى انه حكم تكليفي لا شرط لصحة الصلاة.

و هو محجوج بالإجماع على خلافه فلا تحتاج المسألة الى مزيد

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 67

استدلال.

و يؤيّده أيضا بل يدل عليه الاخبار الواردة في صلاة العاري الذي سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى حكمه.

و لا يجب على الرجل ستر ما عداهما على المشهور بين الخاصة خلافا للمشهور بين العامة و النادر من الخاصة حيث ذهبوا الى وجوب ستر ما بين السّرة و الركبة، بل عن أبي حنيفة- في أحد قوليه- وجوب ستر السرّة و الركبة أيضا، و لا دليل على المدّعى.

(الرابعة): في وجوب الستر على المرأة في حال الصلاة،
اشارة

فيجب عليها ستر جميع بدنها الّا ما استثنى و هو شرط في صحة صلاتها أيضا و هو متفق عليه أيضا بين المسلمين لاتفاقهم على انّ المرأة عورة و العورة يجب سترها.

مضافا الى الأخبار الواردة في أن

المرأة تصلى في ثوبين: درع و خمار.

فروى محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن على بن الحكم، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام يصلى في إزار واحد و ليس بواسع قد عقده على عنقه، فقلت له: ما ترى للرجل يصلى في قميص واحد؟

فقال: إذا كان كثيفا فلا بأس، و المرأة تصلى في الدرع و الضفة «1» إذا كان (الدرع، خ ل) كثيفا يعني إذا

______________________________

(1) الضفة الفعلة الواحدة منه (الى ان قال): و ضفة النهر و يكسر، جانبه، و ضفتا الوادي أو الحيزوم و يكسر جانباه، و ضفة البحر ساحله (القاموس) و كان المراد هنا ثوب له جانبان فقط المعبر عنه في الفارسية ب (جلزقه) و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 68

كان ستيرا «1».

و عنه، عن أحمد، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان، عن ابن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام:

تصلي المرأة في ثلاثة أثواب: إزار و درع و خمار، و لا يضرها بان تقنع بالخمار، فان لم تجد فثوبين تتّزر بأحدهما و تقنع بالآخر، قلت: فان كان درع و ملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال: لا بأس إذا تقنعت بملحفة فان لم تكفها تلبسها طولا «2» و روى الشيخ بإسناده، عن حسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن اذنى ما تصلى فيه المرأة؟ قال: درع و ملحفة تنشرها على رأسها و تجلّل بها «3».

و عنه، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن عليه السلام:

قال: ليس على الإماء ان تتقنعن في الصلاة و لا ينبغي للمرأة أن تصلى في ثوبين «4».

و عنه، عن ابن أبى عمير، عن جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المرأة تصلّي في درع و خمار؟ فقال: يكون عليها ملحفة تضمها عليها «5».

______________________________

(1) أورد صدره في الوسائل باب 22 حديث 1، و ذيله في باب 28 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 282- 294.

(2) الوسائل باب 28 حديث 8 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 295

(3) الوسائل باب 28 حديث 9، منها.

(4) الوسائل باب 28 حديث 10، منها.

(5) الوسائل باب 28 حديث 11، منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 69

و روى الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن يونس بن يعقوب، انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يصلّى في ثوب واحد؟ قال:

نعم، قال: قلت: فالمرأة؟ قال: لا، و لا يصلح للحرّة إذا حاضت الّا الخمار الّا ان لا تجده «1» و غيرها من الأخبار.

ثم لا يخفى انه لو لا الإجماع على اشتراط ستر بدنها لا دلالة لهذه الاخبار على ذلك، لا غاية ما تدل هي عليه، صحة الصلاة إذا كان لها ثوبان، و اما الاشتراط فلا.

مواضع الاستثناء من وجوب الستر
(الأوّل): الوجه،

و لا خلاف بين أحد من فقهاء الإسلام في استثنائه إلّا عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام «2» فأوجب سترها.

و هو مردود بل يستحب كشفها وجهها و يدلّ عليه ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن

______________________________

(1) الوسائل باب 28 حديث 4 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 294.

(2) أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام

بن المغيرة المخزومي قيل: ان اسمه محمد و الأصح ان اسمه كنيته، روى عن أبيه و عمار بن ياسر البدري و ابن مطيع، و روى عنه الحكم بن عتيبة و الزهري و عمر بن دينار، و كان اعمى استصغر يوم الجمل فرد من جيش البصرة مات 94 بالمدينة، شذرات الذهب ج 1 ص 104، و تذكرة الخواص ج 1 ص 59، و مرآة الجنان ج 1 ص 189.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 70

سماعة، قال: سألته عن المرأة تصلّى و هي متنقبة؟ قال: إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، و ان تسفرت فهو أفضل «1».

نعم لو كان هناك ناظر محترم، فالظاهر عدم جواز الكشف، لكن لو عصت صحت صلاتها و ان كانت قد أعانت على الإثم على القول بعدم وجوب سترها وجهها.

و هل المراد من الوجه، الوجه الوضوئى أو هو موكول الى العرف أو هو مشكوك فيرجع الى القواعد الأخر من البراءة أو الاشتغال؟ وجوه.

(من) تحديد الشرع الوجه بما دار عليه الإبهام و الوسطى كما في صحيحة زرارة «2» و المفروض استثناء الوجه بلسان الشرع فيحمل عليه.

و (من) عدم الملازمة بينهما، مضافا الى عدم ورود صحيحة زرارة المشار إليها في مقام بيان حد الوجه، بل لما كان في زمن الباقر أو الصادق عليهما السلام بين المخالفين اختلاف في المراد من الوجه الذي أمر اللّٰه ان يغسل في الوضوء و كان المشهور بينهم انه من وتد «3» إحدى الأذنين إلى وتد الأخرى بل عن بعضهم دخول نفس الأذنين أيضا في الوجه، بيّن عليه السلام ان ما هو الواجب غسله ليس خارجا عما دار عليه الإبهام و الواسطي فالصحيحة واردة في بيان نفى ما

راموه لا في مقام بيان معنى الوجه بقول مطلق، فليس لها إطلاق في مقام بيان أصل الوجه كي يتفرع ترتب الآثار المترتبة عليه في سائر الموارد مثل

______________________________

(1) الوسائل باب 35 ذيل حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 307.

(2) الوسائل باب 17 حديث 1 من أبواب الوضوء ج 1 ص 283.

(3) الوتدان في الأذنين اللذان في باطنهما كأنه و قد قاله الجوهري (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 71

الشجاج الواردة على الوجه في باب الديات مثلا، فاللازم الرجوع الى الأدلّة.

فنقول: ليس في نوع الأخبار الدالة على ستر المرأة استثناء الوجه بل لما كان السؤال عن ان المرأة تصلّى في كم ثوبا، فأجابوا عليهم السلام بأنّها تصلّى في ثوبين درع و خمار، و الدرع و ان كان يستعمل فيما يلبسه الرجال في الحروب الّا انه إذا نسب إلى المرأة يكون بمعنى القميص، و هو ثوب يستر من المنكب الى القدمين، و الخمار و المقنعة ما يستر الرأس و لازم ذلك مكشوفية الوجه.

و لكن لما لم يكن مقدار ساترية الخمار معلوما بل هو مختص بالشعر أو به و بالصدغين و الأذنين، فلا جرم يشكّ في شرطية ستر ما عدا الوجه الوضوئى.

و القاعدة في الشك فيها- و ان كانت هي البراءة عقلا و نقلا كما هو التحقيق- الّا انه لما كانت الشبهة موضوعيّة و هي تحتاج الى تتبع تام في إحراز مقدار ساترية الخمار في ذلك الزمان و لم نتفحص كما هو حقه كان الاحتياط هو المتعيّن.

نعم قد يقال: بدلالة ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن الفضيل، عن أبى جعفر عليه السلام قال: صلّت فاطمة عليها السلام في درع و خمارها على

رأسها ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أذنيها «1»، على جواز «2» كشف الصدغين، بل و العنق أيضا على وجه.

______________________________

(1) الوسائل باب 28 حديث 1 من أبواب لباس المصلّى.

(2) متعلّق بقوله قدّس سره: (بدلالة).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 72

و فيه ان الظاهر انه عليه السلام في مقام بيان عدم وجوب أكثر من ثوبين لا في مقام بيان جواز مكشوفيّة وجهها.

و بعبارة أخرى: ليس عليه السلام في مقام بيان ما يجب ستره و ما لا يجب كي يتمسك بها بالنسبة إلى ما لا تسمية فيها هنا.

مضافا الى عدم كون طريق «1» الصدوق رحمه اللّٰه الى الفضيل صحيحا و كونه مشتركا بين الثقة و غيره، و عدم ثبوت كونه فضيل بن يسار «2».

هذا كلّه في الوجه، و اما الشعر فالظاهر وجوب ستره أيضا عليها لظاهر الروايات الدالة على ان المرأة تصلّى في درع و خمار و المفروض ان الخمار يستر الشعر بحسب المتعارف.

نعم في الشعر الزائد المرخي إلى الأسفل تأمل و الأحوط ستره لعدم إحراز مقدار الخمار في ذلك الزمان كي يتمسك بالبراءة في الزائد كما مرّ في الوجه.

(و اما التمسّك) لعدم وجوب ستر الشعر أصلا برواية محمد بن مسلم المتقدّمة عن أبي جعفر عليه السلام قال: المرأة تصلى في الدرع

______________________________

(1) طريق الصدوق الى الفضيل كما في المشيخة هكذا: و ما كان فيه عن الفضيل بن يسار فقد رويته، عن محمد بن موسى بن المتوكل رضى اللّٰه عنه، عن على بن الحسين السعدآبادي، عن احمد بن أبي عبد اللّٰه البرقي، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن الفضيل بن يسار.

(2) لاحتمال كونه الفضيل بن الزبير الأسدي أو الفضيل

بن شريح فإنها أيضا من أصحاب الباقر عليه السلام، راجع تنقيح المقال ج 2 ص 13- 14 من باب الفاء.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 73

و المقنعة إذا كان الدرع كثيفا حيث قيّد عليه السلام الدرع بكونه ستيرا.

(فمدفوع): بأنها و ان كانت كذلك على رواية الكليني رحمه اللّٰه الّا انها على رواية الصدوق في الفقيه كلمة (الدرع) بعد قوله عليه السلام: (إذا كان) ليست بموجودة فيحمل إرجاع الضمير الى كليهما بتقدير (ما ذكر) «1» مثلا، و هو شائع في استعمال القرآن الكريم و أشعار العرب.

هذا مضافا الى استلزام ذلك عدم اشتراط ستر بشره أيضا في اللاتي ليست على رءوسهنّ شعور، مع ان القائل غير ملتزم بذلك.

و مضافا الى احتمال كون المتعارف قسمين، ستر و غير ستر، بخلاف الخمار و المقنعة لاحتمال كونها سترا بحسبه فلذا قيّد عليه السلام في الأوّل دون الثاني.

(الثاني): من المواضع المستثناة: الكفان

و هو قول العامّة أيضا الّا من احمد بن حنبل و داود الظاهري.

و اما الخاصّة فهو المشهور بينهم بل ادعى الإجماع إلى زمن صاحب الحدائق رحمه اللّٰه و يدل عليه أيضا الأخبار الدالة على ان المرأة تصلّى في درع و خمار حيث ان المتعارف خروج الكفين عن الدرع.

مضافا الى انهن يحتجن في مقام رفع الاحتياجات الى بروز اليدين.

و ما استند اليه صاحب الحدائق على وجوب ستر الكفين من كون المتعارف في زماننا كون الأكمام واسعة بحيث تستر اليد أيضا، فممنوع بعدم الملازمة بين زماننا و زمان صدور الاخبار، و التمسّك بأصالة عدم

______________________________

(1) يعنى يقدّر لفظة (ما ذكر).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 74

التغيير، مدفوع بانتقاضها بتمسّك من تقدم على صاحب الحدائق كابن إدريس و المحقّق و العلّامة و غيرهم بتلك

الروايات فيكشف من ذلك عدم صحة ما ادعاه صاحب الحدائق رحمه اللّٰه.

و مضافا الى استمرار ذلك بين المسلمين.

(الثالث): من المواضع المستثناة: القدمان،

أما العامّة فلا شهرة بينهم، بل هم على قولين، و اما الخاصّة فالاستثناء هو المشهور بينهم و لكن عن جماعة منهم الشيخ رحمه اللّٰه في المبسوط، التعبير في مقام الاستثناء بظهور (بظهر خ ل) القدمين، و عن الجواهر ان علّة ذلك التعبير كونه موردا للاحتياج فان الباطن مستور بالأرض.

و لا يبعد ذلك و ان كان يمكن ان يقال: بان التعبير بذلك لكون الباطن كان واجب الستر عندهم.

و عن العلّامة في التذكرة: ان القدمين ليستا بعورة فلا يجب سترهما، و ذلك لاحتياجهن الى إبرازهما عند المشي سيّما المتعارف في ذلك الزمان من كونهن حافيات.

و فيه ما لا يخفى، فالمناط وجود المخصّص بعد عموم كون بدنها عورة و المقتضى ما ورد من العمومات، و كيف كان فلا إشكال في استثناء ظهر القدمين، و اما باطنهما ففيه وجهان:

مسألة- 1-: ما ذكرنا من وجوب الستر بالنسبة إلى الرأس انما هو في الحرّة البالغة

و اما الأمة و الحرّة الغير البالغة فلا يجب عليهما ستر رأسهما كما أشير إليه في خبر يونس بن يعقوب بقوله عليه السلام:

لا يصلح للحرة إذا حاضت الّا الخمار، الى آخره، «1».

______________________________

(1) الوسائل باب 28 قطعة من حديث 4 من أبواب لباس المصلى و فيه: الّا ان لا تجده، ج 3 ص 295.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 75

و قوله عليه السلام في خبر أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: إذا حاضت الجارية فلا تصلى إلّا بخمار «1».

و عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله: (ثمانية لا يقبل اللّٰه لهم صلاة- منهم- المرأة المدركة تصلّي بغير خمار) «2».

حيث انه عليه السلام قيّد في هذه الاخبار المرأة بكونها بالغة صريحا أو كناية بل و صرّح في جملة من الاخبار بعدم وجوب الستر على

الأمة مطلقا.

مسألة- 2-: هل يجب على المرأة ستر باطن فمها و أسنانها و باطن شفتيها

كما عن كشف الغطاء أم لا؟ الظاهر الثاني، لعدم الدليل عليه و انصراف الاخبار عن ذلك مضافا الى احتياجها عند القراءة الى فتح الفم.

مسألة- 3-: الظاهر عدم الدليل على وجوب ستر حجم العورة

في الرجل و المرأة.

مسألة- 4-: إذا لم يجد المصلى ثوبا يستر به عورتيه،
اشارة

فبعد القطع بعدم سقوط الصلاة عنه و وجوبها على العاري أيضا، فهل يجب عليه الصلاة عاريا قائما مطلقا أم جالسا مطلقا أم التفصيل بين وجود الناظر و عدمه، فعلى الأوّل جالسا و على الثاني قائما؟

ثم على التقادير هل يجب عليه الركوع و السجود كما في سائر الأوقات أم يومئ لهما؟

______________________________

(1) الوسائل باب 28 حديث 13 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 294.

(2) الوسائل باب 28 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 294.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 76

فهنا مقامان
(الأوّل) في تعيين وظيفة العاري من حيث القيام و القعود.
اشارة

(الثاني) في تعيينها من حيث الإيماء و عدمه.

فنقول- بعون اللّٰه-: اما الأوّل فمنشأ الاختلاف، اختلاف

الأخبار و هي على طوائف ثلاثة:
(الأولى): ما يدل على لزوم القيام مطلقا،

مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن محمد بن على بن محبوب، عن العمركي البوفكي عن على بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلّى؟ قال:

ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتمّ الصلاة بالركوع و السجود، و ان لم يصب شيئا أومأ و هو قائم «1».

و بإسناده، عن احمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّٰه بن سنان، قال: أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل ليس معه الّا سراويل «2» قال يخل التكة منه فيطرحها على عاتقه و يصلّى و قال:

______________________________

(1) الوسائل باب 56 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 326.

(2) أقول: في الاستدلال بها على لزوم القيام على العاري نظر واضح، إذ لم يفرض فيها ان المصلّى عار، بل فرض انه لم يكن له غير السراويل، (و توهّم) ان قوله عليه السلام: و لم يكن معه ثوب عام شامل لنفى جميع الثياب حتى ما هو ساتر للعورة (مدفوع) بأنه عليه السلام في مقام بيان ما يجعل على العاتق، و لذا قال عليه السلام: يخلّ التكة (بند شلوار) فيطرحها على عاتقه فاستدرك عليه السلام حينئذ بعدم الحاجة الى التكة ان كان معه سيف في غير الفرض الذي هو فرض وجود السراويل الذي يستر به عورته، فتأمل جيدا، (على پناه).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 77

و ان كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلّد السيف و يصلّى قائما «1».

و بإسناده عن الحسين بن عبد اللّٰه، عن

أحمد بن محمد، عن أبيه عن محمد بن على بن محبوب، عن الحسين، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب و ليس معه الّا ثوب فأجنب فيه و ليس يجد الماء، قال: يتيمّم و يصلّى عريانا قائما يومئ إيماء «2».

(الثانية): ما يدلّ على وجوب الجلوس مطلقا،

مثل ما رواه الكليني عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّٰه عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه و لم يجد شيئا يصلى فيه؟

فقال: يصلّى إيماء و ان كانت امرأة جعلت يدها على فرجها و ان كان رجلا وضع يده على سوأته، ثم يجلسان فيومئان إيماء و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما تكون صلاتهما إيماء برؤسهما، قال: و ان كانا في ماء أو بحر لجّي لم يسجدا عليه و موضوع عنهما التوجّه فيه يوميان في ذلك إيماء، رفعهما توجه و وضعهما توجه «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 53 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 329.

(2) الوسائل باب 46، حديث 1، من أبواب النجاسات ج 2 ص 1068.

(3) الوسائل باب 50 حديث 6، من أبواب لباس المصلّى ج 3 ص 327.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 78

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النصر بن سويد، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة؟ قال: يتقدمهم الامام بركبتيه يصلى بهم جلوسا و هو جالس «1».

و عن الحميري- في قرب الاسناد- عن سندي محمد، عن أبي البختري، عن جعفر

بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، انه قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي ان يصلى حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغى ثيابا فان لم يجد صلى عريانا جالسا يومئ إيماء يجعل سجوده اخفض من ركوعه، الحديث «2».

و ما رواه الشيخ بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الحسين، عن عبد اللّٰه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: قوم قطع عليهم الطريق و أخذ ثيابهم فبقوا عريانا و حضرت الصلاة، فكيف يصنعون؟ فقال: يتقدمهم امامهم فيجلس و يجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون على وجوههم «3».

و رواية سماعة- على نقل الكليني رحمه اللّٰه.

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه أيضا بإسناده عن محمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الحميد، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم، عن محمد ابن على الحلبي، عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام في رجل أصابته جنابة

______________________________

(1) الوسائل باب 51 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

(2) الوسائل باب 52 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

(3) الوسائل باب 51 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 79

و هو بالفلاة و ليس عليه الّا ثوب واحد و اصابه (ب خ) ثوبه منى؟ قال:

يتيمّم و يطرح ثوبه فيجلس مجتمعا فيصلى و يومى إيماء «1».

و دلالة رواية (جماعة العراة) «2» على هذا القسم بعد القطع بعدم الفرق بين المنفرد و غيره في هذا الفرض، كما انّه لا فرق في هذا الحكم بين الامام و المأموم.

(الثالثة): ما يدل على التفصيل بين وجود الناظر و عدمه،

مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن محمد بن

على بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يخرج عدوانا فتدركه الصلاة؟ قال: يصلّى عريانا قائما ان لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالسا «3».

و عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة، عن عبد اللّٰه بن مسكان، عن أبي جعفر عليه السلام، في رجل عريان ليس معه ثوب؟ قال: ان كان حيث لا يراه أحد فليصلّ قائما «4».

و مثل مرسلة ابن مسكان، ما عن نوادر الراوندي، على ما في المستدرك «5».

هذا بحسب الأخبار، و اما الأقوال، فعن السيد المرتضى رحمه اللّٰه وجوب القيام مطلقا و تبعه ابن إدريس- على ما هو ببالي- «6».

______________________________

(1) الوسائل باب 46 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 2 ص 1068.

(2) إشارة إلى رواية عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة، باب 52 حديث 1.

(3) الوسائل باب 50 حديث 1 من أبواب لباس المصلّى ج 3 ص 326.

(4) الوسائل باب 50 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

(5) المستدرك ج 1 ص 205 باب 34 حديث 1 من أبواب لباس المصلى.

(6) يحتمل كون الترديد من الأستاذ الأعظم «ره» و ان يكون منى في مقام التقرير.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 80

و لكن المشهور هو التفصيل، و استدلّ المحقّق في المعتبر للسيّد رحمه اللّٰه برواية زرارة «1».

و اما العامّة: فعن الشافعي و مالك وجوب القيام مطلقا، و عن احمد بن حنبل و ابن حنيفة وجوب القعود، و عن ابن جريح، التخيير على ما في المعتبر.

و الحقّ قول المشهور للرواية المفصلة بين ان يراه أحد، و

بين ان لم يره أحد، و هي و ان كانت مرسلة الّا ان المرسل لما كان عبد اللّٰه ابن مسكان، و هو من أجلّاء الطائفة المحقّة، و من الجماعة الذين صرّح الكشي بإجماع الطائفة على تصحيح ما يصح عن جماعة، مع كون العمل بها مشهورا بين الإمامية، الموجب لجبران ضعف سندها، لا مانع من العمل على طبقها، و حمل روايات القيام على عدم وجود الناظر المحترم و القعود على وجوده.

و استند الشافعي، و مالك على ما في المعتبر بقول النبي صلّى اللّٰه عليه و آله: صلّ قائما فان لم تستطع فجالسا «2».

و احمد الى ما روى، عن عبد اللّٰه بن عمر انّ قوما انكسرت سفينتهم فخرجوا عراة؟ قال: يصلّون جلوسا يؤمنون إيماء «3» و لم يخالفه أحد من الصحابة.

و الأوّل مردود بما روى عن الأئمة الأطهار عليهم السلام.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 50 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

(2) صحيح البخاري ج 1 باب إذا لم يطق قاعدا الى آخره، ج 1 ص 171 من كتاب الصلاة طبع بمبئى و تمامه: فان لم تستطع فعلى جنب.

(3) لم نعثر عليها

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 81

و الثاني: بما في المعتبر بعدم حجيّة قول الصحابي في فتواه و مجرد عدم إنكار الباقين لا يثبت الإجماع، و لو سلّمناه، فسكوت الباقين غير حجّة لاحتمال عدم الرضا.

و جواب علم الهدى و من تبعه يعرف بما نقلناه من مرسلة ابن مسكان المفصلة المعمول بها لدى المشهور كما قلناه.

و بالجملة، الأمر دائر بين مراعاة أحد الشرطين في صورة وجود الناظر المحترم:

(امّا) الستر بأن يجلس ليستر دبره بالأليين و قبله بالفخذين.

و (اما) القيام و عدم الستر كذلك، و

بعد تحكيم مرسلة ابن مسكان على الطائفتين المذكورتين من الأخبار، يعرف ان المناط محفوظية عورتيه خصوصا القبل لمستورية الدبر حال القيام بالأليتين أيضا.

و هل يراعى في هذه الصورة مع مراعاة محفوظية العورة عن الناظر، شرطية الستر للصلاة أيضا أم لا؟ وجهان.

و لكن يمكن ان يستفاد من الأمر بالقيام عند عدم وجوب الناظر عدم مراعاة الشرطية حينئذ، و لكنه أيضا لا يدل عليه، لإمكان الاكتفاء في صورة القيام بمستورية الدبر بالأليين، و القبل بالفخذين.

فتأمل كما سيجي ء ان شاء اللّٰه تعالى ان الستر ببعض أجزاء البدن من مراتب الستر الصلاتي كما هو أحد الأقوال الآتية في ذلك هذا كلّه في المقام الأوّل.

و اما المقام الثاني: و هو كفاية الإيماء و عدمها،
اشارة

فظاهر رواية عبد اللّٰه بن سنان في مسألة تقلّد السيف «1»

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 82

و في جماعة العراة «1»، و رواية إسحاق بن عمّار «2» بالنسبة إلى المأمومين، و مرسلة أيّوب بن نوح «3» و ظاهر مرسلة ابن مسكان «4» هو الركوع و السجود على النحو المتعارف.

و صريح صحيحة على بن جعفر «5» و رواية سماعة «6»، و رواية زرارة «7» و رواية أبي البختري «8» و رواية إسحاق بن عمار بالنسبة الى الامام «9» و رواية محمد بن على الحلبي «10»، هو وجوب الإيماء و لكن عبد اللّٰه بن سنان «11» و مرسلة ابن مسكان ليستا في مقام البيان من هذه الحيثية و رواية أيوب بن نوح، مرسلة مضافا الى إبهام الواسطة من أيوب بن نوح و أبي عبد اللّٰه عليه السلام.

فيبقى المعارضة بين صحيحة على بن جعفر و رواية إسحاق بن

______________________________

(1) الوسائل باب 51 حديث 1

من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

(2) المصدر، الحديث 2.

(3) الوسائل باب 50 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

(4) المصدر، حديث 3.

(5) المصدر، الحديث 1.

(6) الوسائل باب 36 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1068.

(7) الوسائل باب 50 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 327.

(8) الوسائل باب 52 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

(9) الوسائل باب 51 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

(10) الوسائل باب 46 حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1069.

(11) و ليعلم ان ذكر هذه الروايات لما كان مكررا لم نتكرّر محل ذكرها فراجع ما بيّناه سابقا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 83

عمار، و الثانية، و ان قال المحقق في المعتبر انها حسنة إلّا أن الاولى صحيحة مضافا الى شهرتها و تأيّدها بسائر الروايات كرواية زرارة و رواية أبي البختري و رواية سماعة بالنسبة إلى المأمومين فهي مقدمة على الثانية من هذه الوجوه.

فالأقوى هو القول بوجوب الإيماء مطلقا، سواء كان قائما كما عند وجود الناظر أم قاعدا كما عند عدمه.

(ان قلت): رواية سماعة دالة على وجوب الركوع و السجود بالنسبة الى الامام، و رواية (صحيحة، خ ل) على بن جعفر مطلقة، فيمكن القول بالتفصيل بين المنفرد و المؤتم.

(قلت): لا شبهة في ان العرف لا يفرّق بينهما، فان وصف المأموميّة ليس له خصوصيّة توجب الركوع و السجود، و كذا خصوصية الانفراد ليس له خصوصيّة توجب الإيماء، (فإمّا) يجب الإيماء مطلقا أو الركوع و السجود مطلقا، و حيث ان رواية الإيماء أصحّ سندا و أشهر عملا كانت متيقّنة في مقام الترجيح، و لعلّه

لذا قال بعض الأفاضل من المتأخرين: بأن القول بوجوب الركوع و السجود مطلقا خلاف الإجماع و التفصيل بين المنفرد و المأموم غير ممكن.

(ان قلت): رواية زرارة تدلّ على وجوب القيام للقراءة و عدم وجوبه مطلقا لا للركوع و لا للسجود.

و أيضا ظاهرها وجوب وضع اليد على عورته رجلا كان المصلّى أو امرأة.

(قلت): الظاهر منها بعد تخلية الذهن عن الأمور الموجبة لانحراف الفهم انه عليه السلام أمر بوجوب الجلوس، و الإيماء للركوع

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 84

و السجود، و الصلاة إيماء كانت معهودة بين المسلمين في الموارد العديدة مثل حال الغرق، و الجهاد، و عدم وجدان الساتر فلا يحتاج الى التقييد بقوله: (يومئ في ركوعه و سجوده).

و حيث كان مفتى العراق في زمان زرارة «1» أبا حنيفة و كان زرارة أيضا عراقيا و اشتهر فتوى أبي حنيفة بين أهل العراق، أراد زرارة من سؤاله هذا من المعصوم عليه السلام تحصيل الحكم الواقعي فأجاب عليه السلام بما أجاب عليه السلام.

و ليس فيها دلالة على وجوب القيام ثم الجلوس للركوع و السجود فان الظاهر ان قوله عليه السلام: يصلّى إيماء في صدر الرواية جواب إجمالي، و جوابه التفصيلي يعرف من قوله عليه السلام: نعم يجلسان و يوميان، الى آخره.

و اما قوله «2» عليه السلام: فان كان امرأة وضعت يدها على فرجها و ان كان رجلا وضع يده على سوأته، فيمكن ان يكون المراد ان وظيفة العاري بما هو هو، تصادف الناظر المحترم ذلك، لا بما هو مصلّ.

بقي هنا سؤالات
(الأوّل): ما الفرق بين الامام و المأموم في صلاة الجماعة؟

حيث

______________________________

(1) فإن زرارة مات سنة مائة و خمسين بعد وفاة أبي عبد اللّٰه الصادق «ع» بسنتين، تنقيح المقال ج 1 ص 439، و توفى أبو حنيفة سنة

150، و قبره ببغداد، في تبصرة خيزران (الكنى و الألقاب ج 1 ص 52).

(2) جواب لقول المستشكل: و أيضا ظاهرها وجوب وضع اليد، إلخ.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 85

أمر عليه السلام في رواية إسحاق بن عمّار الامام بالإيماء و المأموم بالركوع و السجود، مع ان المفروض أمنهم عن الناظر المحترم كما يعرف ذلك من امره عليه السلام بالركوع.

و قد يتوهّم- كما عن كشف اللثام للفاضل الهندي «1» رحمه اللّٰه- ان المراد من قوله عليه السلام: يركعون و يسجدون على وجوههم انهم يركعون و يسجدون على الوجه الذي أمروا بالركوع و السجود و هو الإيماء.

لكنّه مدفوع: بان مقابلة قوله عليه السلام: (فيومئ إيماء بالركوع و السجود) مع قوله عليه السلام: (و هم يركعون و يسجدون) ينادي بأعلى صوته بان الامام لما لم يكن مأمونا من الناظر- و لو كان هو المأموم- صار مأمورا بالإيماء، و هذا بخلاف المأموم لمأمونيتهم و لو عن وقوع نظر بعضهم الى بعض.

(و الإيراد) على أصل الإشكال بأنه اجتهاد في مقابلة النصّ لورود النصّ في بيان الفرق، (مدفوع): بانا لما استفدنا من النصّ كون وجوب الجلوس لأجل عدم الأمن و وجوب القيام لأجل الأمن من الناظر و علمنا بعدم الفرق من هذه الحيثيّة بين الامام و المأموم، فلا جرم يقع الإشكال في توجيه هذا النص فلا يكون الإيراد اجتهادا في مقابلة النص

______________________________

(1) هو الشيخ الأجلّ تاج المحقّقين و الفقهاء و فخر المداقين و العلماء بهاء الدين محمد بن الحسن بن محمد الأصبهاني وحيد عصره و أعجوبة دهره مروج الأحكام صاحب كشف اللثام عن قواعد الأحكام الذي حكى عن صاحب الجواهر رحمه اللّٰه انه كان له اعتماد عجيب فيه و

في فقه مؤلفه (الى ان قال): توفي في فتنة الافاغنة بأصبهان سنة 1137 و دفن بمقبرة تخت فولاد (انتهى موضع الحاجة، الكنى و الألقاب ج 3 ص 8).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 86

بل هو نصّ في مقابل نصّ فكأنّ النصين متعارضان.

(السؤال الثاني): انه عليه السلام لم أمر في صحيحة على بن جعفر بوجوب القيام المفروض أمنه عن الناظر المحترم،

و أمر عليه السلام في رواية إسحاق بن عمّار بالجلوس مع ذلك الفرض المذكور و لو بقرينة أمره عليه السلام بالركوع و السجود الجلوسى فلو لا كونهم مأمونين ما أمر عليه السلام بهما قطعا لكون حفظ العورتين عن الناظر المحترم أهمّ من الركوع أو السجود الاختياري كما هو المستفاد من مرسلة ابن مسكان المتقدمة.

(السؤال الثالث): انه عليه السلام لم أمر بالإيماء في صحيحة على ابن جعفر مع كون المصلي مأمونا عن الناظر

و لو بقرينة امره بالقيام الذي هو وظيفة المأموم، و أمر عليه السلام في رواية إسحاق بن عمّار بالركوع و السجود مع كونهم غير مأمونين عن الناظر المحترم و لو بقرينة أمره عليه السلام بالجلوس.

و لا مدفع لهذه السؤالات إلّا طرح رواية إسحاق بن عمار لكونها غير معمول عليها بهذه الخصوصيات.

مضافا الى إمكان القدح في سندها «1» أيضا باعتبار ان الغالب كون الراوي عن عبد اللّٰه بن جبلة غير محمد بن الحسين و عدم معهودية

______________________________

(1) و سندها كما في التهذيب هكذا: الحسين بن سعيد، عن محمد بن الحسين، عن عبد اللّٰه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار- راجع الوسائل باب 51 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 328.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 87

العكس فيمكن ان يقال: بإرسالها بايهام الواسطة فتأمل «1».

و هذا بخلاف صحيحة على بن جعفر لقوّتها سندا و شهرتها بين الأصحاب و كونها معمولا بها عندهم بحيث لو لم تكن صحيحة أيضا لقدّمناها عليها.

فالأقوى: هو العمل بالصحيحة و الحكم بوجوب القيام عند الأمن عن الناظر المحترم، سواء كان منفردا أو مأموما أو اماما، و وجوب الجلوس عند عدم الأمن مطلقا، لو لم يكن ناظر في أحد الطرفين و لو كان في الطرف الآخر موجودا.

مسألة-: لا إشكال في ان للستر التكليفي مراتب:

الاولى: الستر باللباس.

الثانية:

الستر بالحشيش.

الثالثة: الستر بالطين و نحوه.

الرابعة: الستر ببعض أجزاء البدن، بمعنى ان التكليف ينتقل معينا عند عدم المتقدم إلى المتأخر و ان كان في ابتداء الأمر يكفي كلّ واحد من هذه المراتب اختيارا أيضا و عدم العقوبة على ترك أصل الستر و لا اشكال فيه.

انما الاشكال و الكلام في ان هذه المراتب هل هي ثابتة للستر الصلاتي أيضا كما هي كافية من حيث الحكم التكليفي، أم هو بين الأولين و الأخيرين، أم يسقط الستر بعد عدم وجود الأولين أو الثلاثة الأولى؟

وجوه أربعة.

______________________________

(1) يمكن ان يكون إشارة الى ان مجرد الغلبة في أمثال المقام لا ينافي إمكان الوقوع بالعكس، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 88

التحقيق ان يقال: ان المستفاد من أدلة الستر في الموارد العديدة الجزئية هو وجوب الستر بعنوان انه ستر و بما هو هو لا بعنوان آخر، فاللازم عدم الفرق بين المراتب الأربع إلّا الرابعة فإنها غير كافية بخلاف الثلاثة الأولى.

نعم يمكن ان يقال: بعدم وجوب الثالثة أيضا بملاحظة استلزامها للحرج بسبب التكليف بطلى الطين و نحوه مع الاحتياج النوعي في غير وقت الصلاة الى غسل موضعه فيكون حرجا.

و ان كان عنوانا آخر غير عنوان الستر كالتزيّن باللباس مثلا كما قد يستفاد من قوله تعالى يٰا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «1» حيث انه عبّر عن ستر العورة- كما فسّرها به المفسّرون- بالزينة، فاللازم سقوط الأخير عن الشرطية مطلقا.

فحيث انه لا يكون في الروايات الّا الدرع و القميص و الإزار و نحوها من الألبسة، و قد قلنا: انها لا تدل على اعتبار كون وجوبها بمقدار تستر العورة لو لا الإجماع على اعتبار ستر العورتين في الرجل و جميع

البدن في المرأة إلّا ما استثنى في المرأة و لا دليل هنا على اعتبار عنوان الستر بما هو هو.

يمكن «2» ان يقال: بعدم الترتيب بين الأوليين و سقوط المرتبة الثالثة للحرج و عدم ترتب ثمرة فقهيّة على الرابعة اختيار و لو قلنا: انها من مراتب الستر الصلاتي لأنها عند وجود غيرها من المراتب الأخر غير كافية و عند عدمها تكفى مطلقا، سواء قلنا في الصورتين الأوليين انهما من مراتب الستر أم لا.

______________________________

(1) الأعراف، 31.

(2) بمنزلة الجواب لقوله: فحيث المتضمّنة لمعنى (لمّا).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 89

هنا فرعان
(الأوّل): لو وجد ساترا لا يكفي إلّا لإحدى العورتين،

فامّا ان تكون كافية لإحداهما معينة أو لا؟ فان كان الأوّل و كان كافيا لستر القبل، فمقتضى القاعدة على تقدير وجود الناظر الى الدبر، لزوم الصلاة جالسا إيماء، و على تقدير عدمه لزومها قائما إيماء سواء كان هناك ناظر في طرف الدبر أم لا لوجود الستر له بالفرض.

و اما لو كان لأحدهما الغير المعيّن بمعنى كفايته اما للدبر أو للقبل، ففي تقديم الأوّل أو الثاني أو التخيير وجوه، لا دليل يعتدّ به على إثبات أحدهما.

(الثاني): لو صلى عاريا مضطرا ثم وجد الساتر في أثناء الصلاة
اشارة

فاما ان يكون وجدان الساتر في آخر الوقت بحيث لو قطع صلاته و استأنفها لم يدركها في وقتها و لو بركعة، أو لا يكون كذلك.

و على الأوّل: اما ان نقول: ان الستر ببعض أجزاء البدن من مراتب الستر الصلاتي أو لا.

فان قلنا: بكون الستر ببعض الأجزاء (كما تقدم أنه المرتبة الرابعة) من مراتب الستر الصلاتي و كان وظيفته هو الجلوس أو القيام و كان قبله مستورا بالفخذين و دبره بالأليين و وجد الساتر في الأثناء فالظاهر صحة صلاته من غير فرق بين سعة الوقت و ضيقه إذا ستر عورته بلا فصل بعد التمكن منه و لم يحتج الى فعل المنافي.

لأنه «1» لم يكن فاقدا له في حال من أحوال الصلاة، نعم كان

______________________________

(1) تعليل لقوله: فالظاهر صحة صلاته.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 90

فاقدا للقيام و الركوع و السجود في بعض الصلاة و المفروض قيام القعود و الإيماء مقامهما في تلك الحالة.

و ان لم نقل بذلك أو كان وظيفته القيام و لم يمكن ستر القبل بالفخذين، ففي الصحة و لو مع بقاء الوقت أو التفصيل بين سعة الوقت و ضيقه بالصحة في الثاني مع سترها في بقية الصلاة و

البطلان في الأوّل اشكال.

نعم لو احتاج الستر الى فعل المنافي فلا يجوز في سعة الوقت بل يجب عليه الاستيناف و في الموارد المشكوكة هل مقتضى الأصل البراءة أو الاشتغال؟ التحقيق كما ثبت في محلّه، هو الأوّل.

لكن الكلام في انه هل ثبت في مسألة الستر عموم يتمسك به في الموارد المشكوكة أم لا؟ قد يقال: بدلالة رواية محمد بن مسلم المتقدمة حيث سئل الإمام عليه السلام فيها عن ان الرجل يصلّى في ثوب واحد؟

فقال: لا بأس إذا كان كثيفا اى ستيرا «1».

و كذا دلالة رواية على بن جعفر المتقدمة حيث سئل فيها أبا الحسن عليه السلام عن وظيفة العاري الذي غرق متاعه أو سلب متاعه فأجاب عليه السلام بأنّه ان لم يجد شيئا يستر به عورته، الى آخره «2» حيث عبّر فيها في مقام بيان المسألة بستر العورة الذي هو شرط صحة الصلاة.

لكن يرد على الأوّل أنها وردت لبيان حكم آخر للعلم بعدم

______________________________

(1) الوسائل باب 22 حديث 1 و باب 28 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 283، 294، نقل بالمعنى فراجع.

(2) الوسائل باب 50 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 326.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 91

اشتراط الصلاة بلبس الستر الواحد الذي هو القميص على ما هو القدر المتيقّن و هو ساتر بحسب المتعارف، من المنكب الى نصف الساق.

و يرد على الثاني: انها في مقام بيان حكم العاري الذي لا يجد شيئا يستر عورته.

بل يمكن ان يقال: بعدم دلالتها على اشتراط صحة الصلاة بالستر أصلا لإمكان كون الستر للمحافظة عن الناظر المحترم.

و على فرض الدلالة فلا إطلاق فيها كي تكون حجّة في الموارد المشكوكة.

و بالجملة: الظاهر عدم

ورود دليل لفظي دالّ على اشتراط ستر العورة بما هو ستر العورة، و السؤالات الواردة في الروايات، واردة في مقام بيان حكم آخر كما ذكرناه.

و لكن هنا كلام

يمكن به إثبات العموم، و هو أن يقال: ان كل حكم كان مغروسا في أذهان المتشرعة سواء كانوا من الخواصّ أو العوّام بحيث لم يحتاجوا في أصله إلى السؤال و لم يبيّنه الأئمة عليهم السلام هل هو بمنزلة عموم العام الذي صدر عن المعصوم عليه السلام؟

(و بعبارة أخرى): كما ان الصادع بالشرع إذا صدر منه عام لفظي و لكن كان أصل الحكم في الجملة مفروغا عنه بين المسلمين، أم لا؟

الذي يمكن ان يقال: هو انه- بعد التتبّع و السبر التام في أدلّة حجية الحجج من الظواهر و خبر الثقة و الإجماع المنقول

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 92

و الشهرة في وجه و أدلّة حجية أصالة البراءة- يعلم ان المناط فيها هو بناء العقلاء الراجع الى حكم العقل كما قرّر في محله.

فحينئذ نقول: كما انهم يتمسّكون بالعموم الوارد عن المعصوم عليه السلام بنقل الرواة بواسطة أو بوسائط في الموارد المشكوكة، كذلك يتمسّكون بالحكم الذي صدر من الشارع و لو لم يحفظ بعين لفظه الدال عليه، و لكن أخذ الخلف عن السلف و هكذا الى يومنا هذا مثلا.

و كما ان بناءهم على ورود الخاص في الموارد الجزئية في القسم الأوّل فكذا في القسم الثاني.

و كما يرون أنفسهم محتاجة إلى السؤال في الموارد المشكوكة هناك، فكذا هنا.

بل يمكن ان يقال: ان التمسك بالقسم الثاني أقوى، لاحتياج الأوّل إلى التتبّع في أحوال الرجال بخلاف الثاني.

فحينئذ يحتاج في الخروج عن الحكم الثابت بالمغروسيّة و تلقّى العلماء بالقبول، الى المخصّص و المقام من هذا

القبيل، فان اشتراط صحة الصلاة بالستر و لو لم يرد لفظ خاص في مقام بيان أصل الاشتراط لكن مغروسيّة الحكم في أذهان المتشرعة بحيث لا يحتاجون إلى السؤال عن أصله، و هكذا في كلّ زمان الى ان يصل الى زمان المعصوم عليه السلام بل الصادع بالشرع تكشف عن صدوره و صيرورته بمنزلة العموم.

نعم يمكن ان يقال: بأنه إجماع و هو دليل لبّى يكتفى فيه بالقدر المتيقّن عند الشك في مصداقه كما هو متداول في الألسنة.

و لكن من كثر تجاربه و كمل علمه يمكن له ان يصدق الأوّل.

و كيف كان، فعلى الأوّل يصير الأصل في مسألة الستر الشرطيّة إلّا ما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 93

خرج بالدليل، و على الثاني الأصل البراءة الّا ما ثبت على خلافها.

و يتفرّع على ما ذكرناه المسألة المتقدمة التي استشكلنا فيها فراجع.

مسائل

(الاولى): لو صلّى عاريا ناسيا من أوّل الشروع.

(الثانية): هذه الصورة، و تذكّر في أثناء الصلاة.

(الثالثة): لو كان عالما بكون ثوبه غير ساتر للعورة باعتبار كونه مخروقا ثم نسي و صلّى و تذكّر بعد الصلاة.

(الرابعة): الصورة مع التذكّر في الأثناء.

(الخامسة): لو لم يعلم قبل الصلاة كون ثوبه غير ساتر ثم علم بعد الصلاة.

(السادسة): الصورة مع التفاته في الأثناء.

(السابعة): لو لم يعلم انه في الصلاة و صلّى مكشوف العورة ثم توجه انّه في الصلاة أو تذكر بعدها انه كان في الصلاة.

(الثامنة): لو كشف عورته في أثناء الصلاة من غير اختياره ثم ستره بلا فصل بدون فعل المنافي.

(التاسعة): في جميع صور التفاته في أثناء الصلاة اما ان يحصل له العلم بعدم مكشوفيّة عورته بسبب آخر أو قبله بحيث لا يحتاج الى مضى زمان يتخلّل بين العلم و الستر.

إذا عرفت الفروع

فنقول: مع قطع النظر عن الدليل الخارجي

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 94

يمكن التمسّك بالعموم بناء عليه، و بالبراءة بناء على عدم استكشاف.

العموم ممّا ذكر، هذا.

و لكن قد يدّعى وجود الدليل بحيث يشمل جميع هذه الصور التي ذكرناها، و هو من وجوه:

(الأوّل): قاعدة لا تعاد الصلاة الّا من خمس: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود، المرويّة بطريق صحيح عن أبى جعفر الباقر عليه السلام «1».

(الثاني): ما رواه الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، بإسناده عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن احمد، عن العمركي البوفكي عن على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن الرجل صلّى و فرجه خارج و هو لا يعلم هل عليه اعادة أو ما حاله؟

قال: لا اعادة عليه و قد تمّت صلاته. «2»

(الثالث): حديث الرفع المعروف «3».

اما الأوّل: فقبل بيان الدلالة لا بأس ان نبيّن مقدار دلالته على الاختصار، فنقول: قد ادّعى بعض مشايخنا المعاصرين انّه يشمل الناسي و الجاهل بقسميه، و العامد و العالم، و بعضهم اقصر عن ذلك، و قال:

بشمول القاعدة لغير العالم اما هو فلا، و الحق ان يقال: ان الموارد التي تحتاج في السؤال عن الإعادة و عدمها انما هي قبل العمل باعتباره عروض العوارض التي يحتمل المكلف مع عروضها صحة العمل و بطلانه

______________________________

(1) الوسائل باب 9 حديث 1 من أبواب القبلة ج 3 ص 227.

(2) الوسائل باب 27 حديث 1 من أبواب لباس المصلّى ج 3 ص 293.

(3) الوسائل باب 30 حديث 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج 5 ص 345.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 95

كالنسيان و الغفلة.

و اما العالم

باجزاء العمل و شرائطه فهو لا يحتاج إلى السؤال عن الإعادة و عدمها، بل يجب عليه تحصيل هذا المركب بحكم العقل فليس موردا لتوهّم وجوب الإعادة و عدمها.

و هكذا الحال في الجاهل مع التفاته الى جهله فهو انما يسأل عن كيفيّة العمل من حيث الشرائط و الاجزاء دون الإعادة و عدمها لوجوب تعلم الأمور المتعلقة بإتيان هذا المركب.

نعم إذا كان غير ملتفت الى جهله و لم يخطر بباله ان الشي ء الفلاني أيضا شرط أو جزء يمكن ان يقال: بشمولها له لكثرة السؤال من أهل العرف عن حكم مثل هذا الشخص من حيث الإعادة و عدمها و كذا العوارض الطارية من غير اختيار المكلّف من النسيان و الاضطرار.

فتحصّل ان القاعدة غير شاملة للعامد العالم، و الجاهل الملتفت، هذا كلّه من حيث حالات المكلف.

و اما الخلل الواقع في الصلاة من ناحية الأمور المعتبرة في الصلاة وجودا و عدما كالشرائط و الأجزاء وجودا، و الموانع عدما فنقول:

لا إشكال في شمولها لجميع الاجزاء و الشرائط بقرينة المستثنيات، فإن الثلاثة الأول من الشرائط و الأخيرين من الاجزاء مع اشتراك النوعين في دخالتهما في أصل تحقق المركب.

و هل تشمل الموانع أيضا بمعنى ان العرف كما يفهم من الصحيحة عدم وجوب الإعادة عند تخلل ما هو وجوده دخيل، كذلك يفهم عدم وجوبها عند وجود ما بوجوده مخلّ، أم لا؟

يمكن ان يقال: بعدم شمولها لها باعتبار ان المستثنى منه حينئذ

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 96

يصير متعددا و لا جامع بين ما هو بوجوده دخيل و ما هو بوجوده مخلّ فشمولها للموانع محلّ تأمل.

هذا بالنسبة إلى النقيصة.

و اما بالنسبة إلى الزيادة فالظاهر إرجاعها اما الى النقصان باعتبار انّ الجزء مقيد بعدم

الزيادة فإذا زاد لم يأت بالجزء.

و اما بالنسبة إلى المانعيّة بمعنى كونه محدودا بحدّ إذا تجاوز عنه يكون مانعا لتحقّق الجزء بمعنى ترتب اثر الجزء عليه.

إذا عرفت هذا فنقول: لا إشكال في شمولها للصور التي علم بالكشف بعد مستوريّة العورة بسبب آخر بحيث لم يكن في زمان علمه مكشوف العورة في زمان، و هي جميع صور العلم بالخلاف بعد الصلاة و بعض صور العلم في أثنائها.

و كذا تشمل صحيحة علي بن جعفر الصور التي تشملها قاعدة لا تعاد.

(لا يقال): ان مورد الصحيحة على الظاهر علم المصلى بالمكشوفيّة بعد الصلاة لا في أثنائها.

(فإنه يقال): إذا كان مكشوفيّة العورة في الصلاة كلّها غير مضرة للصّحة تكون المكشوفيّة في بعض اجزائها كذلك قطعا، لعدم مدخلية المكشوفية في الجميع بما هو جميع في الحكم بالصحة كما لا يخفى وجهه.

و سؤال على بن جعفر عن هذا الفرد- اعنى عن المكشوفية في جميع الصلاة- لكونه هو الفرد الشائع المتعارف المبتلى به عند الناس و الّا فسائر الأفراد نادرة الوقوع.

و السرّ فيه ان هذا الشرط يمتاز عن سائر شروط الصّلاة- كالطهارة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 97

من الحدث أو الخبث، و تخلّف القبلة و نحوها- بعدم اختصاص الداعي على إيجاده لخصوص الصلاة بل الدواعي العقلائية لغير الصلاة أيضا ثابتة كالستر للمحفوظيّة من الحرّ و البرد، و من الناظر المحترم، و كونه مستنكرا عرفا.

بخلاف ساتر الشروط، فإنه لو لا الصلاة لم يكن داع لإيجادها فمع قطع النظر عن كون سائر الفروض نادرا لم يكن ريب في شمولها لجميع الفروض بمعنى انه لو علم بعد إتمامها كونه مكشوف العورة يصحّ صلاته على جميع التقادير كما ان وجه شمول قاعدة لا تعاد لها

كذلك.

و كذا يصح لو علم في الأثناء بعد مستوريّة عورته بإلقاء الغير ثوبا عليه، فإنه ما لم يعلم فصلاته صحيحة و المفروض- بعد العلم- عدم انكشاف عورته.

و انما الكلام و الاشكال فيما إذا علم في الأثناء و توقف سترها على مضيّ زمان فحينئذ لا ريب أيضا في الصحة التأهلية للأجزاء السابقة المأتي بها و كذا الأجزاء اللّاحقة بعد ستر العورة الّا ان الأجزاء المتوسطة بلا شرط.

(لا يقال): ان أمر الشارع بهذه الصلاة مع علمه بالتفات المكلّف في أثناء الصلاة دليل على صحة هذه الصلاة و الّا لزم لغويّة الأمر بالنسبة الى هذه الصلاة.

(فإنه يقال): هذا إذا كان الكلام مسوقا لبيان خصوص هذا الفرد، و اما إذا كان مسوقا لبيان الحكم مطلقا أو كان ظاهرا في غير هذا الفرد كصحيحة على بن جعفر المتقدمة حيث ان ظاهرها التفات المصلّى بعد الصلاة فلا يلزم اللغوية.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 98

(و بعبارة أخرى): يكفي في خروج الأمر عن اللغوية ترتيب آثار الصحة و لو في بعض الافراد.

و بالجملة يقع الإشكال في كلّ مورد صدق انه مكشوف لعورة حال الصلاة و صدق هذا المعنى في حال اشتغاله بفعل أو قول متعلق بالصلاة.

و اما إذا لم يكن مشغولا بشي ء فهل يعود نفس السكوت عن الفعل أو القول جزء من الصلاة أم لا؟ وجهان مبينان على ان الصلاة هل هي عبارة عن مجموع الافعال و الأقوال المترتبة بعضها على بعض بحيث لو لم يوجد آخرها لم توجد الصلاة و بمجرد الاشتغال لا يعد مصليا، غاية الأمر صدق الصلاة باعتبار اشتغاله بإتيان البقيّة و عدم فراغه منها كالخطيب ما دام مشغولا بالخطبة، يصدق هذا الوصف العنواني باعتبار اشتغاله بالخطابة، لا

انه في كل جزء جزء من آنات سكوته خطيب أيضا و بالحقيقة لا يكون الصلاة في حال من الأحوال موجودا، لان الاجزاء توجد و تنصرم، أو هي عبارة عن حالة خضوع العبد بين يدي المولى، و الأقوال و الأفعال الأخر وظائف أخر فيها.

(و بعبارة أخرى): وجودها و تحقّقها بأوّل جزء منها فتبقى بالوجود البقائى لا الحدوثى كما هو المتفاهم العرفي حيث يعدّ أهل العرف من اشتغل بها بمجرد التكبيرة الأولى المسمّاة بتكبيرة الإحرام مصليا و لو سكت عن الأذكار و الافعال.

و لعله الى هذا أشير في قوله تعالى وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ «1» حيث انه عبّر عن الصلاة بنفس القيام.

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 238.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 99

و عليه حينئذ يكون حال سكوته عن الذكر أيضا مصليا فيكون مكشوف العورة.

و كيف كان فهل تبطل الصلاة بانكشاف العورة، بمقتضى الشرطية أم لا لشمول رواية على بن جعفر المتقدّمة؟ وجهان.

و كذا في نظائرها كالأمة إذا صلّت مكشوفة الرأس ثم عتقت في أثناء الصلاة و الصبيّة إذا بلغت و المصلّى اضطرارا إذا وجد الساتر في أثناءها كما مرّ.

هذا كلّه في دلالة رواية على بن جعفر، و حديث «لا تعاد» على حكم الموارد المشكوكة، و اما دلالة حديث الرفع فسيأتي إن شاء اللّٰه تعالى في موضع آخر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 100

فصل في شرائط لباس المصلّي

اشارة

و المراد منها ما يعتبر في الصلاة أعمّ من ان يكون وجودها شرطا أو مانعا و مخلّا، و قد ذكر الفقهاء انها ستة:

(أحدهما): عدم كونه من أجزاء الميتة.

(ثانيها) عدم كونه نجسا.

(ثالثها): عدم كونه مغصوبا.

(رابعها): عدم كونه غير مأكول اللحم.

(خامسها و سادسها): عدم كونه من الحرير المحض أو الذهب للرجال.

(اما الأوّل) [عدم كونه من أجزاء الميتة]:

اشارة

فلا اشكال و لا خلاف بين الإمامية في اشتراط عدم كونه ميتة و لو دبغ خلافا للمعروف بين العامّة حيث أفتوا بجواز الصلاة و الانتفاع بجلد الميتة إذا دبغ و يدلّ على أصل الحكم الأخبار الواردة عن الأئمة عليهم السلام، و هي على قسمين:

الأوّل: ما ورد في عدم جواز الانتفاع بجلد الميتة مثل ما رواه محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عاصم بن حميد، عن على بن أبي المغيرة، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: جعلت فداك، الميتة ينتفع بها بشي ء؟ قال عليه السلام: لا، الحديث «1».

______________________________

(1) الوسائل باب 41 صدر رواية 2 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1080.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 101

الثاني: ما ورد في خصوص عدم جواز الصلاة، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم، قال: سألته عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال: لا و ان دبغ سبعين مرّة «1».

و الاخبار في ذلك كثيرة لا حاجة الى نقلها مع تسلم أصل المسألة.

و هل اشتراط ذلك من باب انها أحد مصاديق النجس أم لها خصوصية؟ فعلى الثاني يكون بطلانها من جهتين، النجاسة و كونها ميتة.

و يظهر ثمرة هذا الشرط حينئذ في الميتة

التي ليست بنجسة كجلد السمك الذي له فلس و ظاهر الجواهر عدم الإشكال في عمومها.

لكنه مشكل لعدم المعروفية في جعل اللباس من جلد مالا نفس سائلة و المفروض ان السؤال نوعا قد وقع عن صحة الصلاة مع جلد الميتة أو الانتفاع به إذا دبغ، و هو الذي قال به أهل الخلاف، و الدباغ لا يقع على مثل جلد السمك، و بالجملة فالمسئلة محلّ اشكال، نعم مراعاة عدم كون اللباس منه أحوط.

فرع لو شك في جلد انه من الميتة أم المذكى،
اشارة

فهل يجوز الصلاة فيه أم لا؟ و حيث ان المسألة ممّا يعمّ بها البلوى فلا بد من بيانها إن شاء اللّٰه تعالى تفصيلا.

______________________________

(1) الوسائل باب 41 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1080.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 102

فنقول: (تارة) يبحث في مقتضى الأصل الاولى، و (اخرى) يبحث في الأصل الثانوي المأخوذ من الشرع.

[المراد من الميتة]

امّا الأوّل: فهل الأصل في المشكوك الحكم بكونها ميتة أم مذكى؟

وجهان مبنيّان على ان ما به الامتياز بينهما- بعد اشتراكهما في زهوق الروح من الحيوان- هل هو أمر وجودي في خصوص المذكى فيرجع الأمر في المذكى خصوصية بها يصدق ان الحيوان مذكى، أم الميتة لها خصوصية لا تكون في المذكى؟

(و بعبارة أخرى): هل التقابل بينهما تقابل العدم و الملكة أم تقابل التضاد، و على التقديرين هل الذكية عبارة عن خصوصية كشف عنها الشرع من كونها في غير الإبل من الحيوانات البرية الذبح و فيه النحر و في الحيوان البحري إخراجه من الماء حيا، أم هي عبارة عن أمر عرفي معروف معلوم عندهم كما كان قبل الإسلام، غاية الأمر جعل الشارع له حدودا و قيودا و شرائط؟

اما الأوّل: فنقول: الظاهر هو الأوّل، فإن الميتة معناها اللغوي عبارة عن حيوان خرج منه الروح بأيّ سبب كان قتلا كان أو غيره، غاية الأمر استثنى الشرع بعض افرادها و حكم بحليتها كالمذكى مثلا.

و لم يظهر من أدلة حرمة الميتة و حلية المذكى آية و رواية خصوصية وجودية، و يؤيّده انه لم ينقل لنا ان المسلمين عقيب نزول آية تحريم الميتة «1» قد سألوا النبي صلّى اللّٰه عليه و آله عن بيان المراد من

______________________________

(1) و هي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ

لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ وَ مٰا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلٰامِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ الآية، سورة المائدة/ 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 103

(الميتة) أو (المذكى) بل ظاهر خطاب قوله تعالى إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ ان مفهوم المذكى موكول الى المخاطبين.

و الظاهر انه استثناء من قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ لا من قوله تعالى وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ فقط.

كما ان الظاهر ان قوله تعالى وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ- الى قوله- وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ من افراد الميتة و ذكرها بالخصوص- بعد ذكر العموم- لخصوصية كانت فيها قبل نزول الآية الكريمة فإنهم يرتبون عليها حكم التذكية.

و بالجملة ان الخصوصية الوجودية انما تكون في المذكى لا في الميتة، فإذا شك في وجود تلك الخصوصية فالأصل عدمها فيصير مقتضى الأصل الاوّلى عدم التذكية إلّا ما ثبت خلافه.

و يؤيّد ما ذكرناه الأخبار الواردة في الصيد إذا غاب عن نظر الصائد، إذا شك في انه هل خرج روحه بسبب نفس التصيد و آلته أم بسبب أمر آخر فإنه قد حكم في تلك الاخبار بحرمته «1».

و كذا إذا أرسل المسلم كلبه و أرسل المجوسي كلبه أيضا فأخذ صيدا و شك في انه مات بأخذ الكلب المسلم أو المجوسي «2».

و كذا إذا رمى فشك في انّه هل اصابه به فمات بالإصابة أم بسبب أمر آخر فإنه قد حكم بحرمة أكل لحمه و انه ميتة «3».

[المراد من المذكّى]

و اما الثاني: فقد يظهر من بعض كلمات شيخنا الأنصاري (قده)

______________________________

(1) الوسائل باب 14 من أبواب الصيد ج 16 ص 227 و باب 18 منها

ص 230.

(2) يمكن ان يستفاد من اخبار باب 15 من أبواب الصيد ج 16 ص 227 فتأمّل.

(3) الوسائل باب 19 من أبواب الصيد ج 16 ص 232.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 104

ان التذكية عبارة عن أمر واقعي له واقعية فإنه (قدّه) قد حكم في الحيوان المشكوك كونه قابلا للتذكية و عدمها باستصحاب عدمها، معللا بالشك فيها من حيث الشك في قابلية الحيوان لها، فيستصحب عدمها.

لكنه خلاف التحقيق فان الظاهر انها ليست بأمر واقعي الذي قد كشف عنه الشارع بحيث لو لا كشفه لما يفهمه أهل العرف، بل هي أمر عرفي و هو كونها عبارة عن الذبح الذي هو معناها اللغوي كما سمعت من القاموس، غاية الأمر قد حدّدها الشرع بأمور أخر جعلها شرطا لحلية المذكى كالتسمية و الاستقبال و فرى الأوداج المخصوصة بحديد و كون الذابح مسلما و غيرها من الشرائط.

و الدليل عليه قوله تعالى إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ «1» حيث ان الشارع القى معنى التذكية إلى المخاطبين من دون بيان معناها، و من دون سؤالهم منه عن المراد منها، فحينئذ يكون كلّ حيوان قابلا للتذكية إلّا ما خرج.

نعم يقع البحث في ان الشارع هل حكم بطهارة كلّ مذكى غير نجس العين لعدم تأثيرها فيه قطعا أم حكم بعروض النجاسة كما في سائر الميتات، فإذا شك في طهارة المسوخ و الحشرات إذا فرض ان لها نفسا سائلة بعد القطع بتحقيق التذكية فيرجع الى استصحاب بقاء الطهارة.

(لا يقال): ان الموضوع في الأوّل الحيوان الحي، و في الثاني الميت فلا يستصحب لعدم بقاء الموضوع حينئذ.

(لأنّه يقال): الحياة و الموت من حالات الموضوع لا من قيوده فإنّ

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية: 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص:

105

البدن محل تدبير الروح و هو لا يتّصف بالمذكى و الميتة.

و على تقدير عدم جريان الاستصحاب لبعض الإشكالات يكون المرجع قاعدة الطهارة.

إذا عرفت هذا فاعلم انه لا اشكال و لا خلاف في عدم كون الأصل الأوّل متبعا في جميع الموارد بحيث لو لم يعلم بالذبح حكم بكون المشكوك ميتة، بل السيرة المستمرة القطعية المنتهية إلى زمن الأئمة عليهم السلام بل الصادع بالشرع صلى اللّٰه عليه و آله على خلافه.

و من هنا ذهب صاحب المدارك و جماعة الى أن الأصل التذكية في اللحم المشكوك حتى يثبت خلافه.

و بالجملة الخروج عن مقتضى الأصل الأوّلي مقطوع به.

هذا مضافا الى روايات تدل على ان المناط حصول العلم بكونه ميتة و هي على أقسام:

(منها): ما ورد في ان الجلود و اللحوم التي تشترى من السوق حلال ما لم يعلم كونها ميتة، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن الحلبي قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال:

اشتر و صلّ فيها حتى تعلم أنه ميتة «1».

و ظاهرها انه ما لم يعلم تفصيلا كونه ميتة لا بأس به، فإذا علم تفصيلا ذلك يجب الاجتناب.

و هل المراد من قول السائل: (عن الخفاف التي تباع في السوق) بيان مناط شكه بمعنى انى لا اعلم بتفصيل الجلود التي تباع أعم من ان يكون في السوق أم غيره، غاية الأمر ذكر (السوق) لكون المتعارف

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 2 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1071.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 106

في البيع و الشراء هو ما كان فيه، أم يكون للسوق بما هو سوق مدخليّة في

الحكم؟

(فعلى الأوّل): يشمل السؤال و الجواب كل جلد يكون مشكوكا في تذكيته مثلا، سواء كان في خصوص السوق يبيع فيه ذلك، أم مطلق أسواق بلاد الإسلام، أم عام لها و لأسواق الكفار، سواء كان الغالب عليهم المسلمين أم لا، بل يشمل ما إذا كان الغالب الكفّار.

(و على الثاني): يحمل على الأسواق المتعارفة و هي أسواق دار الإسلام بمعنى ان سياسة تلك بيد رئيس الإسلام و ان كان غالب الافراد كفارا كما ربما كان بعض الممالك في زمن الصادق عليه السلام كإيران فإنه كان كذلك في زمن غلبة الإسلام عليه، لكثرة المجوس في ذلك الزمان في إيران، بل الظاهر ان مدن مازندران و الجيلان لم يكن في ذلك الزمان تحت الرئاسة الإسلامية إلى زمن الرضا عليه السلام بل بعده «1».

و نحوها في الاحتمالات ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن محمد بن علي (يعني ابن محبوب) عن احمد بن محمد، عن احمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشترى جبة فراء لا يدرى أ ذكية أم غير ذكية أ يصلّي فيها؟ فقال: نعم ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر عليه السلام كان يقول: ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك. «2»

______________________________

(1) فان الطبرستان قد فتح في زمن المأمون على ما هو ببالي من بيانات سيدنا الأستاذ الأكبر البروجردي (قدّه) و لا بد من مراجعة التواريخ.

(2) الوسائل باب 50 حديث 3 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1071.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 107

و رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام «1».

و رواية سليمان بن جعفر عن

موسى بن جعفر و ان كان بعيدا فإنه يروى نوعا و غالبا عن الرضا عليه السلام الّا انه من الممكن روايته عنه أيضا.

و بإسناده، عن احمد بن محمد، عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الخفّاف يأتي السوق فيشترى الخف لا يدرى أذكى هو أم لا؟ ما تقول في الصلاة فيه، و هو لا يدرى أ يصلي فيه؟ قال: نعم انا اشترى الخف من السوق و يصنع لي و أصلي فيه و ليس عليكم المسألة «2».

و قريب منها ما رواه محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه، عن على عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه، عن الحسن بن الجهم، قال قلت لأبي الحسن عليه السلام: اعترض السوق فاشترى خفا لا أدرى أ ذكي هو أم لا؟ قال: صلّ فيه، قلت: فالنعل؟ قال: مثل ذلك، قلت: انّى أضيق من هذا، قال: أ ترغب عمّا كان أبو الحسن عليه السلام يفعله؟ «3».

و هذه الروايات الخمسة مشتركة في ان السؤال كان بالنسبة إلى خصوص السوق فامّا ان تحمل عليه بقرينة السؤال و اما ان تنفى الموارد و تحمل على العموم كما احتملناه.

(و منها) ما يدلّ على جواز الصلاة في المشكوك من دون اعتبار ان يكون مشتريا من السوق.

______________________________

(1) الوسائل باب 50 مثل حديث 3 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(2) الوسائل باب 50 حديث 6 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(3) الوسائل باب 50 حديث 9 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1073.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 108

مثل ما رواه الشيخ، عن احمد بن محمد، عن أبيه، عن عبد اللّٰه ابن المغيرة، عن على بن أبي حمزة:

اين رجلا سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام و انا عنده، عن رجل يتقلّد السيف و يصلّى فيه؟ قال: نعم فقال الرجل: ان فيه الكيمخت، قال: و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة، فقال: ما علمت ان فيه الميتة فلا تصلّ فيه «1».

و هذه الرواية عامّة شاملة لما يكون في السوق أو في غيره، فإن السؤال عن كون الجلد مشكوك التذكية مطلقا فأجاب عليه السلام بعدم البأس من غير استفصال.

و لا يخفى انها ممّا يؤيّد ما ذكرنا سابقا من كون الحيوانات غير النجسة غير قابلة للتذكية فإن المراد من قوله: (منه ما يكون ذكيا، الى آخره) ان بعضه يذكى بشرائط التذكية و بعضه لا يذكى.

و ما رواه الصدوق بإسناده، عن سماعة بن مهران، انّه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن تقليد السيف في الصلاة و فيه الفراء و الكيمخت فقال: لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة «2».

و ما رواه أيضا بإسناده، عن جعفر بن محمد بن يونس انّ أباه كتب الى أبي الحسن عليه السلام، يسأله عن الفرو و الخف ألبسه و أصلّي فيه و لا اعلم انّه ذكي، فكتب: لا بأس به «3».

و ما رواه محمد بن يعقوب، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن أبي عبد اللّٰه عليه

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(2) المصدر، الحديث 12.

(3) الوسائل باب 55 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 333.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 109

السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق

مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يقوّم ما فيها ثم يؤكل، لأنها تفسد و ليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أم سفرة مجوسيّ؟ فقال: هم في سعة حتّى يعلموا «1».

و هذه الرواية أعمّ من الجميع، لان المفروض ان السفرة وجدت في الطريق، و هي ليست مختصّة بكونها للمسلمين فقطّ، بل هي مشتركة بينهم و بين غيرهم من سائر الكفّار، و تخصيص المجوسي بالذكر في الرواية لعلّه باعتبار أنّ اسراء إيران في زمن أمير المؤمنين عليه السلام كانوا منهم، و كان المجوس في ذلك الزمان كثيرا و لا سيّما في مملكة إيران حيث كان أكثرهم قبل فتح الإسلام مجوسيا.

[حكم ما يؤخد من بلاد المسلمين و يدهم]

و كيف كان، هذه الرواية أيضا حاكمة على الأصل الأوّليّ، نعم لا يبعد ان يكون ظاهرها بالطريق التي في بلاد الإسلام عنى بلادا تكون تحت حكومة الإسلام و سياسته ففي زمان أصالة عدم التذكية لم تكن مرجعا عند الشك و لم يكن التكليف منحصرا بصورة حصول العلم.

و لذا استدلّ صاحب المدارك و جماعة به على انقلاب الأصل الأوّلي الى أصالة التذكية حتّى يعلم أنّه ميتة.

و لكن مقتضى الجمع بين الروايات هو خلاف ما ذكره، كما سنذكره إن شاء اللّٰه تعالى.

و هي أيضا على أقسام:

______________________________

(1) الوسائل باب 23 حديث 1 من كتاب اللقطة ج 17 ص 372 و باب 50 حديث 11 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1073.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 110

(منها): ما يدلّ على حليّة التصرف في جلد مأخوذ من يد المسلمين، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن

احمد بن محمد، عن سعد بن إسماعيل، عن أبيه إسماعيل بن عيسى، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل (الجيل، خ ل) يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال عليه السلام: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه «1».

و المراد باسواق الجبل (الجيل، خ ل) يحتمل ان يكون أسواق البلاد التي تكون في أرض يكون الجبال فيها أغلب بالنسبة إلى الحجاز كالبلاد التي تكون في أوائل عقبة حلوان «2» إلى أواخر الري و غيرها.

و الظاهر ان منشأ سؤال الراوي عن جلود هذه البلاد وجود الكفار كاليهود و النصارى و لا سيّما المجوس حيث كانوا- في ذلك الزمان- كثيرين في بعض بلاد إيران بل أغلبها، فإن مذهب كثير من أهل إيران كان مذهب المجوس.

و يستفاد من سؤال الراوي أمور ثلاثة:

(الأوّل): إطلاق لفظة (الذكاة) على كل جزء من أجزاء الحيوان.

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 7 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(2) حلوان بلد مشهور من سواد العراق، و هو آخر مدن العراق قيل: بينه و بين بغداد خمس مراحل و هي من طرف العراق من المشرق و القادسية من طرفه من المغرب، قيل: سمّيت باسم بانيها و هو حلوان ابن عمران بن الحارث بن قضاعة (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 111

(الثاني): المفروغيّة عن عدم لزوم السؤال إذا كان المسلم عارفا بالإمامة.

(الثالث): كون أخبار المسئول عنه حجّة على تقدير وجوب السؤال بقرينة تقرير الامام عليه السلام.

و امّا ما يستفاد من الجواب: (فتارة) يتكلّم في دلالة مقدار منطوقها (و اخرى) في مفهوما.

اما

الأوّل: فالظاهر انه عليه السلام أجاب سؤال الراوي مع الزيادة و حاصله ان المناط في وجوب السؤال و عدمه هو كون البائع مشركا و عدمه لا كونه عارفا أو غيره، فإذا كان البائع للجلد مشركا لزم السؤال عنه لا التفحّص عن غيره ليعلم الحال كما توهّم لعدم مدخلية الفحص عن الغير في إحراز كون هذا الجلد الذي يبيعه البائع مذكى كما لا يخفى.

و ان كان البائع يصلّى فيه فلا بأس بالشراء منه بدون السؤال.

و الظاهر ان الصلاة فيه كناية عن كون البائع مسلما لا أنّ لخصوص الصلاة خصوصيّة فيصير المعنى ان البائع ان كان مسلما فلا بأس به، غاية الأمر لو فرض الشك في إسلامه فالصلاة فيه علامة لإسلامه.

و بالجملة بقرينة جعل المصلّين مقابلين للمشركين يكون المراد منهم المسلمين.

نعم لو قيل: ان مفهوم قوله عليه السلام: و ان كانوا يصلّون، إلخ أنهم لو لم يصلّوا فيه بالخصوص مع فرض دخالة الصلاة فيه فلا تشتر فاللازم حمل قوله عليه السلام: (عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين، الى آخره) على بيان أحد الفردين و يبقى الفرد الآخر

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 112

- و هو المسلم الغير المصلّى- مسكوتا عنه.

ثم انه لا دلالة في هذه الرواية على كون يد المسلم مطلقا امارة على التذكية، فإن جماعة من المسلمين قد خالفونا في أمور متعددة لا تلتزم بها في مذهبنا كاستحلال الميتة بالدباغ و استحلال ذبائح أهل الكتاب و تجويز الصيد بغير الكلب المعلّم مثل الفهد.

فلا وجه لحمل الرواية على كون يد المسلم امارة على التذكية، بل الظاهر انها دالة على جريان أصالة التذكية إذا كان مأخوذا من يد المسلم لكون الاجتناب عن الجلود التي

في يد المسلم حرجا شديدا على الشيعة.

و لا فرق بمقتضى القاعدة بين الشراء الذي هو أحد الأسباب المجوزة للتصرف و بين غيره من أسباب جواز الاستعمال من الهبة و الصلح و غيرهما، و لا بين بلاد الإسلام و غيرها إذا كان البائع مسلما.

كما لا فرق في عدم جواز ترتيب آثار التذكية إذا كان البائع مشركا بين أرض الإسلام و غيرها، كان الغالب عليها المسلمون (المسلمين خ ل) أو الكفار أم تساووا عددا.

نعم من كان في بلاد الإسلام و دارها و كان مشكوكا إسلامه يكون محكوما به، فيترتب عليه آثاره من حلية ذبيحته و محفوظية نفسه و عرضه و ماله و وجوب غسله و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه.

فحاصل الرواية انه من كان مسلما أو محكوما بالإسلام لا يجب السؤال عن خصوصيات الذبح عند شراء اللحم أو الجلد منه.

(و اما الثاني): أعني مقدار دلالة مفهومها فالظاهر حجية اخبار المشرك بالنسبة إلى التذكية الشرعية، و الّا لزم لغوية السؤال و عدم

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 113

جواز الأخذ بدونه أو معه مع عدم الاستناد الى يد المسلم.

(و منها): ما يدلّ على حلية اللحم المشتري من سوق المسلمين مثل ما رواه: محمد بن يعقوب الكليني، عن على بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن فضيل و زرارة و محمد بن مسلم أنهم سألوا أبا جعفر عليه السلام عن شراء اللحوم من الأسواق و لا يدرى ما صنع القصّابون؟ فقال: كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين، و لا تسأل عنه «1».

و هل المراد من سوق المسلمين دار الإسلام؟ بمعنى ان اللحم المشتري من دار تكون حكومة الإسلام محكوم بكونه

مذكى و لو كان الافراد الساكنين فيها كفارا، أو أغلبهم كذلك، و هو بعيد.

أو المراد سوق يكون الساكنون فيه المسلمون و لو كان خصوص القصابين غير مسلمين، و هذا المعنى يستلزم دخالة إسلام أمثال الخياط و النجار مثلا ممن يكونون في سوق المسلمين في جواز شراء اللحم من غير المسلم، و هو أبعد.

أو المراد كون البائع بالخصوص مسلما و لو لم يكن السوق للمسلمين و هذا غير بعيد.

و عليه فيلغى اعتبار خصوصية السوق و يكون المعنى حينئذ ان البلاد التي يكون تشكيل السوق فيها نوعا بيد المسلمين، فاللحم المشتري منه محكوم بالحلّية و جواز الأكل.

و المراد من قوله عليه السلام: (كلّ إذا كان، إلخ) ترتيب جميع آثار التذكية لا خصوص جواز الأكل، فيحكم بطهارته و عدم تنجس ملاقيه

______________________________

(1) الوسائل باب 29 حديث 1 من أبواب الذبائح ج 16 ص 294.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 114

و مفهومه أيضا كون قول غير المسلم متبعا في صورة عدم كون البائع مسلما و أخبر بأخذه من مسلم.

و إطلاقها يشمل ما إذا كان البائع في سوق المسلمين، و لكن كان مجهول الحال بالنسبة إلى الإسلام و كذا يشمل ما إذا كان البائع في دار الكفر مع كونه مسلما، لوجود المناط أعني إسلام البائع.

نعم شمولها لمعلوم الكفر، معلوم العدم، لأنّ اعتبار سوق المسلمين لإثبات إسلام البائع ليجري أصالة التذكية في ذبيحته.

(و منها): ما يدلّ على اعتبار ما صنع بأرض الإسلام بحيث يكون المصنوعية في أرض الإسلام امارة على كون الجلد مصنوعا بيده، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد، عن أيّوب بن نوح، عن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن إسحاق بن عمّار، عن العبد الصالح عليه

السلام قال:

لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني، و فيما صنع في أرض الإسلام، قلت:

فان كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس، «1».

و الظاهر ان المراد من قوله عليه السلام: (إذا كان الغالب، الى آخره) هو الغلبة بمعنى الحكومة و السلطنة، فإذا كانت الأرض تحت حكومة الإسلام و سياسته يقال: ان الغالب على الأرض تحت حكومة الإسلام و سياسته يقال: ان الغالب على الأرض المسلمون، لا انه إذا كان المسلمون أكثر عددا من الكفار كما عن الشهيد الثاني عليه الرحمة، و عن جماعة، لعدم ملاءمة هذا المعنى لما في الخارج، فإن افراد المسلمين في زمان صدور هذا الكلام لم تكن أكثر من افراد الكفار حتى في أراضي الإسلام، و لا سيّما في البلاد التي كانت قريبة بالنسبة

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 5 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 115

الى فتح الإسلام.

و لا يرد على ما ذكرنا ان اللازم من ذلك كون الجلد الذي يكون في أرض يكون أهلها كلا أو غالبا مسلمين محكوما بالميتة إذا كان الحاكم عليهم كافرا.

لان المتعارف في الأراضي التي يكون الحاكم عليهم مسلم كون الافراد الساكنين فيها (عليها، خ ل) أيضا مسلمين، و كذا العكس في طرف العكس كما لا يخفى.

و الظاهر منها ان الجلود التي تؤخذ من البائع محكومة بالتذكية إذا صنعت في أرض الإسلام، سواء كان مأخوذا من يد المسلم أم لا؟

و سواء كان في البلد أم في الفلاة.

نعم لو لم تكن مصنوعة في أرض الإسلام لم يحكم بها و لو كان مأخوذا من يد المسلم كما انه لو صنع في أرض الإسلام يحكم بالتذكية و

لو كان مأخوذا من يد الكافر.

نعم إحراز مصنوعية الجلد في أرض المسلمين يحتاج إلى أمارة فإن كان البائع مسلما لا حاجة الى شي ء آخر من مثل السؤال أو الفحص و ان كان كافرا يلزم السؤال.

و بالجملة يستفاد من هذه الاخبار الثلاثة أمور ثلاثة يرجع بعضها الى بعض بعد التأمّل:

(أحدها): ماخوذيّتها من يد المسلم كما في رواية إسماعيل و سعد.

(ثانيها): ماخوذيتها من أسواق المسلمين كما في رواية الفضلاء.

(ثالثها): مصنوعيتها في أرض الإسلام بالمعنى الذي ذكرناه كما في رواية إسحاق بن عمّار.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 116

و هذه الأمور قريبة المناسبة بعضها مع بعض، لمدخليّة الإسلام في كلها يدا أو سوقا أو أرضا.

و لا معارضة بينهما فان منطوق الاوّلى مدخلية يد المسلم و لا مفهوم لها بالنسبة إلى السوق أو الأرض نفيا و إثباتا كي يقال: ان مفهومها انه إذا لم يكن من يده يكون ميتة سواء كان مأخوذا من يد المسلمين أم لا و سواء صنع بأرض الإسلام فيعارض الأخيرتين، و منطوق الثانية دخالة سوق المسلمين و لا مفهوم بالنسبة إلى يد المسلم الذي يكون في غير سوق المسلمين.

بل الظاهر- كما بيّناه- اعتبار السوق لكونه امارة على يد المسلم و كذا اعتبار المصنوعيّة في أرض الإسلام لكونها أيضا امارة على يده فيرجع بالأخرة إلى يد المسلم أو من كان محكوما بالإسلام كما لو كان في أرض الإسلام.

فتحصّل ان الأصل التذكية إذا كان مأخوذا من يد المسلم أو من بحكمه بمقتضى هذه الروايات الثلاثة.

و مقتضى الروايات المتقدمة جريان أصالة التذكية مطلقا حتى يعلم أنه ميتة فيتعارضان، لان الموضوع في تلك الروايات المشكوك بما هو مشكوك، و الموضوع في هذه الروايات المشكوك الذي في يد المسلم

أو من بحكمه.

فيدور الأمر بين العمل بالأوّلى و طرح دخالة هذه الخصوصية و بين العكس، و حيث ان ظهور هذه الروايات في دخالة القيد أقوى من ظهور تلك في تمام الموضوعيّة فالمتعيّن هو العمل بالمقيد.

و يؤيّد ما ذكرنا- من عدم كون المشكوك تمام الموضوع- اخبار

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 117

الصيد المشار إليها سابقا، حيث انها تدلّ أيضا على ان الموضوع ليس هو المشكوك بما هو هو و ان كان بين ما نحن فيه و اخبار الصيد فرق من جهة أخرى، فإن المقام فيما إذا كان منشأ الشك فعل الغير من حيث التذكية، و الشك في اخبار الصيد انما هو في تحقق ما اعتبره الشارع في الحكم بالحلّية بفعل نفسه من اصابة الرمي أو الصيد أو الكلب كما لا يخفى.

نعم هنا روايات قد يتوهم معارضتها لإطلاق ما استفدنا من الروايات الثلاثة، مثل ما رواه محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: تكره الصلاة في الفراء الّا ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاة «1».

و الذي يمكن ان يكون في وجه التخصيص بأرض الحجاز، انه في مقابل العراق باعتبار ان أهل العراق يستحلّون الميتة و لكن دلالة لفظة (الكراهة) على عدم الجواز محل نظر لعدم ظهورها في الحرمة و ان لم تكن ظاهرة أيضا في الكراهة المصطلحة.

و عن على بن محمد (خال الكليني، ثقة) عن عبد اللّٰه بن إسحاق العلوي (مجهول) عن الحسن بن على (مجهول في هذا الطريق) عن محمد بن سليمان الديلمي (ضعّفوه) عن عثيم بن أسلم النجاشي (مجهول) عن أبي

بصير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصلاة في الفراء فقال:: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام رجلا صردا لا يدفئه فراء الحجاز لان دباغها بالقرظ فكان يبعث الى العراق فيؤتى ممّا قبلكم

______________________________

(1) الوسائل باب 79 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1099 و باب 61 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 2 ص 337.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 118

بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه و القى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك؟ فقال عليه السلام: ان أهل العراق يستحلّون لباس جلود و يزعمون ان دباغه ذكاته «1».

و هذه الرواية- مع مجهولية أكثر رواتها و ضعف سندها- مخالفة فإنّه ان كان لا يجوز الصلاة فيه فلا يجوز لبسه أيضا، و الا فلا مانع من الصلاة فيه، فالمتعيّن حمله على الكراهة بالنسبة إلى الصلاة.

و بالإسناد، عن الحسن بن على، عن محمد بن عبد اللّٰه بن هلال (مجهول)، عن عبد الرحمن بن الحجاج (ثقة) قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: انى ادخل سوق المسلمين اعنى هذا الخلق الذين يدعون الإسلام فاشترى منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها: أ ليس هي ذكية؟ فيقول: بلى، و هل يصلح لي ان أبيعها على انها ذكية؟

فقال: لا و لكن لا بأس ان تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية، قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق الميتة و زعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله «2».

و هذه أيضا كالسابقة- مع ضعف السند- مخالفة للقواعد فإنّها ان كانت في حكم الذكية يجوز بيعها

على انّها ذكية و الّا فلا يجوز مطلقا فالتفصيل غير وجيه، فلا يرفع اليد عن الإطلاقات السابقة.

فعلم ان الجلد المأخوذ من يد المسلم يحكم بتذكيته و ان كان مستحلا للميتة، لإطلاق الدليل، مضافا الى تصريح رواية

______________________________

(1) الوسائل باب 61 حديث 3 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1080.

(2) الوسائل باب 61 حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1081.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 119

إسماعيل بن عيسى «1» بعدم لزوم السؤال و لو كان المسلم غير عارف.

فتحصّل ان الحيوان و أجزائه من الجلد و اللحم و الشحم محكومة بالتذكية إذا أخذت من يد المسلم أو سوق المسلمين أو كانت فيها آثار مصنوعيتها في بلاد الإسلام من غير فرق بين المسلم الشيعي أو سوق الشيعة أو أرضها و بين غيرهم من المخالفين مع اختلاف فرقهم عدا الفرق المحكوم بكفرهم كالغلاة و النواصب و الخوارج و غيرهم، و من غير الفرق المستحلّة لجلد الميتة بالدباغ و غيره.

مسألة 1-: هل يعتبر اخبار ذي اليد مطلقا و لو كان كافرا أم لا؟

الظاهر هو الأوّل كما هو ظاهر الروايات كما في رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشترى جبّة فراء لا يدرى أ ذكية هي أم غير ذكية؟ قال: نعم ليس عليكم المسألة، الى آخره، «2».

و كما في قوله عليه السلام في رواية عبد الرحمن بن الحجّاج: لا بأس ان تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية الى آخره، «3».

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 119

و قوله عليه السلام: في رواية

أخرى لابن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام: انا اشترى الخف من السوق و يصنع و أصلّي فيه، ليس عليكم المسألة و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه انّها ذكية، الى

______________________________

(1) الوسائل باب 50 حديث 7 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1073 و فيه إسماعيل بن عيسى.

(2) الوسائل باب 50 حديث 6 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(3) الوسائل باب 61 حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1081.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 120

آخره «1».

و قوله عليه السلام- في رواية الفضلاء-: كل إذا كان في سوق المسلمين و لا تسأل عنه «2».

و في رواية محمد بن الحسين الأشعري،: كتب بعض أصحابنا الى أبي جعفر الثاني: ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال: إذا كان مضمونا فلا بأس «3».

و في رواية أبي تمامة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ان بلادنا باردة فما تقول في لبس هذه الوبر؟ فقال عليه السلام: أ ليس منها ما أكل و ضمن «4».

و تقريب الاستدلال انّ الروايات الناطقة بعدم لزوم السؤال أو لزومه يراد بها السؤال عن البائع، و هو انما يفيد إذا كان جواب المسئول عنه حجّة و الّا لزم اللغوية في السؤال كما لا يخفى.

هذا مضافا الى ان حجيّة اخبار ذي اليد انما هي لأجل طريقة العقلاء التي قد أمضاها الشارع و لو بعد الردع عنها.

و من هنا يمكن ان يقال: ان قاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به ليست قاعدة تعبديّة ورد بها النفي الخاص، بل هي من الطرق العقلائية بما هم عقلاء.

______________________________

(1) الوسائل باب 50 ذيل حديث 6 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072

(2) الوسائل باب 29

قطعة من حديث 1 من أبواب الذبائح ج 16 ص 94

(3) الوسائل باب 50 حديث 10 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1072.

(4) الوسائل باب 2 حديث 3 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 251.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 121

فإذا أخبر ذو اليد بطهارة شي ء كان متيقّن النجاسة أو كونه مال نفسه أو كون الحيوان مذكى بالتذكية الشرعية فلا بد ان يسمع منه و لو كان المخبر كافرا كما هو الظاهر كالصريح من رواية إسماعيل بن سعد «1».

و من هنا قلنا: بحجية الظواهر و اخبار الآحاد و أصالة البراءة بطريقهم.

و إليها أشير أيضا في رواية زرارة في خبر الاستصحاب بقوله عليه السلام: و ليس لك ينبغي ان تنقض اليقين بالشك «2» حيث انه عليه السلام تمسّك في إفادة المطلب بما ليس تعبديا بل ارتكازيا عقلائيا كما لا يخفى.

تنبيه قد يقال: بأن أصالة عدم التذكية لا تثبت كون هذا اللحم الخاص غير مذكى

كي يترتب عليه آثار الغير المذكى من الحرمة و النجاسة، نعم لا يترتب عليه آثار المذكى، كما ان بأصالة عدم كون المرأة حائضا أو عدم رؤيتها دم الحيض لا يثبت كون الدم الخارج ليس بدم الحيض فيحكم بكونه استحاضة.

(و فيه) ان وجه عدم إثباته كونه ليس بدم الحيض هو اختلاف

______________________________

(1) لا حظ الوسائل باب 50 حديث 7 من أبواب النجاسات ج 2، ص 1073، و فيه إسماعيل بن عيسى.

(2) الوسائل باب 41 قطعة من حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1062.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 122

العنوان و المعنون في المستصحب و المثبت، فان عنوان عدم اتصاف المرأة بكونها حائضا غير عنوان عدم كون الدم حيضا، و المتّصف في الأوّل غير المتصف في الثاني.

و هذا بخلاف المقام، فان عدم التذكية

المحرز بالأصل عين غير المذكى مفهوما و عنوانا و مصداقا، فلا مانع من إثباته به، بل إحراز أحدهما عين إحراز الآخر، كما لا يخفى.

و حيث انه يمكن ان يفهم من عبارة القائل غير ما فهمناه فاللازم نقل عبارته بعينها:

قال المحقق الهمداني عليه الرحمة في مصباح الفقيه في مسألة عدم جواز استعمال الجلود الغير المذكاة، بعد بيان جريان أصالة عدم التذكية في المشكوك كونه مذكّى، ما هذا لفظه:

لكن لقائل أن يقول: انه لا يثبت بهذا الأصل كون اللحم غير مذكى حتى يحكم بحرمته و نجاسته كما انه لا يثبت بأصالة عدم صيرورة المرأة حائضا أو أصالة عدم رؤية المرأة دم الحيض، كون الدم المرئي دم غير الحيض حتى يحكم بكونه استحاضة الّا على القول بالأصل المثبت و هو خلاف التحقيق فمقتضى القاعدة هو التفكيك بين الآثار، فما كان منها مرتّبا على عدم كون اللحم مذكى كعدم حليته و عدم جواز الصلاة فيه و عدم طهارته و غير ذلك من الأحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات التي تكون التذكية شرطا في ثبوتها ترتب عليه، فيقال: الأصل عدم تعلّق التذكية بهذا اللحم الذي زهق روحه، فلا يحل اكله، و لا الصلاة فيه، و لا استعماله فيما يشترط بالطهارة و اما الآثار المترتبة على كونه غير مذكى كالأحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميّات كحرمة اكله

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 123

و نجاسته و تنجيس ملاقيه و حرمة الانتفاع به ببيعه أو استعماله في سائر الأشياء الغير المشروطة بالطهارة كسقي بساتين و إحراقه على القول بها و غير ذلك من الأحكام المعلّقة على عنوان الميتة أو غير المذكى فلا (انتهى موضع الحاجة من كلامه، زيد في علوّ مقامه).

و حاصل ما

أفاده في طرف تعيين الموضوع هو الفرق بين عدم كون الحيوان مذكى و كونه غير مذكى، و الذي يكون موضوعا للاستصحاب هو الأوّل، و الذي يكون لا يثبت إلّا بالأصل المثبت هو الثاني.

و لكن الظاهر عدم ورود الإشكال، لانه اما ان يكون المراد هو التفكيك من حيث الموضوع بمعنى ان موضوع عدم الحرمة مثلا عدم كونه مذكى، و موضوع الحرمة كونه غير مذكى، فهو غير مسلّم لان المراد من غير المذكى هو كونه بحيث لم يذك بنحو السالبة البسيطة، فهو عين موضوع المستصحب.

و ان كان المراد إثبات كونه غير مذكى، بمعنى ان الوصف الغير المذكى ثابت لهذا الموضوع بنحو المعدولة المحمول، فهو و ان كان حقا بتقريب ان يقال: ان المذكى عبارة عن زهاق الروح من الحيوان بالأسباب المخصوصة مع الكيفية المخصوصة، و غير المذكى له موضوعان (أحدهما): ما لم يقع عليه التذكية المخصوصة، (ثانيهما): ما زهق روحه بغير السبب المخصوص، فإثبات الأوّل بالأصل لا يوجب إثبات الثاني و المفروض عدم الحالة السابقة له مستقلا.

الّا انه بهذا المعنى لم يقع موضوعا للأحكام و الآثار الشرعية، بل الموضوع لها حيوان أو لحم أو لجلد لم يثبت له التذكية و لو بنحو السالبة و المفروض ثبوت هذا النحو من الموضوع بأصالة عدم التذكية.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 124

و ان كان المراد انه مغاير للتذكية فيقال: إنه بأصالة عدم التذكية لا يثبت انه مغاير للمذكى، فهو مع اشتراكه في عدم كونه موضوعا في الأدلة، لا ينافي عدم كونه مذكى الذي هو الموضوع المستصحب لانه يصدق عليه انه مغاير للمذكى.

(و اما) «1» ان يكون المراد هو التفكيك من حيث الآثار بمعنى التفرقة بين عدم الحلّية و الحرمة

و كذا بين عدم الطهارة و النجاسة، فلم يعلم له وجه، لان الآثار العدمية المنتزعة من الآثار الوجودية- كما اعترف به قدّس سره في كلامه- المترتبة على المذكى لا يحتاج الى دليل سوى الدليل الدال على إثبات ذلك الموضوع.

و بالجملة يكفي في ثبوت الآثار الوجودية ثبوت الموضوع، و في الآثار العدمية عدم ثبوت ما هو الموضوع للآثار الوجودية و لا يحتاج في نفى تلك الآثار الى دليل، بل يكفى عدم الدليل على ثبوتها، مضافا الى انه لا معنى لترتيب عدم الحلّية و الطهارة و عدم جواز الصلاة إلّا الحرمة و النجاسة و البطلان للصلاة.

ثم أورد قدّس سره على نفسه بقوله: ان قلت: لا يمكن التفكيك بين عدم الحلّية و الطهارة و بين ما يلازمهما في الحرمة و النجاسة لا لمجرد الملازمة العقلية حتى يتوجه عليه التفكيك بين اللوازم و المفردات في مقتضيات الأصول غير عزيز، بل لقوله عليه السلام كل شي ء لك حلال حتى تعلم انّه حرام «2» و كل شي ء نظيف حتى تعلم انّه قذر «3» و المفروض

______________________________

(1) عطف على قولنا: ان يكون المراد هو التفكيك من حيث الموضوع.

(2) الوسائل باب 4 قطعة من حديث 4 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 60.

(3) الوسائل باب 37 قطعة من حديث 4 من أبواب النجاسة ج 2 ص 54.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 125

انه لم يحرز قذارته و حرمته بأصالة عدم التذكية حتى يقال: بحكومتها على أصالتي الحل و الطهارة.

فالقول بان هذا الشي ء لم يعلم حرمته و نجاسته و لكنه ليس بحلال و لا طاهر مناقض.

فأجاب بقوله- ره-: (قلت: الشي ء المأخوذ موضوعا للحكمين هو الشي ء المشكوك الحلية و الطهارة لا المقطوع

بعدمهما كما هو الشأن في جميع الأحكام الظاهرية المجهولة للشاك و حيث ألغى الشارع احتمال الحلية و الطهارة فنزله منزلة العدم بواسطة أصالة عدم التذكية، خرج المفروض من موضوع الأصلين حكما، فكما ان استصحاب نجاسة شي ء حاكم على قاعدة الطهارة كذلك استصحاب عدم طهارته أيضا حاكم عليها و كذلك الأصل الموضوعي الذي يترتب عليه هذا الأمر العدمي لما هو واضح)، (انتهى).

و في الجواب نظر و ان كان أصل السؤال- بناء على ما ذكرنا- لا احتياج إليه في ترتيب آثار المذكى.

اما الأوّل: فلأنه بعد فرض حكم الشارع بأنه لم يذك، فلا وجه لان يقال بعدم جريان قاعدتي الطهارة و الحلية، فإن الموضوع لهما ليس هو الشي ء مع قيد كونه مشكوك التذكية، بل هو في حالة عدم ثبوت موضوع الحرمة و النجاسة و المفروض التفاته بأصالة عدم التذكية باعترافه قدّس سرّه.

(و بعبارة أخرى): المستفاد من قوله عليه السلام: كلّ شي ء الى آخره، هو الحكم بالطهارة و الحلّية على كلّ شي ء ما لم يعلم حرمته و نجاسته.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 126

و اما الثاني: فإنا قد ذكرنا ان المذكى له قيد وجودي مسبوق بالعدم، دون الميتة فإذا شك في تحققه فالأصل عدمه، فيترتب عليه آثار غير المذكى، لان المفروض ان زهوق الروح محرز بالوجدان، و عدم تحقق القيد محرز بالأصل، و الحرمة و النجاسة مترتبان على ما زهق روحه لا بالكيفية المخصوصة.

و قد يقال «1» بعدم جريان أصالة عدم التذكية فيما إذا كان منشأ الشك هو احتمال كون المشكوك ممّا ذكى قطعا بمعنى انه إذا كان هناك مذكى و غير مذكى و شك في انه من أيهما فلا يجوز التمسك بالأصل لأنه تمسك بالعموم في الشبهة

المصداقية لنقض اليقين بالشك، لاحتمال كونه من مصاديق نقض اليقين باليقين بان يكون من افراد ما ذكى قطعا بحسب الواقع و هو غير جائز و لا سيّما إذا كان اشتباهه من حيث شمول العام له فإنه مجمع على عدم جوازه.

(و فيه): ان المذكى ليس عبارة عن الأفعال المخصوصة الواقعة على خصوص الأوداج، بل الظاهر مؤيّدا بالآية و الروايات ان التذكية تقع على جميع اجراء بدن الحيوان من الجلد و اللحم بل و العظم و الشعر ممّا لا تحلّ فيه الحياة فإن للروح الحيواني تعلقا أيضا من حيث النمو و لذا يفسد العظم بعد خروج الروح و يصير رميما.

فإذا شك في كل واحد منهما انه مذكى أو غيره فالأصل يجرى بلا مانع.

______________________________

(1) القائل هو المؤسس لأساس الحوزة المقدسة العلمية في البلدة الطيبة (قم) آية اللّٰه العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري- قدّس نفسه الزكية- في صلاته.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 127

نعم لو قيل: ان موضوع المذكى هو الحيوان بما هو، يمكن ان يقال: بعدم جريان الاستصحاب في أجزائه كما هو المتراءى من عبارة هذا القائل، لكنه أيضا محل اشكال، بل منع كما سنذكره- إن شاء اللّٰه- بعد نقل عبارة القائل.

فالأولى نقل عبارته قدّس سره، قال:- بعد بيان القول بكون المشكوك تذكيته محكوما بعدمها، سواء كانت التذكية عبارة عن الأفعال المخصوصة الواردة على المحلّ القابل أو حالة بسيطة تتحصّل من تلك الافعال- ما هذا لفظه:

نعم على الأوّل «1» موضوع الأصل هو الحيوان لا الجلد، فيشكل الحكم بعدم التذكية فيما لم يكن هناك حيوان شك في تذكيته، كما إذا قطعنا بكون الحيوان المخصوص المذبوح في الخارج و الآخر المعين ميتة و شك في ان الجلد من

أيّهما لعدم كون حيوان في الخارج مشكوك التذكية حتى يحكم بعدم تذكيته بالأصل، و انما الشك في الجلد المخصوص مأخوذ من أيّهما و لا أصل في البين يعين كونه مأخوذا من الميتة.

و امّا بناء على ما قلنا: من ان التذكية عبارة عن حالة بسيطة تتحصّل في الأفعال فلا إشكال في ان تلك الحالة تسرى في جميع أجزاء الحيوان ممّا تحلّه الحياة فاللحم يصير مذكى بواسطة تلك الافعال، و كذا الجلد فيصح ان يقال: ان الجلد المخصوص يشك في ورود التذكية عليه و الأصل عدمه.

(و لقائل) أن يقول:- بعد فرض كون الجلد المفروض ممّا يحتمل

______________________________

(1) يعنى بناء على كون التذكية عبارة عن الأفعال المخصوصة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 128

ان يكون منفصلا من الحيوان المذكى بالقطع التفصيلي- لا مجال لاستصحاب عدم التذكية، لأن رفع اليد عن عدم التذكية يمكن ان يكون من مصاديق نقض اليقين باليقين لا بالشك، فان الجلد المفروض لو كان هو الذي نعلم تفصيلا بتذكيته، انتقض اليقين السابق باليقين، فالتمسّك بعموم لا تنقض في المثال لا يمكن مع الشبهة في المصداق (انتهى موضع الحاجة من كلامه، زيد في علوّ مقامه).

و الظاهر ان التذكية ان كانت عبارة عن الأفعال المخصوصة الواردة على الحيوان و كان هو مشكوك التذكية فلا إشكال في إجراء أصالة عدم التذكية، و ان كان المشكوك أجزاء الحيوان كالجلد و اللحم و الشحم- مثلا- فلا إشكال أيضا.

فيقال: الأصل عدم كون الحيوان الذي هذا المشكوك جزء منه مذكى.

و ان كانت عبارة عن حالة بسيطة تتحصّل بالأفعال المخصوصة فلا إشكال أيضا في جريانها بالنسبة إلى الحيوان بجملته و كذا بالنسبة إلى أجزائه، بناء على ما هو التحقيق من سريان زهوق الروح

في جميع أجزاء بدن الحيوان، فكلّ واحد منهما كان مسبوقا بعدمها.

نعم لو كانت الميتة عبارة عن زهوق الروح بسبب غير التذكية و كانت الحرمة أو النجاسة مترتبة على الميتة بهذا المعنى لم يثبت باستصحاب عدم التذكية.

لكن قد أشرنا سابقا الى ما فيه، من عدم كون الميتة عبارة عمّا ذكر أوّلا، و على تقدير تسليم ذلك كما قد يستظهر ذلك من مقابلة الميتة للمنخنقة و الموقوذة نقول: ان موضوع الحرمة أو النجاسة أعم من ذلك ثانيا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 129

هذا كلّه إذا كان المشكوك واحدا.

و اما إذا كان متعددا و علم بتذكية أحدهما و عدم تذكية الآخر من غير تعيين، فالظاهر جريانها أيضا في كليهما، لان العلم الإجمالي بكون أحدهما مذكى لا يوجب تكليفا إلزاميّا فلا مانع من إجراء الأصلين كما في الإناءين المسبوقين بالنجاسة ثم علم بطهارة أحدهما.

نعم على القول في وجه، بعدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي من لزوم التناقض لا يجرى هنا لكنه غير تام كما قد قرّر في محلّه.

و لو كان المعلوم كون كل من الطرفين معنونا بعنوان و اشتبه هذا العنوان فهل يجرى فيه الأصل أيضا أم لا؟ وجهان، فلو كان هناك غنما أحدهما لزيد و الآخر لعمرو ثم علم بكون غنم زيد مذكّى و غنم عمرو غير مذكى، ثم اقتطع من أحدهما قطعة لحم و لم يعلم انه من أيّهما ففي جريان أصالة عدم التذكية و عدمها وجهان:

(من) ان كلّ واحد بما هو مشكوك مع قطع النظر عن العلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع.

(و من) ان العنوان لمّا كان معلوما و اشتبه هذا المعلوم بين العنوانين و لم نعمل على طبق الحالة السابقة لم يحرز انّه نقض

اليقين بالشك فيكون مشمولا للأدلّة الدالة على النهي عن نقض اليقين، كما لا يخفى.

و لكن لا يبعد أولوية الوجه الأوّل، فإن المناط في جريان دليل الاستصحاب الشك الفعلي، و معلومية العنوان لا دخل لها في جريان أصالة عدم التذكية و عدم جريانها، فان هذا اللحم المنتزع من الحيوان المعلوم العنوان واقعا المجهول ظاهرا، مسبوق بعدم التذكية، فالأصل أيضا يقتضي عدمها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 130

الثاني من الشرائط عدم كون اللباس من أجزاء ما لا يؤكل لحمه

اشارة

و هذا الحكم من متفرّدات الإماميّة و لم يقل به أحد من فرق المسلمين، و الروايات الدالة عليه كثيرة و لكن أكثرها ضعيف السند.

نعم ما رواه ابن بكر حسنة أو موثقة، فلذا تأمّل صاحب المدارك في أصل هذا الحكم بناء على أصله من عدم حجيّة الروايات الّا ما كانت صحيحة اعلائية، و هي ما كانت الرواة في جميع الطبقات عدولا معدّلين بعدلين.

لكن التأمّل في غير محلّه، لان عمدة الدليل على حجيّة الروايات ليس الّا بناء العقلاء في أوامرهم العرفية و هو موجود في الحكم المذكور فإنه لم يخالف أحد من العلماء المتقدّمين عليه، بل ادعى الشيخ في الخلاف و السيد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية و العلّامة في المنتهى و نهاية الإحكام و التذكرة الإجماع، و في المعتبر للمحقق، في مسألة جلد مالا يؤكل، هذا الحكم مشهور عن أهل للبيت عليهم السلام.

هذا مع تفرّد الإمامية، مع كون المسألة ممّا تعمّ به البلوى، يقطع بكون هذا الحكم عن أهل البيت عليهم السلام، و تأمّل صاحب المدارك قد نشأ و حدث في العصر المتأخر (1027) عن عصر العلماء المتقدمين الذين هم المتوسطون بيننا و بين الأئمة عليهم السلام، فلا إشكال في أصل الحكم في الجملة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1،

ص: 131

هذا مع وجود الموثقة أيضا، و عمل العلماء بها، مؤيّدة بالأخبار الأخر فلنذكر

الأخبار الواردة و هي على أقسام:
اشارة

(منها): ما يدل بنحو العموم على عدم جواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه.

(و منها): ما ورد في خصوص السباع.

(و منها): ما ورد في الموارد الجزئية كالثعلب و الأرنب و نحوهما.

اما الأوّل [ما يدل بنحو العموم]

فهي كثيرة فروى الشيخ رحمه اللّٰه عن الكليني رحمه اللّٰه عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، قال:

سأل زرارة أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فاخرج كتابا زعم انه إملاء رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: ان الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّى في غيره مما أحل اللّٰه اكله، ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت انه مذكى و قد ذكاه الذبح، و ان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كل شي ء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه «1».

و في العلل، عن على بن احمد، عن محمد بن أبي عبد اللّٰه، عن محمد بن إسماعيل، بإسناده يرفعه الى أبي عبد اللّٰه عليه السلام: قال:

لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ممّا لا يؤكل لحمه، لأن أكثرها

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 250.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 132

مسوخ «1».

و في التهذيب

بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن عمر ابن على بن عمر بن يزيد، عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: كتب اليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر مما لا يؤكل من غير تقيّة و لا ضرورة؟

فكتب: لا تجوز الصلاة فيه «2».

و روى الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن حماد بن عمرو، و انس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه في وصية النبي صلى اللّٰه عليه و آله لعلي عليه السلام: قال: يا على لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه «3».

و روى الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن محمد، عن عبد اللّٰه بن إسحاق العلوي، عن الحسن بن على، عن محمد بن سليمان الديلمي عن على (محمد، خ ل) بن أبي حمزة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام أو أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء و الصلاة فيها، قال: لا تصل فيها الّا ما كان منه ذكيا، قال: أو ليس الذكي مما ذكى بالحديد؟

قال: نعم (بلى، خ ل) إذا كان مما يؤكل لحمه «4».

و في الهداية للصدوق، قال الصادق عليه السلام: صل في شعر و وبر كل ما أكلت لحمه و ما لا يؤكل لحمه فلا تصلّ في شعره و وبره «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 251.

(2) المصدر، الحديث 4.

(3) المصدر، الحديث 5.

(4) المصدر، الحديث 2.

(5) المصدر، الحديث

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 133

و في الفقه المنسوب الى الرضا عليه السلام: و إيّاك ان تصلّى في الثعالب، في ثوب تحته جلد ثعالب، و صلّ في الخزّ إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب «1». (انتهى)

و في الوسائل نقلا من كتاب تحف العقول للحسن بن على بن شعبة عن الصادق عليه السلام في حديث، قال: و كلّ ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه و الصلاة فيه، و كلّ شي ء يحلّ لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي منه، و صوفه، و شعره و وبره، و ان كان الصوف و الشعر و الريش من الميتة و غير الميتة ذكيا فلا بأس بلبس ذلك و الصلاة فيه «2».

و في المستدرك: فقه الرضا عليه السلام: لا بأس بالصلاة في شعر و وبر كل ما أكلت لحمه و الصوف منه، و قال في موضع آخر: اعلم يرحمك اللّٰه ان كل شي ء أنبته الأرض فلا بأس بلبسه و الصلاة فيه و كلّ شي ء حلّ أكل لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي و صوفه و شعره و وبره و ريشه و عظامه.

دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث: و لا يصلّى بشي ء من جلود السباع و لا يسجد و كذلك كلّ شي ء لا يحلّ اكله.

و روينا عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: انه ذكر ما يحل من اللباس بقول مجمل، فقال: كل ما أنبت الأرض فلا بأس بلبسه و الصلاة، و كل شي ء يحل اكله فلا بأس بلبس جلدة إذا ذكى، و صوفه و شعره و وبره و ان لم يكن ذكيا فلا خير في شي ء من ذلك منه.

______________________________

(1) فقه الرضا (ع) باب اللباس إلخ، ص 157، طبع مؤسسة أهل البيت.

(2) الوسائل باب 2 حديث 8 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 252.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 134

البحار، عن العلل لمحمد بن على بن إبراهيم، قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه

عليه و آله: لا يصلّى في ثوب مالا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه «1» (انتهى ما في المستدرك).

و اما القسم الثاني من الروايات

ففي الكافي: محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن سعد بن الأحوص قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الصلاة في جلود السباع فقال: لا تصلّ فيها «2» الحديث.

و روى الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن لحوم السباع و جلودها فقال: اما لحوم السباع فمن الطير و الدواب فانا نكرهه، و امّا الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا تصلّون فيها «3».

و في عيون اخبار الرضا عليه السلام: حدثنا عبد الواحد بن محمد ابن عبدوس النيسابوري العطار بنيسابور في شعبان سنة 352 قال:

حدثنا على بن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، قال:

سأل المأمون على بن موسى الرضا عليهما السلام ان يكتب له محض الإسلام (الى ان قال): و لا يصلّى في جلود الميتة، و لا في جلود السباع «4».

و اما القسم الثالث:

فالاخبار فيه كثيرة جدا فمن شاء فليراجع الوسائل «5» و المستدرك «6».

______________________________

(1) المستدرك باب 3/ 4/ 7 من أبواب لباس المصلى ج 1 ص 201 من الطبع الأول.

(2) الوسائل باب 6 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 257.

(3) الوسائل باب 5 حديث 3 و 4 من أبواب لباس المصلي

(4) الوسائل باب 6 حديث 3 من أبواب لباس المصلي.

(5) الوسائل باب 7 من أبواب لباس المصلي

(6) المستدرك باب 7 من أبواب لباس المصلي ج 1 ص 201.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 135

إذا عرفت هذه الاخبار فاعلم انّ هنا جهات من البحث:
(الاولى): هل الحكم مختصّ بالملابس أم يعمّ مطلق ما يصلح ان يكون منه اللباس،

أم يعمّ مطلق الاجزاء التي جزئيتها فعليّة فيشمل مثل الريق و البزاق، أم يعمّ مطلق ما يكون ممّا لا يؤكل لحمه و لو لم يكن جزء فعلا كالروث و البول و اللبن، ثم هل يشمل المحمول أيضا أم يختصّ بما يقع على اللباس فقط؟

فنقول: ان جعلنا الدليل على الحكم غير موثقة ابن بكير فيمكن التمسّك حينئذ بالقدر المتيقّن لعدم وجود رواية صحيحة في ذلك فالقدر المتيقن حينئذ هو الملابس دون غيرها كما استظهره الشهيدان.

و قد يستدلّ للعموم برواية إبراهيم بن محمد بن عمر الهمداني الذي كان وكيلا من ناحية العسكري عليه السلام التي تقدّم ذكرها «1» حيث منع الصلاة من ثوب وقع عليه الشعر و الوبر.

و فيه ان الدليل أخصّ من المدعى، فان تلك الرواية لا تدلّ الّا على المنع عن الصلاة في الأجزاء التي جزئيتها فعلية لا مطلق ما يكون مما لا يؤكل، و لا هي إذا كانت محمولة بل لا تشمل مثلا استصحاب العظم و اللحم، فالاستدلال على العموم بهذه الرواية في غير محلّه.

و اما ان جعلنا الدليل على أصل الحكم، موثقة ابن بكير، فهل يشمل جميع

ما ذكرناه من الاحتمالات كما نسب الى ظاهر المشهور أم لا؟

فالمنقول عن الوحيد البهبهاني عليه الرحمة حمل لفظة (في) الظاهرة في الظرفية الحقيقية على المصاحبة، فيكون المعنى ان الصلاة مع الوبر و الشعر، الى آخره، فيكون الحكم عاما لكلّ ما ذكرنا.

______________________________

(1) الوسائل باب 17 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 277.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 136

و قد نوقش بإمكان حملها على حذف الصفة، فيقال: ان الصلاة في الثوب المتلطّخ بأحدهما في الوبر و الشعر و البول و الروث، الى آخره، فلا يشمل المحمول حينئذ، نعم يعمّ ما إذا سقط شعرة على لباسه و نحوه.

و أجيب عنه بان المجاز اولى من الإضمار عند الدوران كما قرّر في باب تعارض الأحوال «1».

و يمكن ان يقال: بأنه لو دار الأمر بين المعنيين: المصاحبة و ارادة تلطخ الثوب بأحد الأمور المذكورة فلا شبهة في كون الثاني أظهر سواء قلنا في باب تعارض الأحوال بأولوية المجاز من الإضمار أم لا.

لكن يمكن ارادة المعنى الحقيقي من لفظة (من) بان يقال: كما ان العرف يعتبر الظرفية بالنسبة إلى اللباس باعتبار إحاطته بالمصلي و كونه محاطا فكأنه «2» فيه، فكذلك يعتبر بالنسبة الى أجزاء اللباس فإذا كان بعض اجزائه مما لا يؤكل يصدق انه صلّى فيه.

و بعبارة أخرى: صدق الصلاة فيه بملاحظة صدور أفعال الصلاة من المصلى الذي يكون مظروفا للباس بنحو من الاعتبار العرفي من غير فرق بين الكلّ و الجزء، فإذا وقع شعرة ممّا لا يؤكل لحمه على ثوبه يصدق انّه صلّى فيها بهذا المقدار من الشعرة، فكما إذا كان اللباس نفسه من تلك الاجزاء يصدق انه صلى فيها، فكذلك إذا كان قطعة من اللباس متلطّخا

بها، يصدق انه صلى فيها، لان مجموع اللباس كما يكون ظرفا

______________________________

(1) المراد بالأحوال الحالات الطارية على الألفاظ كالاضمار و المجاز و الاشتراك بقسميه و نحوهما.

(2) يعنى: فكأنّ المصلّى في اللباس.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 137

باعتبار إحاطته للمصلّي، فكذا اجزائه بلا تجوّز و لا إضمار، و هذا المقدار من الظرفية كاف أيضا في المحمول و ان كان في صدقها حينئذ نوع خفاء.

فتحصّل انه لا فرق في أجزاء ما لا يؤكل بين الجلد و العظم و الوبر و الصوف و الشعر و البزاق و سائر الرطوبات في بطلان الصلاة سواء كانت ملبوسا أو على اللباس.

الجهة الثانية: هل الأخبار شاملة لاجزاء الإنسان سواء كانت من نفسه أو من غيره أم لا؟

قد يقال: بانصراف لفظ الحيوان الى غير الإنسان باعتبار انه و ان كان بالتحليل مركبا من حيوان و ناطق الّا انه لا يسمّى حيوانا عند العرف.

(و فيه): انه و ان كان كذلك الّا ان الدليل ليس بلسان الحيوان، بل بعنوان ما لا يؤكل لحمه و هو عام للإنسان أيضا.

فالأولى: الاستدلال لعدم المنع بجريان سيرة المسلمين من صدر الإسلام إلى زماننا هذا على عدم الاحتراز عن أجزاء الإنسان، مع ان المسألة ممّا تعم به البلوى و لازم ذلك ذكره بالخصوص على المنع كما لا يخفى.

و يؤيّده أيضا ما رواه الصدوق عليه الرحمة، بإسناده، عن على ابن الريان بن الصلت انه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام: يأخذ من شعره و أظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من غير ان ينفضه من ثوبه؟ قال:

لا بأس «1».

و ما رواه الشيخ عليه الرحمة بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن على بن الريان، قال: كتبت الى أبي الحسن عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل باب 18 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص

277.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 138

هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان و أظفاره من قبل ان ينفضه و يلقيه عنه، فوقّع عليه السلام: يجوز. «1».

و استظهار تعددها من قوله في الأولى: سأل، الى آخره، و في الثانية: كتبت، الى آخره، مع كون السؤال أعم من ان يكون مشافهة أو مكاتبة، غير تام.

نعم لو نسج أو صنع من شعر الإنسان لباس ففي جواز الصلاة فيه و عدمه وجهان، منشأهما كون دليل خروج أجزاء الإنسان هل الانصراف فلا مانع، أو المسيرة فمشكل لعدم إحراز السيرة كذلك.

(الجهة الثالثة): هل الحكم مختص بما تتم فيه الصلاة أم يعم بالنسبة إليه أيضا؟
اشارة

وجهان، نقل عن الشيخ في المبسوط الأوّل و استدلّ العلامة في المختلف باستقراء موارد احكام ما لا تتم فيه الصلاة قال في المختلف:

احتج الشيخ رحمه اللّٰه تعالى: بأنّه قد ثبت للتكة و القلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصلاة فيها و ان كانا نجسين أو من حرير محض، فكذا يحوز لو كانا من وبر الأرانب و غيرها (انتهى موضع الحاجة).

(و فيه): ان ظاهر هذا الاستدلال قياس لا نقول به.

و قد يقال: ان مراد العلّامة استظهار هذا الحكم من الموارد العديدة بإلغاء الخصوصية لا القياس المصطلح الممنوع، فهذا نظير استظهار عدم خصوصية الرجولية في قوله: رجل شك بين الثلاث و الأربع فتلغى خصوصية الرجولية فتصير المرأة أو الخنثى أيضا شريكة في البناء على الأكثر.

فيقال في المقام: ان النص و ان كان واردا في مسألة ما لا تتم في خصوص النجاسة الّا انه تلغى هي فيعمّ الحكم لاجزاء ما لا يؤكل أيضا

______________________________

(1) الوسائل باب 18 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 277.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 139

بل كلّ ما

يكون وجوده مانعا من صحتها كالميتة.

(و فيه): ان هذا التأويل و ان كان حقا في الجملة الّا انّه لا يجدي في خصوص المقام، فان مجرد استقراء موضعين كالنجاسة و الحريرية لا يوجب الاستقراء لإلغاء خصوصيّة المورد.

و يمكن الاستدلال للشيخ رحمه اللّٰه بل و للعلّامة في استدلاله رحمه اللّٰه بإطلاق ما دل على العفو عما لا تجوز الصلاة فيه وحده بقرينة.

مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه عن سعد، عن موسى بن الحسن، عن احمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكّة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلّى فيه «1» دلّت بإطلاقها على جواز الصلاة فيما لا تتم، سواء كان نجسا أو ميتة أو غير مأكول أو حرير محض، و القرينة على ذلك انّه الأمور المذكورة في الروايات انّما هي من باب المثال و وجه التصريح بالإبريسم هو كونه أحد أفراد ما لا تجوز الصلاة فيه، و ذكر الخف أيضا ممّا يؤيّد ما استظهرناه لأن الخف لا يكون من الإبريسم فلا بد ان يكون من الموانع.

و فيه: (أولا): معارضتها بالنسبة إلى خصوص الحرير المحض قد صرّح به في المثال مع رواية محمد بن عبد الجبار، رواها الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى، عنه قال: كتبت الى أبي محمد عليه السلام اسئله: هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر مالا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب عليه السلام: لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و ان كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة

______________________________

(1) الوسائل

باب 14 حديث 2 من أبواب لباس المصلّى ج 3 ص 273.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 140

فيه إن شاء اللّٰه «1».

قوله عليه السلام: (و ان كان الوبر، الى آخره) سيأتي المراد منه إن شاء اللّٰه.

و هذه الرواية مقدّمة على تلك من حيث السند.

و مع رواية على بن مهزيار رواها الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عنه قال: كتب إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب من غير تقيّة و لا ضرورة؟ فكتب: لا تجوز الصلاة فيها «2».

فان ظاهرها جواز الصلاة فيما لا تتمّ إذا كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه وحده.

(و ثانيا) «3» كونها بنفسها ضعيفة السند لا تبلغ حدّ الحجية لوجود احمد بن هلال الذي روى الكشي انه ورد في حقّه عن أبي محمد العسكري عليه السلام: احذروا الصوفي المتصنع، الى آخره «4».

الّا ان يقال: ان رواية (موسى بن حسن) و هو موسى بن حسن ابن عامر بن عبد اللّٰه الأشعري الذي كان من أجلاء الإمامية و قد صنف كتبا عديدة في الفقه، و قد قال النجاشي رحمه اللّٰه في حقه: (ثقة، عين جليل) جابرة لضعف احمد بن هلال.

لكنه مشكل مع تفرّده بنقل هذه الرواية، عن ابن أبي عمير و لم يروه أحد من الأصحاب و لا ما يوافق مضمونها من سائر الروايات.

______________________________

(1) الوسائل باب 14 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

(2) الوسائل باب 7 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 258.

(3) عطف على قولنا: و فيه أوّلا معارضتها.

(4) رجال الكشي في أحمد بن هلال ص 332 طبع بمبئى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 141

هذا، و لكن يمكن ان يجاب عن الأوّل

بعدم صراحة الروايتين المذكورتين بعنوان المعارضة في جواز الصلاة فيما لا تتم لا مكان حملها على الكراهة جمعا.

فالعمدة هو الإيراد الثاني و هو ضعف السند فلولاه لأمكن العمل على طبقها أيضا، و الشهرة على وفقها غير ثابتة كي تصير جابرة فتكون موثقة ابن بكير الدالة على عدم الجواز المعمولة بين الأصحاب- كما تقدم- محكّمة.

نعم يبقى الكلام

في ذيل صحيحة محمد بن عبد الجبار حيث قال عليه السلام:

(و ان كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّٰه) فان ظاهره المعارضة مع موثقة ابن بكير بالنسبة الى ما لا تتم فيه الصلاة.

و قد يحتمل ان يكون معنى قوله عليه السلام: (ان كان الوبر ذكيا) (ان كان طاهرا).

لكنه ممنوع بان الزكي مع الزاء أخت الراء هو بمعنى الطاهر لا الذكي مع الذال أخت الدال.

كما ان احتمال ارادة كون الحيوان الذي يؤخذ منه الوبر مذكى مدفوع بأن التذكية لا دخل لها في جواز الصلاة في وبره و عدمه، لجواز نتفه و استعماله إذا كان ممّا يؤكل و لو كان ميتة، و عدم جواز الصلاة فيه إذا كان ممّا لا يؤكل لحمه و لو كان مذكى فالتذكية غير مؤثّرة في جواز استعمال الوبر في الصلاة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 142

الّا ان يقال: ان المراد انه إذا كان ميتا و كان منتوفا يحتاج الى تطهيره بخلاف ما إذا كان مذكى فلا حاجة الى غسله فالمراد انّه لا حاجة الى غسله إذا كان ذكيا.

لكن حمله على هذا المعنى بعيد، فلا مناص الّا عن العمل بمقتضى قواعد المعارضة فنقول: ان الترجيح لموثقة ابن بكير لموافقتها للمشهور و هو أوّل المرجحات و لمخالفتها للعامة و هو ثاني المرجحات و مخالفة صحيحة محمد بن

عبد الجبار للمشهور و موافقتها للعامة.

(الجهة الرابعة): ما ذكرناه في الجهات الثلاث كان الكلام فيه في سنخ اللباس، و اما حكم الصلاة فيها
اشارة

بالنسبة إلى سنخ الحيوان بمعنى ان الحكم هل هو عام لكل حيوان أم مختصّ ببعض اقسامه دون بعض.

فنقول: انه يحتمل في بدو النظر احتمالات ثلاثة:

الأوّل: الاختصاص بما له لحم دون غيره.

الثاني: الاختصاص بما هو ممكن ان يؤكل بحسب المتعارف لو لا المنع الشرعي.

الثالث: الاختصاص بما له نفس سائلة دون غيره.

الرابع: العموم لكل حيوان الّا ما خرج.

و العمدة في مأخذ هذه الاحتمالات و مداركها و الظاهر انّ مأخذها موثقة ابن بكير.

و لا يخفى ان (لازم الأوّل) خروج الحيوانات التي ليس لها لحم كالحشرات و كثير من الحيوانات التي تطير كالبق و أمثاله و دخول نحو السمك و الحيّة عن موضوع الحكم جوازا و منعا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 143

(و لازم الثاني) خروج الحيوانات التي لا يكون أكلها متعارفا و دخول نحو الجراد الغير المأكول لكون أكلها متعارفا بين العرب في الجملة.

(و لازم الثالث) خروج الحيوانات التي ليس لها دم سائل و لو كانت ذا لحم كالسمك و الحية و أمثالهما.

(و اما الرابع) فحكمه واضح.

اما موارد استفادة هذه الاحتمالات من موثقة ابن بكير:

(فاما الأوّل): فمن قوله عليه السلام تفريعا على قول رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و قد أخبر عليه السلام انه من إملائه صلى اللّٰه عليه و آله (فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز، الى آخره) حيث قيّد عليه السلام جواز الصلاة بما يؤكل لحمه، فيفهم من ذلك ان المناط في جواز الصلاة و عدمه كونه ذا لحم مأكول و عدمه.

(و اما الاحتمال الثاني) فمن قوله صلى اللّٰه عليه و آله:

(أنّ الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه- الى قوله عليه السلام- مما أحل اللّٰه أكله، الى آخره) حيث علّق عليه السلام الحكم على ما كان حراما اكله مطلقا دون ما أكل لحمه فيفهم منه تعلق الحكم على مطلق المأكوليّة سواء كان له لحم أم لا؟

(و اما الاحتمال الثالث) فمن قوله صلى اللّٰه عليه و آله: (ان الصلاة في وبر كل شي ء، الى آخره) و كذا من قوله عليه السلام: (فالصلاة في وبره و شعره، الى آخره) و كذا قوله عليه السلام في ذيل الحديث:

(فان كان يؤكل لحمه فالصلاة في وبره، الى آخره)، فيقال انّه عليه

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 144

السلام علّق الحكم على ما كان ذا وبر، و كلّما كان كذلك يكون ذا نفس سائلة، هذا.

و لكن يرد على (الأوّل): انه كما يمكن استفادة كون مورد الحكم الحيوان الذي يكون ذا لحم من قوله عليه السلام: (فان كان ممّا يؤكل لحمه) كذلك يمكن استفادة كون المناط مطلق المأكولية من قوله صلى اللّٰه عليه و آله في صدر الحديث: (ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله الى آخره) سواء كان ذا لحم أم لا، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر في مقام الاستظهار، بل يمكن دعوى أظهرية الثاني باعتبار ان الصادق عليه السلام فرّع على قوله صلى اللّٰه عليه و آله ذلك و جعل المناط في هذا التفريع مطلق المأكولية فيستفاد منه ان مراد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله هو ما عبّر به الامام عليه السلام.

(و على الثاني) انه خلاف المتبادر من أمثال المقام، فان المنسبق الى الذهن

من قول القائل: (حرام أكله) حرمة أكله بما هو دون اعتبار كونه متعارفا أو غير متعارف خصوصا إذا كان المتكلم في مقام بيان الضابطة للمخاطب.

(و على الثالث): ان مجرد كونه ذا وبر لا يدلّ على اشتراط كونه ذا نفس سائلة و لا سيّما بعد عطف قوله عليه السلام: (و كلّ شي ء منه) على قوله عليه السلام: (في وبره، الى آخره).

الا ان يقال: انه صلى اللّٰه عليه و آله جعل موضوع هذه المسألة كون الحيوان ذا وبر لا غير حيث قال في ابتداء الحديث: (ان الصلاة في كلّ شي ء حرام أكله، الى آخره) فكأنّه قال: كون الحيوان ذا وبر موضوع لعدم جواز الصلاة في جميع اجزائه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 145

لكن العرف يأبى عن ذلك فخصوصيّة كونه ذا وبر ملغاة قطعا مع انه على فرضه أيضا لا يدلّ على المدعى، لعدم الملازمة بين كون الحيوان ذا وبر و كونه ذا نفس سائلة كما هو واضح.

و كذلك الكلام في استفادة ذلك من اعتبار كونه ذا لحم أو كونه مأكولا بحسب المتعارف لعدم الملازمة في الخارج.

نعم قد يتوهم استفادة من قوله عليه السلام: (إذا علمت أنّه ذكي قد ذكاه الذبح) و كذا من قوله عليه السلام: (ذكاها لذبح أو لم يذكه) فإنه يعرف منه ان المناط ما يكون قابلا للتذكية و هو يكون ذا نفس سائلة.

(و فيه): أوّلا: ان التذكية تقع على ما ليس له نفس سائلة أيضا كالجراد و السمك.

و ثانيا: عدم اعتبار قابلية التذكية كما قلنا سابقا، بل المناط قابلية المأكولية.

و ثالثا: عدم ذكر قوله عليه السلام: (إذا علمت أنه ذكي، الى آخره) لتعيّن مورد الحكم بل لما حكم (ع) بأن الصلاة في وبر

كل شي ء يوكل لحمه جائز و كذا شعره و صوفه و بوله و روثه عمّم الحكم بحيث لا يحتاج الى عدّ الاجزاء فقال و كل شي ء منه إذا علمت أنه ذكي.

فيشمل جلده و لحمه و عظمه، يعنى ان الحكم بجواز الصلاة في كلّ شي ء بنحو المجموع متوقف على التذكية بخلاف مالا يؤكل، فإنه مطلقا مانع عن صحة الصلاة فيه ذكي أم لم يذك.

فتبيّن انه لا دلالة لهذه الفقرة أيضا على شي ء من الخصوصيّات من كونه ذا نفس أو قابلا للذبح أو التذكية أو غيرها من سائر الخصوصيّات لعدم كونه في مقام بيان هذه الجهات.

و بالجملة لا يستفاد من الموثّقة خصوصيّة كونه ذا لحم، و لا كونه ذا نفس و لا كونه مأكولا بحسب المتعارف و لا كونه قابلا للذبح أو مطلق

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 146

التذكية، بل ظاهرها التعميم من جميع هذه الجهات، فالصلاة في مطلق أجزاء مطلق الحيوان بالنسبة إلى مطلق اللباس فاسدة إلّا ما خرج بالسيرة المستمرة كالبق و القمل و الزنبور مثلا و كل ما شك في غير المأكول خروجه بالسيرة أو عدم خروجه فالأصل التمسّك بعموم هذه الموثقة و إطلاقها، و اللّٰه العالم.

مسألة مهمّة لا اشكال فيما إذا علم انه مما لا يؤكل لحمه، في صحة الصلاة فيه و اما إذا شك في كونه ممّا لا يؤكل أم لا؟
اشارة

فهل مقتضى القاعدة عدم جواز الصلاة بقاعدة الاشتغال أم جوازها بمقتضى قاعدة البراءة أو الاستصحاب أم التفصيل؟ وجوه.

و قبل الخوض في تحقيق المطلب لا بدّ من الإشارة إلى

أقوال المسألة:

فنقول: أوّل من عنون هذه المسألة- فيما اعلم- المحقق أو العلّامة فحكم بعدم جواز الصلاة و تبعه من تأخر عنه الى زمن صاحب المدارك رحمه اللّٰه «1» فناقش فيها بمناقشات.

فردّ ذلك المناقشات من تأخّر عنه الى زمن الميرزا الكبير، الميرزا محمد حسن الشيرازي قدّس سرّه «2» فصححها، و تبعه من تأخر إلّا الميرزا محمد تقي الشيرازي- ره- «3» أحد تلامذته فاستشكل بما يأتي

______________________________

(1) المتوفّى سنة 1009 ه، ق.

(2) المتوفّى سنة 1307 ه، ق.

(3) المتوفّى سنة 1355 ه، ق.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 147

ان شاء اللّٰه تعالى.

ثم اشتهر بين من تأخّر عنه بالجواز الى زماننا هذا.

و بالجملة فالمقصود من نقل هذه الكلمات التنبيه على ان هذه المسألة ليست من المسائل التوقيفية التي يكشف الإجماع أو الشهرة عن حكمها بل ما هو المعتبر هنا ذكر مقتضى القاعدة.

و التحقيق عدم الفرق في هذه المسألة بين ما إذا علم انه من أجزاء الحيوان و شك في كونه مأكولا أم لا، و بين ما إذا احتمل انه من حيوان و على تقدير كونه من حيوان فهل هو مأكول اللحم أم لا، كما لا اختصاص له بهذا المشكوك، بل تجري في كلّ ما يعتبر فيها من عدم كونه من الحرير و الذهب و الميتة و غيرها من شرائط اللباس، فاللازم بيان مدرك هذه المسألة منعا و جوازا.

فنقول، بعون اللّٰه تعالى: قال العلّامة في المنتهى: لو شك في الشعر أو الصوف أو الوبر انه هل هو ممّا يؤكل لحمه أم

لا لم يجز الصلاة لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه و هو غير محقق و الشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط، انتهى.

و في كلامه قدّس سره وجوه من الاختلال:

(الأوّل): انه جعل استصحاب «1» المصلّى ما يؤكل من شرائط الستر، مع انه من شرائط اللباس، فان الستر موضوع، و شرائط اللباس موضوعات أخر، فاشتراط كونه ممّا يؤكل أو عدم كونه من الحرير أو غير ذلك من الشرائط لا دخل له في مسألة وجوب الستر فإنه يمكن ان يكون بغير اللباس من أجزاء البدن كما في بعض موارد الضرورة أو مطلقا عند بعض

______________________________

(1) المراد معناه اللغوي يعني كونه مصاحبا له.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 148

بخلاف اللباس، فان اعتبار الشرائط المخصوصة فيها بما هي لباس لا بما هي ستر.

(الثاني): انه قدّس سرّه جعل كون اللباس ممّا يؤكل لحمه من الشرائط مع انه يشترط ان لا يكون ممّا لا يؤكل. «1»

(الثالث): ظاهره ان الشرط وجود كونه ممّا يؤكل مع انه ليس بشرط، بل التحقيق ان وجود ما لا يؤكل لحمه مانع لا ان عدمه شرط.

توضيحه: ان انطباق عنوان الصلاة مثلا على الاجزاء المأتي بها في الخارج يتوقّف على تحقق هذه الاجزاء عند وجود أمور لها دخل في تحقق هذا العنوان و معلوم ان كلّ ما يكون دخيلا في تحقّق عنوان المأمور به، فكلّما علم من الدليل انه يشترط ان لا يكون كذا و كذا معناه ان وجوده مانع بمعنى ان لوجوده حزازة و منقصة تمنع عن تحقق المأتي به بعنوان المأمور به فلا يمكن ان يكون العدم شرطا لشي ء بمعنى كونه دخيلا و مؤثرا في وجوده، فان العدم لا يؤثر و لا يتأثر.

فلهذا قد

عدل جماعة ممّن تأخر عنه، عن هذا التقريب و التقرير مع اشتراكهم له في المدعى الى تقريب و تقرير آخر.

و هو انه يشترط في الصلاة إحراز وجود الشرائط و عدم الموانع فكما ان الشك في وجود الشرائط بنفسه لا يقتضي ان يكون محكوما بالوجود فلا يترتب عليه آثار وجوده ما لم يحرز، كذلك المانع لا بد ان يحرز و لا يكتفى بمجرد الشك في المانعية، فيقال: ان الأصل عدم المانعيّة بل لا بد من إحرازه إما بالوجدان أو بالأصل.

و قد يتمسّك- لشرطية الإحراز من الطرفين- بموثّقة ابن بكير

______________________________

(1) يعنى ان الشرط أمر عدمي لا أمر وجودي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 149

- المتقدّمة- و فيها:

ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و روثه و كلّ شي ء منه فاسد، و لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّى في غيره ممّا أحل اللّٰه اكله، ثم قال: يا زرارة فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي و قد ذكاه الذبح، الخبر «1» فإنه عليه السلام قيد قبول الصلاة بإتيانها فيما أحل اللّٰه اكله و عدم قبولها بإتيانها فيما لا يؤكل لحمه.

و لكن يرد على هذا الاستدلال: بأنه لا بد من تأويلها و لا يمكن الأخذ بظاهرها، لقيام الضرورة على عدم اشتراط صحة الصلاة بفعلها فيما يؤكل، غاية الأمر إتيانها فيما لا يؤكل مضر بها، لا انه يشترط إتيانها فيما يؤكل، و هذا من موهنات معنى الرواية فلا يتمسك بها في مثل هذه المسألة العامة البلوى.

و على كلّ حال، فالمانع لجواز الصلاة فيه لا بد ان يدعى أحد الأمرين:

(اما) ان يمنع اليقين بالاشتغال.

(و اما) ان

يدعى ان هنا أصلا موضوعيا مقدما على الأصل الحكمي.

و من هنا اختلفوا فذهب جماعة الى عدم الجواز تمسكا بالاشتغال و اخرى إلى الجواز تمسكا بالأصول العقلية أو اللفظية.

أما القائلون بالعدم، [بعدم الجواز]

فأقوى ما يمكن ان يتشبث به القائلون بالاشتغال في مسألة الأقل و الأكثر ان يقال: ان مقتضى العلم بوجوب

______________________________

(1) الوسائل باب 2 قطعة من حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 250.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 150

الأقل هو تحصيل العلم بسقوط الغرض الذي صار منشأ للأمر به أو سقوط الأمر الذي تعلق به.

فعلى تقدير كون الواجب هو الأقلّ يحصل الغرض، و على تقدير كون الأكثر لا يحصل فلا يسقط الأمر المتعلّق به، فلا يحصل العلم على تقدير، فيجب الأكثر تحصيلا للعلم بحصول الغرض.

و بالجملة ليس الحكم بالاشتغال بواسطة العلم الإجمالي بأحدهما كي يقال بانحلاله، و لا بواسطة منجزية المأمور به بالنسبة إلى الأقل كي يقال: بعدم تسلمه، بل للزوم تحصيل العلم بحصول الغرض كي يسقط الأمر أو العلم بسقوطه لا من هذه الجهة، هذا.

لكن يرد عليه ان ما هو المناط في مقام الامتثال و الإطاعة، هو رفع العقاب لا غير سواء حصل الغرض أم لا.

اما الأوّل «1» فواضح، لأنّا لسنا مكلّفين بتحصيل الغرض الذي صار سببا و داعيا و منشأ للأمر، بل لو سئل المولى عن الغرض فربّما يكره هذا السؤال و لا يرتضيه.

و اما الثاني، فغاية الأمر انه إذا خالف الواقع و قلنا بالبراءة الشرعية يمكن ان يقال بالاجزاء كما فصّل في مسألة الاجزاء استظهارا من الأدلة و لو اقتصر على البراءة العقلية و لم نقل بالبراءة الشرعية لم نقل بالاجزاء.

و هذا لا دخل له فيما نحن بصدده من سقوط العقاب

على تقدير المخالفة لأن العقل كما يقبح العقاب على ترك التكليف المستقل المجهول بعد الفحص على تقدير معلوميّته للمكلّف، كذلك يقبح العقاب

______________________________

(1) اى على تقدير عدم حصول الغرض

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 151

على التكليف الضمني الغير المستقلّ كما لا يخفى.

و اما القائلون بالجواز «1» فاستدلوا عليه على اختلافهم في اختيار الوجوه، بوجوه:
(الأوّل): ان الأدلة الدالة على عدم جواز الصلاة في غير المأكول منصرفة عن مورد الشك

في كونه من المأكول فيرجع الى أصالة البراءة و تصير المسألة شبهة حكمية لصيرورة الدعوى حينئذ في عدم الدليل على حكم المسألة لا موضوعية ليصير الشك في تحقق المصداق ليحكم بقاعدة الاشتغال ببقاء التكليف.

و يمكن استفادة هذا المعنى من المدارك و شيّده و أصر عليه الميرزا القمي «2» و توضيحه على وجه تنقيح المطلب ان يقال: ان المتعلّق بالاجزاء موجب لتنجيزه بالنسبة الى الاجزاء المعلومة، غير منجز بالنسبة الى الاجزاء المشكوكة فيمكن اجراء البراءة بالنسبة إليها.

و بهذا التقرير أيضا تجري البراءة النقلية و قد كنّا أوردنا على الأستاد العلامة (صاحب الكفاية) المفصّل بين البراءة العقلية و النقلية حيث اجرى الثانية دون الأولى بأنه ان كان الأمر الضمني قابلا للرفع بمقتضى أدلة الرفع فيمكن ان يحكم العقل أيضا بعدم العقاب و الّا فلا يجرى البراءة النقلية أيضا.

(الوجه الثاني): البراءة

و بيانه يتوقف على مقدمات:

(الاولى): انه لا فرق في إجراء البراءة بين الشبهات الحكمية

______________________________

(1) يعنى استدلّ القائلون بجواز الصلاة في اللباس المشكوك.

(2) في نسبة هذا القول الى المحقق القمي رحمه اللّٰه نظر واضح، بل يستفاد من غنائمه العكس.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 152

الناشئة من عدم الدليل أو إجماله أو تعارض الدليلين- بناء على تساقطهما و الرجوع الى البراءة- و بين الشبهة الموضوعية الناشئة من اشتباه الأمر الخارجي.

(الثانية): لا فرق أيضا بين كون مجرى البراءة امرا نفسيا أو ضمنيا بمعنى انه كما يحكم العقل بقبح العقاب على ترك الأمر النفسي الموجود واقعا مع تمكن المكلّف بحسب وسعه من الوصول اليه، كذلك يحكم بقبحه على ترك الكل المسبب عن ترك الجزء أو الشرط، أو وجود المانع المشكوك تحققها «1» بمعنى عدم تنجز التكليف من ناحيتها و تنجزه من

ناحية بقية الاجزاء.

(و بعبارة أخرى): يتنجز التكليف ببعضه بما لا يتنجز ببعضه الآخر.

(الثالثة): ان مسألة اللباس المشكوك تكون من الشبهات الموضوعية و الشك في جواز الصلاة فيه شك في الأمر الضمني.

فتحصل من المقدمات الثلاث عدم الاشكال وضعا أيضا في الصلاة المأمور بها مع المشكوك كما لا اشكال تكليفا أيضا.

(و يرد عليه) أولا: عدم تسلم جريان البراءة خصوصا العقلية في الشبهات الموضوعية لعدم حكم العقل بقبح العقاب على من شرب الخمر المعلوم الحرمة المشتبه الفردية و عدم سماع الاعتذار منه على ارتكابه بأني لم اعلم كونه خمرا، و ذلك لوجود الحجة على أصل الحكم الكلّي، بل و على أفراده الواقعية.

(و بعبارة أخرى): الحجة عبارة عن بيان الكبرى من الشارع و اما

______________________________

(1) يعني تحقق الأمور الثلاثة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 153

تشخيص الصغريات و بيان افرادها فليس له دخل في كون شي ء حجة.

نعم له دخل في كونه دليلا، فإنه عبارة عن ضم صغرى معلومة إلى كبرى معلومة و ليس كذلك الحجة فإنها عبارة عمّا يصح احتجاج المولى على عبده أو العبد على سيّده ففي الشبهة الموضوعية التحريمية يصح ان يحتج السيد بأنّك لم خالفت الواقع مع تمكنك من إتيان الواقع و علمك بالحكم؟

نعم لو دلّ دليل في مقام الظاهر على رفع اليد عن الإفراد المشتبهة كما هو الظاهر لكان متبعا.

و بالجملة الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية المنطبقة في مثل المقام على الافراد الواقعية النفس الأمرية سواء علم بها أو لم يعلم، و لذا كان الشك في حرمة فرد من باب انه من افراد الموضوع الواقعي أم لا؟ لا انه حرام مستقل بدليل مستقلّ.

و من هنا يظهر ما في كلام استاد المتأخرين الشيخ الأنصاري قدّس سرّه فإنه-

قدّه- ذكر في المسألة الرابعة من مسائل دوران الأمر بين الحرام و غير الواجب في الشبهة التحريمية- بعد الاستدلال برواية مسعدة بن صدقة صدرا و ذيلا و سائر الأدلة النقلية-: ما هذا لفظه:

(و توهّم): عدم جريان قبح التكليف بلا بيان نظرا الى ان الشارع بين حكم الخمر مثلا فيجب حينئذ اجتناب كلّ ما يحتمل كونه خمرا من باب المقدمة العلمية فالعقل لا يقبح العقاب خصوصا على تقدير مصادفة الحرام (مدفوع) بأن النهي عن الخمر يوجب حرمة الأفراد المعلومة تفصيلا، و المعلومة إجمالا المترددة بين محصورين، و الأوّل لا يحتاج الى مقدمة علمية و الثاني يتوقف على الاجتناب من أطراف الشبهة لا غير

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 154

و اما ما احتمل كونه خمرا من دون علم إجمالي فلم يعلم من النهى تحريمه و ليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرم يحسن العقاب فلا فرق- بعد فرض عدم العلم بحرمته و لا بتحريم خمر يتوقف العمل باجتنابه، على اجتنابه- بين هذا الفرد المشتبهة و بين الموضوع الكلي المشتبهة حكمه كشرب التتن في قبح العقاب عليه، و ما ذكر من التوهم جار فيه أيضا لأن العمومات الدالة على حرمة الخبائث و الفواحش (و ما نهيكم عنه فانتهوا) يدل على حرمة واقعية يحتمل كون شرب التتن منها، (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه).

و بالتأمل فيما ذكرنا يظهر ما في هذا الكلام فلا نعيد.

و بالجملة مناط حكم العقل بالبراءة قبح العقاب بلا بيان، و هو راجع الى الخروج عن رسوم العبودية و الطغيان على المولى، و لا يكون ذلك إلّا في الشبهة الحكمية.

(و توهّم) ان النهى ينحلّ إلى نواهي عديدة فما كان من الافراد معلومة

يعمل بها و تجري البراءة في الافراد المشكوكة فيكون حكمها حكم الشبهة الحكمية في جريان البراءة.

(مدفوع) بما تقرر في الأصول بأن النهي عبارة عن الزجر عن الطبيعة كما ان الأمر بعث إليها، فالنهي انما تعلق بها، لا غير، غاية الأمر يتحقق العصيان بإيجاد متعلق النهى فكلّما وجد في الخارج فرد منها فقد تحقق فرد من العصيان و لا يسقط النهى.

و هذا بخلاف الأمر فإن مقتضى تعلقه سقوطه بأوّل وجود منها فالأمر تعلّق بعنوان الصلاة المقيّدة بعدم أمور فإذا شك في تحقق هذا العنوان لم يسقط.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 155

و هذا اشكال آخر على القائلين بالبراءة حيث ان مورد جريانها في غير هذا المقام كما لا يخفى.

فتحصل أن المقدمة الاولى من المقدمات الثلاث المتقدمة لجريان البراءة في المسألة ممنوعة.

(و اما ثانيا): فلأنّ ما ذكر في المقدمة الثانية- و هو عدم الفرق بين الأمر النفسي و الضمني على إطلاقه- ممنوع بل الاولى التفصيل:

فان لم نقل بالبراءة في الشبهة الموضوعية التحريمية المستقلة- كما هو الأقوى- فهنا اولى بالعدم حيث ان التكليف الواحد تعلّق بموضوع مبيّن شك في تحقّقه في الخارج، فمقتضى القاعدة الاحتياط و لا ربط لقبح العقاب بلا بيان هنا، لعدم كون بيانه وظيفة الشارع بما هو شارع كما لا يخفى.

بل لو اعتذر- بعد المخالفة- بأني لم أك عالما بان هذا الشي ء غير مأكول لاستحق الذم عند العقلاء، سواء كان قبل الفحص أم بعده فان الفحص لا دخل له بالمقام، نعم يكون المؤاخذة قبله آكد عند العقلاء.

و الاستدلال لجريان البراءة في الشبهة الموضوعية بالإجماع المحقق حتى قبل الفحص (مدفوع) بأنه في البراءة النقلية و لا كلام لنا فيه، و لذا تمسك شيخ المتأخرين المحقق

الأنصاري- قدّه- أيضا لجريانها قبل الفحص بعموم (كل شي ء لك حلال) أو إطلاقه.

(و اما ان قلنا): بالبراءة العقلية في الشبهة الموضوعية التحريمية المستقلة، و كذا في التكاليف الضمنية كما اختاره الشيخ المحقق الأنصاري- قدّه- في فرائده، فهل يلازم ذلك عدم الإشكال في مسألة اللباس

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 156

المشكوك بالنسبة إلى جريانها كما عن عدّة من تلامذة الميرزا الشيرازي الكبير قدّس سرّه فإنهم استشكلوا «1» على الشيخ- قدّه- بان القول بالبراءة في المسألة لا يلائم الإشكال في اللباس المشكوك كما لا يخفى.

فإنه أحد مصاديق مسألة الشك في الأمر الضمني، أم لا منافاة بينهما؟

يمكن ان يقال: ان ما اختاره الشيخ رحمه اللّٰه في مسألة الشبهة الموضوعيّة من البراءة انما هو في الحكم التكليفي الموجب مخالفته للعقاب و مسألة اللباس المشكوك و حكمها جوازا و منعا حكم وضعي، و النهى عن الصلاة في أجزاء غير المأكول نهى إرشادي لا يترتب على هذا الفعل (اعنى لبس غير المأكول) عقاب آخر وراء العقاب المترتب على ترك المأمور به (أعني الصلاة) المتحقق بفعلها مع هذا اللباس، هذا كلّه في البراءة العقلية.

(الوجه الثالث): من الوجوه التي استدلّ بها القائلون بالجواز التمسك بالأدلة النقلية
اشارة

المعبّر عنها بالبراءة النقلية.

(منها): حديث الرفع

فقد تمسّك به في المقام و بيانه من وجوه ثلاثة:

(الأوّل): كون المراد من الموصول خصوص الموضوع ببيان ان

______________________________

(1) حاصل الاشكال: ان من يقول بالبراءة في الشبهة الموضوعية فاللازم عليه ان لا يستشكل في مسألة اللباس المشكوك و حيث ان الشيخ- ره- ممّن يذهب الى البراءة فاللازم الحكم بصحة الصلاة في اللباس المشكوك مع انه استشكل فيها، هذا ممّا خطر ببالي في مراد الأستاذ قدّس سرّه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 157

الموضوعات الخارجية و ان لم تكن بنفسها قابلة للارتفاع كما هو واضح الّا انه بملاحظة بعض الخصوصيّات الطارية لها العارضة عليها قابلة له و الخصوصية المتعدّدة في مقام الرفع التشريعي هي الحكم فهي قابلة له بما لها من الحكم.

ففي المقام كون اللباس من غير المأكول من الموضوعات الخارجية و باعتبار طروّ الحكم و عروضه عليه من قبل الشارع- و هو إبطاله للصلاة و تخريبه لها و مانعيّته لها- قابل لا يقال: ارتفع.

فمعنى قوله صلى اللّٰه عليه و آله: (رفع ما لا يعلمون) «1» في المقام هو الحكم بعدم وجوده في الواقع و يحكم عليها بالصحة، لأنها عبارة عن تماميّة العمل، و المفروض تماميّتها من غير جهة هذا اللباس و هو أيضا حكم بعدم مانعيّته بمقتضى قوله صلى اللّٰه عليه و آله: رفع، الى آخره.

(الثاني) كون المراد من الموصول أعمّ من الموضوع و الحكم فيشمل الحكم أيضا بتقريب ان الموصولات وضعت لكلّ ما يمكن ان يثبت له الصلة كما تقرّر في الأصول و مرّ سابقا في مسألة الشك في التذكية.

(الثالث): ارادة خصوص الحكم من الموصول أعمّ من الحكم الكلي و الجزئي، و مسألتنا هذه و ان لم تكن من الأوّل

«2» الّا ان الحكم الجزئي أيضا يرجع الى جعل الشارع «3» و جزئيّته باعتبار الموضوع و الّا

______________________________

(1) الوسائل باب 37 ج 4 ص 1284 هكذا: محمد بن على بن الحسين قال: قال النبي (ص): وضع عن أمتي تسعة أشياء السهو و الخطأ و النسيان و ما أكرهوا عليه و مالا يعلمون و مالا يطيقون و الطيرة و الحسد و التفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الإنسان بشفة.

(2) يعني الحكم الكلي.

(3) باعتبار جعل كليّه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 158

فحكم كل فرد فرد انما هو من قبل الشارع أيضا.

هذا غاية تقريب الاستدلال بحديث الرفع، و قد كنّا في سالف الزمان نعد هذا من أقوى الأدلّة للجواز.

و لكن يمكن ان يجاب عنه بوجوه:

(الأوّل) منع شمول الموصول للموضوع فان المتفاهم عند العرف في مثل ما يكون بيانه من قبل الشارع هو رفع ما يكون ضيقا على المكلف فالمتفاهم العرفي من هذا الحديث ان تلك التضييقات ان كانت مجهولة فهي مرتفعة بنفسها.

و اما ما لا يكون بيانه و تعليمه و رفع الجهل عنه من وظيفة الشارع بل هو وظيفة المكلّف نفسه بل يتفق بحسب التصادفات الخارجية بقائه على الجهل، فلا دلالة لحديث الرفع على رفعه.

(و بعبارة أخرى): حيث ان المراد من الرفع هو التشريعي يكون المرفوع أيضا ما يكون أهل العرف منتظرين لبيانه و رفع الجهل بالنسبة إلى مصاديق الكليات المعدومة واقعا المجهولة مصاديقها ظاهرا، لا يكون العرف منتظرا لان يبين الشارع بما هو شارع، نعم لو كان لسان حديث الرفع كلسان بعض القواعد الأخر كان ظاهرا في الشبهة الموضوعية مثل قاعدة أصالة الحلية المستفادة من قوله عليه السلام- كما في رواية عبد اللّٰه بن

سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام-:

كلّ شي ء لك حلال ابدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه «1».

و قوله عليه السلام في رواية مسعدة بن صدقة-: كلّ شي ء فيه

______________________________

(1) الوسائل، باب 4، حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 59.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 159

حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه «1».

و قاعدة الطهارة في خصوص الماء أو في الأعمّ، المستفادة من قوله عليه السلام في رواية حمّاد: الماء كلّه طاهر حتى تعلم انّه قذر «2».

و قوله عليه السلام: في رواية عمّار: كلّ شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر، فإذا علمت فقد قذر و ما لم تعلم فهو طاهر. «3»

و هذا بخلاف حديث الرفع، فان لسانه على الظاهر هو الحكم بارتفاع ما لا يعلم من الاحكام كما في السنة المتقدمين حيث عدوه من أدلة البراءة النقلية.

و بالجملة فحديث الرفع لا يجري في الأحكام التكليفية التي تنحلّ إلى أحكام عديدة بعدد موضوعاتها المفردة فضلا عن الأحكام الوضعية التي منها مسألتنا هذه، لان مجرد الانحلال لا يوجب دفع الحجة و ان لم يكن الانحلال أيضا دليلا للموارد المشكوكة كما ذكرنا سابقا.

مع ان لنا في أصل الانحلال اشكالا «4» فحديث الرفع لو لم يكن ظاهرا في خصوص الاحكام لم يكن له ظهور في خصوص الموضوعات أو أعمّ منها و من الأحكام.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 قطعة من حديث 4 من أبواب ما يكتسب به، ج 12 ص 60.

(2) الوسائل باب 4 حديث 2 من أبواب الماء المطلق ج 1 ص 106.

(3) الوسائل باب 37 حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1054 مع اختلاف يسير.

(4) لعل وجه

الاشكال ما حقّق في محلّه من تعلق الأوامر و النواهي بالطبائع بما هي و بعد الانحلال تتلبس بلباس الخصوصية و الخصوصيات لم يتعلق بها أمر و لا نهى فلا يجرى فيها البراءة و لعلّه الصواب.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 160

(الوجه الرابع) للمجوّزين، التمسك بالاستصحاب

بمعنى ان المكلف لم يكن لابسا لما هو مانع عن صحة الصلاة قبل لبس هذا اللباس و بعد لبسه يشك في انه هل صار متلبسا به أم لا؟ فيستصحب عدمه فيصير الصلاة محكومة بالصحة، فإن معناها تمامية أجزاء المأمور به و مع ارتفاع موانعه و المفروض تماميتها من غير قبل المانع المشكوك وجوده فيرتفع بالأصل.

(و أورد) عليه بان جريان الاستصحاب في المسألة متفرع على دلالة الروايات الناهية عن الصلاة في غير المأكول على كون غير المأكولية أو عدم كونه من الغير المأكول وصفا للمصلّي دون الصلاة و اللباس و كونه كذلك خلاف ظاهر الروايات الواردة في المسألة، فان ظاهر نوعها هو كون ذلك وصفا للصلاة.

مثل قوله عليه السلام- في موثّقة ابن بكير-: فالصلاة في وبره و شعره و جلده و كلّ شي ء منه فاسد لا يقبل اللّٰه تلك الصلاة حتى يصلّى فيما أحل اللّٰه، الحديث «1».

و كذا رواية إبراهيم بن محمد الهمداني: كتبت اليه عليه السلام:

يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة و لا ضرورة فكتب عليه السلام: لا تجوز الصلاة «2».

و قوله صلى اللّٰه عليه و آله في وصيّته لعلي عليه السلام: لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه «3».

______________________________

(1) الوسائل قطعة من حديث 1 من أبواب المصلى ج 3 ص 250 باب 2.

(2) الوسائل باب 17 حديث 1 من أبواب

لباس المصلى ج 3 ص 277.

(3) الوسائل باب 2 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 251.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 161

نعم روى الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن جلود السباع؟ فقال: اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه «1» و ظاهر صدرها ان النهى عن كونهم لابسين جلود السباع الّا ان التقييد في ذيلها بقوله: (تصلّون فيه) راجع الى ما ذكرنا من كونه وصفا للصلاة.

(و توهّم) جريان الاستصحاب و لو كان وصفا للصلاة أو اللباس بتقريب انه بجريان استصحاب عدم كونه لابسا لغير المأكول، يثبت عدم كون صلاته في غير المأكول، فإن منشأ الشك في انّ صلاته في المأكول أو غيره، هو الشك في كونه لابسا أو لغيره.

(مدفوع) بأنه مثبت، لان كون الصلاة في غير المأكول ليس من الآثار الشرعية، لكونه لابسا في غيره، و عدم حجية المثبت لا يختص بالأمور التي لها نحو تحصّل في الخارج، بل كما انه لا يكون حجة فيها لا يكون حجة في الأمور الاعتبارية.

و بالجملة فالاستصحاب ان كان راجعا الى عدم كونه لابسا لغير المأكول أو كونه غير لابس له، فهو صحيح الّا ان ظاهر الأدلة يأبى عن جعله خصوصية أخذت وصفا للابس.

و ان كان راجعا إلى الصلاة أو اللباس بمعنى استصحاب عدم كون الصلاة في غير المأكول و عدم كون اللباس غير مأكول كي يستصحب.

______________________________

(1) الوسائل باب 5 قطعة من حديث 3 و 4 و حديث 6 من أبواب لباس المصلّى ج 3 ص 256.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 162

الّا ان

يقال: ان أصالة العدم بنفسها معتبرة مع قطع النظر عن الاستصحاب، (أو يقال): بتحقق اليقين السابق و لو بنحو السلب بانتفاء الموضوع و هو كما ترى، لا دليل على إثباتهما كما سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى.

(ان قلت): هب انه ان كان من أوّل الأمر لابسا للّباس المشكوك لا يجرى الاستصحاب، فاما ان لم يكن لابسا له من أوّل الصلاة ثم لبس ما شك في انه مأكول أم لا؟ فلا مانع من جريانه حينئذ، فإنه كان على يقين من عدم كونه لابسا لغير المأكول فلا ينتقض ذلك اليقين بالشك.

(قلت): لا وجه له أيضا، سواء قلنا: ان الصلاة عبارة عن التوجه الخاص «1» الخضوع الذي يوجد بأوّل الأفعال ليكون إتيان باقي الأفعال إبقاء لذلك الوجود، أم قلنا: انها عبارة عن نفس الأفعال الموجودة في الخارج، فان ظاهر قوله عليه السلام: ان الصلاة في وبره و شعره، الى آخره، هو كون تمام الصلاة مقيّدة بذلك.

و حينئذ فلو أتى ببعضها مع تيقّن عدم المانع، و ببعضها الآخر مع الشك في ذلك فلا يصدق ان صلاته لم تكن في وبر ما لا يؤكل الّا بالمثبت أو السلب بانتفاء الموضوع على التقدير الثاني و لا إبقائها إبقاء لا بتلك الصلاة على التقدير الأوّل.

(ان قلت): لا شبهة في انه كان زمان ما لم تكن الصلاة مع غير المأكول موجودة، و بعد لبس المشكوك و الصلاة معه نشك في أنها وجدت أم لا؟ فيستصحب عدم وجودها مع غير المأكول، غاية الأمر كان العدم

______________________________

(1) أقول مع انه غير مفيد أيضا في المقام شيئا لأنّ الكلام في مثله كما يظهر من عنوان المسألة في كلماتهم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 163

السابق هو العدم

بانتفاء عدم الموضوع و عدم اللاحق.

(قلت): القضايا المشتملة على المعنى السلبي على وجهين:

(أحدهما): ما هو يحمل على موضوع القضية و يتصور ذلك الموضوع معبرا عن الوجود أو العدم و يحمل عليه نحو السلب البسيط كقولنا، مثلا الصلاة معدومة.

(ثانيهما): ما يكون رابطا بين الموضوع و المحمول بحيث يكون العدم سلبا للربط لا ربطا للسلب كقولنا: لم تكن الصلاة في غير المأكول.

و حاصل الفرق بينهما انه ان كان المسلوب هو الوجود فالسلب بسيط و ان كان خصوصياته فالسلب ربطى.

و حينئذ فإن كان المراد من الاستصحاب على النحو الأوّل في المقام بان يقال: ان الصلاة في غير المأكول كانت في السابق معدومة باعتبار عدم وجود أصلها فضلا عن وجودها متصفة فالاستصحاب و ان كان جاريا حينئذ على اشكال سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى الّا انه لا يثبت كون هذه الصلاة متصفة بعدم كونها مع غير المأكول.

و ان كان على الوجه الثاني، بأن يقال: ان هذه الصلاة مع وصف الإشارة لم تكن مع غير المأكول فتستصحب على نحو عدم الرابط فحينئذ و ان كان يثبت المدعى الّا ان في اتحاد القضية المتيقّنة و المشكوكة إشكالا.

فإنه و ان أمكن إثبات ذلك في نظر العقل بنحو من الاعتبار بان يقال: ان العقل يرى امرا جامعا بين موضوعي القضيتين اعتبارا، فبذلك الاعتبار يحكم بأنه نقض للحالة السابقة.

لكن العرف لا يساعد ذلك فلا يصدق في نظره انه نقض الحالة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 164

السابقة أو أبقى عليها، و الخطابات الشرعية منزّلة على فهم العرف.

فتحصل ان أدلّة الاستصحاب غير شاملة للمسألة.

(و اما) ما يتراءى من كلمات بعض الفقهاء «1» المقارب لعصرنا من التمسّك بأصالة عدم المانع حيث يظهر منه أنّها قاعدة

مستقلة غير البراءة و الاستصحاب.

(ففيه) انه ان كان المراد إجراء أصالة عدم المانع بعنوان انه مانع بحيث يكون هذا العنوان بما هو هو موردا للأصل فلا إشكال في عدم صحة ذلك، إذ من المعلوم عدم كون المانع بعنوانه موضوعا للأثر الشرعي، بل الموضوع ما هو بالحمل الشائع الصناعي يصدق انه مانع.

و ان كان المراد إجرائها بالنسبة إلى الموانع الواقعية، فغاية ما يمكن ان يستدلّ لحجيتها «2» وجوه ثلاثة:

(أحدهما): التمسك بأدلة الاستصحاب بحملها عليها بان يقال:

ان قوله عليه السلام: إذا كنت على يقين من وضوئك فشككت، الى آخره «3» ان متعلّق الشك هو الحدث لا الطهارة.

و قوله عليه السلام: و ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك «4» يراد به: ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالطهارة بالشك في الحدث، مع مسبوقيّته بالعدم، فيستظهر منه ان نفس الشك في الحدث يكفي في

______________________________

(1) هو المحقق الفقيه الحاج آقا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه رحمه اللّٰه.

(2) يعني حجيّة أصالة عدم المانع.

(3) لم نعثر في الاخبار على هذه العبارة فتتبع.

(4) الوسائل باب 41 قطعة من حديث 1 من أبواب النجاسات.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 165

الحكم بعدمه من دون دخالة لليقين بالطهارة.

قوله عليه السلام: (كنت على يقين من طهارتك) تمهيد لقوله عليه السلام: فشككت لا ان له دخلا في الحكم ببقاء الطهارة.

(و بعبارة أخرى): الحكم بعدم وجود الحدث متقدم على الحكم بوجود الطهارة لأن الشك في بقائها مسبب عن الشك في وجود الحدث فإذا حكم بعدمه يحكم ببقائها.

(ثانيها): حكم العقل بأنه يكفي في الحكم بالعدم، عدم علة وجود علة الوجود بخلاف طرف الوجود، فإنه لا بدّ من وجود العلة فالشك في وجود المانع يكفي في الحكم بعدمه.

(ثالثها)

طريقة العقلاء في أمورهم العادية على الحكم بالعدم حتى يثبت وجود المانع.

لكنها كلّها قابلة للخدشة، فإن الأوّل: مبنى على استفادة ذلك من اخبار الاستصحاب لكنّها غير معلومة، بل الظاهر عدم ظهورها في ذلك، و هو يكفي في عدم ثبوت ذلك.

و الثاني: لا يبتنى عليه استنباط الأحكام الشرعية.

و الثالث: يحتاج إلى الإثبات حتى فيما بين الموالي و العبيد الذين يعاقبون على المخالفة فعلى المستدل الإثبات، فالتمسك للجواز في المسألة بمسألة أصالة العدم غير مفيد للمقام، و هكذا مسألة المقتضى و المانع.

(الوجه الخامس) للمجوّزين التشبث بأصالة الحلية
اشارة

المستفادة من الروايتين المتقدمتين في ذيل الجواب عن حديث الرفع، و في ذيل رواية مسعدة بن صدقة بعد حكمه عليه السلام: بحليّته المشكوك: (و ذلك مثل

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 166

الثوب يكون عليك و لعلّه سرقة أو العبد يكون بيدك، (و لعلّه حرّ، خ ل) قد باع نفسه أو قهر فبيع أو خدع فبيع، أو المرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك و الأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو يقوم لك البيّنة) «1».

فبعد ظهور الروايتين بل صريح الاولى في الشبهة الموضوعية مع فرض كون المقام من الشبهات الموضوعية و ان كان يكفى للاستدلال كونهما أعمّ منهما و من الحكمية.

و احتمال اختصاصها بالشبهة الحكميّة مقطوع العدم.

و بيان هذا الاستدلال بوجهين:

(أحدهما): اختصاصها بالحلّية التكليفيّة.

(ثانيهما): شمولها للحلية الواقعية.

اما الأولى [اختصاصها بالحلّية التكليفيّة]

فتوضيحها ان يقال: ان الشك في جواز الصلاة في هذا اللباس مسبب عن الشك في حل أكل لحم الحيوان الذي أخذ هذا اللباس منه، فإذا حكم بحليّة لحمه بمقتضى كل شي ء لك حلال، الى آخره، يزول الشك بالنسبة الى هذا اللباس.

و لكن يرد عليه (أولا): بأن مورد جريان الأصل إذا لم يكن موردا للابتلاء فكيف يحكم عليه بحليته، بل ربما يمكن ان يكون الحيوان الذي أخذ هذا اللباس منه على تقدير الابتلاء معلوما موضوعا.

فمجرد الشك في كون هذا اللباس من أجزاء الحيوان المحرم أو المحلل باعتبار عدم حضوره عنده، لا يوجب الشك في أصل الحيوان حتى يحكم بحليته.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 4 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 60.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 167

مضافا الى ان ذلك لا يستقيم فيما إذا شك في اللباس من جهة الشك في

ان الحيوان الذي أخذ منه في اللباس كان محرما أم لا؟

بالشبهة الحكمية كما لا يخفى، نعم لو كان هناك حيوان و شك في انه حلال أم حرام من جهة الشك في الموضوع، يحكم بأنه حلال و حينئذ فلا يرد عليه هذا الإيراد.

(و ثانيا): ان ذلك انما يستقيم لو كان موضوع عدم حرمة الأكل جزء للموضوع و لو كان لفعلية هذا الحكم (أعني حرمة الأكل) دخل في حكم الصلاة و ليس كذلك، فان ظاهر الأدلة هو النهى عن الصلاة في أجزاء الحيوانات التي بعناوينها الأولية يحمل عليها بأنه حرام أكلها كالثعلب و الأرنب و الأسد و كما مثل في الاخبار «1».

(و بعبارة أخرى): يستفاد منها ان ما هو محرم الأكل، له حكم آخر غير حرمة الأكل و هو بطلان الصلاة في عرض الحكم بالحرمة و لا يكون الثاني أثرا للأوّل و لا مسببا عنه.

فمجرد جريان أصالة الحلّية بالنسبة إلى الأكل لا يثبت جواز الصلاة لأن جوازها ليس مترتبا شرعا على حرمة الأكل و من آثارها كما لا يخفى.

(و ثالثا): على تقدير تسليم كون الموضوع لعدم جواز الصلاة هو حرمة أكله، لا العناوين الواقعيّة التي يكون عنوان الحرام مشيرا إليها.

لكن الظاهر ان تحقيق هذا الموضوع في الجملة يكفي في الحكم بعدم الجواز دائما و لا يدور عدم جواز الصلاة فيها مدار حرمتها الفعلية بل نفس الحرمة الواقعية بعناوينها الأوّلية موضوع الحكم، و لو كان

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 16 ص 312 و عدّة من أبواب لباس المصلّى مثل باب 4 الى باب 6 ج 3 ص 254 الى 258.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 168

الحكم وجودا و عدما دائرا مدار الحرمة

الفعلية لجازت الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه عند الاضطرار مع عدم جوازه قطعا.

فمجرد أصالة الحلّية بالنسبة إلى أكل لحم المشكوك لا يوجب ترتب اثر جواز الصلاة لأنّ هذه الحلية إنما جاءت لاشتباه الموضوع و عدم جواز الصلاة يترتب على الحرام الواقعي. «1».

هذا كلّه بالنسبة إلى التقريب الأوّل (أعني أصالة الحلّية) من حيث الحكم التكليفي.

و اما من حيث الحكم الوضعي، فبيانه من وجهين:
(الأوّل): ان قوله عليه السلام: (كلّ شي ء فيه حلال و حرام،

الى آخره) «2» كما يشمل مثلا المائع المتردّد بين كونه من المائعات المحرمة أو المحلّلة، بمعنى انه لم يعلم انه من اىّ النوعين، كذلك يشمل الأحكام الوضعية التي بعضها حلال و بعضها حرام بمعنى صحيح و بعضها فاسد.

فإن الحرمة و الحلّية كما يطلقان على الأحكام التكليفية كذلك تطلقان على الوضعية نظير (لا يجوز) كثيرا في الاخبار المروية عن الأئمة عليهم السلام، و هي في كلماتهم عليهم السلام و كلمات الفقهاء أصحابنا خصوصا القدماء يراد بها الصحة و عدمها.

و أوّل من تمسّك بهذا الوجه- فيما اعلم- المحقق القمي عليه الرحمة «3».

______________________________

(1) أقول: و رابعا هذا الدليل أخصّ من المدعى لعدم شموله الّا المشكوك من حيث حل اكله لحمه و حرمته دون مثل الشك في الحرير أو الذهب و غيرهما من شرائط لباس المصلي.

(2) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 120.

(3) أقول: و قبله صاحب الحدائق و قبل صاحب الحدائق المحقق الأردبيلي قدّس سرّهم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 169

بيانه ان أصل معنى (الحرام) (الممنوعية) عن الشي ء و لو ببعض منافعه، سواء كان منشأ الممنوعية مبغوضيّة وجوده للمولى أو كونه سببا لفساد موجود آخر و عدم تحققه على وجهه، كما ان الحلال المقابل للحرام أيضا بمعنى عدم الممنوعية و كون الإنسان مطلقا بالنسبة

إليه أعم من ان يكون ترخيصا من قبل الشارع أم لا.

و يؤيّده سائر موارد اشتقاقات اللفظين كالحرم و الحريم لكونه ممنوعا مثلا و لو ببعض الافعال، و أيضا حريم الدار أو حريم البئر أو حريم القرية لكون الناس ممنوعين من التصرف ببعض المنافع.

كما ان حرم اللّٰه تعالى و حرم الرسول صلى اللّٰه عليه و آله أو سائر الأئمة عليهم السلام لكون الناس فيهما ممنوعين من بعض الافعال، و كذا الحل حرفا بحرف بعكس ذلك و حينئذ فقوله عليه السلام: (كلّ شي ء فيه حلال و حرام، الى آخره) «1» مفاده كلّ شي ء يكون فيه نوعان:

أحدهما: ما منع المكلف منه ببعض الافعال أو الحالات.

ثانيهما: ما لم يمنع منه ذلك، و لم يعلم بسبب شي ء آخر جزئي انّه من اىّ النوعين، فهو غير ممنوع من التصرفات.

ففي المقام إذا علم ان بعض أجزاء الحيوانات يصح فيه أو معه الصلاة و بعضها لا تصح فهذا الفرد المشكوك يصح فيه الصلاة حتى يعرف انّه مما لا يصح، فان قولنا: يصح و لا يصح أو يجوز و لا يجوز أن يحرم و لا يحرم بمعنى واحد و ان كان منشأها مختلفا باختلاف المفاسد و المصالح، الّا ان الجامع هو ما ذكر.

و قد يؤيّد هذا بالروايات المعبّرة بالتحليل و التحريم في مسألة

______________________________

(1) تقدم موضعه آنفا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 170

الصلاة فيما لا يؤكل أو غيره.

مثل ما رواه محمد بن يعقوب الكليني، عن احمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، قال: كتبت الى أبي محمد عليه السلام أسألة، هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السلام لا تحلّ الصلاة في حرير محض «1».

و ما رواه الشيخ،

عن محمد بن احمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الجبار، قال: كتبت الى أبي محمد عليه السلام اسئله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب؟

فكتب: لا تحل الصلاة في الحرير المحض و ان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه «2».

و عن الخصال، عن احمد بن الحسن القطّان، عن الحسن بن على العسكري، عن محمد بن زكريا البصري، عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه، عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام: يقول:

ليس على النساء أذان (الى ان قال): و يجوز للمرأة لبس الحرير و الديباج في غير صلاة و إحرام و حرم ذلك على المؤمنين الّا في الجهاد و يجوز ان تتختم بالذهب و تصلى فيه، و حرام ذلك على الرجال إلّا في الجهاد «3».

و عن احمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج، عن محمد بن

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 2 من أبواب لباس المصلّى ج 13 ص 267 و باب 14 حديث 1 منها ص 273.

(2) الوسائل باب 14 حديث 4 من أبواب لباس المصلّى ج 13 ص 273.

(3) الوسائل باب 17 حديث 6 من أبواب لباس المصلّى ج 13 ص 276.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 171

عبد اللّٰه الحميري، عن صاحب الزمان عليه السلام انه كتب اليه: روى لنا عن صاحب العسكر عليه السلام انه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب؟ فوقّع عليه السلام: يجوز.

و روى عنه أيضا انّه لا يجوز، فبأي الخبرين نعمل؟ فأجاب عليه السلام: انّما حرم في هذه الأوبار و الجلود، فأمّا الأوبار وحدها فكل حلال «1».

و روى الشيخ

رحمه اللّٰه بإسناده، عن على بن مهزيار، قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقيّة؟ فكتب: لا تجوز الصلاة فيها. «2».

(الثاني) «3» ان يقال: انه إذا شك في جزئية شي ء يجري البراءة العقلية

بالتقريب الذي قرّرناه في الأصول.

و محصّله ان الأمر بالصلاة و ان تعلّق بعنوان الصلاة، الذي لا يتحقق الّا بعد تحقق اجزائها بالأسر الّا انه قابل للتبعيض بالنسبة إلى أجزائها المتصورة، فضلا عن الواحد الاعتباري كما في الصلاة التي تكون وحدتها اعتبارية، و تكثرها حقيقي، و بهذا التقرير نقول بالبراءة لا بالتقرير الذي أفاده شيخنا الشيخ الأنصاري عليه الرحمة في الفرائد من انحلال العلم الإجمالي إلى وجوب الأقلّ، و البراءة بالنسبة الى

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 266.

(2) الوسائل باب 7 حديث 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 258.

(3) عطف على قوله قدّس سرّه: الأوّل ان قوله عليه السلام: كلّ شي ء، الى آخره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 172

الأكثر، لما يلزم «1» عليه ما لا يلتزم هو رحمه اللّٰه عليه و هو عدم العقاب على ترك الأكثر على تقدير وجوبه بترك بعض الأجزاء المعلومة أيضا، لأن المفروض عدم منجزيته، و هو كما ترى.

هذا كلّه في الشك في الجزئية.

و امّا الشك في المانعية أو الشرطية فإن قلنا: ان الشرائط الشرعية ترجع إلى الشرائط العقلية من دون تقييد موضوع الصلاة بها غاية الأمر كشف عنها الشارع كما اختاره شيخنا المذكور في المقدمة و صرح به في البحث أيضا، فحكمها حكم المقدمات.

فان (قلنا): انها واجبة بالوجوب المترشح من وجوب ذيها كانت واجبة، (و ان قلنا):

ان الوجوب من ذيها لا

يمكن ان يتخطى عن متعلّقه كما هو التحقيق و المختار، فلا يكون هناك الّا وجوب واحد و على كلا التقديرين لا تكون أجزاء الصلاة زائدة على الاجزاء الداخلية التي دلّ الدليل على جزئيّتها.

و ان (قلنا): ان الشرائط توجب تقيّد كلّ جزء من اجزائها بوجود الشرائط و عدم الموانع بحيث يكون التقيد جزء لهذه الاجزاء و ان كان القيد خارجا فحينئذ و كما ان أجزاء الصلاة تكون متقيّدة بوجود الشرائط كذلك تكون متقيّدة بعدم الموانع، و معنى تقيّدها بعدم الموانع انه يلزم ان لا تكون موجودة حين الصلاة بمعنى النهى عن وجودها و قد تقرّر أيضا ان النهى طلب الترك، فيكون تركها مطلوبا، و هذا بعينه معنى النهي الذي يدلّ على الحرمة.

______________________________

(1) تعليل لقوله قدّس سرّه: لا بالتقرير الذي، الى آخره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 173

فإيجاد الموانع في الصلاة حرام بمعنى انّه موجب للفساد الذي هو نقيض لزوم تقيّدها بعدمها.

و حينئذ فقوله عليه السلام: (كلّ شي ء فيه حلال و حرام، الى آخره) يكون شاملا للمقام بمعنى انه إذا شك في شي ء منهي عنه، أم لا فاحكم بأنه لم ينه عنه، و معنى عدم النهى هو الترخيص في الصلاة.

و لا فرق فيما ذكرنا بين النهي الاستقلالي أو الضمني، و لا بين النهى عن شي ء بنفسه أو بجزئه، و لا بين كون منشأ النهى، المبغوضيّة الذاتية أو الغيريّة.

و يرد «1» عليه (أوّلا): انه يمكن ان يقال: ان الشرائط و الموانع الشرعية ترجع الى القيود العقليّة فيرجع الى حكم المقدمات العقلية و قد قلنا في الأصول: انها ليست بواجبة بالوجوب العقلي و ليس لها مخالفة و لا موانعة.

و (ثانيا): عدم تسليم كون الأمر الضمني متولدا منه النهي

الضمني.

و (ثالثا): على تقدير التسليم لا تكون المخالفة من حيث كونه أتيا بالمنهي عنه حتى يصدق انه حرام، بل تكون من حيث انه آت بالمأمور به.

و الذي يؤيّد ذلك انه لو كان حراما لكان ترتب العقوبات المتعددة بتعدّد الصلاة ففي غير المأكول مع انه ليس كذلك، فإنه لو اتى به متعددا مع غير المأكول لم يعاقب أصلا، و ان لم يأت، يعاقب عقابا واحدا، و هو علامة عدم تعلق النهى بما هو، به.

______________________________

(1) لا يخفى ان هذه الأجوبة الثلاثة انما هي عن أصالة الحليّة التكليفيّة و اما الوضعية فسيأتي إمكان كونها دليلا، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 174

و اعلم انا و ان ذكرنا في الوجه الثاني من الوجوه المتقدمة الاستدلال بأصالة البراءة العقلية إجمالا الّا انه لما كانت هي العمدة في الوجوه، كان الاولى بيان محصّل ما ذكروا للاستدلال بها فنقول بعون اللّٰه تبارك و تعالى:

ان الاستدلال بها للمسألة يتوقف على مقدمات:

(الاولى): جريان البراءة في الشبهة التحريمية المستقلة.

(الثانية): جريانها في مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين في الشبهة التكليفيّة وجودية كانت أم تحريميّة.

(الثالثة): كونها من مصاديق مسألة الأقل و الأكثر و ثبوت الملازمة بين جريانها فيها و بين المسألة.

اما توقفها على المقدمة الأولى فواضح، فلانّا لو لم نقل بجريان البراءة فيها لم نقل في المقام بطريق اولى كما تقدم وجه الأولويّة.

و اما توقفها على المقدمة الثانية: فلكون المفروض في المقام هو كونها من مسألة الأقل و الأكثر، فلو لم يجر البراءة فيها لم يثبت المدعى.

و اما توقفها على الثالثة: فلأنّ مجرد جريان البراءة في تلك المسألة لم يثبت كونها منها.

اما بيان المقدمة الأولى، فمحصّل ما استند اليه بعض الفحول «1» للجريان بعد

إسقاط ما لا دخل له في إثبات ذلك، ان تعلّق الاحكام بموضوعاتها على أقسام:

(منها): ما يتعلّق بفعل المكلف من غير تعلق ذلك الفعل بموضوع خارجي كقول المولى مثلا: (ابك و لا تبك و أضحك) حيث ان تمام الافراد

______________________________

(1) الظاهر ان المراد السيد مهدي بحر العلوم، و اللّٰه العالم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 175

تحت اختيار المكلف من غير توقّفه بشي ء خارجي.

(و منها): ما تعلّق بفعله متعلقا بموضوع شخصي لا تعدد له في الخارج كقول المولى: (استقبل القبلة) حيث ان الاستقبال من الافعال و قد تعلّق بموضوع خارجي شخصي و هو عين الكعبة.

(و منها): ما هو القسم الثاني الا ان المتعلق فعله افرادا على سبيل البدلية كقوله: توضأ أو تيمم بالتراب، حيث ان التوضي أو التيمم من الافعال و قد تعلق بالماء و التراب الخارجيين الّا انه على سبيل البدلية (و منها): ما هو كذلك أيضا الّا ان متعلّقه كلّي أخذ (جعل خ ل) مرآة لجميع الأفراد الخارجية كقول المولى: لا تشرب الخمر، أو أكرم العالم، حيث ان التحريم في الأوّل و الوجوب في الثاني تعلقا بالشرب أو الإكرام المتعلّقين بالخمر أو العالم اللذين جعل (أخذ، خ ل) مرآتين لافرادهما.

ففي القسم الأخير ينحل الحكم بتعدد افراد الخمر أو العالم بعد فرض كون وظيفة الشارع بيان الكليات لا الشخصيات، فتكون القضيتان بمنزلة قضية كلية حقيقية التي تنحل إلى قضية شرطيّة يدلّ على مقدمها عقد الوضع، و على تاليها عقد الحمل، كما حققه المنطقيون.

فمعنى قوله: لا تشرب الخمر، ان كل ما لو وجد و كان خمرا فهو بحيث لو وجد يحرم شربه، كما ان معنى قوله: أكرم العالم، ان كل ما لو وجد و كان عالما

فهو بحيث لو وجد يكون واجد الإكرام.

و لا ريب ان كل فرد من افراد الموضوع ما لم يتحقق في الخارج كان الحكم بالنسبة إليه شأنيا، و بعد تحققه قبل العلم به، يكون فعليا و به يصير منجزا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 176

فتنجز الحكم بالنسبة الى كل فرد من افراده يكون مشروطا بشرطين: أحدهما: تحققه، ثانيهما: تعلّق علم المكلف بتحقق الموضوع (الخمر) الذي هو متعلق فعل المكلف، و إذا ضم هذا الفعل الى العلم بالكبرى- و هي حرمة كلّ خمر- يصير منجزا.

و الى هذا يرجع ما ذكره شيخنا المحقّق الأنصاري و ان كانت عبارته توهم خلاف ذلك (في بعض الموارد).

و بالجملة فكما يتوقف الحكم على تحقق الموضوع في الخارج كذلك يتوقف العلم بالحكم على العلم بتحقق الموضوع، فيكون هذا العلم من المقدمات الوجوبية لا من المقدمات العلمية، كما يستفاد من كلمات الشيخ رحمه اللّٰه، نظير الاستطاعة لوجوب الحج لا مثل تعدّد الصلاة الى أربع جهات و حينئذ تجري البراءة في الموارد المشكوكة.

هذا محصّل ما استدلّ به على جريان البراءة في الشبهة المستقلّة التحريمية.

لكن يرد عليه (أوّلا): ان الانحلال، لا ينحصر في القسم الرابع المذكور، بل هو جار (آت، خ ل) على تقديره في باقي الأقسام و هو الصور الثلاثة المتقدمة أيضا فإن متعلق الحكم اعنى فعل المكلّف و هو البكاء أو الاستقبال أو التوضي في الأقسام الثلاثة كان كليا ذا أفراد يجري فيه جميع ما ذكر، و لا يلزم ان يكون هذا المتعلّق متعلقا بموضوع خارجي.

و ثانيا: نقول: بعدم الانحلال أصلا في القسم الرابع أيضا، فإن النهي لما كان هو الزجر عن الوجود خلافا للمشهور «1» بين الأصوليين

______________________________

(1) المشهور بين الأصوليين على ان

النهى عبارة عن طلب ترك الطبيعة و الأمر طلب فعلها فالفرق بحسب المتعلق لا غيره، و لكن التحقيق العكس كما قررناه في الأصول، و ان الفرق انما هو بحسب اختلاف سنخهما مع اتحاد متعلقهما، فالأمر هو البعث على الوجود و النهى هو الزجر عنه، و انما قلنا ذلك للزوم التوالي الفاسدة على قول المشهور و لا يلتزمون بها.

(منها): لزوم كون ترك جميع أفراد المنهي عنه في تمام دهره امتثالا واحدا، فان عدم الطبيعة إنما يصدق فيما إذا ترك جميع الأفراد كي يصدق امتثالا النهى بذاك المعنى.

(و منها): عدم إمكان الامتثال إذا خالف حينا ما، لتبدل عدم الطبيعة بوجودها الأوّل فلا يمكن تركها بما هي.

(و منها): لزوم كون من اتى بالمنهي عنه مرّة واحدة متحدا مع من اتى بها مرارا، لاشتراكهما في أصل الإيجاد و كثرة الافراد و قلّتها لا دخل لها في الامتثال شدة و ضعفا، و هذه التوالي كلّها مخالفة لرويّة العقلاء، كما لا يخفى، منه دام ظله العالي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 177

كان لازم ذلك بقائه و لو بعد عصيان ذلك النهى.

(و بعبارة أخرى): الأمر و النهى يشتركان في ان كلّ واحد متعلق للوجود و انما الاختلاف في ذاتيهما حيث ان تحقق المتعلّق في الأوّل موجب للامتثال، و في الثاني موجب للمعصية، و كلما تحققت المعصية فالنهي باق أيضا لأن المفروض تعلقه بالوجود و هو يتعدد بتعدد أفراده.

(ان قلت): إذا ترك المنهي عنه يتحقق الامتثال، و كلّما ترك يتحقق فرد منه، و الامتثالات العديدة تستلزم التكاليف العديدة و هو

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 178

يوجب الانحلال.

(قلت): ترك المنهي عنه يتصوّر على وجوه:

(منها): تركه لانتفاء موضوعه كما إذا ترك شرب

الخمر المتعدّدة لعدم وجوده.

و (منها) تركه لعدم اشتهائه له.

و (منها): تركه لغفلته عنه.

و (منها): تركه لكون نهى المولى زاجرا له عنه.

و الامتثال انما يتحقق في القسم الرابع، لكنه ليس امتثالا مستقلا و انّما هو فيما إذا تركه لنهى المولى مطلقا.

(و ثالثا): عدم اقتضاء الحاجة و الضرورة لتأويل النهي إلى قضيّة مشروطة، بل و لا إلى القضية الحملية مثل تأويل لا تشرب الخمر الى كلّ خمر حرام فضلا عن تأويلها الى ان (كلما لو وجد و كان خمرا فهو بحيث لو وجد يكون حراما) فإن النهي قد تعلّق بنفس المتعلق اعنى شرب الخمر من غير نظر الى وجوده في الخارج و عدمه، فلا ضرورة لان يصار إلى تأويلها إلى قضية مشروطة بوجود الموضوع.

غاية ما يمكن ان يقال: و ان كان غير صحيح أيضا ان النهى مشروط باشتهاء المكلّف في إيجاد المنهي عنه بان يكون المعنى، إذا اشتهيت الى شرب الخمر فلا تشربه.

وجه عدم الاحتياج و عدم الضرورة الى ذلك أيضا ان النهى قد تعلّق بطبيعة شرب الخمر بحيث لو اشتهى اليه يصير منزجرا به، لا ان المعنى مشروط بالاشتهاء.

(و بعبارة أخرى): عدم إمكان الانزجار في فرض عدم الاشتهاء أمر

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 179

عقلي كامكانه في صورة وجوده، و هذا لا دخل له بالاشتراط الشرعي الذي عبارة عن تضييق متعلّق الحكم في نظر الشارع و ليس أيضا مشروطا بوجود الموضوع، فان وجوده لا دخل له في تحريكه نحو الانزجار، بل النهى من المولى لأجل ان لا يحصل له الدليل الى فعله.

(و رابعا): على تقدير تسليم جميع ما ذكر نقول: لا إشكال في عدم قبح المؤاخذة إذا ارتكب المشكوك ثم ظهر انه كان منهيا،

و ليس له ان يعتذر للمخالفة بعدم العلم مع إمكان الاحتياط في فرض تردّده كما هو واضح بالوجدان.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 179

هذا كلّه في التكاليف المستقلّة، و اما غير المستقلّة فعدم جريان البراءة العقلية بطريق اولى، لتعلّق التكليف هناك بشي ء آخر نفسي و عدم تعلقه بالمشكوك كي يجرى البراءة.

(و بعبارة أخرى): الاشتغال هناك معلوم، و انما الشك في الفراغ فتجري أصالة الاشتغال.

(و اما المقدّمة الثانية) «1»: فان لم نقل بجريان البراءة في مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين في الشبهة الحكمية لم نقل في المقام بطريق اولى، و ان قلنا بها فيها يجرى البحث في ثبوت الملازمة بين المقام و بينها فاللازم (أولا): هو البحث عن جريان البراءة و عدمه فيها فنقول:

يستفاد من كلمات جمع من المتقدمين على شيخنا الأنصاري عليه

______________________________

(1) عطف على قوله مدّ ظلّه العالي: أما المقدمة الأولى فمحصّل الى آخره، و كذا قوله مدّ ظله: و اما المقدمة الثالثة: فيما سيأتي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 180

الرحمة

القول بالاشتغال. [و أدلته]

و أقوى أدلتهم ان الاشتغال بهذا المقدار من الاجزاء المعلومة يقتضي البراءة عنها و لو بإتيان الاجزاء المشكوكة، لأن المفروض تقييد صحّة هذه الأجزاء المعلومة بحسب الواقع بإتيان الاجزاء المشكوكة لو كانت أجزاء واقعا، فما لم يأت بها يشك في تحقق الامتثال بالنسبة إليها.

و لكنّه عليه الرحمة هو و تلامذته و جماعة من تلامذة تلامذته اختاروا البراءة استنادا الى ان المأمور به ينحلّ الى أجزاء معلومة و مشكوكة فالوجوب أعمّ من الغيري أو النفسي،

منجز بالنسبة إلى الأقل دون الأكثر، و مخالفة الأقل توجب استحقاق العقوبة، و لو باعتبار المخالفة للأمر الغيري، فإن المناط في استحقاق العقوبة هو مخالفة الأمر سواء كان نفسيا أو غيريا، بخلاف الأكثر فإن الأمر على تقدير وجوب الأكثر منجز دون تقدير الأقل، فليس هناك وجوب على كل تقدير بخلاف الأقل فإنه واجب على كل تقدير.

(و فيه): ان لازم ذلك عدم استحقاق العقوبة على تقدير ترك الأكثر في ضمن ترك الأقل، فإن المفروض عدم تنجز الأكثر لو كان في الواقع هو الواجب، و عدم استناد المخالفة إلى ترك الأكثر حينئذ.

(و بعبارة أخرى أوضح): لو قيل: بكون الأقلّ منجزا حينئذ لا الأكثر لكان اللازم «1» جواز مخالفته مطلقا حتى في ضمن ترك الأقل و عدم

______________________________

(1) أقول: لو كان نظر الشيخ رحمه اللّٰه و من تبعه في ذلك عدم استحقاق العقوبة على ترك الأكثر لو كانت المخالفة مستندة الى تركه لا مطلقا، لا يرد عليه هذا الاشكال فراجع كلام الشيخ «ره» و تأملها، المقرّر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 181

استحقاق العقوبة على تقدير وجوب الأكثر واقعا لترتبه على تنجز الأمر بالنسبة إليه، المفروض عدمه حينئذ.

نعم لو كان الأمر في الواقع متعلّقا بالأقل لكان مستحقا للعقوبة فليس هناك وجوب على كلّ تقدير، و اما كون استحقاق العقوبة معلولا لمخالفة الأمر، سواء كان نفسيا أم غيريا فليس هناك أمر غيري بالنسبة إلى الاجزاء الداخلية، بل الأمر نفسي، غاية الأمر أنه ضمني فالأولى في الاستدلال ان يقال: كما ان متعلّق الأمر مركب ذو أجزاء حقيقية كذلك الأمر المتعلّق بها يعتبر له أجزاء متعلّقة بها، و هذا الأمر المبعض منجز لمتعلقه، سواء كان متعلّقا بالأكثر أم بالأقل.

فكما ان مقدارا

من المتعلق معلوم، و مقدارا آخر منه مجهول كذلك الأمر و تنجزه.

و بذلك يجاب عن دليل الاشتغال، فان الامتثال بالنسبة الى الاجزاء المعلومة حاصل و لا يتوقف تحقق الامتثال بالنسبة إليها على إتيان الأكثر، فالأمر ببعضه المعلوم منجز، و ببعضه الغير المعلوم غير منجز، فلو ترك الأكثر يعاقب على ترك الأقل المعلوم في ضمن الأكثر، فلا يرد ما ذكرنا من الاشكال على هذا التقريب كما لا يخفى.

(و اما المقدمة الثالثة): و هي انه هل المقام من قبيل الأقل و الأكثر، و هل يلازم القول بالبراءة فيها القول بها في هذه المسألة أم يكون لمسألتنا هذه خصوصية مانعة عن اجراء البراءة؟ و المتعرضون للمسألة لم يتوقفوا في الملازمة بينهما الّا الشيخ رحمه اللّٰه فإنه مع ذهابه الى البراءة فيها قال بالاشتغال هنا.

و غاية ما قيل في إجراء البراءة، كما يستفاد من الرسالة التي

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 182

ألفها بعض الأعاظم «1» في هذه المسألة ان الصلاة مشروطة بوجود الشرائط و عدم الموانع، فكما ان الشرائط قيود، للمأمور به، كذلك عدم الموانع بمعنى انها متقيّدة بعدم الموانع على نحو يكون القيد خارجا و التقييد داخلا، و من الموانع وقوع الصلاة في غير ما يؤكل لحمه، فإنه مانع عن صحة الصلاة.

و حيث ان هذا المانع له أفراد متعدّدة بعد تلك الافراد فاللازم تعدد النهى عن الصلاة بعدد هذه الأفراد، فإذا شك في فرد انه من هذه الافراد و انه ممّا تعلق به النهي تجري البراءة و المفروض عدم الفرق في منشأ الشك بين ان يكون لعدم النص أو إجماله أو تعارض النصّين أو لاشتباه الأمور الخارجية.

فإذا شككنا في ان الصلاة مشروطة بعدم هذا الفرد المشكوك

أيضا أم لا تجري البراءة (و بتقريب آخر): ان الأدلة الدالة على كون شي ء ما يتصوّر على وجوه ثلاثة:

(أحدها): ان يؤخذ عدم وقوع الصلاة في غير المأكول قيدا للصلاة بحيث كانت مقيدة بتحققه في الخارج على نحو السالبة المعدولة المحمول و يكون عدم وجود هذا المانع محصّلا لذلك القيد.

(ثانيها): ان يؤخذ على نحو السالبة المحصّلة، و يكون مجموع الاعدام قيدا بحيث يكون عدم كلّ واحد جزء لتحقق هذا العدم الكلّي فيكون مجموع الموانع مقدمة لهذا العدم في هذه الصورة أيضا.

(ثالثها): ان يكون على سبيل العموم الاستغراقي قيدا و وجود كل فرد مانعا.

______________________________

(1) هو المحقق المدقّق الميرزا حسين النائيني المتوفّى 1355 ه، ق رحمة اللّٰه عليه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 183

فعلى الأوّلين: لا مجرى للبراءة.

و على الثالث: يكون مجرى البراءة، فان «1» كون الشي ء مانعا ينحلّ بعدد افراد الموانع فكلّ فرد علم مانعيّته فلا يصحّ الصلاة.

و اما الافراد المشكوكة فكونها مانعة غير معلوم فتجري، كما في مسألة الشك في الأقلّ و الأكثر الارتباطيين في الشبهة الحكمية.

(ان قلت): هب انه على التقدير الثالث تجري البراءة، فلم لا يكون المأخوذ قيدا، على نحو الوجهين الأولين.

(قلت): اما احتمال كون الدليل ظاهرا في أخذ (العدم) قيدا للمأمور به على الوجه الأوّل منهما.

(فمدفوع): بان اعتبار الشي ء قيدا للمأمور به على نحو يكون العدم جزء يحتاج إلى مئونة زائدة، فالأصل يقتضي عدم اعتباره كذلك و حمله عليه خلاف ظواهر الأدلة الدالة على اشتراط الصلاة بعدم وقوعها في غير المأكول.

و اما احتمال ان يكون الاعدام المنتزعة عقلا من جعل الوجودات مانعة بحيث يكون مجموعها قيدا واحدا و يكون طبيعة العدم بما هي مرآة للإعدام المتعدّدة (فمدفوع) أيضا بكونه خلاف ظاهر الدليل

فان مرآتيّته الطبيعية ليست باعتبار تعدد الأعدام، بل باعتبار تعدد الوجودات، و لا يكون غير الافراد على سبيل الاستغراق لا المجموع فإنه ليس له وجود في الخارج بما هو مجموع، بل المتحقق و ما هو نفس الأمر عدم واحد، لا الأعدام متميزة فإنه لا ميز فيها بما هي هي و انما تميّز باعتبار إضافتها إلى الوجودات.

______________________________

(1) بيان جريان أصالة البراءة على الوجه الثالث.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 184

فالأدلة الدالة على كون الوجودات مانعة ناظرة الى الافراد خصوصا في المقام حيث ان قوله عليه السلام: (لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه) «1» أشار بالموصول الى العناوين الواقعية، فظاهر الأدلة جعل المانع وقوع الصلاة في غير المأكول، و ينتزع منه قيدية العدم باعتبار مانعية كل وجود ينتزع قيدية عدم هذا الوجود فإذا شككنا في مورد انه هل يعتبر فيه عدم هذا الوجود أيضا أم لا فالأصل البراءة.

هذا محصّل ما ذكره بعض الأعاظم رحمه اللّٰه «2» في إجراء البراءة العقليّة في المسألة.

لكن قد عرفت توقف هذا الاستدلال على فرض صحته على جريانها في الشبهة الموضوعية المستقلة، و في الشبهة الغير المستقلّة في مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين.

و يستفاد من كلامه رحمه اللّٰه، الفرق بين صورتي أخذ السلب على نحو السالبة المحصّلة، بأن يقال: يشترط ان لا تقع الصلاة في غير المأكول بحيث لا يكون قيد عدم الوقوع في غير المأكول جزء للمحمول.

و هذا يتصوّر على وجهين: (تارة) يكون جميع السلوب مأخوذا من حيث المجموع، (و اخرى) كل واحد من السلوب قد أخذ مانعا، فان كان على الوجه الأوّل لا تجري البراءة و (على الثاني) تجري.

لكن التحقيق عدم الفرق بينهما، فإنه «3» يعترف

بان ما هو

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 251.

(2) قد مرّ ان المراد هو المحقق الميرزا حسين النائيني- قدّه.

(3) يعنى القائل و هو المحقق النائيني رحمه اللّٰه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 185

الشرط و القيد هو سلب جميع الموانع على نحو الاستغراق بمعنى انه يشترط الّا يكون وقوع الصلاة من غير المأكول بحيث يكون تبدّل الاعدام بالوجود منافيا لتحقق هذا الشرط.

فترجع المسألة الى اشتراط عدم واحد، و هو عدم جميع الموانع فان متعلّق العدم و هو وجود افراد غير المأكول من الوبر و الشعر و الجلد و غيرها من الافراد الوجودية و ان كان متعددا، لكن ما هو القيد المنتزع من مانعية هذه الوجودات واحد لا تعدد فيه بما هو عدم كما اعترف به رحمه اللّٰه، فان المناط اعتبار شي ء قيدا هو الدليل، و هو دال على ان وقوع الصلاة في غير المأكول مانع عن صحة الصلاة فينتزع العقل اعتبار العدم، فوقوع الصلاة في غير المأكول يتعدّد بتعدّد غير المأكول فإن خصوصية كونه وبرا أو شعرا أو جلدا أو كونه من الأرنب أو الذئب أو الثعلب مثلا لا دخل لها في المانعية.

فظهر انه لا فرق بين ان يقال باعتبار العدم، قيدا على نحو السالبة المعدولة المحمول أو المحصّلة على كلا التقديرين.

و هو ظاهر الدليل أيضا فإن قوله عليه السلام في موثقة ابن بكير:

(ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد لا يقبل اللّٰه تلك الصلاة، الى آخره) «1» ظاهر في ان الفساد قد حمل على الصلاة التي وقعت في غير

المأكول فصحتها بان لا تقع الصلاة فيه، و عدم وقوعها بسبب عدم جميع الافراد كما بيّنا.

فان نقيض الموجبة الجزئية هو السالبة الكلية لا السالبة الجزئية

______________________________

(1) الوسائل باب 2 قطعة من حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 186

كما ان نقيض الموجبة الكلية هو السالبة الجزئيّة، فمانعية الوجود على نحو الإيجاب الجزئي تقتضي اعتبار عدمه على نحو السلب الكلي.

نعم يمكن ان يتصور في مقام الثبوت اعتبار مجموع افراد الوجودات مانعا بما هو مجموع فحينئذ لا يلزم من ذلك اعتبار العدم على النحو الكلي قيدا، بل إذا كان بحيث لم يكن مجموع الوجودات يحكم بصحة الصلاة.

لكنه مقطوع على فساده، فإنه يلزم حينئذ عدم إمكان الإتيان بالصلاة الفاسدة لعدم إمكان تحقق مجموع الوجودات حين الصلاة.

و يلزم أيضا- إذا اتى بصلاة فاقدة لبعض الوجودات و واحدة لبعضها الآخر- ان لا تكون صحيحة و لا فاسدة.

أما الاولى فلان المفروض اعتبار العدم بقول مطلق قيدا لصحتها و المفروض عدم تحقق هذا المعنى، و اما عدم الثانية فلان المفروض ان المانع مجموع الوجودات و المعلوم انتفائه، فحيث ظهر ان العدم المأخوذ قيدا المنتزع من اعتبار الوجود مانعا أمر واحد، و المفروض معلومية كونه قيدا من الأدلة، فلا نشك في اعتبار هذا العدم و انما الشك في تحقق هذا القيد و هو غير مربوط ببيان الشارع بما هو شارع فلا تجري البراءة.

و مجرد تصوير السالبة المحصّلة على وجهين، لا يوجب المغايرة بينهما في النتيجة بل يشتركان في عدم الانحلال فان اعتبار السلب الكلي على وحدته «1» الجامعة لجميع الافراد هو عين اعتبار مانعية

______________________________

(1) هذا الكلام إشارة إلى رفع الاضطراب الواقع في كلام هذا القائل

في رسالته، قال في ص 262: و إذا عرفت ذلك فلا يخفى أن قيدية عدمها تتصوّر ثبوتا على وجوه، إذ يمكن ان تكون نعتا عدميا مساوقا فمحمول المعدولة، و القيديّة راجعا الى اعتبار ان تكون الصلاة واجدة لهذا النعت فيرجع الى باب العنوان و المحصّل كما تقدم.

و يمكن ان تكون من باب السلب المحصّل و يرجع التقييد الى اعتبار عدم التخصص بتلك الخصوصية الوجودية من دون ان تكون للنعت العدمي دخل فيه، فيكون حينئذ ملازما لتحقق القيد لا قيدا بنفسه.

و على هذا التقدير أيضا فيمكن ان يكون نفس السلب الكلّي بوحدته الشاملة لمجموع وجودات الموضوع قيدا واحدا، كما يمكن ان يكون منحلّا و القيد آحاده (انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه) و غرض سيدنا الأستاذ العلّامة مد ظلّه العالي انه لا فرق بين الاعتبارين في صورة كون القيدية من باب السلب المحصل، فإنه في صورة الانحلال أيضا يرجع الى اعتبار عدم هذه الوجودات و المفروض ان الخصوصيات لا دخل لها في هذا الاعتبار فيكون ما هو المعتبر عدم الطبيعة، فلا فرق بين ان يؤخذ السلب على نحو يكون بوحدته الجامعة للوجودات قيدا أو على نحو يكون قابلا للانحلال كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 187

الوجود التي تكون منشأ لانتزاع قيديّة العدم، اما واقعا و حقيقة، و اما هما متلازمان في الوجود و المفروض ان الدليل دالّ على انّ وقوع الصلاة في غير المأكول مبطل لها، و يلزم منه كون العدم بقول مطلق- بمعنى عدم الطبيعة- قيدا و الدليل على أحد المتلازمين دليل على الآخر.

فحينئذ لا انحلال مطلقا سواء لوحظ السبب الكلي قيدا أو الوجودات مانعة، فان لازم كون الوجودات

مانعة مع تعدّدها، شرطية عدم جميعها، و هو أمر واحد، هذا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 188

مع ان مانعية الوجودات المتميزة ليست باعتبار امتيازاتها بعضها عن بعض بل الوجود الجامع مانع.

(و بعبارة أخرى) القدر المشترك بين الافراد جعلها مانعة و ينتزع من هذا الجعل عدم هذا القدر المشترك و لا يمكن تحقّقه الّا بعدم وجود جميع الافراد، كما قلنا مرارا، بعكس الشروط فان المعتبر أحد وجوداتها، و المخلّ عدم جميعها.

و لا يترتب على الوجهين مسألة الاضطرار الى أحد الوجودات بان يقال: بناء على اعتبار السلب الكلي لا يجب الاحتراز عن الإفراد الباقية على تقدير الاضطرار إلى أحدها، و على اعتبار السلوب المتعدّدة يجب.

لانه «1» على التقدير الأوّل أيضا يجب الاحتراز عن الباقي لأن «2» اعتبار السلب كذلك باعتبار مانعيّة الوجود، فان العدم بما هو ليس بشي ء، بل المانعية انما هي للوجود فقط لا غير، و المفروض انه يتعدد بتعدّد متعلقه.

______________________________

(1) تعليل لقوله مدّ ظلّه: و لا يترتب، الى آخره.

(2) هذا رد لما ذكره القائل رحمه اللّٰه من التفصيل بين الاضطرار الى لبس غير المأكول على تقدير الانحلال و بينه على تقدير عدمه حيث قال في ص 263: و لو قام دليل على الاضطرار الى لبس شي ء منها في حال الصلاة يوجب السقوط كليا لا متقدرا بمقداره كان ذلك كاشفا عما ذكرنا من قيدية نفس السلب الكلّي، لكن لا عين و لا اثر لهذا الدليل بل ما دل بعمومه على ان الضرورات تتقدر بقدرها قاض بخلافه (الى ان قال): و يخرج ما سقط قيديّته بالاضطرار عن الدائرة و ان هذا عن قيديّة نفس السلب كالكلي و هل هو من لوازم الانحلال؟ (انتهى موضع الحاجة) فأجاب

الأستاذ مد ظلّه العالي بأنه لا فرق بين التقديرين في عدم جواز لبس الغير المضطر إليه، فإن المانعية انما هي للوجود و المفروض عدم اضطراره اليه، فلا وجه لسقوط مانعيّته حينئذ كما هو واضح.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 189

فتحصّل أن الانحلال مطلقا ممنوع، فيرجع الى الشك في المحصّل ان قلنا: ان الشرائط و الاجزاء مقدمات عقلية يكشف عنها الشرع لتحقق عنوان المأمور به، و هو عنوان بسيط لا يتحقق في الخارج إلّا بإتيانها كما اختاره شيخنا العلّامة عليه الرحمة في الكفاية و لا ربط لها حينئذ بمسألة الأقلّ و الأكثر.

و ان قلنا: بأنها مركبة من الاجزاء و وجود الشرائط و عدم الموانع و المفروض أنها معلومة حتى تقييدها بعدم الموانع، فالشك في تحقق هذا القيد الناشئ عن الشك في وجود الموانع.

فتحصّل ان البراءة لا مجرى لها على تقدير عدم جريانها في الشبهة الموضوعية، و كذا على تقدير عدم جريانها في مسألة الأقل و الأكثر في الشبهة الحكمية.

و على تقدير جريانها في المسألتين أيضا لا مورد لجريانها على التحقيق لرجوع المسألة الى الشك في المحصل و الى الشك في إتيان القيد، فعليك بالتأمّل التام فإنّه من مزال الاقدام، و نسئل التوفيق من الملك العلّام.

و اما التشبث بأصالة الحلية التكليفية،

بأن يقال: ان القيد المنتزع من اعتبار الوجود مانعا يكون مطلوبا تركه، و كلّما كان كذلك

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 190

كان منهيا عنه. لكون النهى هو طلب الترك فيكون حراما ضمنيا وضعيا كان منهيا عنه. لكون النهى هو طلب الترك فيكون حراما ضمنيا وضعيا فيكون مشمولا لقوله عليه السلام: (كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه) «1» بعدم عدم

الفرق في صدق الحرام بين الضمني و الاستقلالي، و لا بين التكليفي و الوضعي.

فقد عرفت «2» ضعفه، بعدم كون النهى طلبا للترك، بل هو الزجر عن الوجود (أولا).

و بان العصيان انّما يتحقق باعتبار انه ترك المأمور به لا باعتبار انه اتى بالمنهي عنه، فان ترك المأمور به (امّا) بترك اجزائها بأسرها أو بعضها أو شرائطها كذلك (و امّا) بإتيان موانعها بالأسر أو بالبعض.

ففي جميع هذه الصور يصدق عليه انه ترك المأمور به الّا ان الترك المستند إلى إيجاد المانع المخصوص انما هو في القسم الأخير «3» إذا لم يكن متمكنا من إعادة الصلاة في وقتها بان أتى بها مع بعض الموانع في ضيق الوقت فحينئذ يصدق عليه انّه عصى لترك الصلاة المستند الى عدم رفع هذا المانع، لا انه عصى لإتيان هذا المانع بحيث يعاقب عليه كما هو واضح، بل ليس في الفرض إتيان بالمزجور عنه أصلا.

و مجرد كون شي ء مانعا عن تحقّق شي ء آخر لا يصيّره مزجورا عنه و مبغوضا حتّى يترتّب العصيان على إتيانه.

(و توهّم) انتزاع المزجورية من قوله عليه السلام: (لا تصل في وبر

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 59.

(2) جواب لقوله مد ظلّه: و اما التشبث.

(3) يعنى بالأخير إتيان الموانع ببعضها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 191

ما لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه) «1» حيث ان ظاهره النهي المنشأ لصدق الحرام على متعلقه.

(مدفوع): بما قرّرناه في الأصول من ان الألفاظ الدالة على النهي إذا وقعت في مقام بيان الموانع المأمور به، ظاهرة في الإرشاد لا الحرمة نعم مسألة دلالة النهي التحريمية على الفساد مسألة اخرى.

(و بعبارة أخرى): يكون هناك بحثان:

(أحدهما):

ان النهى المفروض دلالته على الحرمة التكليفية هل يدلّ على فساد المنهي عنه لو كان عبادة فيرجع الى مسألة اجتماع الأمر و النهى.

(ثانيهما): ان صيغة لا تفعل و نحوها من النواهي اللفظية هل هي ظاهرة في الحرمة التكليفية أو في الإرشاد إلى فساد متعلقه، و قد قلنا هناك: بان ظاهر النهى عن إتيان العبادة على نحو مخصوص كقوله عليه السلام: (لا تصل في الحرير المحض) «2» أو (لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه) «3» أو إتيان المعاملات كذلك كقوله: (لا تبع ما ليس عندك) «4» هو الإرشاد إلى حكم وضعي و بيان اشتراط العبادة أو المعاملة بكذا و كذا مثلا.

فتحصّل انه لا يصدق الحرام على إتيان الصلاة في غير المأكول إلّا باعتبار عدم إتيان المأمور به، فلا يكون مصداقا لقوله عليه السلام: (كل

______________________________

(1) الوسائل باب 2 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 251.

(2) الوسائل باب 11 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 266.

(3) الوسائل باب 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 250.

(4) الوسائل باب 7 من أبواب أحكام العقود ج 12 ص 374.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 192

شي ء فيه حلال و حرام، الى آخره) «1» فان ظاهره ان منشأ كون شي ء مصداقا بشي ء هو كونه مزجورا عنه باعتبار تعلقه به مستقلا.

نعم لو قيل: ان معنى الرواية: كلّما شككت في تحقق المعصية سواء كان بإتيان المزجور عنه أو ترك المأمور به فاحكم بأنك لم تأت بهذا الفعل المشكوك، صحّ ان يقال في المقام ان الإتيان بالمعصية مشكوك.

لكن المتفاهم العرفي من أمثال تلك الرواية، الحرمة التكليفية لا الوضعية و كونها مستندة الى تحقق المزجور (المنهي، خ

ل) عنه لا ترك المأمور به.

ففي المقام و ان كان العصيان متحققا في الفرض المذكور الّا انه مستند الى عدم إتيان المأمور به، المستند إلى إيجاد بعض الموانع في وقت لا يمكن الإعادة.

فالتشبث بأصالة الحلّية التكليفية لا وجه له.

نعم يمكن ان يوجه الاستناد إلى أصالة الحلية الوضعية

بما ذكرناه سابقا، و حاصله ان التتبع التام في موارد استعمالات مادة (ح ر م) كالحريم و الحرم و الحرمان و المحروم كحريم الدار و حريم القرية و حريم البلد و حرم الهّٰ و حرم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و حرم الأئمة (ع) و حرم الرجل، و حرمان شخصي، و كونه محروما في مقابل كونه مرزوقا.

يوجب الظن بكونها مستعملة في معنى عام جامع مشترك بين جميع موارد الاستعمال، و هو كون الشي ء محدودا بحدود مانعة عن كونه مطلقا، سواء كانت المحدودية منشأ لاستحقاق العقوبة إذا تجاوز عنها أم لكون شي ء آخر غير صحيح.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 59.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 193

و بهذا المعنى قد استعمل في القرآن الكريم و السنة، حيث انه يظهر منها عدم اختصاص استعمال هذه المادة (ح ر م) بصيغها المختلفة بما كان حكما تكليفيا.

مثل قوله تعالى فَإِنَّهٰا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً «1» و قوله تعالى وَ حَرٰامٌ عَلىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا أَنَّهُمْ لٰا يَرْجِعُونَ «2» و قوله تعالى وَ حَرَّمْنٰا عَلَيْهِ الْمَرٰاضِعَ مِنْ قَبْلُ «3» و قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «4» على وجه، و قوله تعالى الشَّهْرُ الْحَرٰامُ بِالشَّهْرِ الْحَرٰامِ وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ «5» و قوله تعالى إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّٰهِ اثْنٰا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتٰابِ اللّٰهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ

الْأَرْضَ مِنْهٰا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ «6».

و قوله عليه السلام: المسلم عن المسلم محرّم أو المسلم محرّم عن المسلم «7».

و قوله عليه السلام في رواية موسى بن أكيل النميري: و جعل اللّٰه الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه الحديث، «8».

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 26.

(2) سورة الأنبياء، الآية 95.

(3) سورة القصص، الآية 12.

(4) سورة البقرة، الآية 275.

(5) سورة البقرة، الآية 195.

(6) سورة التوبة، الآية 36.

(7) مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 5 مع اختلاف.

(8) الوسائل باب 30 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 300.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 194

فإنه استعمل في هذا الحديث لفظة (حرّم) في المعنى الجامع بين التكليفي و الوضعي و غير ذلك من الموارد الكثيرة التي يعثر عليها المراجع.

فحينئذ يمكن ان يراد من قوله عليه السلام: (كل شي ء فيه حلال و حرام، الى آخره) «1» هذا المعنى الجامع بين الحكم التكليفي و الوضعي، فيصير المعنى ان كل شي ء فيه نوعان نوع مطلق بالنسبة إلى الأفعال الصادرة من المكلف، و نوع ممنوع و محدود بالنسبة الى بعض الأمور المتعلقة به و كان هناك شي ء و لم تعلم انه من أيهما فاحكم بأنه مطلق و غير مقيّد بالنسبة الى هذا الفعل المشكوك حتى تعرف انه محدود بالنسبة الى بعض الافعال، و هو الصلاة فيه، و هو اللباس الذي لا يكون من غير المأكول و نوع محدود كذلك و هو الذي أخذ من غير المأكول ففي النوع الذي شككت انه من أيّهما فاحكم بأنه غير ممنوع بالنسبة الى هذا الفعل.

فتحصل انه لو استدلّ المستدلّ بأصالة الحليّة الوضعيّة بهذا التقريب للمسألة لكان له وجه.

و اما التقريبات الأخرى

فقد مرّ بيانها و بيان ما فيها.

(ان قلت): مجرد استعمال لفظة (الحرم، و الحرام و الحرمان و أمثالها) في المحدودية و الممنوعية لا يوجب رفع اليد عن ظهور قوله عليه السلام: (فيه حلال و حرام) في الحرمة التكليفية، فمن الممكن صحة الاستعمالات مع كون الحديث ظاهرا فيما ذكرناه.

(قلت): للمستدل ان يقول: ان استعمال لفظ (الحرام) في الحكم

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ج 12 ص 59.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 195

التكليفي أيضا لعلّه بمناسبة هذا المعنى،- أعني المحدوديّة- لا ان له خصوصية زائدة على هذا المعنى، فمعنى كون الشي ء حراما بالحرمة التكليفية هو محدودية المكلفين بالنسبة الى هذا الشي ء باعتبار الأفعال الصادرة منهم المتعلقة به كما ان معنى كونه كذلك بالحرمة الوضعية أيضا هو المحدودية.

مثلا قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «1» معناه تحديد الناس و منعهم في النقل و التبديل بالنسبة إلى الربا، و إطلاقهم بالنسبة إلى البيع.

(ان قلت): استعمال مادة (ح ر م) بصيغها المختلفة في المعنى الجامع انما يفيد فيما إذا كان الصيغ المختلفة مستعملة في معنى واحد حتى في الحكم التكليفي، فمن الممكن ان يكون المستعمل فيه في الحكم التكليفي معنى آخر غير المستعمل فيه في سائر الموارد، فلا يمكن التمسك بقوله عليه السلام: (كل شي ء فيه حلال و حرام، الى آخره) لاحتمال الحرام هنا مستعملا في معنى له خصوصية زائدة على الخصوصية المذكورة في المعنى الجامع.

(قلت): لا وجه لهذا الإشكال فان المدّعى ان هذه المادة (ح ر م) كلما استعملت يراد بها هذا المعنى الجامع، و خصوصيات الموارد لا دخل لها في إرادة مفهوم المانع، و على تقدير الخصوصية يكون

مورد الاستعمال مع هذه الخصوصية من مصاديق المعنى الجامع لا انه معنى مباين له، فلا ينافي إرادة الخصوصية في الحكم التكليفي مع كون أصل معنى المادة ما ذكرنا، فيحمل عليه إذا لم تكن قرينة على

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 275.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 196

إرادة بعض افراده.

هذا غاية تقريب الاستدلال بأصالة الحلية على المسألة.

و لكن مع ذلك لا يجترئ الفقيه على الفتوى بمثل هذه التقاريب في المسألة في مقابل حكم العقل بلزوم البراءة اليقينية عن الاشتغال اليقيني فإن استعمال هذه المادة (ح ر م) في الموارد المختلفة و ان كان بالاعتبار الذي قلنا من ملحوظية المعنى الجامع و هو الممنوعية و المحدودية الّا انه لم يحرز ان هذه المناسبة لوحظت في زمن صدور هذه الاخبار الدالة على أصالة الحلية اعنى زمن الصادقين عليهم السلام أم كانت مستعملة في خصوص الحكم التكليفي كما قد يدعى و الاحتمال كاف في مثل المقام.

و اعلم انا قد بينا «1» ان من وجوه الاستدلال، هو التمسك بالاستصحاب و قد بينا ما يمكن ان يورد عليه من الاشكال، و أشرنا أيضا الى ان بعض الفقهاء المعاصرين «2» تمسك بأصالة العدم و قررناه بالوجوه الثلاثة المتقدمة مع بيان ما يرد عليها فلا نعيدها.

و لكن حيث انا قد اجملنا الوجه الثالث من الوجوه الثلاثة التي يمكن ان يستند إليها في حجية أصالة العدم، و هو بناء العقلاء فالإعادة لا تخلو عن الإفادة.

[بناء العقلاء في حجية أصالة العدم]

فنقول: ان المعاصر المشار اليه قدس سرّه، بعد ما ذكر الاستدلال بالاستصحاب مع ردّه قال: ما حاصله ان هذا الاشكال وارد

______________________________

(1) عند قولنا: الوجه الثالث من الوجوه التي استدل بها القائلون بالجواز، الى آخره.

(2) هو صاحب مصباح الفقيه

المحقق الهمداني عليه الرحمة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 197

على تقدير ان يتمسك بالاستصحاب.

و اما ان قلنا: بجريان أصالة العدم، فلا وجه له، لعدم الاحتياج إلى إحراز ان اشتراط عدم كون اللباس من غير المأكول أخذ وصفا للابس أو اللباس أو الصلاة، فإن الصلاة على هذا التقدير عبارة عن نفس الاجزاء و الشرائط بمعنى تقيّدها بها نحو خروج القيد و دخول التقيد، و كون اللباس من غير المأكول مانع عن ارتباط هذه الاجزاء و الشرائط بعضها مع بعض بحيث ينتزع من مجموعها عنوان الصلاة و لا ينتزع من جعله مانعا قيدية العدم شرعا بحيث تصير أجزاء الصلاة زائدة على ما كانت عليه، نعم ينتزع العقل كون العدم قيدا.

فحينئذ لو شك في وجوده، فمقتضى الأصل عدمه لا بمعنى استصحاب عدم تحقق هذا المانع كي يرد عليه بما أورد، لعدم الاحتياج إلى ملاحظة الحالة السابقة كي يستصحب، بل مجرد الشك في تحققه يكفي في البناء على عدمه.

فان بناء العقلاء في جميع أمورهم بالنسبة إلى الشك في وجود شي ء منشأ للآثار على عدم ذلك الشي ء حتى يثبت خلافه.

ألا ترى لو أرسل الواهب العين الموهوبة إلى الموهوب له فوصل اليه، يتصرف في العين الموهوبة من دون تفحص عن بقاء حياة الواهب و عدمه حتى لو سئل لم تصرف مع انك تحتمل موته، يجيب بأنه لم يثبت بعد خلافه، بل و كذلك حجية ظواهر الألفاظ من الحقيقة و العموم و الإطلاق مبنية على ذلك حيث ان بناءهم في المحاورات على التمسك بها حتى يثبت خلافها، لا ان هنا أصلا تعبديا و عليه يحمل اخبار الاستصحاب أيضا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 198

و بالجملة لا شبهة في مورد الاستصحابات

العدميّة في بنائهم على العدم، و كذا الاستصحابات الوجوديّة التي يكون وجود شي ء آخر رافعا له.

ففي المقام لو شك في وجود ما هو مانع، يبنى على العدم فيحكم بالصحّة لتماميّة سائر الاجزاء و الشرائط فينطبق عليها عنوان الصلاة فتكون مأمورا بالأمر الظاهري، و هو يقتضي الاجزاء الّا ان يثبت خلافه.

هذا محصّل ما ذكره قدس سرّه في مسألة ما لو شك في وجود الحاجب في مصباح الفقيه، و ما على الفوائد في الاستصحاب بعد إسقاط ما لا دخل له في إثبات ذلك زائدا على ما ذكر.

(و فيه): ان أصل المدّعى حق، و لذا ذكرنا نحن أيضا أن اخبار الاستصحاب لا تفيد أمرا زائدا على ما هو مرتكز العقلاء و ديدنهم.

فان قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: انك كنت على يقين من وضوئك فشككت و ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك «1» ظاهر في إرجاع الإمام عليه السلام المخاطب إلى أمر ارتكازي ثابت في أذهان العقلاء، لا انه أمر تأسيسى تعبدي.

نعم في اختصاصه بالشك المانع أو عمومه لمطلق الشك حتى الشك في المقتضى وجهان و قد قلنا في الأصول: ان المتيقن هو الأوّل.

كما ان في اختصاصه بمسألة المقتضى و المانع، أو عمومه للاستصحاب وجهين، المتيقّن منهما هو الأوّل.

فيصير الحاصل من المتيقنين: حجيتها فيما إذا تحقق أمران:

أحدهما: كون الشك في الرافع.

______________________________

(1) الوسائل باب 41 قطعة من حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1602.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 199

ثانيهما: كونه بالنسبة إلى المقتضى و المانع.

و اما ما خلا عن أحدهما كما إذا شك في المقتضى فقط أو كان الشك في المانع فجريان هذه الاخبار مشكل و التفصيل في محله.

لكن كون المقام من قبيل ذلك

محلّ تأمل، فإن القائل مع ذهابه الى ذلك قد أوجب التفحص في مسألة الشك في كون الخاتم الضيّق حاجب أم لا.

(ان قلت): لعلّ ذلك باعتبار وجوب الغسل و احتمال مانعيّة الخاتم مانع عن إحرازه.

(قلت): فأيّ فرق بينه و بين الشك في أصل وجود الحاجب مع انه لم يوجب الفحص، مع انه يجب فيه الغسل أيضا، و ما نحن فيه من قبيل الشك في مانعيّة الموجود لا في وجود المانع، فان المفروض ان اللباس موجود يحتمل كونه مانعا عن تحقق الصلاة.

مع ان ابتناء مسألة كون الشك في كون اللباس من غير المأكول أم لا، على مسألة بناء العقلاء على العدم فيما إذا شكّ في وجود الشي ء ممّا لا محصّل له، فان القول بكون بنائهم على عدم كون اللباس من غير المأكول لا وجه له، و القول بكون بنائهم على عدم الاعتناء باحتمال وجود المانع، ان أريد به عنوان المانع بما هو مانع فلا خفاء في ان المانع بعنوان انه مانع غير مانع، بل هو هو بالحمل الشائع مانع، و ان أريد ان ما هو بالحمل الشائع مصداق للمانع مرتفع بالاحتمال عند العقلاء، فغير مسلّم.

فتحصّل انه لم يحصل وجه صحيح يمكن ان يستند إليه في الجواز في قبال أصالة الاشتغال فالأحوط الاجتناب.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 200

فروع
(الأوّل): يجوز الاعتماد على اخبار ذي اليد بعدم كونه من غير المأكول

إذا لم يكن المخبر غير مبال في مقام الاخبار و كان من أهل الاطلاع، و ذلك لاستقرار سيرة المسلمين بل العقلاء على الاعتماد في الموضوعات نظير الإخبار بالطهارة و النجاسة و الكرّيّة، إذ ليس له وجه في هذه الأمور إلّا السيرة مع عدم ردع الشارع كما هو المفروض.

(الثاني): إذا شك في وقوع شعرات غير المأكول على لباسه

يجوز الصلاة فيه، لما ذكرنا من استقرار السيرة على عدم الاعتماد و عدم ترتيب الآثار بمجرد احتمال وقوعه.

(الثالث): إذا شك في الشعرات الملقاة أنّها من المأكول أم من غيره

تكون المسألة من مصاديق أصل المسألة في لزوم الاحتياط في مقام العمل، و اللّٰه العالم.

بقي الكلام فيما هو المستثنى من غير المأكول
اشاره

و هو شيئان

(الأوّل): الخزّ
اشارة

و البحث فيه موضوعا و حكما يحتاج الى البحث في جهتين:

(الأول): البحث فيه نفسه من حيث الموضوع و انه هل هو حيوان أو ثوب مسمى بذلك؟

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 201

(الثاني): على التقدير الأوّل هل المستثنى هو الوبر فقط أم يشمل الجلد أيضا؟

اما الأوّل [من حيث الموضوع هل هو حيوان أو ثوب مسمى بذلك؟]

فلا بد- قبل نقل الاخبار- من نقل كلمات أهل اللغة ثم نقل الاخبار فننظر هل هي موافقة لهم أم لا فنقول:

قال الفيروزآبادي «1» في القاموس: الخزّ من الثياب ج خزوز (الى ان قال): و الخزز كصرد ذكر الأرانب ج خزّان و اخزّه، و موضعها مخزّة، و منه اشتقاق الخز، (الى ان قال): و الخزيز: العوسج الحاف جدا (الى ان قال): و البعير من الإبل كذلك، (انتهى).

و قال ابن الأثير «2» في النهاية: الخزّ المعروف أوّلا ثياب تنسج من صوف و إبريسم، و هي مباحة و قد لبسها الصحابة و التابعون فيكون النهى عنها، للتشبيه بالعجم و زيّ المترفين، و ان أريد بالخز النوع الآخر- و هو المعروف الآن- فهو حرام لانه جميعه معمول من الإبريسم و عليه يحمل الحديث الآخر: قوم يستحلّون الخز و الحرير (انتهى).

______________________________

(1) قاضى القضاة أبو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الصديقى الشيرازي الشافعي (الى ان قال): ولد 729 بكارزين و توفى قاضيا بزبيد من بلاد اليمن ليلة العشرين من شوال سنة 816 أو سنة 817 و هو ممتع بحواسه و قد ناهز التسعين (الكنى و الألقاب ج 3 ص 31، 2

(2) مجد الدين أبو السعادات المبارك بن أبي الكرم محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري الإربلي صاحب كتاب النهاية في غريب الحديث (الى ان قال): و كان وفاة مجد الدين المذكور

بالموصل سلخ سنة 606 (الكنى و الألقاب ج 1 ص 198).

طبع لطيف، للمولى عبد الرحيم بن عبد الكريم بن الصفي پوري شرح و ترجمة للقاموس بالفارسية فرغ منه سنة 1275 و طبع بطهران سنة 1298- (الذريعة ج 23 ص 9).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 202

و قال «1» في لسان العرب: الخزّ ولد الأرانب، و قيل هو ذكر الأرانب، و الجمع خزّوز و خزّان مثل فرود، صردان، و ارض مخزّة كثيرة الخزّ، و الخزّ معروف من الثياب مشتق منه، عربي صحيح، و هو من الجواهر الموصوف بها، حكى سيبويه: مررت بسرج خزّ صفته .. و الجمع خزوز، و منه قول بعضهم: فإذا أعرابي يرقل في الخزوز و بائعه خزّاز، و في حديث علي كرّم اللّٰه وجهه: نهى عن ركوب الخزّ و الجلوس عليه (انتهى).

و قال في ترجمة القاموس «2»: خز: جامه اى از جامه هاى معروف و جمعه خزوز كفلوس، مترجم گويد: خزّ جانورى است مانند سمور كه از پوست آن پوستين و مانند آن ساخته مى شود، و ممكن است كه مراد از جامۀ خز همان باشد، يا آن كه از موى آن جامه مى بافند، يا آن كه خز جامۀ از پشمين را گويند، و خزيز گوشهاى و جاى خرگوشها (انتهى).

و قال في منتهى الارب «3»: خز جانورى است و جامه از پشم

______________________________

(1) اللغوي الكبير المشهور في مجلدات لإمام اللغة جمال الدين أبي الفضل جلال الدين أبي العز محمد بن مكرم بن على بن احمد بن أبي القاسم بن حقبة بن منظور الأنصاري الخزرجي الإفريقي المصري (إلى أن قال): ولد في المحرم سنة ثلاثين و ستمائة و توفى في شعبان 716- أو 717 (الذريعة الى تصانيف

الشيعة ج 18 ص 308).

(2) ترجمان اللغة شرح للقاموس بالفارسية للمولى محمد يحيى بن محمد شفيع القزويني كتبه بأمر شاه سلطان حسين الصفوي في مدة أحد و ثلاثين شهرا و عشرة أيام شرع فيه عاشر شعبان 1114 و فرغ منه في 1420- 1117 و طبع 1273 مصححا مقابلا مع عدة نسخ (الذريعة ج 4 ص 72).

(3) منتهى الارب في لغات العرب، كبير مجدول في مجلدين في طبع لطيف، للمولى عبد الرحيم بن عبد الكريم بن الصفي پوري شرح و ترجمة للقاموس بالفارسية فرغ منه سنة 1275 و طبع بطهران سنة 1298- (الذريعة ج 23 ص 9).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 203

ج خزوز و خزز كصرد، و خرگوش ج خزوز و اخززه، و منه اشتق الخز (انتهى).

و في الصحاح «1»: الخز واحد الخزوز من الثياب و الخزّ: ذكر الأرانب و الجمع خزّان كصرد و صردان (انتهى).

و قال «2» في حياة الحيوان: الخزز بضم الخاء المعجمة و فتح الزاي الأولى، ذكر الأرانب، و الجمع خزّان مثل صرد و صردان انتهى.

و قال «3» في منتخب اللغة: خزّ بالفتح و تشديد راء جامه اى است معروف (انتهى).

و قال في المصباح «4»: الخز اسم دابة، قال ابن فرشتة: الخز

______________________________

(1) أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي، كان من أذكياء العالم (إلى أن قال): و صنف كتبا و مقدمة في النحو و الصحاح في اللغة (إلى أن قال): و توفى سنة 230 و قد استكمل 96 (الكنى ج 2 ص 144).

(2) كمال الدين محمد بن موسى بن عيسى المصري الشافعي الفاضل الخبير صاحب كتاب حياة الحيوان و شرح سنن ابن ماجة و منهاج النووي و غير ذلك توفى بالقاهرة سنة 808

(الكنى ج 2 ص 206).

(3) أشهر اللغة لمحمد تقى (إلى أن قال): نسخة منها لعلّها بخط المؤلف توجد في طهران .. كتبت بقلم النسخ في القرن الحادي عشر أو الثاني عشر في 26 ورقة (الذريعة ج 23 ص 429).

(4) للفيّومى شهاب الدين أبو العباس احمد بن الشيخ كمال الدين محمد بن الحسن على المصري الحموي شيخ فاضل اديب صاحب المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (إلى أن قال): توفي الفيومي في نيف و سبعين و سبعمائة (الكنى و الألقاب ج 3 ص 34 الى 36).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 204

صوف غنم ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها، و خزّ و خزوز مثل فلس و فلوس، و الخز ذكر الأرنب ج الخزوز (انتهى).

و قال صاحب كتاب برهان قاطع «1» الخز بالتشديد جانورى است و از پشم آن پوستين سازند (انتهى).

و قال في مجمع البحرين «2»: تكرر في الحديث ذكر الخز بالتشديد أى بتشديد الزاي، دابة من دوابّ الماء تمشى على اربع تشبه الثعلب و ترعى من البرّ و تنزل البحر، لها وبر تعمل منه الثياب تعيش بالماء و لا تعيش خارجه و ليس على حدّ الحيتان، و ذكاتها إخراجها من الماء حيّة (إلى أن قال):

و عن شرح المجمع: الخزّ صوف غنم البحر و في الحديث انما هي كلاب الماء، و الخزّ أيضا: ثياب تنسج من الإبريسم، و قد ورد النهى عن الركوب عليه، و الجلوس عليه (انتهى) ثم نقل كلام النهاية كما تقدم.

______________________________

(1) برهان قاطع فارسي في اللغات الفارسية البهلويه، و بعض اللغات التركية، للأديب الشاعر محمد حسين بن خلف التبريزي الملقب في شعره ب (هان) ألّفه باسم السلطان عبد اللّٰه قطب شاه

الذي توفي سنة 1083 و فرغ منه سنة 1062 (الذريعة ج 3 ص 98).

(2) الشيخ فخر الدين بن محمد على بن أحمد بن على بن أحمد بن طريح النجفي الرماحي، العالم الفاضل المحدث الورع الزاهد العابد الفقيه الشاعر الجليل صاحب كتاب مجمع البحرين، و المنتخب في المقتل و الفخرية في الفقه و شرح النافع و جامع المقال في تمييز المشتركات من الرجال (الى ان قال): توفى بالرماحية سنة 1085 (الكنى ج 2 ص 408).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 205

و في جمهرة ابن دريد «1»: الخزّ معروف عربي صحيح (انتهى موضع الحاجة).

و يستفاد من مجموع هذه الكلمات أمور:

الأوّل: إطلاق الخزّ على الحيوان على اختلاف التعابير من كون هذا الحيوان ذكر الأرنب أو غنم البحر كما عن ابن فرشته، أو ولد الأرنب كما في لسان العرب.

الثاني: إطلاقه على الحيوان البحري كما عن ابن فرشته و مجمع البحرين.

الثالث: إطلاقه على الثوب المنسوج من وبر الحيوان البرّي كما في القاموس و شرحه و منتهى الارب.

الرابع: إطلاقه على المنسوج من صوف و إبريسم من غير تقييد بكونه من صوف الحيوان البرّي أو البحري كما في لسان العرب.

الخامس: إطلاقه على صوف غنم البحر من غير تقييد بكونه منسوجا.

و في المعتبر: الخزّ دابّه ذات اربع تصاد من الماء و تموت بفقده (الى ان قال): و حدثني جماعة من التجار انها القندس و لم أتحققه (انتهى).

و عن الشهيد في الذكرى: انه يحتمل كونه وبر السمك المعروف ب (مصر) هذا.

______________________________

(1) مصغرا أبو بكر محمد بن الحسن دريد الأزدي القحطاني البصري الشيعي الإمامي عالم فاضل اديب حفوظ شاعر نحوي لغوي (الى ان قال): له مصنفات منها كتاب الجمهرة و هو من الكتب المعتبرة

في اللغة (الى ان قال): توفى ببغداد 18 شعبان سنة 321- الكنى ج 1 ص 74

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 206

و لكن يمكن إرجاع بعضها الى بعض، بان يقال: ان القدر المشترك بين جميع الأقوال الدالّة على انه حيوان، هو ثبوت أصل الحيوانية، نعم من عبّر من أهل اللغة بأنه ثوب، ظاهره كونه غير الحيوان، هذا كلّه في استعمالات أهل اللسان.

و اما الاخبار فعلى قسمين:

(الأوّل): ما ورد مما يكون ظاهرا في جواز الصلاة من غير دلالة على انه بما هو حيوان أو ثوب أو غيرهما، مثل ما رواه الصدوق بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري، انه قال: رأيت الرضا عليه السلام يصلى في جبّة خزّ «1».

و بإسناده عن على بن مهزيار، قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام يصلى الفريضة و غيرها في جبّة طاروي «2» و كساني جبّة خزّ و ذكر انه لبسها على بدنه و صلى فيها و أمرني بالصلاة فيها «3».

و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال: خرج أبو جعفر عليه السلام يصلى على بعض أطفالهم و عليه جبّة خزّ صفراء و مطرف «4» خز اصفر «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 260.

(2) و الطران بالضم: الخز، و الطاروني ضرب منه قاله في القاموس و منه الحديث، ثم ذكر الحديث (مجمع البحرين).

(3) الوسائل باب 8 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 260.

(4) الوسائل باب 8 حديث 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 261.

(5) المطرف بكسر الميم و فتحها و ضمها: رداء من خز مربع

في طرفه علمان و قد جاء في الحديث و الجمع مطارف (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 207

و عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد عن أبيه، قال: كسى على الناس بالكوفة فكان في الكسوة برنس خز فسأله إيّاه الحسن فأبى ان يعطيه إياه و أسهم عليه بين المسلمين فصار الفتى من همدان فانقلب به الهمداني فقيل له: انّ حسنا كان سأله أباه فمنعه إيّاه، فأرسل به الهمداني الى الحسن فقبله «1».

و عن أبي الأشعري، عن محمد بن مسلم، عن احمد بن النصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قتل الحسين بن علي عليهما السلام و عليه جبّة خز دكناء فوجدوا فيها ثلاثة و ستين من بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم «2».

و دلالة الرواية الثالثة على جواز الصلاة مبنية على كون الصلاة مشروطة بما يعتبر في الصلاة (القسم الثاني): ما يدل على جواز الصلاة في جلود الخزّ و ظاهرها كون الجواز لأجل كونه حيوانا بحريّا.

مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه «3» عن على بن محمد، عن عبد اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 12 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 265.

(2) المصدر، الحديث 8.

(3) قال سيدنا الأستاذ الأكبر مد ظله العالي:

هذه الرواية من حيث السند في غاية الضعف، فان «عبد اللّٰه بن إسحاق العلوي» مجهول و «الحسن ابن علي» مشترك و مجهول، و «محمد بن سليمان الديلمي» مرمىّ بالغلوّ و الضعف، مضافا الى عدم كونه كثير الرواية، و ليس له شيوخ معروفة أو تلامذة كذلك، فإن أمثال هذه هي المناط في حصول الوثوق بالراوي و «قريب» غريب في

نقل الرواية و ليس له في الاخبار و لا كتب الرجال ذكر و لا اسم، مضافا الى اختلاف في ضبطه هل هو بالفاء أو القاف أو الغين أو هو (الفريت) مصغرا للفرات كما احتمل و كونه متفردا في نقل هذه الرواية على هذا النحو المخصوص (انتهى ما استفدته من بيانه دام ظلّه).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 208

ابن إسحاق العلوي، عن الحسن بن على، عن محمد بن سليمان الديلمي عن قريب، عن ابن أبي يعفور، قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: لا بأس بالصلاة فيه، فقال الرجل: جعلت فداك، انه ميّت و هو علاجي و انا أعرفه، فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام انا أعرف به منك، فقال له الرجل: انه علاجي و ليس أحد أعرف به منى فتبسّم أبو عبد اللّٰه عليه السلام ثم قال له: انّه دابة تخرج من الماء أو تصاد فتخرج، فإذا فقد الماء مات، فقال الرجل: صدقت جعلت فداك هكذا هو، فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام: فإنك تقول: انه دابة تمشي على اربع و ليس هو في حدّ الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء، فقال له الرجل: اى و اللّٰه هكذا أقول فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام: فان اللّٰه أحلّه و جعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها «1».

و حاصل هذه الرواية: انه عليه السلام حيث حكم بعدم البأس بالصلاة في الخز تعجب الراوي من هذا الحكم فقال: (انه علاجي و انا أعرفه) يريد انى لما كنت بايع هذا اعرف موضوعه و

انه ميت، فقال عليه السلام له: (انا أعرف بذلك منك) ثم أعاد السائل عليه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 261.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 209

الجواب (بأني أعرف به منك)، فلما رأى عليه السلام بأنه لا يقبل منه ذلك أخذ في تبيين خصوصيات ذلك الحيوان فقال: (انه حيوان بحري اما يخرج بنفسه أو تصاد فتخرج فيموت بفقدان الماء).

ثم قال عليه السلام: (انه حيوان بحري له قوائم اربع تمشى بها) فحيث انه ذو القوائم الأربع فلا يكون مثل الحيتان كي يكون ذكاته كذكاة الحيتان، فكما أحل الحيتان بمثل تلك التذكية، فكذا الخزّ جعل ذكاته ذلك فلا يكون ميتة كي يكون موجبا لبطلان الصلاة.

و قريب منها مضمونا ما رواه الكليني رحمه اللّٰه أيضا «1» عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام رجل و انا عنده عن جلود الخز؟ فقال: ليس به بأس، فقال للرجل: جعلت فداك إنها علاجي و انما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إذا أخرجت من الماء تعيش خارجه من الماء؟ فقال الرجل لا، فقال: ليس به بأس «2».

______________________________

(1) هذه الرواية في كمال الصحة لكون أبي على الأشعري أحمد ابن إدريس القمي من أجلّاء أصحابنا و كان قميا موثقا و من الطبقة الثامنة و محمد بن عبد الجبار من ثقات الطبقة السابعة، و صفوان بن يحيى من أصحاب الإجماع و من ثقات الطبقة السادسة، و صفوان بن يحيى من أصحاب الإجماع و من ثقات الطبقة السادسة، و عبد الرحمن بن

الحجاج من ثقات أصحاب الصادق عليه السلام و من الطبقة الخامسة، منه دام ظله العالي.

(2) الوسائل باب 10 حديث 1 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 263.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 210

بل لا يبعد أن يقال: باتّحاد هما و لو كان المنقول مختلفا من وجوه الّا ان من المظنون بالحدس القوي أن القضية كان واحدة بمعنى ان السائل سئل دفعة واحدة عن حكم هذه المسألة و أجاب عليه السلام بما أجاب.

غاية الأمر كان في مجلس السؤال جماعة من الرواة منهم ابن أبي يعفور- كما في الاولى- و منهم عبد الرحمن بن الحجاج- كما في الثانية- ثم نقل ابن أبي يعفور ل (قريب، غريب، خ ل) و نقل عبد الرحمن لصفوان، و نقل (قريب) لمحمد بن سليمان الديلمي و نقل صفوان لمحمد بن عبد الجبار، و هكذا.

و حيث كان الديلمي مرميّا بالغلوّ صوّر صورة السؤال و الجواب على نحو الاعجاز بأنّه عليه السلام قال: (انا أعرف به منك) مع انّه علاجك و صنعتك.

و بالجملة يظهر للمتأمّل في كيفية نقل الاخبار، الظن القوي بأنهما واحد.

نعم يكون بينهما اختلاف في وجوه يمكن ردّ بعضها الى بعض بحيث يصيران متحدين.

(أحدها): كون السؤال في الأوّل عن الصلاة في الخزّ دون الثانية، فيمكن ان يقال: بشمول إطلاق الثانية للصلاة أيضا.

(ثانيها): ذكر الجلود في الثانية دون الاولى، فيمكن ان يقال ان تعجب الراوي من جوابه عليه السلام بعدم البأس، و قوله في مقام الإنكار قرينة إرادة الجلد من السؤال، و الّا فلا دخل لأجل كونه ميتة في عدم جواز الصلاة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 211

(ثالثها): تعجب الراوي من حكمه عليه السلام بجواز الصلاة في الميت في الأولى

دون الثانية، فيمكن ان يقال: ان قوله في الثانية:

و انما هي كلاب ناظر إلى انه غير قابل للتذكية فيكون ميتا فيكون متحدا مع الاولى.

(رابعها): ذكر خصوصيات في الأولى ليست في الثانية كما لا يخفى، فيمكن ان يقال: بأن الرواة حيث كان نظرهم الى نقل خصوصية دخيلة في المسألة الفقهية و لا دخل لباقي ما ذكر في الأولى فيها بخلاف الاولى، حيث كان بعض رواتها- و هو محمد بن سليمان- مرميا بالغلو، كانت هذه الخصوصيات مناسبة لهذا المسلك و مؤيّدة فنقلها و ترك في الثانية.

و يؤيّد اتحادهما أمور:

(الأوّل): كون السائل شخصا آخر غير الراوي في كليهما، غاية الأمر مع اختلاف التعبيرين حيث قال في الأولى: (كنت عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام، الى آخره) و في الثانية: (سئل رجل أبا عبد اللّٰه عليه السلام و انا عنده، الى آخره).

(الثاني): إشكال السائل فيهما بنحو واحد، و هو قوله: بأنه علاجي.

(الثالث): بيان الامام عليه السلام في كليهما بأنه دابة بحريّة حياتها في الماء، غاية الأمر في الأولى بنحو الاخبار و في الثانية بنحو الاستفهام.

و الغرض من التكلف في جعلهما واحدة، لزوم الأخذ بالقدر الجامع و عدم ثبوت ما هو مختص بكل واحدة منهما.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 212

و هذا مطرد في كل خبرين يظن بالقرائن الخارجيّة اتحادهما فلا يكون حجة في غير القدر المشترك الجامع، لان عمدة الدليل لحجية أخبار الآحاد- كما قررناه في الأصول- هو بناء العقلاء على الأخذ بظواهر المنقولات مع الشرائط المقررة في محله، و لم يثبت هذا البناء فيما يتحمل أو يظن اتحاد المنقول مع اختلاف النقل إلّا بالنسبة إلى القدر الجامع، نعم في مثل المقام مما كان أحد النقلين بطريق صحيح

و الآخر بطريق غير صحيح فاللازم هو الأخذ بالأوّل.

(فإن قلت): فحينئذ لا تكون صحيحة ابن الحجاج دالة على جواز الصلاة في جلد الخز لعدم السؤال فيها عنها.

(قلت): قد مرّ انه يستفاد من إطلاقها، مضافا الى السؤال عن اللبس ما هو ظاهر في استمراره، خصوصا مع وجوب الصلاة في الأوقات الخمسة مع قطع النظر عن الصلاة المندوبة، فلو كان مختصا بغير حال الصلاة لكان اللازم على الامام عليه السلام التنبيه كما لا يخفى.

فعلى الفقيه المستنبط أن يتأمل في أسانيد الاخبار و متونها و لا يحكم بمجرد النقل بتعدد المنقول فيحكم على طبقه، و هذا أمر دقيق كما لا يخفى.

و كيف كان، تكون الرواية الثانية حجة و الأولى مؤيدة لها.

و يمكن ان يستدلّ أيضا على جواز الصلاة في جلده بما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن سعد بن سعد، عن الرضا عليه السلام، قال:

سألته عن جلود الخزّ؟ فقال: هو ذا نحن نلبس، فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك، قال: إذا حل وبره حلّ جلده «1».

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 14 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 265.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 213

و دلالتها على جواز الصلاة مع السؤال عنه لما ذكرنا من ظهور السؤال استمرارا و قوله عليه السلام: (هوذا) بفتح الهاء و سكون الواو يعبّر عنه في الفارسية ب: (هان) و الملازمة المذكورة في الجواب من حيث حل أكل لحمه و عدمه إذا حلّ استعماله وبره و لم يكن عدم مأكوليّة لحمه مانعا عن الصلاة مع وبره فلا يكون مانعا أيضا مع جلده للملازمة بين عدم جواز الصلاة في

وبر ما لا يؤكل لحمه و بين عدمه في جلده، فإذا ثبت الأول ثبت الثاني أيضا.

و ما رواه أيضا بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن ابن مسكان، عن الحلبي، قال: سألته عن لبس الخز؟ فقال: لا بأس به ان عليّ بن الحسين (ع) كان يلبس الكساء الخز في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه و تصدّق بثمنه و كان يقول: انى لأستحيي من ربّى ان آكل ثمن ثوب قد عبدت اللّٰه فيه «1».

و الظاهر ان الكساء لا يصنع من الوبر، بل من الجلد، كما ان قوله عليه السلام في ذيلها: (قد عبدت اللّٰه فيه) شموله للصلاة لو لم يكن ظاهرا فيه فقط.

فتحصّل من جميع هذه الاخبار أمور:

(الأول): كون الخز الموضوع للحكم حيوانا بحريا نظير السمك.

(الثاني): عدم كونه ثوبا منسوجا من وبر الأرانب و الإبريسم كما يظهر ذلك من بعض الروايات أيضا، مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن احمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم، عن أبى داود بن يوسف بن إبراهيم، قال: دخلت

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 13 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص 265.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 214

على أبي عبد اللّٰه عليه السلام و علىّ قباء خزّ و بطانة خزّ و طيلسان خز مرتفع، قلت: ان علىّ ثوبا اكره لبسه، فقال: و ما هو؟ قلت: طيلساني هذا، قال: و ما بال الطيلسان؟ قلت: هو خز، قال: و ما بال الخز؟ قال: سداه إبريسم، قال: و ما بال الإبريسم؟ قال: لأنكره ان يكون سدا الثوب إبريسم «1».

و قريب منها رواية أخرى عنه عليه السلام أيضا

«2».

بل الظاهر اتحادهما كما سبق، غاية الأمر مع خدشة في سندها فان سندها هكذا: كما في الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل، عن محمد بن عيسى، عن صفوان، عن يوسف بن إبراهيم، قال: دخلت على أبي عبد اللّٰه عليه السلام الى آخره، مع تفاوت يسير.

و الظاهر سقوط عيص بن القاسم بنى صفوان و يوسف، و سقوط أبي داود، و زيادة «بن» بين لفظة أبي يوسف بن إبراهيم.

فهذه الرواية تدلّ على ان الخزّ ليس منسوجا من صوف و إبريسم أو من إبريسم فقط.

(الثالث): عدم كونه ولد الأرانب، فقول جماعة من اللغويين بأنه ولد الأرانب أو ذكرها أو كونه منسوجا من صوف و إبريسم، مخالف لما يستفاد من هذه الاخبار.

و لو فرض المعارضة لكانت الاخبار متقدمة زمان صدورها لأنهم عليهم السلام- مع قطع النظر عن الإمامة- من الطوائف الرفيعة من العرب.

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 263.

(2) الوسائل باب 8 حديث 4، منها، ج 3 ص 261.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 215

و كذا يظهر ما في كلام ابن الأثير حيث قال: الخزّ المعروف أولا ثياب تنسج من صوف و إبريسم، الى آخره.

نعم من عبّر عنه بأنّه دابّة أو انه غنم البحر، أو انه كلب الماء يوافق الاخبار بعد إرجاع بعضها الى بعض.

و حينئذ، هل هو الخزّ المعروف الآن أم غيره كما احتمله المجلسي عليه الرحمة، أو انه هو القندس أو القندر كما نقله المحقق في المعتبر عن جماعة من التجار ثم قال هو: (و لم أتحققه).

و عليه فلا يكون موافقا لما هو المعروف فان القندس على ما ترجمه في (المنجد) و صوّره حيوان أصغر من الكلب، و قال:

انه أحمر قائم بمعنى الحمرة الشديدة، و ما هو المعروف الآن ليس كذلك.

و على تقدير كونه حيوانا بحريّا فهل هو يعيش في الماء فقط بحيث يكون خروجه من الماء بمنزله فرى الأوداج الأربعة في الحيوان البرّي أم ليس كذلك؟

و على التقديرين هل يكون ذكاته كذكاة الحيتان كما في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة أم لا؟

و الحاصل انه يمكن ان يستفاد من الاخبار جواز الصلاة في الخزّ سواء كان في وبره أو جلده بل الأوّل لا كلام فيه بينهم، بل ادعى الشهرة بالنسبة إلى الثاني أيضا.

نعم حكى عن ابن إدريس الإشكال في خروجه، مستدلا بالإجماع على عدم جواز الصلاة في جلود ما لا يؤكل لحمه.

فتحصل ان الكلام يقع في جهات:

(الاولى): هل الخزّ حيوان أم ثوب منسوج؟ ظاهر عدة من

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 216

أهل اللغة كالمصباح و الصحاح و الصراح و القاموس و شرحه و لسان العرب و منتخب اللغة و حياة الحيوان هو الأوّل، لكن ليس باسم الخزّ بل باسم الخزز و لم نجد أحدا من اللغويين انه بهذا العنوان يكون حيوانا.

و ظاهر النهاية لابن الأثير و جمهرة ابن دريد هو الثاني.

و يؤيّد الأوّل رواية ابن أبي يعفور و رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتان.

و رواية سعد بن سعد حيث يستفاد منها ان مورد السؤال هو جلده الصريح في كونه حيوانا.

نعم الروايات الدالة على لبس الأئمة عليهم السلام ذلك لا دلالة فيها على كونه حيوانا على التعبيرات المختلفة (تارة) بالحية (و اخرى) بطيلسان (و ثالثة) بمطرف (و رابعة) بالكساء.

الجهة الثانية

على التقدير الأوّل- كما هو الأظهر لما قلنا من تقدم الروايات على كلمات أهل اللغة- هل هو حيوان بحري أو برّي لم نجد

من تعرض كونه بحريا الّا الفيومي في المصباح: انّه كلب الماء و عن ابن فرشته انه غنم البحر، لكن ظاهر رواية ابن أبي يعفور و عبد الرحمن بن الحجاج بل صريحهما انه حيوان بحريّ.

الجهة الثالثة:

على تقدير كونه حيوانا بحريا هل يكون تعيّشه في الماء كعيش الحيتان بحيث يكون تنفسه و حياته في الماء، كما ان تنفس الحيوانات البرّية بالهواء، فلو اخرج منه لا يبقى له حياة مستقرة فلا يمكن تذكيته بفري الأوداج الأربعة مثلا، فيكون حينئذ خروجه من الماء تذكية، أم لا يكون كذلك، بل يعيش في الماء و غيره كالضفدع

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 217

غاية الأمر يكون مأواه الماء و لا يموت بخروجه منه فيكون حينئذ قابلا لفرى أوداجه فلا يكون إخراجه من الماء تذكية، بل بالفري كسائر الحيوانات البرّية.

و يؤيّد الأوّل: روايتا ابن أبي يعفور و ابن الحجاج «1».

و يؤيّد الثاني: رواية حمران بن أعين «2» و ما نقل من جماعة من التجار، هذا كلّه بالنسبة إلى موضوعه.

و اما بالنسبة الى حكمه

فنقول: قد عقد في الوسائل ثلاثة أبواب للخزّ:

الأوّل: جواز الصلاة فيه.

الثاني: عدم جواز الصلاة إذا كان مغشوشا بوبر الأرانب.

الثالث: جواز لبسه.

و نقل فيه ستة عشر حديثا لا تعرض فيها للصلاة إلّا ما رواه احمد ابن أبي طالب الطبرسي، عن محمد بن عبد اللّٰه الحميري، عن صاحب العسكر عليه السلام انه سئل عن الصلاة في الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب؟ فوقع عليه السلام: يجوز. و روى عنه عليه السلام أيضا: لا يجوز فبأيّ الخبرين نعمل؟ فأجاب عليه السلام: انما حرم هذه الأوبار و الجلود و اما الأوبار وحدها فكل حلال «3».

و خبر الحلبي المتقدم على تقدير شمول قوله عليه السلام: (قد عبدت اللّٰه فيها) «4» للصلاة أيضا.

______________________________

(1) الوسائل باب 9 و 10 حديث 1 من أبواب لباس المصلي ج 3 ص

(2) الوسائل باب 39 حديث 2 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 16 ص 272.

(3) الوسائل باب 10

حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 266.

(4) المصدر، الحديث 13.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 218

و رواية سعد بن سعد بناء على ما حمله عليه في الجواهر و مصباح الفقيه على الوجه المتقدم من كون سؤاله انما هو عن أوبار ما لا يؤكل لحمه، فأجاب عليه السلام بالملازمة في الحل بين الأوبار و الجلود أو من حيث كونه من غير المأكول اللحم.

و لكن يمكن ان السؤال من حيث جواز استعمال جلد الميتة باعتبار عدم كونه مذكى، و كون حرمة الانتفاع بالميتة بجلودها و عصبها مغروسا في ذهن السائل و احتمل جواز استعمال جلد هذا الحيوان المخصوص و لو كان ميتة فسأل فأجاب عليه السلام بأنه إذا حل وبره حل جلده فيفهم بالملازمة كونه مذكى، و ان إخراجه من الماء يكون ذكاته فلا دلالة لها حينئذ على جواز الصلاة من هذه الحيثية التي هي محل البحث، بل تدل على جواز لبسه من حيث عدم كونه ميتة.

و اما اخبار الباب الذي عقده في الوسائل لجواز الصلاة فيه ففي عدة اخبار يحكى فيها فعل الامام عليه السلام و القدر المتيقن في مقام إثبات حجيته، هو جوازها في وبر الخز، مثل رواية سليمان بن جعفر الجعفري، و رواية على بن مهزيار، و رواية زرارة «1» على وجه تقدم.

و كذا رواية دعبل ان الرضا عليه السلام خلع عليه قميصا من خز و قال له: احتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه ألف ليلة كل ليلة ألف ركعة «2».

و في اثنين منها يمكن الأخذ بالإطلاق بحيث يشمل الجلد أيضا:

(أحدهما): رواية ابن أبي يعفور المتقدمة «3» و هي و ان كانت

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 1 و 2

و 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 260.

(2) المصدر، الحديث 6 ص 261.

(3) المصدر، الحديث 4 ص 261.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 219

غير ظاهره في الجلد الا أن الاعتراض الذي وقع من السائل عليه، عليه السلام بأنه ميت يؤكد الإطلاق.

(ثانيهما): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن معاوية بن حكيم، عن معمّر بن خلّاد، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الصلاة في الخزّ؟ فقال: صلّ فيه «1».

فان إطلاقها- و لو بترك الاستفصال- يشمل الجلد أيضا.

و بالجملة، فالذي يدل على جواز الصلاة في وبر الخز روايات:

1- رواية سليمان بن جعفر.

2- رواية على بن مهزيار.

3- رواية زرارة.

4- رواية دعبل.

5- رواية ابن أبي يعفور.

6- رواية معمر بن خلاد.

7- مرفوعة أيوب بن نوح، الوارد في الخز المغشوش «2».

و الذي يمكن ان يكون له إطلاق ما ذكرنا من الروايتين المشار إليهما، فحينئذ اشكال ابن إدريس و العلامة عليهما الرحمة يمكن ان يكون من حيث كونه من الميتة كما بيّناه، و ان يكون من حيث كونه من غير

______________________________

(1) راجع الوسائل، باب 8، حديث 5، من أبواب لباس المصلى، ج 3 ص 261.

(2) راجع الوسائل باب 9 حديث 14 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 262.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 220

المأكول.

و على كلا التقديرين يكون الروايتان حجة عليهما الا ان عذر ابن إدريس واضح بناء على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد، و اما العلّامة فلم نعرف له وجها لتركه العمل بهذين الخبرين، اللّٰهم الّا ان يقال:

بضعف رواية ابن أبي يعفور لأجل اشتمال سنده على مجاهيل و عدم إطلاق لرواية معمر بن خلاد، و ان القدر

المتيقن هو الوبر فتأمل.

الّا ان يقال: ان الأدلّة الدالة على عدم جواز الصلاة في جلود ما لا يوكل لحمه منصرفة عن الحيوانات البحرية، و الدالة على مانعية الميتة مختصة بالميتة النجسة، و ان الخز باعتبار انه من الحيوانات البحرية التي ليست لها نفس سائلة لا ينجس بالموت، أو انه على تقدير كونه ذا نفس سائلة قابل للتذكية إما بمجرد الإخراج من الماء كالحيتان أو بفري الأوداج على تقدير ثبوت ذلك فيه، فيكون صحة الصلاة فيه حينئذ على مقتضى القاعدة، لا انه مستثنى.

فالمانع- و هو ابن إدريس و العلامة في السرائر و المنتهى و التحرير- يكفيه أحد الأمرين:

(اما) ادعاء شمول إطلاق الدليل الدال على بطلان الصلاة في غير المأكول للحيوانات البحرية أيضا.

(و اما) تعميم مانعية الميتة للميتة الطاهرة أيضا أو عدم ثبوت التذكية للخز، و لو على القول باختصاص مانعية الميتة بالنجسة.

و المجوز- كالشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف، و كابن زهرة في الغنية، و العلامة في التذكرة و المختلف، و المحقق في المعتبر، و أكثر المتأخرين عن العلامة- لا بد له من إحراز أمور

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 221

(الأول): منع شمول إطلاق مانعية غير المأكول للحيوانات البحرية.

(الثاني): منع شمول إطلاق مانعيته للطاهرة و إثبات أن ميتته طاهرة أيضا.

(الثالث): إثبات أن الخز ليس له نفس سائلة.

و على تقدير كونه ذا نفس سائلة لا بدّ من إثبات تذكيته بأحد الأمرين المتقدمين.

و على تقدير عدم إثبات ذلك يتمسك بالدليل التعبدي.

فنقول:- بعد فرض شمول الدليل الدال على مانعية غير المأكول البحري، و عموم دليل الميتة للميتة الطاهرة- يمكن ان يتمسك بإطلاق رواية معمر بن خلّاد المتقدمة.

و اما التمسك برواية سعد بن سعد المتقدمة كما في

الجواهر و مصباح الفقيه للهمدانى رحمه اللّٰه فيمكن منعه، بان يقال: بان الاستدلال بها موقوف على ان نظر السائل من حيث شكه في جواز الصلاة في الخز المفروض كونه من غير المأكول، فلذا أجاب الإمام عليه السلام بالملازمة بين الوبر و الجلد.

اما إذا كان من حيث شكه في جوازها في جلد هذا القسم من الميتة فأجاب عليه السلام بالجواز و انه لا بأس به.

أو كان من حيث شكه في أصل جواز لبس الخزّ وبرا و جلدا فأجاب عليه السلام بالجواز مطلقا فلا دلالة فيها على المدّعى.

بل يمكن دعوى ظهورها في الاحتمال الأخير بوجوه:

(الأول): كون السؤال عن الجلود من غير تقييد بالصلاة و السؤال عن الذوات ذات المنفعة يرجع الى السؤال عن المنافع المتعارفة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 222

للسؤال عنه، و هي اللبس دون الصلاة.

و دعوى ان إطلاقه يشمل حالة الصلاة أيضا، ممنوعة، لإمكان كونه نظير سائر الحيوانات الغير المأكولة لحمها حيث يجوز الانتفاع بجلودها مع عدم جواز الصلاة فيها، فتأمل.

و دعوى دلالة جملة (هو ذا نحن نلبس، الى آخره) على الاستمرار لأنها مرادفة لفظة (همي) في الفارسية بلا شاهد لما أشرنا إليه من أنها مرادفة للفظة (هان) الدالة على التنبيه و توجيه المخاطب نحو فعله.

(الثاني): جواب الامام عليه السلام بقوله: (نحن نلبس) المشعر بل الظاهر في كون ما هو موجب للسؤال هو الشبهة في أصل اللبس لا اللبس الخاص اعنى حال الصلاة، و الّا فليقل عليه السلام: (هو ذا نحن نصلي) لا نلبس، الى آخره.

(الثالث): كون اللباس من ألبسه المترفين لا يلبسه الّا أبناء السلاطين و أشباههم، فربما يحتمل المتشرعون كونه كالحرير أو الذهب الممنوع للرجال فسئل امامه عليه السلام عن جواز

لبسه و عدمه.

(الرابع): لما نقل العامة عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله انه صلى اللّٰه عليه و آله نهى عن الجلوس عليه و الركوب عليه «1» كما سمعت من النهاية لابن الأثير كان ذلك منشأ لتوهم كون اللبس أيضا منهيا عنه فسئل الأئمة عليهم السلام الذين منهم الرضا عليه السلام عن ذلك.

و قوله عليه السلام: (إذا حلّ وبره حلّ جلده) «2» لا يدل على

______________________________

(1) نقله ابن الأثير في مادة خزز.

(2) الوسائل باب 10 حديث 14 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 266.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 223

كون السؤال غير أصل اللبس، فان مناط شبهة الجواز و المنع حينئذ واحد و هو احتمال نهى النبي صلى اللّٰه عليه و آله.

(الخامس): الأخبار الواردة في نقل فعل على بن الحسين عليهما السلام، و كذا أبوه سيد الشهداء عليه السلام و لبسهما عليهما السلام ذلك، كرواية الحلبي و رواية جابر المتقدمتين، بل في بعضها- بعد نقل فعل علي بن الحسين عليهما السلام- الاستدلال بقوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّٰهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ) «1».

كما ورد فيما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن الحسن بن على الوشاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال:

سمعته يقول: كان علي بن الحسين عليهما السلام يلبس في الشتاء الجبة الخز، و المطرف الخز، و القلنسوة الخز في الشتاء، و يبيع المطرف في الصيف و يتصدّق بثمنه و يقول: قل من حرّم، الآية «2».

و هذا مشعر بل ظاهر في انهم عليهم السلام في مقام رفع توهم الحرمة من حيث اللبس.

كما يشعر بذلك ما رواه بسنده، عن سهل، عن احمد بن محمد بن أبي نصر، عنه

عليه السلام، قال: كان علي بن الحسين (ع) يلبس الجبة الخز بخمسين دينارا و المطرف الخز بخمسين دينارا «3».

من حيث ان ذكر قيمة الخز مع أنها كثيرة، لعلّه لرفع توهم أنه إسراف و اتراف.

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 16 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 266.

(2) الوسائل باب 10 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 264.

(3) المصدر، الحديث 5.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 224

و كما يشعر بذلك أيضا مرسلة أبي جميلة، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: انا معاشر آل محمد صلى اللّٰه عليه و آله نلبس الخز و اليمنة «1» فبهذا كلّه يعلم ان ما هو المتداول في السؤال في السنة الرواة عن الأئمة عليهم السلام انما هو اللبس دون الصلاة فلا دلالة لشي ء من الروايات الخالية عن لفظ الصلاة.

و اما احتمال ان لا يكون لحم الخز محرما، استنادا الى ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن احمد بن حمزة القمي، عن محمد بن خلف، عن محمد بن سنان، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن أكل لحم الخز؟ قال: كلب الماء ان كان له ناب فلا تقربه، و الّا فاقربه «2».

عنه، عن احمد بن حمزة، عن زكريا بن آدم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: ان أصحابنا يصطادون الخز فآكل من لحمه؟

قال: فقال: ان كان له ناب فلا تأكله ثم مكث ساعة، فلما هممت بالقيام قال: اما أنت فإني أكره لك أكله فلا تأكله «3».

فمدفوع- مضافا الى اتفاقهم على حرمه الحيوانات الّا السمك و حرمة السمك الّا ما

كان له فلس- لا دلالة فيها على الحلية لاحتمال بيان انه لما كان ذا ناب فهو حرام، لا انه على قسمين: حلال و هو ما لا يكون

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 263.

(2) الوسائل باب 39 حديث 3 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 16 ص 372.

(3) الوسائل باب 39 حديث 1، منها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 225

له ناب، و حرام و هو ما يكون له ناب، بل ذيل الرواية الثانية مشعر بكون صدرها لمكان التقية فدلالتها على الحرمة انسب فالتعبير بالكلب في الأولى أيضا مشعر بما احتملناه من انه عليه السلام في بيان إرشاده الى ما كان حكمه معلوما عند الأصحاب.

و على هذا يمكن ان يحمل ما رواه الشيخ بالإسناد المذكور عن احمد بن حمزة، عن محمد بن على القرشي، عن محسن بن احمد عن عبد اللّٰه بن بكير، عن حمران بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الخز؟ فقال: سبع يرعى في البر و يأوي الماء «1».

حيث انه عليه السلام أشار الى حكمه بالإشارة إلى موضوعه بأنه سبع، و لعل حكمه كان معلوما عند الراوي، و لا يعد في السؤال عن الموضوع المجمل لكونهم عليهم السلام عالمين به.

و كيف كان فحرمة لحمه ممّا لا شبهة فيه، فالقول بالحلية في الجملة كما عن الحدائق، مخالف للإجماع المنقول عن كثير من الفقهاء و للأخبار الدالة على حلية غير السمك و منه غير ماله فلس، بل و لهذه الأخبار التي نقلناها على وجه.

و اما احتمال انه- و لو قلنا بحرمة لحمه- لكن الأدلّة المانعة عن الصلاة في غير المأكول منصرف عنه، (فمدفوع): أيضا لما قلنا

من عدم وجه للانصراف إلّا قلة الوجود، و هي لا توجب ذلك.

و اما احتمال كونه مذكى بمعنى ان إخراجه من الماء تذكيته، فهو موقوف على كون خروجه من الماء موجبا للموت ليكون إخراجه قتلا له، و الّا فلو كان يعيش خارج الماء كما هو مقتضى رواية حمران بن أعين، فلا وجه

______________________________

(1) الوسائل باب 39 حديث 2 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 16 ص 273

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 226

لكون تذكيته إخراجه من الماء، لان ما هو المفهوم من النصوص و الفتاوى في مسألة الذباحة هو لزوم فرى الأوداج في تحقق التذكية فيما يكون قابلا بالنسبة إلى الحيوانات التي لها حياة مستقرة، و لذا حكموا بكون الحيوان المصيد بالرمي أو إرسال الكلاب المعلمة إذا لم تقتلوا بنفس الرمي أو أخذ الكلب و كان فيها حياة مستقرة يجب تذكيته بالفري.

و حيث ان أقوال الفقهاء و كذا الأخبار مختلفة هل يكون خروجه موجبا لموته أم لا؟ و على الثاني فاللازم فرى أوداجه و لم يتعارف ذلك و لا نقل ذلك، فلا يكفى لنا الحكم بكونه مذكى ليصح الصلاة في جلده أيضا.

و اما احتمال ان ميتته طاهرة بكونه طاهرة لعدم كونه ذو النفس سائلة (فمدفوع): بان مقتضى رواية حمران بن أعين المتقدمة من انه يرعى في البر و يأوي الماء كونه ذا النفس، فان من البعيد ان يكون الحيوان ذو قوائم أربع و كان راعيا في البر بحيث يعيش فيه بمقدار الرعي، و مع ذلك لم يكن ذا نفس سائلة.

فتحصّل انه حيوان بحري ذا نفس سائلة لم يثبت تذكيته، هل هو الإخراج من الماء أو الفري، فيكون ميتته نجسة فيشمله أدلة حرمة الانتفاع بالميتة و عدم

صحة الصلاة.

فلا يبقى في المقام إلّا إخراجه بدليل التعبّد، و قد قلنا: انه بالنسبة إلى الوبر إجماعي مضافا الى الاخبار.

لكن القدر المتيقن من كلمات العلماء هو الوبر خاصة لتعبيرهم غالبا بالخز الخالص أو المحض أو الغير المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب كما في بعض العبارات، أو بالأوّل كما في آخر، أو بما لا يوكل لحمه كما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 227

في ثالث.

و ظاهرها ان المستثنى ما يكون قابلا لاتصافه بالخلوص- و هو الوبر- دون الجلد و ان كان يحتمل ان يكون المراد انه لو كان وبرا يشترط خلوصه لا انه منحصر فيه، لكنه خلاف الظاهر.

و اما الجلد فان كانت الشبهة منحصرة في كونه من غير المأكول فيمكن إلغاء الخصوصية من هذه الحيثية.

بل يمكن ان يقال: بشمول إطلاق رواية معمر بن خلّاد «1» لان ظاهرها هو خروج هذا الحيوان المخصوص لخصوصية موجودة في نفسه من غير نظر الى خصوص جلده أو وبره، بل صدر رواية ابن أبي يعفور «2» أيضا.

نعم لا دلالة في رواية عبد الرحمن بن الحجاج و سعد بن سعد «3» كما قلنا مشروحا.

نعم يمكن ان يقال: بدلالة الثانية حيث قال: (هو ذا نلبس الى آخره) على كونه مذكى، لعدم جواز الانتفاع بالميتة لا بإهاب و لا عصب، كما في بعض الاخبار.

لكن لا ملازمة بينه و بين جواز الصلاة الا ان يقال بالإطلاق الحالي بمعنى كون ظاهرها جواز اللبس في تمام الحالات، و هو بعيد.

و كيف كان يكفي في رفع الشك من هذه الحيثية إلغاء الخصوصية و إطلاق الروايتين.

و اما إذا كانت الشبهة من حيث كونه ميتة فلا يمكن إلغاء الخصوصية

______________________________

(1) الوسائل باب 8 من أبواب لباس المصلى ج 3

ص 261.

(2) الوسائل باب 8 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 261.

(3) الوسائل باب 10 حديث 1- 14 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 263- 265.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 228

لعدم وجود الملاك في الخروج في الجلد لكونه نجسا دون الوبر و لحرمة الانتفاع به دونه.

و إطلاق رواية معمر بن خلاد «1» على تقدير تسليمه معارض بالأدلة الدالة على عدم جواز الصلاة في الميتة من وجه، لشمول الأوّل للوبر و الجلد، و شمول الثاني للخز و غيره، فيتعارضان في جلد الخزّ و بعد عدم الترجيح يبقى مشكوكا.

نعم رواية ابن أبي يعفور «2» حيث انها متعرضة لخصوص الميتة لا تكون معارضه لكونها دالة على الجواز في خصوص الجلد فينحصر كون رافع الشك من هذه الحيثية، هي هذه الرواية، و لكنها محتاجة إلى الانجبار بعمل الأصحاب بهذه الخصوصية، فقد نقل عن الشهيد في الذكرى ان مضمونها مشهور بين الأصحاب، (انتهى).

لكن عملهم بها مع هذه الخصوصية غير معلوم، و لذا حكى عنه انه- بعد حكاية الشهرة- و من الناس من يزعم انه كلب الماء، و على هذا يشكل ذكاته بدون الذبح، لان الظاهر انه ذو نفس سائلة (انتهى)، و كان مضمونها بهذه الخصوصية مشهورا بين الأصحاب لم يكن وجه لترديده في كيفية ذكاته فإنه عليه السلام حكم فيها بحلية الحيتان كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 261.

(2) المصدر، الحديث 1.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 229

تذنيب حكى عن المجلسي عليه الرحمة في البحار الاستشكال في كون الخزّ المعروف الآن هو الخزّ الوارد في الروايات.

قال- على ما حكى عنه-: و المعروف من الخزّ المعروف الآن دابة تعيش في البرّ و لا تموت بالخروج من الماء، الّا ان يقال: انها صنفان برّى و

بحري، و كلاهما تجوز الصلاة فيه و هو بعيد و يشكل التمسك بعدم النقل و اتصال العرف بزمانهم عليهم السلام، و القدح في الاخبار بالضعف، إذ اتصال العرف غير معلوم، إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين أيضا رضوان اللّٰه عليهم، و كون الأصل عدم النقل في ذلك حجة في محل المنع، و الاحتياط في عدم الصلاة فيه، (انتهى المحكي).

أما الإشكال في جريان أصالة عدم النقل، ففي غير محله، إذ إجرائها في خصوص الزمان المتصل بزماننا مع حذف الزمان المتوسط كي يقال: ان اتصال العرف غير معلوم، نعم في كون المسألة من مصاديق جريان أصالة عدم النقل كلام.

توضيحه ان يقال: انها تتصور على وجوه:

(الأوّل): كون الموضوع له في السابق معلوما و في اللاحق مجهولا.

(الثاني): العكس بان كان الموضوع له في الزمان اللاحق معلوما و قد شك في الزمان السابق أيضا كذلك أم كان له معنى آخر، و قد نقل عنه الى هذا المعنى المعلوم.

(الثالث): كونه معلوما فيهما، لكن شك في تطبيق المعنى

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 230

اللاحق مع المعنى السابق نظير ما نحن فيه حيث ان الخزّ- بحسب الروايات- دابة بحرية قابلة للتذكية، غاية الأمر كون تذكيتها بإخراجها من الماء أو بالفري، غير معلوم، فعلى اىّ حال تجوز الصلاة في وبرها.

و في مثل زماننا يقال: الخز مثلا على حيوان بحري يعيش في البر و لا يموت بالخروج أو الإخراج، لكن الشك في ان هذا الحيوان المخصوص من مصاديق ذلك الحيوان الذي أريد من الروايات استثنائها أم لا؟ و لا إشكال في جريانها على الأولين و في الثالث وجهان.

ثم ما ذكره قدس سرّه من قوله: الّا ان يقال: انها صنفان بري

و بحري و كلاهما تجوز الصلاة، محل نظر، لأنه حينئذ يحتاج إلى إحراز ان المستثنى في الروايات كلا القسمين و لم يعلم بعد منها على قسمين، لأنها ناظرة إلى قسم واحد.

و بالجملة إذا أخبر التاجر بخصوصيات الخز و كانت مطابقة لما في الروايات فلا إشكال في جواز الصلاة و الا ففيه تأمل، و المسألة محتاجة إلى مزيد تتبع و تأمّل.

الثاني من المستثنيات السنجاب
اشارة

على أحد القولين، و هو ليس على حد الخز من حيث الحكم و الموضوع، لانه حيوان بري له وبر ناعم يعمل منه الفراء.

و الأدلة على تقدير تماميتها شاملة للوبر و الجلد، لعدم كون وبره مجزوزا بنفسه فلا يكون قابلا للبس الّا مع الجلد.

و الاخبار الواردة فيه على قسمين: قسم يدل على جواز الصلاة فيه، و قسم يمنع.

اما الأوّل [الأخبار المجوزة]: فهي على أقسام:

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 231

(منها): ما يدل صريحا على جواز الصلاة فيه بلا ضميمة منعا و ترخيصا مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى عن عبد اللّٰه بن إسحاق العلوي، عن الحسن بن على، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن على بن أبي حمزة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه و أبا الحسن عليهما السلام عن لباس الفراء؟ و الصلاة فيها؟ فقال:

لا تصل فيهما الّا ما كان منه ذكيا، قال: أو ليس الذكي ما ذكى بالحديد؟

قال: نعم إذا كان مما يؤكل لحمه، قلت: و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟

فقال: لا بأس بالسنجاب، فإنه دابة لا تأكل اللحم، و ليس هو مما نهى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله، إذ نهى عن كل ناب و مخلب «1».

(و منها): ما يدل على الجواز بضميمة النهي عن شي ء آخر، مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه عن على بن محمد، عن عبد اللّٰه بين إسحاق العلوي، عمن ذكره، عن مقاتل بن مقاتل، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة، قال: السمور و السنجاب و الثعالب؟ فقال:

لا خير في ذا كلّه، ما خلا السنجاب، فإنه دابة لا تأكل اللحم «2».

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد بن

يحيى عن داود الصرمي، عن بشير بن بشار، قال: سألته عن الصلاة في الفنك و الفراء و السنجاب و السمور و الحواصل التي تصاد في بلاد الشرك أو بلاد الإسلام ان أصلي فيه لغير تقية؟ قال: فقال: صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزميّة، و لا تصل في الثعالب و لا السمور «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 3 حديث 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 252.

(2) المصدر، الحديث 2.

(3) المصدر، الحديث 4، ص 253.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 232

و بإسناده، عن على بن مهزيار، عن أبي على بن راشد، قال:

قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في الفراء أيّ شي ء يصلّى فيه؟

قال: اى الفراء؟ قلت: الفنك و السنجاب و السمور؟ قال: فصل في الفنك و السنجاب، فاما السمور فلا تصل فيه «1».

و بإسناده عن احمد بن محمد بن الوليد، قال: قلت للرضا عليه السلام: أصلي في الفنك و السنجاب؟ قال: نعم، قلت: يصلى في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال: لا تصل فيها «2».

(و منها): ما يدل على جوازها مع ضميمة شي ء آخر مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه أيضا بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن العباس بن معروف، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن عبيد اللّٰه بن على الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سألته عن الفراء و السمور و السنجاب و الثعالب و أشباهه؟ قال: لا بأس بالصلاة فيه «3».

و ما رواه الصدوق بإسناده، عن يحيى بن أبي عمران، قال:

كتبت الى أبي جعفر الثاني عليه السلام في السنجاب و الفنك و الخز و قلت: جعلت فداك أحبّ ان لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب بخطه الىّ: صلّ فيه

«4».

______________________________

(1) الوسائل باب 3 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 253.

(2) أورد صدره في باب 3 حديث 7 و ذيله في باب 7 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 253- 257 و منه احمد بن محمد عن الوليد بن أبان.

(3) الوسائل باب 4 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 254.

(4) الوسائل باب 3 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 253.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 233

(و منها): ما يدل على جواز اللبس مع النهى عن الثعالب في بعضها، فيمكن ان يقال: بشمول إطلاقه للصلاة أيضا، كمرسلة الحسن ابن فضل الطبرسي، في مكارم الأخلاق، قال: و سئل الرضا عليه السلام عن جلود الثعالب و السنجاب و السمور؟ فقال: قد رأيت السنجاب على أبي، و نهاني عن الثعالب و السمور «1».

و ما عن قرب الاسناد، عن عبد اللّٰه بن الحسن، عن جده على ابن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن لبس السمور و السنجاب و الحواصل و المناطق و الكيمخت و المحشو بالقز و الخفاف من أصناف الجلود؟ فقال: لا بأس بهذا كله الّا الثعالب «2».

و اما الاخبار المانعة:

(فمنها): موثقة ابن بكير المتقدمة حيث قال: سأل زرارة الصادق عليه السلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر فأخرجه (ع) كتابا زعم انه إملاء رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله، فالصلاة في وبره و شعره و روثه و بوله و كل شي ء منه فاسد لا يقبل اللّٰه تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل اللّٰه أكله، الى

آخره «3».

(و منها): ما في المستدرك، عن دعائم الإسلام، عن جعفر ابن محمد عليهما السلام انه سئل عن فرو الثعلب و السنور و السمور

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 255.

(2) المصدر، الحديث 2، ص 256.

(3) الوسائل باب 2 قطعة من حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 250.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 234

و السنجاب و الفنك و القماقم؟ قال: يلبس و لا يصلى فيه «1» و فيه أيضا، القطب الراوندي في الخرائج عن احمد بن أبي روح قال: خرجت الى بغداد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لا وصله و أمرني أن أدفعه الى أبي جعفر محمد بن عبد اللّٰه بن عثمان العمري فأمرني أن ادفعه الى غيره، و أمرني أن أسأل الدعاء للعلّة التي هو فيها، و اسئله عن الوبر يجعل لبسه فدخلت بغداد و صرت إلى العمرى فأبى أن يأخذ المال، و قال: صر الى أبي جعفر محمد بن احمد و ادفع اليه، فإنه أمره أن يأخذ و قد خرج الذي طلبت فجئت الى أبي جعفر و أوصلته إليه فاخرج الى رقعة:

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، سألت الدعاء عن العلة التي تجدها وهب اللّٰه لك العافية و دفع عنك الآفات و صرف عنك بعض ما تجده من الحرارة و عافاك و صحّ جسمك، و سألت ما يحل ان يصلى فيه من الوبر و السمور و السنجاب و الفنك و الدلق و الحواصل فاما السمور و الثعالب فحرام و على غيرك الصلاة فيه، و يحل لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن فيه غيره، و ان لم يكن لك ما تصلى

فيه فالحواصل جائز لك ان تصلى فيه، الخبر «2».

فتحصل ان اخبار الجواز عشرة بناء على إطلاق الثلاثة الأخيرة لحال الصلاة أيضا، و اخبار المنع ثلاثة بناء على دلالة الأخيرة على المنع و الطائفة الأولى بين صحيح و غيره و الطائفة الثانية بين موثق و غيره، و لكن العمدة موثقة ابن بكير، لعدم ثبوت حجية الأخيرتين

______________________________

(1) المستدرك باب 4 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 1 ص 201.

(2) المستدرك باب 3 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 1 ص 201.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 235

فان مؤلف «1» دعائم الإسلام و ان كان شيعيا قد ألف هذا الكتاب على سبك الإمامية الّا أن الرواية مرسلة، فالعمدة هو موثقة ابن بكير.

و قد يستشكل في روايات الجواز بين ضعيف السند أو الدلالة باعتبار اشتمالها على شي ء لم يكن معمولا به كالفنك في صحيحة أبي على ابن راشد، و رواية الوليد بن ابان، و السمور و الثعالب كما في صحيحة الحلبي، و الحواصل كما في رواية بشير بن يسار.

و فيه ان مجرد اشتمالها على المذكورات لا يوجب سقوط الرواية رأسا عن الحجية فلا مانع من الالتزام بالباقي ما لم يقع قرينة على خلافه.

و قد يقال: بالحمل على التقية لموافقتها لمذهب جميع العامة.

و فيه: ان منع بعضها عن بعض غير المأكول مناف للحمل على التقية كرواية مقاتل بن مقاتل و بشير بن بشار و الحسن بن فضل و الريان بن الصلت «2».

و كيف كان فلا كلام في دلالة أخبار الجواز و لا في تماميتها سندا و دلالة، و مجرد ضعف سند بعضها أو الدلالة في البعض الآخر لا يوجب سقوط حجية الباقين فان المجموع من حيث

المجموع دال على الجواز و لا كلام فيه.

______________________________

(1) كان متحدا اسما و كنية و اسم أبيه مع أبي حنيفة المعروف و كان قاضيا للمعزّ باللّه بعد وروده من إفريقا و يعلم من كتابه انه لم يكن في تقية، هكذا أفاد سيدنا الأستاذ، دام ظله.

(2) راجع الوسائل باب 3 حديث 2- 4 و باب 4 حديث 5 و باب 5 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 236

انما الكلام في ان موثقة ابن بكير هل هي معارضة لها أم لا؟ و على تقدير المعارضة هل يكون هنا مرجح لأحدهما أم لا؟

قد يقال: بتعارضهما و الترجيح للموثقة لكونها مشهورة بين الأصحاب، بيان المعارضة: انه عليه السلام و ان أجاب بعدم جواز الصلاة في غير المأكول على نحو العموم الا انه لما كان السنجاب موردا لسؤال الراوي بالخصوص يكون تطبيق هذا الجواب على مثل هذا السؤال كالنص في عدم الجواز، و الا فلو كان المراد عدم الجواز في غير مورد السؤال و يكون خارجا بدليل آخر منفصل لكان من التخصيص المستهجن.

و هذا مثل ان يسأل عن وجوب إكرام زيد مثلا فأجاب بوجوب إكرام كل عالم، و المفروض كون زيد أيضا من العلماء ثم أخرجه بدليل آخر.

و أجيب عنه بان الاستهجان انما هو فيما إذا كان مورد السؤال واحدا كما في المثال، و اما إذا كان متعددا كما في المقام حيث ان زرارة سأل عن الثعالب و الفنك و السنجاب، فلا قبح فيه، كما لا يخفى و فيه تأمل.

(ان قلت): ان قول الراوي انه عليه السلام اخرج كتابا، الى آخره، يدل على انه عليه السلام في مقام بيان أصل الحكم، لا في

مقام جواب هذه الخصوصيات فيظهر منه ان ذكر الأمور المذكورة المسئول عنها في الرواية من باب التمثيل فلا مانع حينئذ من إخراجه بدليل.

(قلت): ما ذكر لا يرفع القبح الحاصل من تأخير البيان و تخصص مورد السؤال، فإن زرارة أراد بهذا الكلام فهم المذكورات و غيره من كل ما كان ذا وبر، سواء كان من مأكول اللحم أو غيره، كما يومئ قوله- بعد

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 237

ذكر الأمور الثلاثة-: (و غيره من الوبر)، غاية الأمر قلة وجود الحيوانات المأكولة اللحم التي كانت ذات وبر، فإن أكثرها اما ذو شعر أو صوف فأجاب عليه السلام بما أجاب جوابا في السؤال على نحو العموم و استعمل اللفظ فيه بإرادة استعمالية لا جدية كما قرر في الأصول في مسألة العام المخصص من انه لا يكون مجازا في الباقي فإنه استعمل في معناه دائما بالإرادة الاستعمالية في مقام جعل القانون.

و بالجملة بعد تحقق المعارضة بين اخبار الجواز و المنع، لا بدّ من أحد الأمرين:

(اما) حمل الثانية على الكراهة، و هو خلاف الظاهر حيث انه لا لنهى أدلة المنع، فإن عمدة دليل المنع هو الموثقة و فيها: (ان الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و صوفه و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد) «1».

حيث حكم بالفساد، لا انه نهى عنه حتى يحمل على الكراهة الّا ان ذلك نهى إرشادي.

(و اما) الرجوع الى المرجحات، فأوّل المرجحات هو الشهرة، و قد ادعى شهرة الاستثناء.

لكن ثبوت الشهرة محلّ تأمل، فإن الأصحاب قديما و حديثا مختلفون في المسألة، فان الشيخ أفتى في المبسوط بالجواز بل ادعى نفى الخلاف فيها و في الحواصل الخوارزمية،

و كذا في صلاة النهاية أفتى بالجواز، و لكن عدل عنه في باب ما يحلّ و يحرم من الميتة.

______________________________

(1) الوسائل باب 2 قطعة من حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 250.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 238

و احتاط في الخلاف و قال: (و قد وردت رخصة بالجواز و الأحوط ما قلناه) انتهى.

و منع ابن إدريس و حكى المنع أيضا عن أوّل الصدوقين عليهما الرحمة في رسالته الى ولده، و كذا ابنه الصدوق في من لا يحضره الفقيه.

و كرّهه في الوسيلة.

و يظهر من المراسم التوقف.

و جوز المحقق في كتبه الثلاثة: (الشرائع، النافع، المعتبر) و اختلف كلمات العلامة في كتبه جوازا و منعا، فمنع في المختلف، و جوز في المنتهى، و احتاط في التذكرة.

و بالجملة لم تستقر شهرة في عصر من الأعصار بحيث يمكن ان تكون مرجحة لأخبار الجواز.

و ثاني المرجحات مخالفة العامة فقد يقال بتقديم اخبار المنع لذلك.

و فيه ما مرّ من كونها مشتملة على ما يخالف التقية.

هذا كله على تقدير المعارضة، لكن يمكن ان يقال: ان العموم الوارد حيث كان في كلام النبي صلى اللّٰه عليه و آله لا في كلام الامام عليه السلام لا يكون هذا النحو من العموم الوارد على مورد مخصوص نصا بالنسبة إلى ذلك الخصوص.

(ان قلت): لا شبهة في ان نقل الامام عليه السلام كلام النبي صلى اللّٰه عليه و آله في مقام جواب السائل و المفروض ان حكم السنجاب جزء من هذا السؤال، فيكون المورد من القدر المتيقن.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 239

(قلت): لما كان بطلان الصلاة في غير المأكول من متفردات الإمامية و لم يقل به أحد من فرق المسلمين غيرهم، و لم

يرووه أيضا عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله، أراد الإمام عليه السلام تنبيه المخاطبين على الحكم في الجملة، و ان يبيّن عليه السلام انه صلى اللّٰه عليه و آله جعل الفرق بين المأكول و غيره في الجملة في جواز الصلاة و عدمها.

و القرينة عليه «1» انه عليه السلام اخرج كتابا و نبّه بأنه إملاء رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله كي لا يستشكل المخالف بان هذا الحكم مما لم يجئ به رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله.

مضافا الى ان نظر السائل أيضا لم يكن في خصوص الأمور الثلاثة التي سأل عنها، بل المقصود فهم أصل المسألة من غير نظر الى خصوصيات الحيوانات، و لذا ضم إليها قوله: (و غيره من الوبر) فكأنه أراد ان يسأل عن ان ما هو المتداول بين المسلمين من جواز الصلاة في كل وبر من كل حيوان في كل حال.

______________________________

(1) أقول و يؤيّد ما افاده دام ظلّه العالي ان الروايات الدالة على عدم جواز الصلاة فيما لا يوكل لحمه كلها صادرة عن أبي عبد اللّٰه الصادق عليه السلام و من بعده من الأئمة عليهم السلام و لم يصل إلينا منهم عليهم السلام قبله عليه السلام ما يكون دالا على المنع فيكشف ذلك ظنا عن ان أول زمان اشتهر هذا الحكم بين الأصحاب هو زمان الصادق عليه السلام، فيناسب حينئذ ما أفاده أيده اللّٰه تعالى من ان الرواية صادرة لبيان أصل الحكم، و يكون السؤال عنه لا عن الاستثناء، كما لا يخفى، على پناه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 240

بل مطابق لقول النبي صلى اللّٰه عليه و آله: (أم لا) فأجاب عليه السلام انه ليس كذلك، بل هو

صلى اللّٰه عليه و آله جعل فرقا بين الأوبار و الجلود في الحيوانات.

و حينئذ ليس المقام مقام تطبيق على المصداق، لأن الأشياء المخصوصة حينئذ قد ذكرت من باب المثال.

و حينئذ فلا تكون الموثقة بمنزلة النص، بل تكون قابلة للتخصيص فيقدم اخبار الجواز تخصيصا لكونها صريحة في الجواز بل الاحتمال في خبر ابن بكير كاف في عدم كونها نصا فلا يبعد ان يقال: باستثناء الخز و ان كان لا يخلو عن اشكال.

الثالث من الشرائط عدم كون لباس الرجال حريرا محضا،

اشارة

و اعلم ان في لبس الحرير المحض مسألتين:

الاولى: حرمته على الرجال تكليفا مطلقا.

الثانية: بطلان الصلاة فيها وضعا.

(أما الأولى) [حرمته على الرجال تكليفا مطلقا]:

فلا خلاف بين العامة و الخاصة في حرمته على الرجال، و الدليل على الحرمة عند العامة انهم رووا عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله انه أخذ يوما الذهب بإحدى كفيه و الحرير بالأخرى و قال:

انهما محرمان على ذكور أمتي «1».

و عند الخاصة الروايات عن الأئمة عليهم السلام «2».

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 240

كما لا خلاف أيضا في عدم حرمته على النساء و ما حكى عن الصدوق

______________________________

(1) سنن أبي داود ج 4 باب في الحرير ص 50 طبع مصر، نقل بالمعنى.

(2) كما ستأتي إن شاء اللّٰه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 241

عليه الرحمة من مخالفته انما هو في جواز الصلاة لا في لبسه (يعنى الحكم الوضعي لا التكليفي).

و اما الثانية [بطلان الصلاة فيها وضعا]:
اشارة

فلا خلاف ظاهرا بين الخاصة الا من الصدوق رحمه اللّٰه.

و اما العامة فقد اختلفوا في بطلانها و صحتها

نظرا الى ان الحرمة التكليفية هل هي مستلزمة للبطلان أم لا؟ و لم يرووا في ذلك رواية عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله، بل استند كل من حكم بالبطلان بمسألة الاستلزام.

و قد استدل الخاصة بروايات:

(منها): ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن عيسى، عن محمد بن خالد القمي، عن إسماعيل بن سعد الاحوصى، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الصلاة في جلود السباع، فقال: لا تصل فيها، قال: و سألته هل يصلى الرجل في ثوب الإبريسم؟ فقال: لا «1».

(و منها) ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد ابن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن عدة من أصحابنا، عن على بن أسباط، عن أبي الحارث، قال: سألت الرضا عليه السلام هل يصلى الرجل في ثوب الإبريسم؟ قال: لا «2».

و يحتمل اتحادهما ان كان أبو الحارث كنية لإسماعيل بن سعد

______________________________

(1) أورد صدره في باب 16 حديث 1 ج 3 ص 257 و ذيله في باب 11 حديث 1 ص 267 من أبواب لباس المصلي، الوسائل.

(2) الوسائل حديث 7 ص 268 باب 16 من أبواب لباس المصلى ج 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 242

القمي كما يؤيّده اتحاد المسئول و السؤال و الجواب.

(و منها) ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن احمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، قال: كتبت أبي محمد عليه السلام اسئله هل يصلى في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السلام لا تحل الصلاة في حرير محض «1» و رواه الشيخ بهذا الاسناد مع زيادة.

و دلالة هذه الرواية على المطلوب، من حيث كون السؤال مما لا تتم الصلاة إذا كان حريرا فيعلم

منه ان حكم ما تتم فيه الصلاة إذا كان حريرا كان مفروغا عنه، مضافا الى إطلاق الجواب كما لا يخفى.

(و منها) ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن احمد ابن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقه، عن عمار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يصلى و عليه خاتم حديد؟ قال: لا، و لا يتختم به الرجل فإنه من لباس أهل النار، و قال:

لا يلبس الرجل الذهب، و لا يصلى فيه لانه من لباس أهل الجنة، و عن الثوب يكون عليه ديباج؟ قال: لا يصلى فيه «2».

(و منها): ما رواه احمد بن أبي طالب الطبرسي، في كتاب الاحتجاج، عن محمد بن عبد اللّٰه الجعفري، عن صاحب الزمان عليه السلام و الصلاة، انه كتب اليه: يتخذ بأصفهان ثياب فيها عتابية على عمل الوشي من قز و إبريسم، هل تجوز الصلاة منها أم لا؟ فأجاب عليه

______________________________

(1) الوسائل باب 16 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267.

(2) الوسائل، أورد قطعه منه في باب 32 حديث 5 و قطعة منه في باب 30 حديث 4 و قطعة منه في باب 11 حديث 8 من أبواب لباس المصلى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 243

السلام: لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان «1».

تدلّ هذه بالمفهوم على بطلان الصلاة فيما كان خالصا من الحرير.

(و منها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد، عن موسى بن الحسن، عن احمد بن هلال، عن أبي أبي عمير، عن حماد عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: قال: كل ما تجوز الصلاة فيه وحده فلا

بأس بالصلاة فيه، مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلى فيه «2».

و دلالتها أيضا باعتبار استثناء ما لا تتم على النحو الكلي و ان لم يكن هذا الاستثناء بعمومه معمولا به بالنسبة الى كل واحد واحد من شرائط لباس المصلى، و تمثيله بالتكة الإبريسم.

هذه تمام الأخبار الدالة على عدم جواز الصلاة في الحرير في الجملة، مضافا الى معروفية الحكم بين الإمامية بحيث لم يخالف فيه أحد منهم، فلا شبهة في أصل الحكم في الجملة.

إنما الإشكال في ان الحرمة تكليفا و وضعا مختصة بما إذا كان منسوجا

أم يشمل مطلق الاستعمال اللبسى، فلو جعل مقدارا من الإبريسم الغير المنسوج على بدنه بحيث يصير بدنه مستورا بذلك فعلى الأول يجوز دون الثاني.

و كذا الوجهان لو جعل على ثوبه إبريسما مخيطا بحيث يصير مستورا بذلك أم لم يصر مستورا.

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 8 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

(2) الوسائل باب 14 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 273.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 244

و بالجملة هل مفاد الأدلة حرمة مطلق استعمال هذا الجنس سواء صدق عليه الحرير أو الإبريسم إلا ما خرج بالدليل أم كان استعمال ما لا ينسج منه خارجا عن مفادها تخصصا؟.

يمكن ان يقال: بعدم صدق لبس الحرير عند العرف خصوصا بملاحظة رواية إسماعيل بن سعد الأحوص، و أبي الحارث، و عمار بن موسى، و عبد اللّٰه بن جعفر الحميري، «1».

فإن الظاهر ان ما يخرجه من دود القز من لعاب فمها و يجعلها على دورها يسمى إبريسما قبل النسج و حريرا بعده، و لا يطلق عليه ما لم ينسج الثوب.

(ان قلت): انه يظهر من بعض الاخبار ان الإبريسم يطلق على الثوب كما في

رواية يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام و فيها: انما يكره المصمت من الإبريسم «2».

و كما في رواية إسماعيل بن سعد، و أبي الحارث حيث سئل فيها عن ثوب الإبريسم، الى آخره «3».

و رواية على بن مهزيار، عن أبي محمد العسكري، و فيها: و الذي نهى عنه هو ما كان من إبريسم محض «4».

______________________________

(1) تقدم تعيين موضع كل واحد منها.

(2) الوسائل باب 13 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

(3) الوسائل باب 11 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267.

(4) الوسائل، باب 13 قطعة من حديث 7، من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 245

و رواية عباس بن موسى عليه السلام، عن أبيه، قال: سألته عن الإبريسم و القز؟ قال: هما سواء «1».

فيظهر من الجميع انه لا فرق بين المنسوج و غيره فيما كان ممنوعا تكليفا و وضعا.

(قلت): الظاهر انه أريد من الإبريسم في هذه الموارد المنسوج بقرينة ذكر الثوب فان المتعارف في تسميته ثوبا هو ما إذا كان منسوجا.

فلا يبعد ان يقال: باختصاص ما هو المستفاد من الاخبار بما كان منسوجا.

نعم فيما إذا كان الثوب مخيطا بالإبريسم الغير المنسوج بحيث يكون مصداقا للثوب الإبريسم، يشكل الحكم بالجواز، فالحكم في مثله محل تأمل، فافهم.

مسألة 1- هل يستفاد من الاخبار حرمة مطلق ما يسمى حريرا ملبوسا،

سواء كان تمامه حريرا أم بعضه، و سواء كان ممزوجا أم خالصا غاية الأمر خرج الممزوج بدليل آخر و يبقى الباقي.

(و بعبارة أخرى): هل تكون الأخبار شاملة لمثل الكف و الديباج و الأكمام بحيث لو قلنا: بعدم الاشكال فيها فبدليل، أم كانت الاخبار من الأول منصرفة عنها؟

ظاهر خبر إسماعيل بن سعد الأحوص و أبي الحارث،

و محمد بن عبد الجبار، و مرسلة الفضل بن الحسن الطبرسي «2» هو العموم لشمول الصلاة فيه إذا كان بعض الثوب حريرا، الآن صدق انه صلى فيه

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267.

(2) تقدم ذكر موضع كل واحد منها آنفا فراجع.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 246

باعتبار ان الثوب ظرف للمصلي الذي يكون الصلاة فعلا، و ما كان ظرفا للفاعل يكون ظرفا لفعله أيضا، فبهذا الاعتبار يصدق ان صلاته كانت فيه، من غير فرق بين تمام الثوب أو بعضه، أو ما كان ملصقا به إذا كان حريرا منسوجا.

نعم ما كان سداه أو لحمته حريرا لا يصدق انه صلى في الحرير المحض أو الخالص أو المصمت أو المبهم على اختلاف التعابير الواردة في الاخبار.

مضافا الى دلالة خصوص بعض الاخبار على استعماله في الصلاة فيه مع ان الثوب بتمامه لم يكن بحرير، مثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى، عن احمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام- في حديث- قال:

و عن الثوب يكون علمه ديباجا؟ قال: لا يصلى فيه «1».

و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن احمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سأل الحسن بن قياما أبا الحسن عليه السلام عن الثوب الملحم بالقز و القطن، و القز أكثر من النصف أ يصلي فيه؟ قال: لا بأس قد كان لأبي الحسن عليه السلام منه جبّات «2».

و الغرض من ذكر هذا الخبر هو الإشارة الى ان استعمال اللبس و الصلاة في الثوب

لا يختص بما إذا كان الثوب بتمامه حريرا.

نعم عن الشافعي- على ما في خلاف الشيخ- زوال التحريم فيما

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 8 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 268.

(2) الوسائل باب 13 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 271.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 247

إذا كان القطن و الإبريسم متساويين أو القطن أكثر كما يومئ اليه سؤال الحسن بن قياما حيث بيّن فيه ان القز أكثر (أ يصلي فيه؟) و كأنّ مذهب الشافعي كان منتشرا فسأل الإمام عليه السلام عن صحة هذا الحكم فأجاب عليه السلام بما أجاب.

مضافا الى ان لسان الأخبار الدالة على ان ما يكون حشوه قزا مستثنى من الحرير لسان التخصيص لا التخصص، فيستفاد منها ان المرتكز عندهم ان نهى النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان شاملا- بالإرادة الاستعمالية- و لذا يسألون الأئمة عليهم السلام عن الاستثناء لا عن أصل الحكم، فتأمل.

و بالجملة هنا أمران:

أحدهما: صدق انه صلى في الحرير.

ثانيهما: صدق انه صلى في الحرير المحض.

بالنسبة إلى الحكم التكليفي تارة يقال: لبس الحرير، و اخرى لبس الحرير المحض، فلو قلنا بعدم صدق (صلى في الحرير) أو (لبس الحرير) بالنسبة الى ما كان بعضه حريرا و بعضه غير حرير كالمنسوج طرائق أو ما كان ظهارته حريرا دون بطانته أو بالعكس أو المكفوف بالديباج أو قلنا: انه و ان كان يصدق عليه ذلك الا انه لا يصدق (صلى في الحرير المحض) أو (المبهم) أو (المصمت) يكون خروج المذكورات من باب التخصص فلا يحتاج الى دليل.

و اما لو قلنا: انه يصدق فيها انه لبس الحرير و صلى، أو لبس الحرير المحض، فيحتاج في إخراجه إلى المخصص، فبمجرد

عدم صدق الحرير لا يكتفى بالحكم بالجواز، كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 248

و ظاهر رواية عمار بن موسى المتقدمة ذلك، و كذا رواية جراح المدائني عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه كان يكره ان يلبس القميص المكفوف بالديباج، و يكره لباس الحرير، و لباس الوشي، و يكره المثيرة الحمراء فإنها مثيرة إبليس «1».

و كذا رواية على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له لبس الطيلسان فيه الديباج و القز كان عليه حرير؟ قال: لا «2».

و كذا رواية إسماعيل بن الفضل، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الثوب يكون فيه الحرير؟ فقال: ان كان فيه خلط فلا بأس «3».

فإن الراوي مع فرضه عدم كون اللباس بتمامه حريرا بل بعضه قد أجاب عليه السلام عنه بأنه ان كان هذه القطعة من الحرير مخلوطا فلا بأس دلّ بمفهومه على انه ان كان حريرا خالصا، فيه بأس.

الا ان يقال: ان المراد بيان أن ما سئلت لما لم يكن حريرا محضا فلا بأس، فكأنه عليه السلام قد عين الموضوع و أحال حكمه الى ارتكاز الراوي فتأمل.

و يمكن ان يقال: بعدم دلالة الثانية أيضا، فإن الديباج كان في الزمان السابق منقوشا بالتماثيل، فيمكن ان يكون النهى باعتباره لا باعتبار كونه قطعة من الحرير.

(ان قلت): ان الروايات الدالة على جواز الصلاة أو اللبس فيما كان من الثوب علمه حريرا، تدل على جوازها في مطلق المبعض، سواء

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 9 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 268.

(2) المصدر، الحديث 12 ص 269.

(3) الوسائل باب 13 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص

271.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 249

كان منسوجا طرائق و غيره.

مثل ما رواه الشيخ بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان ابن يحيى، عن يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: قال:

لا بأس بالثوب ان يكون سداه و زرّه و علمه حريرا، و انما كره الحرير المبهم للرجال «1».

و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه عن أبي على الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عين عيص بن القاسم، عن أبي داود يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: دخلت على أبي عبد اللّٰه عليه السلام و علىّ قباء و خز و بطانته خز (الى ان قال): و ما بال الخز، قلت: سداه إبريسم، قال: و ما بال الإبريسم؟ قال: لأنكره ان يكون سد الثوب إبريسم و لا زرّه، و لا علمه، ان يكون المصمت من الإبريسم للرجال و لا يكره و كذلك ما ورد في باب إحرام المرأة «2» بناء على ان ما لا يجوز لبسه في الإحرام لا يجوز في الصلاة أيضا.

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 6 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267.

(2) لا بأس بنقل عدة من الروايات الواردة في لباس الإحرام مما ذكر فيه لفظة الحرير:

فمنها: رواية يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: المرأة تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج؟ فقال: نعم لا بأس به و تلبس الخلخالين و المسك، الوسائل باب 33 حديث 10 من أبواب الإحرام ج 9 ص 41.

و رواية أبي عيينة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته ما يحل للمرأة ان تلبس و هي محرمة؟ فقال:

الثياب كلها ما خلا القفازين الوسائل، باب 33 حديث 30 من أبواب الإحرام ج 9 ص 42.

و رواية جميل انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المتمتع كم يجزيه؟ قال: شاة، و عن المرأة تلبس الحرير؟ قال: لا، الوسائل باب 33 حديث 8 من أبواب الإحرام ج 9 ص 43.

و رواية العيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام:

المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين، الوسائل باب 33 حديث 9 ج 9 ص 43.

و رواية إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المرأة هل يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة؟ قال: لا و لها ان تلبسها في غير إحرامها، الوسائل باب 33 حديث 10 من أبواب الإحرام ج 9 ص 43.

و رواية أبي بصير قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن الخميصة سداه إبريسم و لحمها من غزل، قال: لا بأس بأن يحرم منها انما يكره الحائض منه، الوسائل باب 29 حديث 1 من أبواب الإحرام ج 9 ص 38.

و رواية أبي الحسن النهدي، قال: سال سعيد الأعرج و انا عنده عن الخميصة سداه إبريسم و لحمتها من غزل؟ فقال: لا بأس بأن يحرم فيها انما يكره الحائض منها، الوسائل باب 29 حديث 3 من أبواب الإحرام ج 9 ص 38.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 250

مثل ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن سماعة انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال: لا يصلح ان تلبس حريرا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 251

محضا لا خلط فيه، فاما الخز و العلم في الثوب

فلا بأس ان تلبسه و هي محرمة (الى ان قال): و تلبس الخز اما انهم يقولون في الخز حريرا و انما يكره الحرير المبهم «1».

و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن احمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: كنت جالسا عنده فسأل عن رجل يحرم في ثوب فيه حرير فدعا بإزار قرقبي «2» فقال: انا أحرم في هذا و فيه حرير «3».

فان الظاهر أن الثوب لم يكن حريرا بأجمعه و قد صرح عليه السلام بأنه يحرم فيه مع ان بعضه كان حريرا.

قلت: (أولا): ان الظاهر اتحاد الروايتين الأولتين كما بيناه سابقا في مسألة لبس الخز.

(و ثانيا): انا كلما تتبعنا في كلمات العرب و اللغويين لم يصر المراد من العلم معلوما لنا بحيث يمكن الاعتماد عليه، هل هو إبريسم مخيط على الأكمام و الأذيال، أو قطعة من الحرير يلصق بها للزينة أو غير ذلك؟ و احتمال ان يكون المراد من قوله عليه السلام و فيه حرير هو الإبريسم الغير المنسوج.

(و ثالثا): ان غاية ما يدل عليه هذه الروايات استثناء ما كان مذكورا فيها، و اما غيره مما لم يكن مذكورا فلا دلالة فيها، بل استثناء المذكورات قرينة على ارادة العموم من النفي الوارد عن النبي (ص).

______________________________

(1) الوسائل باب 33 حديث 7 من أبواب الإحرام ج 9 ص 42.

(2) في هامش الكافي هكذا: منسوب الى قرقوب و هو بلد.

(3) الوسائل باب 29 حديث 2 من أبواب الإحرام ج 9 ص 38.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 252

فقولهم عليهم السلام: انما يكره الحرير المبهم أو المصمت أو الخالص يحتمل وجوها:

(أحدها): ان يكون

مقابلا لما يكون سداه أو لحمته من غيره، كما هو ظاهر ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن العباس، عن على بن مهزيار، عن فضالة بن أيوب، عن موسى بن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء الا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو قطن أو كتان، و انما يكره الحرير المحض للرجال و النساء «1» و الحكم بالنسبة الى النساء و ان كان نادرا الا ان ظاهرها المقابلة بين ما يكون أصل نسجه مخلوطا، و بين ما يكون خالصا و خبر يوسف بن إبراهيم على احتمال.

(ثانيها): ان يكون بعضه حريرا خالصا و بعضه غيره كما هو أحد احتمالي خبر يوسف بن إبراهيم، و يكون حينئذ ذكر الزر، و بقيد المحض يخرج المبعض الّا ان ذكر سداه ينافي هذا الاحتمال، لانه يكون لباسا مع انه قد أخرجه الا ان يقال: قوله عليه السلام: (انما كره الحرير المبهم) أريد منه إخراج كليهما اعنى ما كان مبعضا و ما كان سداه أو لحمته من غيره فتأمل.

و لكن يظهر من صاحبي الجواهر و مصباح الفقيه عليهما الرحمة ان العمومات غير شاملة للمبعض، فخروج المكفوف و المزرور و العلم حينئذ يكون بطريق اولى.

نعم لو كان المبعض بحيث يكون البعض الحرير لو انفصل يكون

______________________________

(1) الوسائل باب 13 حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 271.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 253

قابلا لان يلبس، تشمله العمومات، مضافا الى خبر جرّاح المدائني و يوسف بن إبراهيم «1» حيث عبّر في الأوّل انه كان يكره المكفوف بالديباج مدعيا كما

عن الجواهر ان لفظة (الكراهة) صارت حقيقة شرعية في لسان أصحاب الصادقين عليهما السلام في غير الحرام.

و فيه (أولا): عدم ثبوت استعمال لفظة الكراهة في لسان الأئمة عليهم السلام في الكراهة المصطلحة.

(و ثانيا): على تقدير الاستعمال و صيرورته حقيقة إنما يفهم ذلك إذا أسند فعل الكراهة إلى فعل المكروه، بان يقول: يكره الفعل الفلاني لا الى الشخص كما في المقام، إذ الراوي أسندها إليه عليه السلام بقوله: (كان يكره اللباس المكفوف بالديباج) لا ان اللباس المكفوف بالديباج مكروه.

(و توهم) ان الشخص إذا كان كارها لشي ء فلا محالة يكون الفعل أيضا مكروها للتضايف (مدفوع): بأنه كذلك بالنسبة إلى المعنى اللغوي لا الاصطلاحي.

و بالجملة فخروج المذكورات عن تحت العموم تخصصا محل تأمل فلا بد من إخراج ما ادعى خروجه بدليل مستقل.

(و دعوى) ان الاخبار ناطقة بعدم جواز الصلاة في الثوب الحرير و لا يصدق إلا إذا كان بتمامه حريرا (مدفوعة) أولا بأن جميع الروايات ليست كذلك، بل في بعضها: لا تحل الصلاة في حرير محض، كما في

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 10 حديث 2 و باب 11 حديث 9 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 263 و 268.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 254

مكاتبة محمد بن عبد الجبار «1» و لا سيما كونه جوابا للسؤال عن الصلاة في (قلنسوة حرير محض) أو (قلنسوة ديباج) و القلنسوة لا تسمى ثوبا فتأمل.

و ثانيا: مع أصل الدعوى، فان الثوب كما يطلق على مجموع الثوب كذلك يطلق على أبعاضه، و لذا يقال: يكفن الميت في ثلاثة أثواب قميص و مئزر و إزار، مع ان الأخيرين ليسا بثوب عند العجم.

و بالجملة إطلاق الثوب عند العرب غير إطلاقه عند العجم.

و يؤيد

ما ذكرناه ظاهر جملة من كلمات المتقدمين و المتأخرين إلى زمن صاحبي الجواهر و مصباح الفقيه، حيث انهم فهموا العموم حتى احتاجوا في إخراج الكف و العلم الى الروايات النبوية التي لم يسند بعضها إلى النبي صلى اللّٰه عليه و آله كخبر عمر، و أسماء «2» مع عدم إسنادهما هذا القول إلى النبي صلى اللّٰه عليه و آله.

بل استثناء مقدار الإصبعين أو ثلاث أصابع أو أربع هو بنفسه فلو كان الدليل منحصرا بما كان تمامه حريرا، لم يكن وجه للاستناد إليهما.

ما أريد أن أقول إنّ إجماعهم حجة على ذلك بحيث يستكشف منه رأى المعصوم عليه السلام، بل أقول: بملاحظة أن جملة منهم من أهل اللسان و عدة منهم قد نشؤوا بينهم يكون فهمهم قرينة على ما ذكرناه.

مضافا الى ما رواه العامة عن علي عليه السلام ان النبي صلى اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 2 من أبواب ما يكتسب به.

(2) سنن أبي داود باب ما جاء في لبس الحرير ج 4 حديث 2 رقم 4042 و باب الرخصة في العلم حديث 1 رقم 4054 ص 46 و 49.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 255

عليه و آله أخذ حريرا فجعله في يمينه و أخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال: ان هذين حرام على ذكور أمتي «1»، فإن إطلاقه يشمل للقطعة من الثوب أيضا.

و بالجملة فالظاهر إطلاق الدليل الّا ما خرج بالدليل، فمثل الزر و العلم ان لم يكن منسوجا و كذا القياطين خارج، لعدم كونه مصداقا للحرير بناء على كونه عبارة عن الإبريسم المنسوج كما هو ليس ببعيد على اشكال قد مرّ بالنسبة الى بعض افراد غير المنسوج و اما إذا كان بعضه حريرا

ففيه اشكال، سواء كان بحيث لو انفصل يكون قابلا لان يلبس أم لا، فان مجرد قابليته للبس على تقدير انفصاله لا يوجب صدق الثوب قبل انفصاله عليه، بناء على ان يكون الثوب عبارة عما يكون للبس.

فعلى القول بلزوم صدق الثوب لا يجب الاجتناب، و على تقدير الإطلاق- كما هو الظاهر- يجب الاجتناب.

نعم في خروج مثل الكفّ يحتاج الى دليل و ليس الّا ما حكى عن عمر و أسماء و هما- مع كون سنديهما غير معتبرين- لا يسندانه إلى النبي صلى اللّٰه عليه و آله، و الاخبار الواردة عن الأئمة عليهم السلام معارضة برواية عمار المتقدمة فالأحوط الاجتناب عن الكف أيضا، و اللّٰه العالم.

مسألة 2-: هل يجوز الصلاة فيما لا تتم فيه

بمعنى انه يصلى فيما لا يمكن ان يكون ساترا للعورة بحسب العادة على تقدير لباسه به (و بعبارة أخرى): هل الأخبار الدالة على عدم جواز الصلاة في الحرير عامة شاملة لمطلق ما يستعمل في الصلاة و غيره أم يختص بما يكون

______________________________

(1) سنن أبي داود باب في الحرير للنساء ج 4 ص 50 حديث 1 رقم 4057.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 256

لباسا ساترا؟ وجهان بل قولان بين الإمامية.

و ربما يتوهم الشهرة بالمنع بين المتقدمين لكن الظاهر من جملة من المتأخرين هو عدم المنع.

و العامّة لم يتعرضوا لهذه المسألة أصلا، لأنهم غير قائلين ببطلان الصلاة في لباس الحرير، بما هو حرير و لو فرض القول بالبطلان من بعضهم فإنما هو باعتبار اعتقاده بالملازمة بين حرمة اللبس و البطلان من غير فرق بين ما تتم و ما لا تتم.

نعم حكى المحقق رحمه اللّٰه في المعتبر عن بعض الحنابلة الفرق بين الساتر و غيره و لكنه غير مسألتنا و هي دخالة عنوان ما

لا تتم كما لا يخفى، و بالجملة لم نجد فيهم من تعرض لها بهذا العنوان و الأمر سهل.

و منشأ الاختلاف، اختلاف روايتي الحلبي، و محمد بن عبد الجبار «1» و ادعى شمول العمومات أيضا، مثل رواية إسماعيل بن سعد و أبي الحارث «2» و غيرها من العمومات الظاهرة من حيث السؤال في مانعية لبس الحرير من صحة الصلاة، و عدمها لا الحرمة التكليفية فقط كما قرر في الأصول، أو قلنا: ان المتفاهم من كلمات المتقدمين أمران:

(أحدهما): وجود الملازمة بين حرمة الشي ء و بطلان العمل المقرون به.

(ثانيهما): دلالة النهي اللفظي على الإرشاد بالفساد أم على الحرمة التكليفية على القولين، و على الثاني يكون من صغريات النزاع

______________________________

(1) الوسائل باب 14 حديث 1 و 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

(2) الوسائل باب 11 حديث 1 و 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267 و 268.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 257

الأوّل.

و كيف كان فظاهر السؤال في رواية الحلبي عن الصلاة في الثوب الحرير، هو الاستفهام عن سقوط القضاء و الإعادة لو اتى بهذه الحالة فأجاب عليه السلام بالعدم.

و هو و ان كان شاملا لما هو معدود من اللباس و غيره مطلقا الا ان في رواية محمد بن عبد الجبار قال: كتبت الى أبي محمد عليه السلام اسئله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السلام: لا يصلى في الحرير المحض «1».

و هي مختصة بها، بل حاكمة عليها على وجه كما سيأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى.

و الترديد اما من الراوي (عن محمد بن عبد الجبار) و هو (احمد ابن إدريس) باعتبار انه عند نقله هذا المطلب، لم

يتذكر ان ابن الجبار هل كتب هذا أو ذاك، أو من الكاتب حيث انه جعل كليهما- على سبيل الترديد- موردا للسؤال باعتبار اختلاف كيفيات القلنسوة المصنوعة من حرير رقيق أو غيره كما قد تقع السؤالات الكلية.

و سؤاله أيضا يمكن ان يكون عن أمرين: اما ان يكون عالما بأصل حكم الحرير بالنسبة إلى الألبسة، و اما ان يكون عن خصوص القلنسوة.

و يؤيّد الثاني، بل يقرّبه، التقييد في السؤال بقوله: (في قلنسوة حرير محض)، فلو لم يكن لكان المناسب أن يسأل عن الصلاة في الحرير المحض، فان السؤال عن أصل الموضوع مقدم على السؤال عن خصوصياته، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل باب 11 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 267.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 258

هذا، و لكن في الجواهر ما محصله ان المحكي عن بعض ان الحرير عند بعض اللغويين هو الثوب، و ان كان عند العرف غيره، و مع المعارضة يقدم اللغة على العرف لتأيده بروايتي إسماعيل و أبي الحارث «1» فحينئذ يكون معنى قوله عليه السلام: (لا يصلى في حرير محض)،،،، فتكون موافقة للروايتين فيبقى رواية الحلبي «2» المتقدمة بلا معارض فكأنه عليه السلام قد عدل عن جواب السائل للتقية.

لا يقال: ان قوله عليه السلام (لا تحل الصلاة في حرير محض) أيضا مخالف لها، لان المشهور بينهم عدم بطلان الصلاة في الحرير.

فإنه يقال: ان قوله عليه السلام ظاهر في الحكم التكليفي، و هو غير مخالف لهم من هذه الحيثية كما هو واضح.

و قد يقال: بضعف سند رواية أحمد بن هلال «3»، لما روى عن الكشي انه ورد عليه التوقيع من ناحية العسكري عليه السلام: (احذروا الصوفي المتصنع) «4».

(و فيه): أولا: لم

يثبت صحة سند هذه الرواية.

و ثانيا: عدم كون خصوص هذه الرواية من الضعاف لما نقل عن احمد بن حسين بن عبيد اللّٰه الغضائري مع كثرة تضعيفه للرواية انه كان متوقفا في رواية أحمد بن هلال الّا ما كان يرويه عن ابن أبي عمير و حسن ابن محبوب فإنه لا بأس بالعمل به ملاحظة ان كتاب ابن أبي عمير كان

______________________________

(1) تقدم موضع نقلها آنفا فراجع.

(2) تقدم ذكر محلها سابقا، فراجع.

(3) الواقع في خبر الحلبي في باب 14.

(4) رجال الكشي ص 332 طبع بمبئى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 259

مشهورا في ذلك، فإذا نقل عن كتاب مشهور فلا بأس بكون ناقله مخدوشا مذهبا و اعتقادا.

لكن لا يمكن ان يخدش فيه انه لا يفيدنا شيئا، لأن مجرد مشهورية كتاب ابن أبي عمير عند ابن الغضائري لا يكفي في كون هذه الرواية من ذلك الكتاب المشهور.

لكن الذي يسهل الخطب ان الشيخ أبا جعفر الطوسي و المحكي عن شيخه المفيد و غيرهما من جملة ممن كان معاصرا قد أفتوا بجواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة إذا كان حريرا.

فيظهر ان هذه الرواية كانت معتنى بها عندهم، و عندهم أصول الرواة الذين كان منهم ابن أبي عمير و الحسن بن محبوب، و الحسن بن على بن فضال و غيرهم من علماء الطبقة السادسة و رواتهم، الذين كانوا ذوو الجوامع الأولية فالاعتناء بهذه الرواية بهذا الاعتبار، لا باعتبار ما نقل عن ابن الغضائري من كون كتاب ابن أبي عمير مشهورا، بل بمشاهدة فتوى جماعة من المعاصرين له الذين كانت عندهم الجوامع الأولية.

فلعل روايات أخرى بإسناد أخر كانت عندهم موجودة و لم تصل إلينا.

و من هنا يظهر وجه ما اشتهر بينهم من

كون الشهرة الفتوائية جابرة لضعف السند.

هذا مضافا الى ان الراوي عنه موسى بن الحسن و هو من أجلاء أصحابنا و ثقاتهم، و الى ان أحمد بن هلال يروى عن كثير من الأصحاب و يروى عنه كثير منهم أيضا، و قد مر مرارا ان من الأمور التي يمكن أن

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 260

يحرز حال الراوي، كثرة روايته و قلّتها، و يستدلّ على صحة الرواية و ضعفها.

فرواية الكشي بمجردها غير كافية لرفع اليد عن القرائن الكثيرة الدالة على صحّة هذه الرواية الدالة على حصول الاطمئنان بصدور هذه الرواية فيما إذا كان سلسلة السند بأجمعها موثوقا بها، فلا اشكال فيها سندا.

و اما الدلالة فالظاهر حكومتها على الأدلّة العامة الدالة على عدم جواز الصلاة في الحرير المحض، لأن لسانها كالمفسّر لها حيث أن مفادها أن الألبسة التي بعناوينها المخصوصة التي لا تجوز الصلاة فيها، لا بأس بها إذا كانت ممّا لا تتم الصلاة فيها، فلا تكون معارضة مع العمومات.

و اما بالنسبة إلى رواية محمد بن عبد الجبار، فالظاهر معارضتها معها، لأنها واردة في خصوص ما لا تتم.

فحينئذ يحكم بالكراهة بمقتضى الجمع العرفي بأن يقال: ان رواية الحلبي صريحة في الجواز، و رواية ابن الجبار ظاهرة في البطلان فإنه عبّر بعدم الحلية الممكن حملها على الحكم التكليفي، غاية الأمر لما وقع السؤال عن الصلاة فيه، يكون ظاهرا في السؤال عن الحكم الوضعي و هو البطلان أو الصحة فلا معارضة.

الّا ان يقال: ان بين الروايتين عموما من وجه حيث انّ قوله عليه السلام: (لا تحل الصلاة) شامل للقلنسوة و غيرها، و القلنسوة الموجودة في رواية الحلبي أعمّ من الحرير و غيره، فلا تكون صريحة في خصوص الحرير.

تقرير

بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 261

و بالجملة (تارة) يلاحظ كلام الامام (ع)، و هو قوله عليه السلام: (لا تحل الصلاة) «1» كما في رواية ابن الجبار، مع قوله: (كلما لا تجوز الصلاة فيه وحده، الى آخره) كما في رواية الحلبي «2» مع قطع النظر عن خصوصية مورد السؤال يكون رواية الحلبي حاكمة على رواية ابن الجبار.

(و اخرى) مع ملاحظة مورد السؤال أيضا، و عليه يتحقق المعارضة فحينئذ فاما ان يكون السؤال عن خصوص القلنسوة، أو يكون ذكرها من باب المثال.

فعلى التقدير (امّا) ان يكون الراوي عالما بالحكم التكليفي و الوضعي كليهما (أو) جاهلا (أو) عالما بأحدهما دون الآخر فيصير الأقسام ثمانية.

فرض كونه جاهلا بهما أو جاهلا بالحكم التكليفي في غاية البعد فيخرج أربعة أقسام.

و اما إذا كان جاهلا بالحكم الوضعي و كان السؤال عن خصوص القلنسوة أو كان عالما بها مع هذا الفرض، يكون الجواب حينئذ عدولا عن السؤال الشخصي إلى الحكم الكلي بعدم جواز حليّة الصلاة الممكن ارادة الحكم التكليفي.

و اما إذا كان ذكر القلنسوة من باب المثال فيكون الجواب مطابقا للسؤال، فتكون رواية الحلبي حاكمة على رواية ابن الجبار حينئذ.

و اما حملها على الكراهة، ففيه انه ان أريد أنه بهذا العنوان

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 14 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

(2) راجع الوسائل باب 14 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 272.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 262

مكروه، ففيه ان القائل بذلك لا يلتزم بهذا، بل هو مخالف للإجماع.

و ان أريد الحكم في خصوص القلنسوة، ففيه انه عليه السلام لم ينه بهذا العنوان الخاص كما لا يخفى.

فتحصّل: ان رواية أحمد بن هلال، عن

ابن أبي عمير، عن حماد عن الحلبي «1» لو كانت معتبرة يكون مقتضى القاعدة الجمع، و هو اما بالحمل على الكراهة، و اما جعل رواية الحلبي حاكمة على رواية محمد ابن عبد الجبار ان كان سؤال الراوي راجعا الى أهل اللباس، و انما ذكر القلنسوة لأجل انها كانت متعارفة في بلده.

و اما ان كان السؤال عن خصوص القلنسوة و المفروض عدم صحة الجميع بالحمل على الكراهة فحينئذ يقع التعارض، فحينئذ يقع البحث في ان اىّ الروايتين موافقة للعامّة؟

قد يقال: بأن رواية ابن الجبار مخالفة لهم من حيث كونها ظاهرة في بطلان الصلاة، المخالف لجميع فقهاء العامة.

و لكن يرد عليه أنها غير متضمنة لبطلان الصلاة، بل عدم الحلية و هو أعم من البطلان، و هذا بخلاف رواية الحلبي، فإن الحكم بعدم البأس فيما لا تجوز الصلاة فيه وحده، ظاهر في ان عنوان ما لا تتم، حكم غير هذا الحكم، فلو وقع هذا الكلام عندهم لفهموا أنه (ع) مخالف لهم في الفتوى.

و الحاصل ان عدم جواز الصلاة فيما لا تتم، من متفردات الإمامية و لم يكن لفقهاء العامة تعرض لهذه المسألة، لا في مسألة النجاسات و لا في هذه المسألة، بل كل ما كان عندهم مانعا في صحة الصلاة

______________________________

(1) الوسائل باب 14 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 273.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 263

يكون كذلك مطلقا، و ما لا يكون مانعا لا يكون كذلك مطلقا، فالتفصيل في الألبسة بين ما تتم و ما لا تتم يكون مختصا بالإمامية.

و هذا بخلاف مسألة جواز الصلاة في الحرير و عدمه فإنها تكون موردا للبحث عندهم فذهب المشهور منهم إلى الصحة، و حكى عن احمد

قولان، و لكن من قال بعدم الجواز قال به بملاك آخر، و هو استلزام الحرمة للبطلان لا بملاك النقل عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله، فحينئذ إذا دار الأمر بين حمل ما يكون مخالفا لهم رأسا بحيث لا يكون له اثر و لا اسم عندهم، على التقية كما في مضمون رواية الحلبي على تقدير حجيتها، و حمل ما يكون مخالفا للمشهور منهم مع قابلية الحمل على معنى لا يكون مخالفا لهم بوجه، اعنى الحمل على الحكم التكليفي كما في رواية ابن الجبار.

فالمتيقن «1» هو الثاني، فما عن صاحب الحدائق رحمه اللّٰه و غيره من حمل رواية الحلبي على التقية دون الأخرى، في غاية الضعف، هذا.

و لكن الشهرة بين القدماء بالنسبة إلى رواية الحلبي غير ثابتة نعم لو قيل بعدم شمول العمومات لما لا تتم الصلاة فلا حاجة في إثبات الجواز الى دليل مستقل.

الرابع من الشرائط عدم كون اللباس ذهبا

اشارة

و قبل نقل اخبار المسألة الواردة عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله

______________________________

(1) جواب لقوله قدس سره: إذا دار الى آخره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 264

و الأئمة عليهم السلام بطرق الفريقين نقول:

ان قدمائنا الإمامية لم يتعرضوا هذا الشرط في كتبهم المعدة لإيداع فتاوى الأئمة عليهم السلام نعم قد تعرض لها جمع منهم من حيث الحكم التكليفي، بل الظاهر عدم الخلاف بين المسلمين من حيث التكليف، الا ما حكى عن بعض الناس من ذهابه الى عدم حرمة التختم بالذهب.

استنادا الى ما رواه أبو داود في سننه مسندا عن محمد بن مالك، انه رأى على البراء خاتم ذهب و قيل له في ذلك، و قال: أعطاني رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه (و آله) و سلم فقال له: البس كما ألبسك

اللّٰه و رسوله «1».

و لا يخفى ان مثل هذه الرواية لا تقاوم الأدلة الدالة على الحرمة كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى الإشارة إلى جملة منها مع شهرة الفتوى بين الفريقين.

مع إمكان ان يقال: ان إعطاءه صلى اللّٰه عليه و آله له إياه من غنيمة الحرب كان قبل نهى النبي صلى اللّٰه عليه و آله ثم أبقاه البراء و لم يطلع على تحريمه صلى اللّٰه عليه و آله بعد ذلك.

نعم قد وردت من طرق أصحابنا أيضا ما يدل- بظاهره- على جواز لبس الخاتم من الذهب.

مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن عبد اللّٰه بن ميمون القداح، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: ان النبي صلى اللّٰه عليه و آله تختّم في يساره بخاتم من ذهب، ثم خرج على الناس فطفق الناس ينظرون اليه

______________________________

(1) لم أعثر عليه في السنن فتتبع.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 265

فوضع يده اليمنى على خنصره اليسرى حتى رجع الى البيت فرمى به فما لبسه «1».

لكنها أيضا محمولة على ما قبل التشريع أو على محامل أخر.

و بالجملة لا شبهة في أصل الحرمة في الجملة، بل هي من ضروريات الفقه الإسلامي.

و لا بأس بنقل بعض الاخبار الواردة في ذلك- تيمّنا-:

منها: ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن احمد ابن محمد، عن ابن فضال، عن غالب بن عثمان، عن روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام: لا تختّم بالذهب فإنه زينتك في الآخرة «2».

و عنه عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد،

عن القسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا تجعل في يدك خاتما من ذهب «3» و دلالتهما على حرمة مطلق الذهب- بعد فرض صحة سنده أو جبرانهما باشتهار الفتوى بين المسلمين- موقوف على أمور:

(أحدها): عدم اختصاص الخطاب به عليه السلام، و الا فلو كان مختصا به- كما يؤيّده ما رواه الحلبي المحكي عن معاني الأخبار للصدوق رحمه اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال: نهاني رسول اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 30 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 300.

(2) الوسائل باب 30 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 299.

(3) المصدر، الحديث 2.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 266

صلى اللّٰه عليه و آله و لا أقول نهاكم- عن التختم بالذهب «1» الى آخره.

(ثانيها): عدم اختصاص الحرمة بالخاتم، بل يعم مطلق اللباس و ذكر الخاتم من باب المثال.

(ثالثها): عدم الاستظهار من التعليل على كونه مكروها.

و منها: ما رواه عبد اللّٰه بن جعفر، في قرب الاسناد، عن هارون ابن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام، ان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله نهاهم عن سبع (الى ان قال): و التختم بالذهب «2».

عن الخصال للصدوق، عن أبيه، عن الخليل بن أحمد الحري عن أبي العباس الثقفي، عن محمد بن الصباح، عن حريز بن أبي إسحاق، عن أشعث، عن معاوية بن سويد، عن البراء بن عازب، قال:

نهى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن سبع و أمر بسبع، نهانا ان تتختم بالذهب، و عن الشرب في آنية الذهب و الفضة، الخبر «3».

و ما رواه في قرب

الاسناد أيضا، عن عبد اللّٰه بن الحسن، عن جده، عن على بن جعفر، عن أخيه، عن موسى بن جعفر، قال: سألته عن الرجل هل يصلح له الخاتم الذهب؟ قال: لا «4».

و هذه الروايات الثلاث سالمة عن الاحتمال المذكور في الأمر الأوّل في الروايتين المتقدمتين، لعموم الحكم، نعم يبقى الاحتمالان الآخران.

______________________________

(1) الوسائل باب 30 حديث 7 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 301.

(2) المصدر، الحديث 9.

(3) المصدر، الحديث 8.

(4) المصدر، الحديث 10.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 267

(و منها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد ابن يحيى، عن احمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار «1» بن موسى الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يصلى و عليه خاتم حديد؟ قال: لا، و لا يتختم به الرجل، فإنه من لباس أهل النار، و لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلى فيه، لانه من لباس أهل الجنة «2».

و عنه، عن رجل، عن الحسن بن على، عن أبيه، عن على بن عقبة، عن موسى بن أكيل النميري، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، في الحديد انه حلية أهل النار، و الذهب انه حلية الجنة، جعل اللّٰه الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه «3».

و في هذين الروايتين يرتفع الاحتمالات الثلاث التي ذكرناها في الأولين لعمومهما من حيث المكلفين، و اللبس و دلالتهما خصوصا على الحرمة.

فظهر ان الروايات متفقة على حرمة لبس الذهب في الجملة على

______________________________

(1) كان لعمار بن موسى كتاب يروى عنه مصدق بن صدقة المدائني يروى عنه عمرو بن سعيد، يروى عنه احمد بن حسن بن فضال،

و وصل هذا الكتاب بيد محمد بن احمد بن يحيى الأشعري القمي الثقة و بقية الرواة و ان كانوا كلهم فطحيين الا انهم موثقون عند علماء للرجال، منه دام ظله العالي.

(2) الوسائل باب 30 حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 300.

(3) المصدر، الحديث 5.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 268

اختلاف ألسنتها من اختصاص بعضها بالخاتم و إطلاق بعضها فلا كلام في أصل الحرمة، و لا في مدركها.

و انما الكلام في اشتراط صحة الصلاة بعدم لبسه، و قد أشرنا الى ان القدماء لم يتعرضوا لهذا الحكم نفيا و إثباتا.

نعم ذكر الشيخ عليه الرحمة- في أواخر (باب حكم الثوب و البدن) من المبسوط- ان التختم بالذهب حرام على الرجال، و كذا لبس الحرير و مباح ذلك للنساء.

و في أواخر صلاة الخوف: لبس الذهب محرم على الرجال، سواء كان خاتما أو طرازا «1» و على كل حال و ان كان مموها أو مجرى فيه و يكون قد اندرس و بقي اثر لم يكن به بأس (انتهى كلامه «ره»)، و لكن ليس في هذا الكلام تعرض لحكم الصلاة.

و قد يتخيل انه مذهب جملة من القدماء أيضا، كالكليني رحمه اللّٰه لما نقل في الكافي رواية موسى بن أكيل المتقدمة، و الصدوق محمد بن على بن بابويه، لما عنون في علل الشرائع (باب العلة التي من أجلها لا يجوز للرجل أن يتختم بخاتم حديد و لا يصلى فيه و لا يجوز له ان يلبس الذهب و لا يصلى فيه) ثم أورد موثقة عمار المتقدمة، و رواية أبي الجارود الدالة بمفهومها على عدم جواز الصلاة للرجال في الخاتم الذهب كما سيأتي نقلها إن شاء اللّٰه تعالى.

و عن أبي

على بن الجنيد رحمه اللّٰه انه قال: و لا يختار للرجل خاصة الصلاة في الحرير المحض و لا في الذهب (انتهى).

______________________________

(1) الطراز علم الثوب فارسي معرب قاله الجوهري (مجمع البحرين).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 269

و حكى عن الشيخ نجيب الدين الحلبي رحمه اللّٰه اشتراط الصلاة بعدم كون اللباس من الذهب، و كذا حكى عن قطب الدين.

و لكن لا يخفى عدم دلالة غير الأخير على ان الفتوى ذلك، لان كتب الاخبار لم تعدّ لنقل فتاوى الأئمة عليهم السلام.

(اما الأوّل) «1» فواضح لكثرة وجود الأخبار المتخالفة فيه.

(و اما الثاني) «2» فلأنه أعدّ لنقل اخبار صدرت لبيان علل جملة من الأحكام أعم من الواجبة و المحرمة و غيرهما.

و اما ما حكى عن ابن الجنيد رحمه اللّٰه فغير معلوم المراد من قوله (و لا اختار، الى آخره) هل هو الحكم التكليفي تحريما أو تنزيها أو للوضعى بمعنى بطلان الصلاة، فهو مجمل.

نعم ما حكى عن الشيخ نجيب الدين دال على ان عنوان الكلام في خصوص الصلاة و كذا ما ذكره الشيخ من مسألة التختم بالذهب و نفى الخلاف في حرمته، ثم نقل رواية موسى بن أكيل و لم يتعرض لبطلان الصلاة.

نعم ذكر المحقق رحمه اللّٰه في المعتبر مسألة التختم و تردد في البطلان ثم استقرب الجواز، و جعل منشأ التردد رواية موسى بن أكيل المتقدمة.

و أول من تعرض لحرمة الصلاة في مطلق اللباس المنسوج من الذهب و المموّه فيما اعلم العلامة الحلي رحمه اللّٰه، قال في المنتهى:

الثوب المنسوج من الذهب المموه يحرم الصلاة فيه مطلقا على التردد

______________________________

(1) يعنى الكليني (ره) في الكافي.

(2) يعني الصدوق (ره) في العلل.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 270

في غير الساتر، و

قال قبل ذلك: و في بطلان الصلاة لمن لبس خاتما ذهبا تردد أقربه البطلان، خلافا لبعض الجمهور (لنا) ان الصلاة فيه استعمال له و هو محرم بالإجماع، و قد عرفت ان النهى في العبادات يدل على الفساد (انتهى) ثم أيده برواية موسى بن أكيل.

و في التذكرة: الثوب المموّه بالذهب لا تجوز الصلاة فيه للرجال و كذا الخاتم المموه للنهى عن لبسه (انتهى).

و قال في فرع يج- 13-: إذا كان في يده خاتم من ذهب أو مموه به بطلت صلاته للنهى عن الكون فيه، و لقول الصادق عليه السلام: جعل اللّٰه الذهب في الدنيا على النساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه «1» (انتهى).

و لم يذكر المحقق، و لا العلامة في سائر كتبهما.

و قد عرفت ان الاستدلال على البطلان راجع الى أحد أمرين: اما كونه على مقتضى القاعدة و اما الروايات.

اما الأولى فقد عرفت في كلام العلّامة (تارة) بأنه للنهى عن الكون فيه (و اخرى) بأنه للنهى عن لبسه، و كلاهما راجعان إلى أمر واحد و شي ء فأرد، و هو لزوم اجتماع الأمر و النهى، و رجح جانب النهى.

و فيه (أولا): انا قد قررنا في الأصول عدم امتناع الاجتماع و أجبنا عن كل ما استدل له و قلنا: انه لا مانع عقلا بان يكون هنا عنوانان بينهما عموم من وجه، متعلقان للأمر و النهى و يتصادقان في موجود واحد شخصي كقوله: (صل و لا تتصرف في مال الغير بغير اذنه) حيث اجتمع

______________________________

(1) الوسائل باب 30 ذيل حديث 5 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 300.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 271

في الموجود الخارجي كلا العنوانين.

و اما التمثيل بقوله: (صل و لا تغصب)

فليس بجيد بل و لا صحيح لان الغصب كما قلنا في مورده عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدوانا و غير التصرف في مال الغير بلا اذن كما لا يخفى.

(و ثانيا) ليس المقام من مصاديق هذه القاعدة، فإن المصداق الواحد لم يصر متعلقا لهما فان متعلق الأمر هو الصلاة و متعلق النهى هو اللبس فلا اجتماع في الوجود الواحد.

و من هنا خص بعض العلماء «1» ذلك بما كان الذهب ساترا للعورة من حيث انه من شرائط صحة الصلاة.

(و فيه): ان الشرط هو مستورية العورة و هو أيضا وجود آخر غير وجود الصلاة، فإن الأمر المتعلق بالصلاة ينبسط على اجزائها و المستورية ليست من اجزائها، بل معنى اشتراطها عدم تعنون الاجزاء بعنوان الصلاة إلا إذا صدرت ممن كان مستور العورة و هو المقدمات العقلية حينئذ بناء على ان الشرائط الشرعية راجعة إلى الشرائط العقلية.

نعم لو قيل: ان الصلاة تتقيد بها- بحيث يكون التقيد داخلا و القيد خارجا و المفروض ان الأمر الانتزاعي عين ما منه الانتزاع، فإذا كان التقيد مأمورا به تبعا للصلاة يكون القيد أيضا كذلك- يجتمع الأمر و النهى، فان المفروض ان القيد يكون منهيا عنه بأدلة النهي عن اللبس و مأمورا به باعتبار كونه عين التقيد الذي يكون جزءا للمأمور به

______________________________

(1) لعله المحقق «ره» في المعتبر حيث جوز الصلاة فيه قياسا على الخاتم المغصوب و علله بأنه غير ساتر، فراجع، المقرّر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 272

أمكن القول بكونه من مصاديق تلك المسألة و تكون باطلة.

و قد يتمسك للبطلان بكون المصلى مأمورا بالنزع، و هو مستلزم للفعل الكثير الذي يكون ضدا لها فتكون باطلة لكون الأمر بأحد الضدين مستلزما للنهى عن

ضده.

و فيه (أولا): عدم كون النزع مستلزما للفعل الكثير مطلقا.

(و ثانيا): عدم كون الأمر بالشي ء مستلزما للنهى عن ضده الخاص.

(و ثالثا): عدم اقتضاء ذلك النهى البطلان، لأنه تبعي لا نفسي.

بل التحقيق ان جميع المقدمات التي لها دخل في تحقق المأمور به لا تكون إلا تبعية و لو صرح الآمر بفعلها و بعث إليها للوصول الى ذيها كما لو قال: اذهب الى السوق و اشتر اللحم.

فالأولى- كما في الجواهر- التمسك بالأخبار المتقدمة، فقوله عليه السلام: (لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلى فيه) «1» دال على بطلانها اما باعتبار كون النهى تكليفا فيدخل في مسألة كون النهى عن العبادات موجبا للفساد، و اما كونه منهيا وضعيا، فتدل على بطلانها مطابقة كما لا يخفى.

هنا مسائل
الأولى: هل حرمة اللبس في الذهب من حيث انه لبس الذهب

أو من حيث انه تزين و زينة؟ ظاهر جملة من الروايات هو الإطلاق مثل

______________________________

(1) الوسائل باب 30 قطعة من حديث 4 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 302.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 273

ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا تجعل في يدك خاتما من ذهب «1».

و كذا رواية عبد اللّٰه بن ميمون القداح، و الحلبي المحكي عن معاني الاخبار، و مسعدة بن صدقة، و براء بن عازب، و على بن جعفر المتقدمات «2».

و في عدة منها: التعليل بأنه زينة أو حلية في الآخرة، مثل ما عن عبد اللّٰه بن جعفر في قرب الاسناد، عن محمد بن عبد الحميد و عبد الصمد بن محمد جمعا، عن حنان بن سدير، عن أبي

عبد اللّٰه عليه السلام قال: سمعته يقول: قال النبي صلى اللّٰه عليه و آله لعليّ عليه السلام: إياك ان تتختم بالذهب فإنه حليتك في الآخرة، و إياك ان تلبس القسيّ «3».

و كذا رواية روح بن عبد الرحيم و عمار بن موسى، و موسى بن أكيل المقدمات «4» حيث علل في الأولى بأنه زينتك في الآخرة (و في الثانية) لأنه من لباس أهل الجنة، (و في الثالثة) انه حلية أهل الجنة و جعل اللّٰه الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه.

______________________________

(1) الوسائل باب 30 حديث 2 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 299.

(2) المصدر، الحديث 3، 7، 8، 9، 10.

(3) المصدر، الحديث 11 ص 303.

(4) تقدم ذكر موضعها.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 274

و في دلالة غير الأخيرة على كونه من باب التزين نظر، فان مجرد كون شي ء زينة في الآخرة أو حلية أهل الجنة أو لباسهم لا يوجب حرمته في الدنيا، فلا دلالة فيها على ان مطلق التزين بالذهب حرام، بل دلالتها على حرمة خصوص موردها- و هو لبس الخاتم من الذهب أو اللباس لو لا مسلميّة الحكم بين فرق المسلمين العامة منهم و الخاصة- غير معلومة كما لا يخفى على من راجع الاخبار.

و اما الأخيرة، فيمكن ان يقال: بدلالتها حيث فرّع عليه السلام تحريم اللبس و الصلاة فيه على جعله تعالى إياه زينة للنساء، فيتراءى منه ان التزين و الزينة بالذهب الذي غير محرم على النساء، محرم على الرجال.

و لكن يمكن ان يقال بالعكس بان يقال: ان قوله عليه السلام:

محرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه، قرينة على ان المراد من الزينة التي لا تكون محرمة على

النساء هو اللبس، و التعبير بالزينة بملاحظة انها من مصاديق اللبس لا انها بما هي موضوعة للحكم.

و يشهد لهذا قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «1» المفسّر باللباس فيكون هو أيضا زينة.

و بالجملة يمكن ان يكون صدر الرواية قرينة على المراد من الذيل فيحرم مطلق التزين بالذهب، و ان يكون الذيل قرينة على المراد من الصدر فلا يحرم الا اللبس.

و يشهد للأوّل الآية الشريفة المتقدمة بناء على تفسيرها باللباس و يشهد للثاني ما تقدم عن علي عليه السلام ان النبي صلى اللّٰه عليه و آله

______________________________

(1) سورة الأعراف، الآية 31.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 275

أخذ حريرا فجعله في يمينه و أخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال: ان هذين حرام على ذكور أمتي «1» و لم يقيده بكونه ملبوسا أم غيره.

الا ان يقال: ان حرمة الحرير المفروض كونه من الملبوسات قرينة- باتحاد السياق- على كون الحرمة في الذهب أيضا مخصوصا بهذه الصورة، فتأمل.

و يترتب على هذا جواز شدّ الأسنان بالذهب، فعلى احتمال ان يكون المحرم لبسه، يكون جوازه على القاعدة و لا يحتاج الى تكلف دليل، بخلاف الاحتمال الآخر فيحتاج اليه، فقد ورد روايات بعضها دال على جواز الشدّ به و بعضها على جواز تشبيك الأسنان به.

مثل ما رواه الكليني رحمه اللّٰه قال: عدة من أصحابنا، عن احمد ابن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن زرين، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث-: ان أسنانه استرخت فشده بالذهب «2».

و ما رواه في الوسائل عن الحسن بن الفضل الطبرسي رحمه اللّٰه في مكارم الأخلاق، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال:

سألته عن الثنيّة تنفصم أ يصلح

ان تشبك بالذهب و ان سقطت يجعل مكانها ثنيّة تنفصم ا يصلح ان تشبك بالذهب و ان سقطت يجعل مكانها ثنيّة شاة؟ قال نعم ان شاء ليشدها بعد ان تكون ذكية «3».

و عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن الرجل ينفصم سنّه أ يصلح له ان يشدها بالذهب و ان سقطت أ يصلح

______________________________

(1) سنن أبي داود باب في الحرير ج 4 ص 50.

(2) الوسائل باب 31 حديث 1 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 302.

(3) المصدر، الحديث 2.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 276

له ان يجعل مكانها سنّ شاة؟ قال: نعم ان شاء ليشدها بعد أن تكون ذكية «1».

و عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال: سأله أبي و انا حاضر عن الرجل يسقط سنّه فأخذ سن إنسان ميت فيجعله مكانه؟ قال:

لا بأس «2».

و الرواية الأخيرة لا دخل لها في المسألة، فبناء على حرمة مطلق التزين يكون هذا مستثنى.

و هل المراد من الشد و التشبيك خصوص جعل خيط من الذهب تحته أم يشمل ما تعارف في زماننا من كونه محيطا عليه بحيث يكون السن محاطا؟ لا يبعد ان يقال: بشموله له و ان كان الأحوط تركه.

(الثانية): لا يحرم على النساء لبس الحرير و الذهب و لو كان للتزين تكليفا و وضعا.

اما الأول فلتصريح الروايات و عدم تقييدها بصورة عدم التزين و اشتهاره بين علماء الإسلام، بل بين العوام فضلا عن الخواص مستمرا الى زمن المعصوم عليه السلام مع عدم ردعه.

و اما الثاني فلإطلاق أدلة الجواز بحيث تشمل حال مثل الصلاة أيضا، و شهرة الحكم بين الفريقين أما العامة فبمقتضى قاعدتهم حتى في الرجال، و اما الخاصة فلم ينقل الخلاف عن غير الصدوق، و بعض الروايات و

ان كان فيه إطلاق بالنسبة إلى الرجال و النساء الا انه لا بد من تأويلها، لإعراض الأصحاب، فتحمل على الكراهة.

______________________________

(1) الوسائل باب 31 حديث 3 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 302.

(2) المصدر، الحديث 4.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 277

(الثالثة): هل يحرم على الخنثى على القول بعدم كونها طبيعة ثالثة لبس الذهب و الحرير أم لا؟

قولان، يحكى عن الشهيد رحمه اللّٰه في الألفية الأول، و المشهور بين متأخر المتأخرين و المعاصرين و مقاربى عصرنا هو الجواز، استنادا إلى أصالة البراءة و لو مع كون الشبهة موضوعية.

و اما بالنسبة إلى الحكم التكليفي، فلعموم (كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف انه حرام) «1» و حكم العقل أيضا بذلك.

و اما بالنسبة إلى الحكم الوضعي فللشك في الشرطية بمعنى ان الأمر المنبسط على الاجزاء و التقيدات من المنتزعة من الشرائط، بل ينبسط على الاجزاء و الشرائط المعلومة، و تقيد صلاته بعدم كونه لباسه من الذهب و الحرير، غير معلوم، فالأصل البراءة.

لكن يمكن ان يقال:- انتصار للشهيد رحمه اللّٰه- ان العلم الإجمالي بكونه اما رجلا أو امرأة يوجب الاحتياط.

و دعوى ان ذلك من الموارد التي يكون بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء- كما في مصباح الفقيه للمحقق الهمداني رحمه اللّٰه- لم نفهم مفادها، لان الملاك في الابتلاء الذي يوجب عدم توجّه الخطاب اليه انما هو قبح الخطاب، و فيما نحن فيه ليس كذلك فلا مانع ان يكلف بعدم لبس الذهب و الحرير كليهما.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب ما يكتسب به ص 59 ج 12.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 278

تذنيب فيه تنبيه

لا يتوهم من عدم تعرض قدماء الأصحاب للتحريم لبس الذهب في الصلاة و بطلانها كون الحكم بعدم البطلان امرا منصوصا عن الأئمة عليهم السلام، و يكون هذا العدم كاشفا عن ورود نص على عدم البطلان.

و ذلك لان ما هو الموجب لاستكشاف النص تعرضهم لحكم مسألة من المسائل الفقهية التي من شأنها أن تتلقى من المعصوم عليه السلام و ايداعهم لها في كتبهم المعدة لنقل فتاوى الأئمة

عليهم السلام.

و لذا استكشفنا الحكم من تعرضهم مسألة بيع الأعدال المحزومة و الجرب المشدودة على نسق واحد بعبارة واحدة مضبوطة في الكتب «1» المشار إليها، ثم راجعنا كتاب الخلاف للشيخ الطوسي فوجدنا الخبر مرويا عنهم عليهم السلام.

______________________________

(1) يعجبني نقل ما وجدته فيها ليظهر لك صدق ما افاده، دام ظلّه: قال الشيخ المفيد عليه الرحمة في المقنعة: و لا يجوز بيع المتاع في أعدال محزومة و جرب مشدودة الا ان يكون له بارنامج (بارنامه) يوقف منه على صفة المتاع في ألوانه و أقداره و جودته، فان كان ذلك كذلك وقع البيع عليه، فمتى خرج المتاع موافقا للصفات كان البيع ماضيا و ان خرج مخالفا كان باطلا (انتهى).

قال الشيخ في النهاية: و إذا اشترى الإنسان ضياعا أو عقارا بحدودها و وصفها من غير ان يعاينها كان البيع ماضيا الّا ان له شرط خيار الرؤية، فإذا رآها، فان وجدها كما وصفت له كان البيع ماضيا و ان لم يجدها على ما ذكرت أو لم يجد شيئا كذلك كان له ردّها على البائع و استرجاع الثمن (انتهى).

و قال في المراسم: (ذكر) بيع الأعدال المحزومة و الجرب المشدودة و لا يجوز بيعها الّا بالوصف للألوان و المقادير و الجودة فإذا كان كذلك كان البيع مراعى ان يكون على الوصف و الّا بطل، فاما يختبر بالذوق أو الشم فعلى ضربين، الى آخره.

و قال في الوسيلة: و إذا نعت إلى البائع باعدال محزومة و جرب مشدودة فيها متاع و معها كتاب فيه أوصافه فباعه عليها، فإذا فتحت و كانت دون الوصف كان للمبتاع الخيار، و ان كان فوقه فالخيار للبائع (انتهى). و ذكر ابن زهرة في الغنية مسألة خيار الرؤية.

و قال الشيخ

رحمه اللّٰه في الخلاف: بيع خيار الرؤية صحيح ثم نقل أقوال العامّة (الى ان قال): دليلنا قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا فأباح ما يتناوله اسم البيع، و هذا بيع، و أيضا روى عنهم عليهم السلام أنهم سئلوا عن بيع الجرب الهروية؟ فقالوا: لا بأس به إذا كان لها بارنامج، فان وجدها كما ذكرت، و الّا ردّها و روى عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله انه قال: من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه (انتهى).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 279

و كما في بيع الفضولي فيما إذا باع الغاصب، لنفسه فأمضاه المالك فإنهم حكموا في كتبهم بصحة هذا القسم، ففهمنا منه صحة البيع الفضولي في هذا القسم، و الّا فالأخبار الواردة في هذه المسألة كلها مخدوشة كما ذكره شيخنا الأنصاري في المتاجر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 280

و بالجملة من وجود الفتاوى في المسألة يستكشف النص، لا ان من عدمها انكشف عدم النص كما لا يخفى فافهم و اغتنم.

الشرط الخامس ان لا يكون اللباس مغصوبا،

اشارة

هكذا عنونها الأصحاب.

و الاولى ان يقال: يشترط ان يكون مالكا أو مأذونا من قبل المالك فان الغصب عبارة عن الاستيلاء على مال الغير على سبيل العدوان سواء كان متصرفا أم لا، كما ان التصرف في مال الغير أعمّ من ان يكون على سبيل الاستيلاء أم لا، فبينهما عموم من وجه.

يفترق الغصب عن التصرف فيما لو استولى على مال الغير كما لو أخذ مفتاح دار الغير و منع المالك ان يدخلها من دون ان يكون هو متصرفا.

و يفترق التصرف عن الاستيلاء كما لو صلّى في لباس الغير من دون إحراز رضائه مالكه، لكن لا بقصد الاستيلاء، بل بقصد ان يرده

على مالكه، و يجتمعان معا في الثوب المغصوب.

و مما يترتب على ذلك عدم ضمان اللابس لو تلف بعد اللبس لعدم كونه غاصبا بخلاف ما لو لبسه مستوليا، فإنه ضامن مطلقا ما لم يرده الى مالكه.

و كيف كان فلا شبهة في حرمة التصرف في ملك الغير و لم يتعرض الأصحاب لحكم بطلان الصلاة على تقدير التصرف المحرم في الكتب المعدّة لجمع فتاوى الأئمة عليهم السلام.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 281

نعم قد تعرض لأصل الحكم في الجملة الشيخ أبو جعفر الطوسي عليه الرحمة في موضعين من الخلاف:

(أحدهما): في مسألة الوضوء بالماء المغصوب.

(ثانيهما): في لباس المصلي.

(اما الاولى): فقال: مسألة الوضوء بالماء المغصوب لا يصح، و لا تصح الصلاة به، و خالف جميع الفقهاء في ذلك (دليلنا): في المسألة الاولى من وجوب اعتبار النية و ان التصرف في المال المغصوب قبيح لا يصح التقرب، و أيضا لا خلاف في انه منهي عن ذلك و النهى يدل على فساد المنهي عنه «1» انتهى موضع الحاجة.

(و اما الثانية): فقال: مسألة، لا تجوز الصلاة في الدار المغصوبة،
اشارة

و لا في الثوب المغصوب مع الاختيار، و أجاز الفقهاء بأجمعهم ذلك و لم يوجبوا إعادتها مع قولهم: ان ذلك منهي عنه و وافقنا كثير من المتكلمين، مثل أبي على الجبائي و أبي هاشم و كثير من أصحابهما (دليلنا): ان الصلاة تحتاج إلى نية بلا خلاف، و لا خلاف في ان التصرف في الدار المغصوبة و الثوب المغصوب قبيح، و لا يصحّ نية القربة فيما هو قبيح (انتهى) «2».

وجه الحكم في أصل المسألة ان من شرط ترتب عنوان الصلاة على الاجزاء التي لوحظت واحدة بالاعتبار، صلاحيتها لان يتقرب بها الى اللّٰه عز و جل، و هي موقوفة على عدم كون العمل الموجود في الخارج قبيحا، و حيث ان المفروض كونه قبيحا لكونه تصرفا في مال الغير

______________________________

(1) الخلاف، كتاب الصلاة، مسألة 254، ص 53، الطبع الحجري.

(2) المصدر، المسألة 253.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 282

و تعديا على الغير فلا يصلح للمقربية، فلا يترتب عنوان الصلاة، فلا تسقط الأمر، و هذا هو الموجب للبطلان لا كونه مستلزما لاجتماع الأمر و النهى و هو محال، لعدم الاستحالة كما قررنا في الأصول.

و لا بأس بالإشارة إليهما إجمالا فنقول: ان عمدة دليل القائلين هو استحالة كون الشي ء الواحد معروضا لعرضين في زمان واحد، و لما كان الوجوب

و الحرمة أمران عرضيان فلا يمكن اجتماعهما في المصداق الواحد.

(و فيه) أولا: ان الوجوب و الحرمة و غيرهما من الاحكام ليست اعراضا تعرض محالّها بعد وجودها نظير الألوان و المذوقات، بل هي أمور انتزاعية محمولة على الشي ء و مجرد انتزاع صفة من شي ء لا يوجب كون الأمر المنتزع عرضيا، و منشأ الانتزاع انما هو الأمر و النهى- اعنى البعث و الزجر- و هما قائمان بقيام صدورى بالآمر، فله اضافة اليه و يكون المأمور به و المنهي عنه طرفا اضافة لهما لا معروضان.

و مجرد كون شي ء طرفا للإضافة لا يوجب المعروضية، فهو مثل ان يكون عالما بانسانيته جاهلا بضاحكيته فهو معلوم باعتبار و مجهول باعتبار آخر.

فلا يمكن ان يقال: ان الشي ء الواحد كيف يمكن ان يكون معلوما و مجهولا؟

و سرّه ان العلم و الجهل صفتان قائمتان بالعالم و الجاهل و لها اضافة الى المعلوم و المجهول.

و أيضا من خصوصيات كون شي ء عرضا عروضه بعد وجود الموضوع و المفروض سقوطهما بعد تحقق متعلقهما و من الخصوصيات تقدم وجود

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 283

المعروض على العرض في المقام يكون الوجود متأخرا عن صفتي الوجوب و الحرمة.

و الحاصل ان العقل يحكم بعدم امتناع حصول الحالة البعثية و الحالة الزجرية للإنسان إذا كان متعلقا هما متباينين بلا اشكال و لا خلاف، و يحكم أيضا بالامتناع إذا كان متعلقهما شخصا واحدا من حيثية واحدة.

و انما الكلام فيما إذا كان بينهما عموم من وجه، و القائل به يدعى ان حصول هذه الحالة بالنسبة إلى شيئين عامين متصادقين على شي ء واحد.

و نحن لما راجعنا وجداننا و تأملنا لم نجد وجها للاستحالة لأن المفروض ان البعث و الزجر تعلقا بأمرين كليين،

لهما افراد متباينة و يكون تمام المأمور به هو نفس الحيثية المبعوث إليها- و هي طبيعة الصلاة مثلا- و يكون تمام المنهي عنه هو نفس الحيثية المزجور عنها- اعنى التصرف بلا اذن- و لا دخل لخصوصيات في تعلق الأمر و النهى و المكلف باختياره قد جمع بين الحيثيتين في وجود واحد شخصي و المفروض ان الخصوصية غير دخيلة.

فلو قيّد الأمر المتوجه إلى الطبيعة بغير ما يوجد في ضمن التصرف في مال الغير، يكون هذا التقييد جزافا.

كما انه لو قيد النهى بغير ما يوجد في ضمن الصلاة يكون كذلك لان المفروض إتمام المبعوث اليه هو طبيعة الصلاة، كما ان تمام المزجور عنه، هو طبيعة التصرف في مال الغير.

و تعلق الأوامر و النواهي بغير ما هو دخيل في المصلحة

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 284

و المفسدة أمر مستحيل للزوم اللغوية على الحكيم.

نعم فيما إذا كان المأمور به مشروطا بقصد التقرب في مقام الامتثال، لا يمكن الإتيان بهذا الفرد مع هذه الخصوصية المنهي عنها لان قصد التقرب لا يتمشى في مقام الامتثال و هو يتحقق بإيجاد متعلق الأمر و المفروض انه مبغوض للمولى فلا يكون صالحا لان يتقرب به الى المولى.

و من هذه الجهة يحكم بالبطلان، فلذا لو لم يكن متفطنا كما في صورة الجهل بالموضوع و النسيان و السهو يحكم بالصحة و كذا كل شرط يكون اشتراطه من هذه الحيثية يحكم بصحة الصلاة إذا اتى بها على خلاف الشرائط التي يكون اشتراطها من حيث استفادة المانعية فيبطل المشروط القربى مطلقا، سواء تفطن أم لا، فافهم.

و ان شئت بيانا أوضح و ابسط فنقول: إذا أراد الإنسان شيئا فلا شبهة في ان الإرادة صفة قائمة بالمريد، و

لها اضافة الى المراد و هو و ان كان من الماهيات بعنوانه الاوّلى الّا انه بعنوان انه مراد يكون من الموجودات، لان الماهية بما هي ليست إلا هي، فاتصافها بالمرادية باعتبار الوجود، و لا شبهة انه لا يكون الموجود المتحقق في الخارج لعدم إمكان تعلق الأمر به للزوم تحصيل الحاصل، بل باعتبار الموجود الذهني الذي إذا وجد في الخارج لا يخلو عن المقارنات المكانية و الزمانية و غيرهما من الوجوديات.

فمراد بعض المحققين الذي جوز الاجتماع باعتبار تبعض الوجود فببعضه يكون منهيا عنه و ببعضه الآخر يكون مأمور به، ان كان هو الوجود الخارجي فلا وجه له، و ان كان الموجود الذهني الذي إذا وجد في

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 285

الخارج لا يخلو عن الخصوصيات فكأنه بنظر العقل (و في نظره، خ ل) منحل إلى حيثية المأمور به و الأمور الأخر المقارنة، فهو صحيح.

لكننا لا نحتاج الى هذا التكلف، بل نقول: لا تضاد أصلا بين تعلق الإرادة بشي ء و تعلق الكراهة بشي ء آخر يمكن ان يجتمع منع الآخر.

و إذا قد عرفت الملاك في الإرادة التكوينية، فيكون الحال في الإرادة التشريعية أيضا كذلك.

و ببيان آخر: إذا بعث المولى عبده إلى شي ء مثلا، يكون منشأ الانتزاع أمور ثلاثة: الباعث، و هو عارض لنفس من صدر منه البعث و المبعوث، و المبعوث اليه، و الأخيران يكونان طرفي الإضافة لهذا البعث، لا انه يكون عارضا عليهما.

و الذي يكون مبعوثا اليه يكون متعلقا للبعث، لا بماهيته و لا بوجوده الخارجي، و لا بوجوده الذهني مطلقا، بل بوجوده الذهني بما أنه مرآة للوجود الخارجي، فالوجود الذهني لا يكون مستقلا بكونه مبعوثا اليه، كما ان الوجود الخارجي كذلك للزوم تحصيل

الحاصل.

(و بعبارة أخرى): الذي يكون تمام الموضوع للبعث هو الحيث الذهني الذي لا يكون محفوفا بشي ء من المحفوفات الشخصية، و يكون جميع المحفوفات خارجة عن ذات حقيقة المأمور به.

و بهذا يندفع المغالطة بأنه اما ان يكون الوجود الذهني متعلقا بالوجود الخارجي أو متعلقا بالماهيّة أو متعلقا بالموجود الخارجي و الأولان باطلان فيتعين الثالث فيجتمع الأمر و النهى، فان الوجود الذهني بما أنه مرآة للخارج بحيث يكون هو بنفسه مغفولا عنه حين البعث، فالآمر و ان تصور في الذهن الوجود الذهني الّا انه جعل

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 286

الدلالة آلة لملاحظة الوجود الخارجي بحيث لا يكون هو في نفسه ملحوظا مستقلا كما انه كذلك يجاب عن الاشكال المعروف الوارد في قول المنطقي:

المجهول المطلق لا يخبر عنه، حيث ان نفس هذه القضية اخبار، فكيف يصح صدق هذه القضية مع انه قد أخبر عن مجهولها الذي هو المجهول المطلق.

فإنه حيث تصوره عنوان (المجهول المطلق) يكون غافلا عن نفس هذا التصور، بل جعله مرآة لما هو في الواقع (لا يخبر عنه) فيحكم بأنه (لا يخبر عنه) بعنوانه الواقعي لا بهذا العنوان المتصور.

و بالجملة حيث ان عمدة دليل الامتناع، هو جعل الأحكام اعراضا لموضوعاتها و قد بينا هنا و في محله عدم صحة ذلك، قلنا: ان الاحكام لها إضافات إليها لا انها عارضة عليها، فلا مانع من الاجتماع من هذا الحيث.

نعم قد لا يتحقق الامتثال باعتبار كونه مشروطا بشي ء لا يجتمع مع النهى لكون المأمور به عبادة لا تتحقق في الخارج الا مع إتيانها بداعي القربة، فكما لا يمكن تكوينا كون الوجود الواحد مقربا و مبعدا لا يمكن اعتبارا أيضا.

(و بعبارة أخرى): مقام الجعل غير مقام إيجاد

المجعول في الخارج، و ما ذكرنا من عدم الامتثال انما هو الأوّل دون الثاني، فإن اعتبر قصد القربة شرطا عقليا أو دخيلا في تحقق الغرض دون المأمور به بمعنى ان الغرض تعلق بأعم من المأمور به، لا يتحقق المأمور به عقلا في صورة إتيانه في ضمن المنهي عنه، لأن الأمر و ان تعلق بالوجود الذهني باعتبار مرآتيته للوجود الخارجي، الا ان الامتثال انما هو بالوجود

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 287

الخارجي الذي معلول المصلحة المقتضية للإلزام.

و كذا إتيان المنهي عنه انما يصدق بعد إيجاده في الخارج و هو معلول المفسدة المقتضية لتعلق النهى به و ان اعتبر شرطا أو شطرا للمأمور به لا يتنجز إلا في صورة التوجه إلى النهي.

فلا يتوهم ان عدم الامتناع انما هو على القول بعدم كون قصد القربة مأخوذا في متعلق الأمر لا شرطا أو شطرا، و الا فلا يمكن و ان لم تكن الاحكام اعراضا لموضوعاتها لان كون مأخوذية قصد القربة في متعلق الأمر يوجب عدم إمكان الاجتماع في صورة التوجه دون صورة عدم العلم بالنسيان أو الغفلة، و المدعى يثبت في صورة واحدة لأن الحكم العقلي يكفي فيه تحقق مصداق واحد في مقام الإثبات.

نعم لو قيل: ان المعتبر في العبادة قصد الامتثال فقط دون قصد القربة كما اختاره المحقق القمي عليه الرحمة في القوانين بعد اختياره عدم الامتناع في المسألة، يمكن ان يقال: بتحقق المأمور به مطلقا و لكنه محل منع، لان المستفاد من الأدلة و كذا من كلمات الفقهاء التي وصلت إلينا خلفا عن سلف، اعتبار قصد القربة و كون العمل مقربا للعبد نحو المولى كما لا يخفى على من سبر و تأمل.

و عليك بالتأمل التام

في هذا المقام، فإنه من مزال الاقدام.

تنبيه

قد ذكرنا ان المسألة عنونها الشيخ أبو جعفر الطوسي عليه الرحمة في الخلاف بمناسبة كونها محل خلف بين العامّة، و ليست من المسائل

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 288

التي من شأنها أن تتلقى من المعصومين عليهم السلام، فلا وجه لدعوى الإجماع في مثلها لعدم وجودها في المكتب المعدة لنقل فتاوى الأئمة عليهم السلام، و لذا ذكر المحقق انه لم يرد فيها نص، و انما ذكرها الشيخان قدّس سرّهما.

و لا فرق فيما ذكرنا بين مغصوبية لباس المصلى أو مكانه، أو ماء وضوءه و غسله أو فضائه وضوء و صلاة.

تذنيب [الصلاة في النعل العربي]

قد ورد في الاخبار بجواز الصلاة، بل أفضليتها في النعل العربي «1» و كذا جوازها في الخف «2»، لكن ذكر الشيخان في في المقنعة و النهاية: عدم جوازها في الشمشك و النعل السندي.

و في الوسيلة لابن حمزة الطوسي «3» رحمه اللّٰه ان الصلاة محظورة في النعل السندية و الشمشك (انتهى).

و ذكر سلار بن عبد العزيز في المراسم: و اما النعل السندي و الشمشك فلا صلاة فيهما إلّا الصلاة على الموتى (انتهى).

و لما كان النعل العربي لا يستر ظهر القدم و ليس له ساق و الخف يستره و له ساق، استخرج المحقق رحمه اللّٰه و العلامة رحمه اللّٰه من الجواز في الصلاة في هذين النوعين أن المناط في عدم جواز الصلاة في الشمشك و النعل السندي كونهما يستران ظهر القدم و ليس

______________________________

(1) الوسائل باب 36 من أبواب لباس المصلى ج 3 ص 308.

(2) الوسائل باب 38 منها ج 3 ص 301.

(3) المعروف انه كان من تلامذة الشيخ أبو جعفر الطوسي (ره).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 289

لهما ساق.

فحكما رحمهما اللّٰه على الإطلاق بأنه كلما

يستر ظهر القدم و ليس له ساق لا يجوز الصلاة فيه، و جعلا رحمهما اللّٰه الشمشك و النعل السندي من باب المثال، و تبعهما المتأخرون عنهما بعد اختلافهم في الحرمة و الكراهة و لكن عمّموا الحكم تحريما أو تنزيها من حيث الموضوع.

و نحن نقول: هنا كلامان:

(أحدهما): من حيث مدرك أصل هذا الحكم (ثانيهما): تعميمه بالنسبة إلى غير الشمشك و النعل السندي.

اما الأول: فالظاهر عدم النص فيهما عن أهل البيت عليهم السلام كما اعترف به المحقق عليه الرحمة في المعتبر، و قال: قاله الشيخان في المقنعة و النهاية (انتهى).

و حيث ان هذا الحكم تعبدي محض لا طريق للعقل إليه أصلا يمكن ان يستكشف من ذكر الشيخين رحمهما اللّٰه في الكتابين المعدين لنقل فتاوى الأئمة عليهم السلام وجود نص معتبر دال على المرجوحية الذي قد انجبر ضعفه بعمل المشهور مؤيدا بما في الوسيلة لابن حمزة الطوسي عليه الرحمة، من انه روى ان الصلاة محظورة في الشمشك و النعل السندية (انتهى).

و اما دلالة الخبر المستكشف من فتوى الشيخين عليهما الرحمة على عدم الجواز، فبما تقرر في محله من ان الأوامر المطلقة بما انها فعل من الافعال ظاهرة في الوجوب و غيره يحتاج الى الدليل لأن الأمر بما انه فعل كاشف عن تعلق ارادة الآمر به و ان كان المأمور به محبوبا للآمر و لا يحبّ تركه، و هذا المقدار يكفي حجة على العبد بحيث لو

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 290

سأل المولى عبده عن علة ترك العبد المأمور به لما كان له عذر في تركه الا ان يفرق بكلامه ما يدل على خلافه.

و كيف كان فقد ذكرهما في المقنعة و النهاية و المبسوط و الوسيلة و

المراسم و الشرائع و النافع و المعتبر و التذكرة و المنتهى و التحرير و اللمعة و الألفية.

لكن القائل بالحرمة مع قطع النظر عن ظهور عبارة الشيخين و المحقق في كتبه الثلاثة و العلامة في جملة من كتبه و الشهيد في الألفية، بل قيل: انه ذهب كبراء أصحابنا، بل قيل: انه مذهب الأكثر أو الأشهر، لا دليل عليه و لكن ظاهر المبسوط و جملة من المتأخرين الكراهة.

و عمدة مستندنا في ثبوت أصل الحكم في الجملة من الأئمة عليهم السلام، هو فتوى الشيخين رحمهما اللّٰه.

لكن قد استدل أيضا بأمور أخر لا تخلو عن اشكال:

(منها): عدم فعل النبي صلى اللّٰه عليه و آله و الصحابة و التابعين، و كذا الأئمة عليهم السلام.

(و فيه): ان مجرد عدم الفعل لا يدل على البطلان على كل تقدير فلعله لعدم تعارفه في تلك الأزمنة كما يومئ اليه عدم تعرض أهل اللغة «1» للفظ الشمشك.

(و منها): ما نقل عنه صلى اللّٰه عليه و آله: صلوا كما رأيتموني أصلي «2» و لم ير انه صلى اللّٰه عليه و آله صلى فيهما.

______________________________

(1) يعنى عدم تعرضهم في تلك الأزمنة، لا مطلقا.

(2) عوالي اللئالي ج 1 ص 198 رقم 8 و لاحظ ذيل الصفحة أيضا.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 291

(و فيه): أن منشأ صدور هذا الخبر منه صلى اللّٰه عليه و آله- على ما نقلوا- هو أنه صلى اللّٰه عليه و آله في مقام تعليمهم إتيان الصلاة كما و كيفا فإنهم نقلوا أنه صلى اللّٰه عليه و آله قام على المنبر فقرأ فإذا أراد أن يركع أو يسجد يهوى إلى الأرض لهما ثم يقوم عليه إلى آخر الصلاة و ليس صلى اللّٰه عليه و آله

في مقام بيان ما يعتبر في الصلاة نفيا و إثباتا.

لكن يبقى إشكال من حيث الموضوع، فإنا لم نجد في كتب لغة العرب، التعرض للشمشك.

نعم في (قاطع البرهان): (چمناك با تاى قرشت بر وزن أفلاك كفش و پاى افزار را گويند به اين معنى به جاى تاى قرشت شين نقطه دار آمده است).

و في موضع آخر منه): چمتك بر وزن اندك به معناى چمناك است كه كفش پاى افزار باشد به اين معنى به جاى حرف ثالث شين قرشت و نون هم آمده است، چمچم به فتح هر دو و جيم فارسى، و سكون هر دو ميم به معنى رفتار (إلى أن قال): و نوعي از پاى افزار است كه ته آن را به جاى چرم از كهنه و لته سازند و گيوه همان است .. چموش بر وزن خموش اسب و استر لگدزن (إلى أن قال): و مخفف چاموش هم هست كه نوعى از پاى افزار باشد (انتهى).

و يظهر من هذا: أنّ چمتك و چمچم و چاموش كلها نوع من لباس الرجل و لا يبعد أن يكون الشمشك معرب الأوّل، و لعلّه السر في عدم ذكر أهل اللغة من العرب في كتبهم المعدة لذكر اللغات العربية و موارد استعمالاتها، لعدم كونه عربيا.

و أما الثاني، فإن كان الوجه في كونهما منهيين هو مانعيتهما من

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 292

وصول رءوس الأصابع إلى الأرض، و منها الإبهام التي هي من الأعضاء السبعة، بحيث كان الاعتماد عليها فالأقوى هو التعميم و عدم الاختصاص بهما، سواء كان لهما ساق أم لا، ستر ظهر القدم أم لا.

و ان كان غير ذلك يجب الاقتصار على مورد كلامهم لعدم

إحراز وجه المنع هل هو ما ذكرنا أم هو باعتبار كون جلدهما من غير المأكول بحسب المتعارف، و لذا نهى عن خصوصهما.

و حيث ان وجه النهى غير معلوم فالأقوى الاقتصار عليهما في مقام الإفتاء، فلا بأس بلبس الجورب و ساتر أقسام الخف ما لم تكن مصداقا لأحدهما.

و اما فيهما فالأحوط الاجتناب، لما ذكرناه من الوثوق باستكشاف الحكم من فتوى الشيخين عليهما الرحمة مؤيدا بما نقلناه من الوسيلة و ابن حمزة رحمه اللّٰه.

(لا يقال): على هذا التقدير يكفى الحكم بالكراهة التي هي المتيقن.

(فإنه يقال): قد قرّر في الأصول ان الأوامر و النواهي الصادرة عن المولى المتوجهة إلى البعيد دالة على محبوبية المتعلقات و مبغوضيتها باعتبار أنها أفعال صادرة منها لا باعتبار الظهور اللفظي فإذا ثبت و علم أصل المحبوبية أو المبغوضية، فالعقل يحكم بلزوم الموافقة على طبقها ما لم يقرنها بقرينة على خلافها.

فلا يحتاج إلى أزيد من ثبوت أصل ما دل على تعلق الإرادة بشي ء حبا أو بغضا و المفروض في المقام هو استكشاف ما يدل على كونهما مكروهين و مبغوضين عند المولى، من فتوى الشيخين رحمهما اللّٰه

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 293

لقاعدة تقتضي لزوم الاجتناب.

نكتة أصولية فيها فائدة فقهية

هي انك ترى المحقق عليه الرحمة مع تبحره في العلم و نشوه في مركز الحوزة العلمية في عصره- و هي الحلة- و كونه رئيسا في زمانه و عنده العلماء الاعلام و تمكنه من الكتب الحديثية و الفقهية، قد اعترف بعدم النص، و مع ذلك قد افتى بما قاله الشيخان و استكشف النص من فتواهما.

و هذا أيضا مؤيد لما نبهنا عليه كرارا من ان مجرد عدم وجود النص في الكتب الأربعة أو غيرها من الجوامع التي بأيدينا، لا

يكون دليلا على العدم أو موردا للبراءة إذا كان قد أفتى جملة من المشايخ المتقدمة في المسائل التعبدية و ضبطوها في الكتب الفتوائية فتنبه و اغتنم.

الشرط السادس أن لا يكون اللباس قذرا

اشارة

و اعلم ان الطهارة على قسمين:

أحدهما: الطهارة عن الحدث ثانيهما: الطهارة عن الخبث و موضوع الأولى: الإنسان الراجع الى الروح و النفس، و موضوع

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 294

الثانية الجسم مطلقا سواء كان تحت تربية الروح أم لا.

و كيف كان فلا خلاف و لا شبهة في كون الطهارة عن القذارة شرط في صحة الصلاة و هل هي مع القذارة أمران وجوديان أم الاولى وجودية و الثانية عدمية أم بالعكس؟

و على التقديرين هل هي على نحو العدم و الملكة أو الإيجاب و السلب؟ وجوه لا يبعد كون الوجه الثالث أوجه، فإن الطهارة يعبر عنها بالفارسية ب: (پاكى) و (پاك بودن) يعبر عند العرف إذا لم يكن على الشي ء، شي ء قذر، فكأنّه أمر وجودي عرض عليها.

و على كل حال لم يتعرض الأصحاب لذكر عنوان مستقل قد جمع فيه الأخبار الدالة على اشتراط صحة الصلاة بعدم وجود القذر بهذا العنوان الكلي، بل ذكورا في مقام الاستدلال روايات خاصة تدل على الاجتناب عن النجاسات الخاصة كالبول و المنى و الدم و نحوها.

و لا بأس بالإشارة إلى نقل بعض ما ورد في هذا العنوان

الذي أشرنا إليه، مؤيدا بالروايات الخاصة، فنقول بعون اللّٰه تعالى:

روى الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: قال: لا صلاة إلّا بطهور، و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله، و اما البول فلا بد من غسله «1».

فان الظاهر بقرينة قوله عليه السلام: و يجزيك عن الاستنجاء الى آخره، و قوله عليه السلام: و اما البول، الى آخره، ان المراد من الطهور هو الطهارة عن الخبث، فيدل على اشتراط الصلاة بالطهارة

______________________________

(1) الوسائل

باب 74 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 3 ص 1095.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 295

مطلقا.

و بإسناده، عن سعد، عن احمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّٰه بن سنان، قال: سأل أبي و انا حاضر: انى أعير الذمي ثوبي و انا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرد علىّ فاغسله قبل ان أصلي فيه؟ فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إيّاه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس ان تصلى فيه حتى تستيقن أنه نجّسه «1».

فإنها دالة على ان النجاسة بإطلاقها مانعة عن صحة الصلاة حيث جعل غاية جوازها، العلم بالتنجيس من غير تقييده بنجاسة خاصة.

و بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة قال: قلت: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منى، فعلمت أثره الى ان أصيب له من الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت، ثم انى ذكرت بعد ذلك؟ قال: تعيد الصلاة و تغسله، قلت: فان لم أكن رأيت موضعه و علمت انه قد اصابه فطلبته فلم اقدر عليه فلما صليت وجدته؟ قال تغسله و تعيد الصلاة، قلت: فان ظننت انه قد اصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئا ثم صليت فرأيت فيه؟ قال: تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا، قلت: قد علمت انه قد اصابه و لم أدر أين هو فاغسله؟ قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى

انه قد أصابها حتى تكون على يقين من

______________________________

(1) الوسائل، باب 14، حديث 1، من أبواب النجاسات ج 2، ص 1095.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 296

طهارتك، الخبر «1».

و صدر الرواية و ان لم يكن صريحا في العموم الّا ان قوله عليه السلام: (لأنك كنت على يقين من طهارتك) و قوله عليه السلام: (حتى تكون على يقين من طهارتك) ظاهر في ان المناط في صحة الصلاة هي الطهارة المطلقة.

و بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن احمد بن الحسن ابن على بن فضال، عن عمرو بن سعيد المدائني، عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سئل عن الشمس هل تطهّر الأرض؟ قال: إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك، فأصابه الشمس ثم يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة و ان أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر و كان رطبا فلا تجوز الصلاة عليه حتى ييبس، و ان كانت رجلك رطبة أو جبهتك أو غير ذلك من ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع القذر و ان كان عنى (غيره، خ ل) الشمس اصابه حتى يبس فإنه لا تجوز ذلك «2».

فإنها ظاهرة في ان الصلاة في الموضع القذر بما هو قذر من غير خصوصية قذر خاص تكون باطلة باعتبار سراية القذارة في بدنه و ثوبه.

و بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن الحسين

______________________________

(1) أورد قطعة منه في الوسائل باب 42 حديث 2 و قطعة منه باب 41 حديث 1 و قطعة منه في باب 8 حديث 2 من أبواب النجاسات ج 2.

(2) الوسائل باب 29 في ضمن

حديث 4 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1042.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 297

عن على بن أسباط، عن على بن عقبة، عن زرارة، عن أحدهما عليهما السلام، قال: كلما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده، فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء، مثل القلنسوة و التكة و الجورب «1».

و بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسن، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى و عن محمد بن يحيى الصيرفي، عن حماد بن عثمان، عمن رواه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يصلى في الخف الذي قد اصابه القذر؟ فقال عليه السلام: إذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس «2».

و بإسناده عن سعد، عن محمد بن الحسين، عن على بن أسباط، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمن حدثهم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا بأس بالصلاة في الشي ء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده، يصيب القذر، مثل القلنسوة و التكة و الجورب «3».

و عن المفيد رحمه اللّٰه، عن محمد بن احمد بن داود، عن أبيه عن على بن الحسين، و محمد بن يحيى، عن محمد بن احمد بن يحيى عن العباس بن معروف أو غيره، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد اللّٰه بن سنان، عمن أخبره، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه قال:

كلما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده، فلا بأس ان يصلى فيه و ان كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل

______________________________

(1) الوسائل باب 31 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1045.

(2) المصدر، الحديث 2.

(3) المصدر، الحديث 4، ص

1046.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 298

و الخفين و ما أشبه ذلك «1».

فان الظاهر ان الشي ء في قوله عليه السلام: (فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء) و كذا القذر في الأخيرتين مطلق يعم جميع القذرات.

و بإسناده، عن محمد بن الحسن الصفار،، عن احمد بن محمد و عبد اللّٰه بن محمد جميعا، عن على بن مهزيار، قال: كتب اليه سليمان ابن رشيد يخبره انه بال في ظلمة الليل، و انه أصابه نقطة من البول لم يشك أنه اصابه و لم يره و انه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله و تمسح بدهن فمسح به كفّيه و وجهه و رأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلّى؟

فأجابه بجواب فقرأته بخطه: اما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي ء إلّا ما تحقق، فان حققت ذلك كنت حقيقا ان تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، و ما فات وقتها فلا اعادة عليك لها من قبل، ان الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت و ان كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه اعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لان الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك إن شاء اللّٰه «2».

و بإسناده عن محمد بن على بن محبوب، عن احمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلى فيه، ثم يذكر انه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة؟ قال لا يعيد قد مضت «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 31 حديث 5 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1046.

(2) الوسائل باب 42 حديث 1

من أبواب النجاسات ج 2 ص 1063.

(3) المصدر، الحديث 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 299

فإن الرواية باعتبار اشتمالها على عدم وجوب الإعادة على من علم النجاسة ثم نسي و صلى، و ان لم تكن معمولة عليها في الجملة أو مطلقا «1» الا انها تدل على اشتراط الصلاة بطهارة الثوب كان امرا ارتكازيا مسلما عند الأصحاب و لذا وقع السؤال غالبا عن الأمور الطارية على هذا الشرط من الغفلة و النسيان و عدم العلم.

و في المستدرك عن الجعفريات «2»: أخبرنا محمد بن محمد حدثني موسى، حدثني أبي، عن أبيه عن جده، عن جعفر بن محمد عن أبيه، ان عليا عليه السلام كان يقول: من صلى حتى يفرغ من صلاته

______________________________

(1) يعنى سواء كان في الوقت أو خارجه.

(2) اعلم ان الجعفريات و الأشعثيات كتاب رواه محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى، عن أبيه إسماعيل، عن أبيه موسى ابن جعفر عليهما السلام، عن جعفر بن محمد عليهما السلام، فباعتبار كون رواية اشعثيا يسمى الأشعثيات، و باعتبار كون رواياته مستنده الى جعفر بن محمد (ع) يسمى الجعفريات، و محمد بن محمد بن الأشعث هذا كان من الشيعة، و قد نقل عمّه جعفر بن محمد بن الأشعث ما يدل على سبب تشيّعه و تشيّع أخيه و أبيه، ففي مولد أبي عبد اللّٰه عليه السلام من أصول الكافي، عن أبي على الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى، عن جعفر بن محمد بن الأشعث، قال: قال لي:

أ تدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر و معرفتنا به و ما كان عندنا منه ذكر و لا معرفة شي ء مما عند الناس؟

قال: قلت له: ما ذاك؟ قال: ان أبا جعفر يعني أبا الدوانيق، قال لأبي محمد بن الأشعث: يا محمد ابغ لي رجلا له عقل يؤدي عنّي، فقال لي أبي: قد أصبته لك، هذا فلان بن مهاجر خالي، قال: فأتنى به، قال: فأتيته بخالي، فقال له أبو جعفر: يا ابن مهاجر خذ هذا المال و ائت المدينة، و آت عبد اللّٰه ابن الحسن بن الحسن و عدة من أهل بيته فيهم جعفر بن محمد فقل لهم: انى رجل غريب من أهل خراسان و بها شيعة من شيعتكم وجّهوا إليكم بهذا المال، و ادفع الى كل واحد منهم على شرط كذا و كذا فإذا قبضوا المال فقل: انى رسول أحب ان تكون معى خطوطكم بقبضكم ما قبضتم.

فأخذ المال و اتى المدينة فرجع الى أبي الدوانيق و محمد بن الأشعث عنده، فقال له أبو الدوانيق: ما وراك؟ فقال: أتيت القوم و هذه خطوطهم بقبضهم المال خلا جعفر بن محمد، فإنّي أتيته و هو يصلى في مسجد الرسول صلى اللّٰه عليه و آله فجلست خلفه و قلت: ينصرف فاذكر له ما ذكرت لأصحابه، فعجّل و انصرف ثم التفت الىّ فقال: يا هذا اتّق اللّٰه و لا تغرّ أهل بيت محمّد (ص) فإنهم قريبوا العهد من دولة بني مروان و كلهم محتاج، فقلت: و ما ذاك أصلحك اللّٰه؟ قال: فأدنى رأسه منّى و أخبرني بجميع ما جرى بيني و بينك حتى كأنه كان ثالثا.

فقال له أبو جعفر: يا ابن مهاجر: اعلم انه ليس من أهل بيت النبوة الا و فيه محدث و ان جعفر بن محمد محدثنا اليوم.

فكانت هذه الدلالة سبب قولنا بهذه المقالة. و يروى هذا الكتاب جماعة منهم

هارون بن موسى التلعكبري، و قد نقل ان أباه قد أخذ الإجازة عن محمد بن محمد بن الأشعث لرواية هذا الكتاب، و منهم الخطيب البغدادي، و كيف كان تصلح روايات هذا الكتاب مؤيدا، و اما كونها حجة مستقلا، فمشكل، منه دام ظلّه العالي.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 301

و هو في ثوب نجس فلم يذكره الّا بعد فراغه ليعيد صلاته «1».

و هو أظهر من إطلاق من سائر الروايات.

و يدل على المطلوب روايات كثيرة واردة في موارد مخصوصة من النجاسات كالبول و الدم و المنى و الغائط، لا حاجة الى نقلها، فلا إشكال في أصل المسألة.

هنا فروع
(الأول): هل تشمل الاخبار الثوب الذي يجرّ على الأرض؟

وجهان لا يبعد ان يقال بالرجوع الى المتعارف، فان كان المقدار الزائد بحيث لا يصدق عليه انه ثوبه و ملابسه و صلى فيه و لا يصدق باعتباره انه يصلى فيه كما استظهرنا من رواية زرارة، فلا إشكال في عدم الفساد.

و ان كان يصدق عليه انه صلى فيه أو انه ملابس و انه طاهر فالأظهر وجوب الاجتناب.

(الثاني): فيما يلقى المريض، فوقه أو تحته، يشترط طهارته أم لا؟

الظاهر انه ان كان بحيث لا يكون له ساتر سواه حكمه حكم اللباس و الا ففي شمول الحكم له تأمل، و يرجع في الموارد المشكوكة إلى أصالة عدم الاشتراط.

(الثالث): قد استثنى الفقهاء من اعتبار الطهارة في اللباس ما لا تتم فيه الصلاة منفردا،

فحكموا بعدم اشتراط الطهارة فيه، و قد

______________________________

(1) المستدرك ج 1 طبع أول باب 32 حديث 1 من أبواب النجاسات و في هامشه- عند قوله: (ليعيد): لعله مصحّف ليعد بصيغة الأمر.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 302

ورد به روايات «1» أيضا.

فالنص و الفتوى متطابقان و لكن في الفقه المنسوب الى مولانا الرضا عليه السلام عدّ العمامة منها، و كذا أفتى ابن بابويه في المقنع و الهداية باستثنائه.

و شموله لمثله متوقف على بيان ما أريد من الروايات الواردة في هذا الاستثناء.

فنقول: يحتمل فيه وجوه:

(الأول): كون المراد ما كان بهيئته و مادته غير قابل لان يكون ساترا باعتبار كونه قصيرا بحيث لو اخرج من هذه الهيئة و جعل على هيئات أخر لا يكون ساترا أيضا.

(الثاني): كون معناه انه بهيئته الفعلية لا يكون قابلا للستر باعتبار أنه أعد لمواضع لا يكون بحسب المتعارف ساترا للعورة و لو على سبيل البدلية كالقميص الطويل و الجبة و القباء كذلك و نحوها مع فرض لبسها جميعا بحيث يكون ساترا شأنا.

(الثالث): عدم تمامية الصلاة مع حفظ هيئتها الفعلية و الشأنية بحيث لو غيّرها عن مكانها، بان جعل الجورب مثلا ساترا، لم يكن كافيا في الستر اللازم.

(فعلى الأوّلين): يخرج العمامة، بخلاف الثالث.

و لا بأس بنقل الاخبار لينظر الناظر، فنقول:

قد روى الشيخ بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن الحسن بن أبي الخطاب، عن على بن أسباط، عن على بن عقبة

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد،

دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 302

______________________________

(1) تأتى عن قريب إن شاء اللّٰه تعالى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 303

عن زرارة، عن أحدهما، قال: كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب «1».

و بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسين، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى و عن محمد بن يحيى الصيرفي عن حماد بن عثمان، عمن رواه، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يصلى في الخف الذي قد اصابه القذر فقال: إذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس «2».

و عن سعد، عن الحسن بن على، عن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن على بن أسباط، عن ابن أبي ليلى عمن حدثهم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: لا بأس بالصلاة في الشي ء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر مثل القلنسوة و التكة و الجورب «3» و عن المفيد، عن محمد بن احمد بن داود، عن أبيه، عن على ابن الحسين (الحسن، خ ل يب) «4» و محمد بن يحيى، عن محمد ابن احمد بن يحيى، عن العباس بن معروف أو غيره، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد اللّٰه بن سنان، عمن أخبره، عن أبي عبد اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 31 حديث 1 من أبواب النجاسات. ج 2 ص 1045.

(2) الوسائل باب 32 حديث 2 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1045.

(3) المصدر، الحديث 3، ص 1046.

(4) يحتمل

قويا ان يكون السند هكذا: عن على بن الحسين و احمد ابن محمد بن يحيى عن محمد بن يحيى، لان المراد من (على بن الحسين) هو الصدوق الأول، و هو يروى غالبا مع احمد بن محمد بن يحيى، لا مع محمد بن يحيى، فراجع كتب الرجال (منه، دام ظله).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 304

عليه السلام انه قال: كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس ان يصلى فيه و ان كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكة و الكمرة «1» و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك «2».

و لا يخفى بعد الاحتمال الأول من الاحتمالات المتقدمة فيبقى الاحتمالان الآخران.

(الرابع): هل يستثنى المحمول منه أيضا- بناء على المنع من المحمول في غير هذا المقام- أم يختص الاستثناء بغيره مما كان لباسا مما لا تتم؟ وجهان، بل قولان.

فان قلنا: ان أدلة اعتبار الطهارة لا تشمل المحمول أصلا فلا كلام و ان قلنا بشمولها له فخروج ما لا تتم منه منفردا يحتاج الى دليل، فاللازم صرف الكلام الى بيان شمول الأدلة لها، ثم بيان ان ما لا يتم هل هو خارج أم لا؟

فنقول يمكن ان يستدل للشمول بأمور:

(الأول): قوله عليه السلام في رواية زرارة: (كنت على يقين من طهارتك فشككت) «3» فإنه يدل على ان المعتبر في الصلاة طهارة المصلى و لما لم يكن المراد من الحدث و هي الطهارة الروحية فلا بد ان يكون المراد الخبثية و هي الطهارة الجسمية و الثوبية

______________________________

(1) هي الحفاظ (الى ان قال): و في كلام بعض اللغويين: الكمرة كيس يأخذها صاحب السلس (مجمع البحرين).

(2) الوسائل باب 31 حديث 5 من أبواب

النجاسات ج 2 ص 1046.

(3) الوسائل باب 41 قطعة من حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1062.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 305

فنسبة الطهارة إليه باعتبار أحدهما، و لا شبهة في ان صدق هذه النسبة في اللباس باعتبار كونه ملابسا له، و هذا لا يفرق فيه بين ان يكون ملبوسا فعليا أم محمولا.

(الثاني): إلغاء الخصوصية بمعنى ان العرف بعد بيان الشارع أن المعتبر عدم استصحاب النجاسة لا يفرقون بين اللباس و غيره.

(الثالث): مرسلة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة، فإنها حاكمة على أدلة اعتبار الطهارة بمعنى انها ظاهرة فيها و فيها استثناء كل ما كان على الإنسان أو معه، الى آخره.

و قد يقال: ان هنا وجها رابعا، و هو الاخبار الدالة على عدم جواز الصلاة في النجس و الظرفية المستفاد من لفظة (في) تصدق في الملبوس أيضا، مثل الأخبار الدالة على عدم جواز الصلاة في النجس معللا بأنه نجس، و هي و ان لم تكن معمولة عليها في موردها الا انها تدل على الطهارة في الصلاة، و هو انه صلى فيه، و لا بأس به.

و قد يتوهم بكون الروايات الدالة على جواز الصلاة في المنديل الذي تمندل به غيره إذا كان نجسا مؤيدة لإطلاق الصلاة فيه في «1».

و فيه عدم دلالتها على المدعى لظهور كون التمندل بمعنى جعله قياسا قابلا لان يكون ساترا و يشهد على ذلك ما رواه عبد اللّٰه بن سنان عمن أخبره.

______________________________

(1) هكذا في النسخة الأصلية التي كنت قد قررت ما أفاده مد ظله.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 306

فالوجوه الأربعة و ان لم تكن كلها تامة الّا ان بعضها كاف في الاستدلال، و لا سيما الأوّل، أعني فهم

العموم من أدلة اعتبار الطهارة و لعله لذا أفتى جماعة بوجوب الاجتناب عن المحمول النجس في الصلاة، بل يظهر من بعض الفقهاء ان عموم الأدلة كان مركوزا في أذهانهم و لم يحتملوا خلافه.

قال محمد بن إدريس في السرائر، بعد ذكر اشتراط الطهارة في لباس المصلى: و ما لا يتم الصلاة من جميع الملابس و ما ينطلق عليه اسم المكتوب منفردا كالتكة و الجورب بفتح الجيم و القلنسوة بفتح القاف و اللام و ضم الشين، و الخف و النعل و الخاتم و الدملج بضم الدال و اللام و الخلخال و المنطقة، و غير ذلك مثل السيف و السكين، يجوز الصلاة فيه و ان كان عليه نجاسة، و اما ما لا يكون ملبوسا و لا ينطلق عليه اسم الملبوس عليه لا يجوز الصلاة فيه إذا كان فيه نجاسة لأنه يكون حاملا للنجاسة، و الأوّل خرج بالإجماع من الفرقة على ذلك (انتهى).

فانظر كيف حكم أولا باشتراط الطهارة و خروج ما لا تتم ثانيا، و بقاء ذلك الاشتراط تحت أدلة الاعتبار ثالثا، مستدلا للثالث بان خروج ما لا تتم من الملبوس بالإجماع و لا إجماع بالنسبة إلى غيره.

فيعلم منه ان شمول الأدلة لمطلق حمل النجاسة كان مفروغا عنه عنده، غاية الأمر دليل المخصص و هو الإجماع قاصر عن إخراج مطلق المحمول.

و الغرض من نقل كلام ابن إدريس، دفع الاستبعاد عن شمول الأدلة لمطلق المحمول.

فقد ظهر ان الأحوط هو الاجتناب، لكن هذا بالنسبة إلى أصل

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 307

المسألة في الجملة.

و اما خروج ما لا تتم فيه الصلاة و عدمه، فنقول: ان تمسكنا في شمول الأدلة للمحمول بمرسلة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة، فخروجه واضح لأنها

تدل منطوقا صريحا على عدم البأس فيه.

و ان تمسكنا بالوجوه الأخر، فالظاهر انه كذلك على بعض الوجوه المتقدمة في المراد مما لا تتم، فان الشارع بعد ما حكم بعدم البأس في المحمول، نستفيد منه ان عنوان كون المصلى طاهرا غير معتبر بالنسبة الى ما لا تتم فلا يفرق حينئذ بين المحمول و غيره.

بل يمكن ان يقال: خروج المحمول بطريق أولى لقوة صدق الملابسة في مثل التكة و الجورب و القلنسوة، و كذا فهم العرف من إخراج ما لا تتم، خروج المحمول أيضا.

نعم لو قلنا: ان المراد مما لا تتم كونه بحيث لو غير عن موضعه المعين له بحسب المتعارف لم يكن ساترا أيضا، يشكل في المحمول الذي يتم فيه الصلاة كالقميص العربي أو القباء الملفوف الموضوع في جيبه.

و كيف كان فخروج المحمول الذي تتم فيه الصلاة محل تأمل.

مسألة لو شك في طهارة شي ء و نجاسته،
اشارة

فلو كان أحدهما مسبوقا بالطهارة أو النجاسة حكم بها، و لو لم يكن مسبوقا بأحدهما حكم بالطهارة بمقتضى أصالة الطهارة، فلو صلى مع الشك في الطهارة و كان وظيفته الحكم بها اما للاستصحاب أو لقاعدة الطهارة يكون صلاته

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 308

صحيحة مسقطة للقضاء و الإعادة.

و لو انكشف الخلاف بأن بأن نجاسة الثوب مثلا، فاما ان يكون الصلاة، أو في أثنائها، و على التقديرين، اما ان يكشف عن وجود نجاسة سابقة عليها أو حادثة في أثنائها أو بعدها.

نعم حدوث النجاسة بعدها لا يكون موضوعا للأثر بالنسبة إلى الصلاة التي صلاها.

و كيف كان، فمع قطع النظر عن الاخبار، مقتضى القاعدة هو الاجزاء إذا انكشف الخلاف بعدها، لما قررنا في الأصول و لا بأس بالإشارة إليه إجمالا.

فنقول: قد عنون غير واحد من المعاصرين موضوع بحث

مسألة الاجزاء بما لا يخلو عن إشكال، فإنه يظهر منهم ان هنا أوامر ثلاثة:

أحدهما: الأمر الواقعي الأولي.

ثانيهما: الأمر الواقعي الثانوي المعبر عنه بالظاهرى.

ثالثها: الأمر الاضطراري.

ثم ذكروا عدم الشبهة في كفاية كل واحد من الأوامر عن نفسه ثم قالوا: هل يجزى الأمر الظاهري و الاضطراري عن الواقعي أم لا؟ و جعلوا مقتضى القاعدة عدم الاجزاء في الأصول الظاهرية دون الأمارات مدعين الفرق بينهما بأن الأول ناظر الى تعين الوظيفة الفعلية دون الثاني، لأنه ناظر الى الواقع، فعندهم ان مقتضى القاعدة عدم الاجزاء في الأول الا ان يدل دليل على خلافه كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى ذكر الاخبار، هذا.

و لكن لا يخفى على المتأمل في أدلة الأصول و الأمارات انه ليس

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 309

هنا أوامر متعددة، بل الأمر الواحد تعلق بإتيان نفس طبيعة الصلاة و غيرها من الأمور المأمور بها، غاية الأمر يختلف الامتثال حسب اختلاف حال المكلفين، فمن كان منهم عالما بوجود الموانع أو عدم الشرائط لا يكون ممتثلا الا بإعدام الأول و إتيان الثاني.

و من كان جاهلا فكل مورد جعل الشارع أصلا من الأصول لإحرازها و عدمه أو جعل الأمارة حجة كذلك نكشف ان امتثاله كذلك و ان المأتي به بعد مراعاة الأصول و الأمارات فرد من افراد المأمور لا انه لم يأت بالمأمور به مع كونه معذورا كيف يلتزم بان قول على عليه السلام- على ما في بعض الروايات-: لا أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم اعلم «1» دال على انى لا أبالي أصلي أم لم أصل، إذا لم اعلم بل ظاهره في انه في صورة عدم العلم بالنجاسة آت بالمأمور به و لو كانت في الواقع

موجودة.

و بالجملة ظواهر أدلة اعتبار الأصول و الأمارات هو كون الآتي بالعمل مع اجزائها آتيا بالمأمور به في صورة عدم كشف الخلاف، فلو كان في صورة كشفه لم يأت بالمأمور به للزم ان يقيد موضوع الأصول و الأمارات و هو الشك بصورة عدم الكشف، بعني عدم جواز إجرائها إلا بعد إحراز الموضوع، و هو الشك الغير المنكشف خلافه.

فحينئذ لا يمكن لك إجراء الأصل أصلا، لعدم إمكان إحراز هذا الموضوع، و مجرد الفرق بين نفس الأصول و الأمارات لا يوجب فرقا بين أدلة اعتبارها بعد اتحاد لسانها من الأدلة اللفظية ان كانت و بناء العقلاء الذي هو العمدة.

______________________________

(1) الوسائل باب 37 حديث 5 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1054.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 310

فتحصل ان الحكم بمقتضى القاعدة في الفروع المذكورة هو الصحة.

هذا مضافا الى الاخبار الواردة في المقام، مثل ما رواه محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد عن على بن الحكم، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلى؟

قال: لا يؤذيه حتى ينصرف «1».

دلت على ان المصلى الغير العالم بنجاسة ثوبه لا حزازة في صلاته توجب بطلانه، و الا الأولى إرشاده بها لا تركه حتى ينصرف.

و عن على بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به؟ قال: عليه ان يبتدئ الصلاة، قال: و سألته عن رجل يصلى و في ثوبه جنابة حتى يفرغ من

صلاته ثم علم، قال: مضت صلاته و لا شي ء «2».

و عنه، عن أبيه، عن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن عبد اللّٰه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اصابه ثوبه جنابة أو دم؟

قال: ان كان قد علم انه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل ان يصلى ثم صلى فيه و لم يغسله فعليه ان يعيد ما صلى و ان كان لم يعلم به فليس عليه اعادة، و ان كان يرى أنه اصابه شي ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه ان ينضحه بالماء «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 1 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1059.

(2) المصدر، الحديث 2.

(3) المصدر، الحديث 3.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 311

و ما رواه الشيخ الطوسي رحمه اللّٰه، بإسناده، عن على بن مهزيار عن فضالة، عن ابان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يصلى و في ثوبه عذره من إنسان أو سنور أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال: ان كان لم يعلم فلا يعيد «1».

و في هذه الرواية إشارة إلى ان أجزاء غير المأكول لحمه أيضا لا يوجب استصحابها جهلا بطلان الصلاة.

و عنه، عن صفوان، عن العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل صلى في ثوب رجل أياما، ثم ان صاحب الثوب أخبره انه لا يصلى فيه، قال: لا يعيد شيئا من صلاته «2».

و فيهما إشارة الى أن اخبار ذي اليد أيضا حكمة حكم العلم بالنجاسة في عدم وجوب الإعادة.

و بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن أبي بصير قال: ان أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه، و هو

لا يعلم فلا اعادة عليه و ان هو علم قبل ان يصلى فنسي و صلى فيه، فعليه الإعادة «3».

و عنه، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: ذكر المنى فشدده فجعله أشد من البول، ثم قال:

ان رأيت قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه و صليت فيه ثم رأيته بعد ذلك فلا اعادة عليك، فكذلك البول «4»، و غيرها من الاخبار.

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 5 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1060.

(2) المصدر، الحديث 6.

(3) المصدر، الحديث 7.

(4) الوسائل باب 41 حديث 2 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1062.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 312

نعم هنا روايات،

ظاهرها التعارض بينها و بين ما تقدم.

(إحداها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم به صاحبه فيصلى فيه ثم يعلم بعد ذلك؟ قال: يعيد إذا لم يكن علم «1».

(ثانيها): ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى، عن الحسن بن على بن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن عبد اللّٰه بن جبلة، عن سيف بن عميرة، عن ميمون الصيقل «2»، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل، فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة؟ فقال: الحمد للّٰه الذي لم يدع شيئا الا و له حد، ان كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا اعادة، و ان كان حين قام لم

ينظر فعليه الإعادة «3».

(ثالثها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه، بإسناده، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين، عن وهب بن جعفر (حفص، خ ل) عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سألته عن رجل صلى

______________________________

(1) الوسائل باب 49 حديث 8 من أبواب الجنابة ج 2 ص؟؟؟؟

(2) لا يخفى ان ما وجدناه في نسخة الكافي، هو منصور بن عبد اللّٰه الصيقل لا ميمون، نعم ذكر الشيخ في رجاله: منصور بن الوليد الصيقل و لم نجد في الروايات الا ميمون البان، و توهم كون منصور هذا ضعيفا مدفوع بأنه قد أكثر الروايات عن المشايخ، و قد كثر رواية المشايخ عنه كصفوان بن يحيى و عبد اللّٰه بن سنان، و علقمة بن محمد و غيرهم، و هو من الأمور التي توجب الوثوق بالراوي و لا يخفى أيضا ان نسخة الوسائل:

محمد بن يحيى عن الحسين بن على بن عبد اللّٰه بن جبلة، و هو سهو من الناسخ بل الصحيح ما ذكرناه لعدم وجود هذا الاسم بين الرواة و كلمه (بن) مصحفة (عن)، منه دام ظله العالي.

(3) الوسائل باب 41 حديث 5 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1062.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 313

و في ثوبه بول أو جنابة؟ فقال: علم به أو لم يعلم فعليه الإعادة (إعادة الصلاة، ئل) إذا علم «1».

و لكن لا يخفى عدم مقاومة هذه الاخبار للأخبار المتقدمة المشهورة فتوى و رواية، و عدم القائل بها بقول مطلق.

نعم هنا قول بالتفصيل استنادا إلى رواية ميمون و محمد بن مسلم المتقدمتين، و سيأتي إن شاء اللّٰه عدم تماميته، مضافا الى اضطراب الاولى متنا باعتبار عدم مناسبة وجوب الإعادة لقوله:

(إذا لم يكن علم) فان تقييده بالعلم اولى فالمظنون بالظن القوى بل الوثوق إسقاط كلمه (لا) قبل قوله عليه السلام (و يعيد)، و ضعف الثالثة «2» بوهب بن حفص بكونه مرميا بالغلو، و قلة رواياته في كتب الاخبار و قلة من يروى عنه و يروى غيره عنه الا عن أبي بصير.

هذا مضافا الى إمكان الجمع بحملها على الاستحباب، و لا يشكل في الأخيرة «3» باستلزام استعمال اللفظ في أكثر من معنى، لإرادة الوجوب إذا علم و عدم الوجوب إذا لم يعلم، لأنا قد بينا هنا و سابقا و قررنا في الأصول ان أدلة الأوامر بما انها فعل صادر من المولى دالة على مطلوبية المتعلق ما لم يصرح على خلافه فاستعمل قوله (ع) (فعليه الإعادة) في ان الإعادة مطلوبة مطلقا و علم من دليل آخر عدم لزومها في فرض عدم العلم.

و على تقدير التعارض لا شبهة في تقديم الأخبار المستفيضة لشهرتها رواية و فتوى.

و قد يوجه رواية وهب بن عبد ربه «4» بان معنى قوله عليه السلام:

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 9 من أبواب الجنابة ج 2 ص 1061.

(2) يعنى خبر أبي بصير المتقدم.

(3) يعني رواية وهب.

(4) الوسائل باب 39 حديث 8 من أبواب الجنابة، كما تقدم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 314

(إذا لم يكن علم) انه لم يكن علم بالجنابة فيجب حينئذ إعادة الصلاة باعتبار كون صلاته واقعة مع الحدث، بخلاف ما إذا كان عالما بها فحينئذ لا محالة يغتسل، فصلاته من هذه الحيثية لا بأس بها.

و قد يوجّه خبر أبي بصير أيضا بحمل قوله عليه السلام: علم أو لم يعلم) «1» على الاستفهام، و قوله عليه السلام: (فعليه الإعادة إذا علم) «2» على

بيان الحكم، و لا بأس بهما في مقام الجمع.

و قد يشكل بعدم حجية الخبرين فلا يحتاج الى الجمع أصلا.

و كيف كان فلا إشكال في أصل المسألة و عدم وجوب الإعادة مطلقا لتقدم اخبار عدم وجوب الإعادة على ما دل على وجوبها على تقدير تسليم السند و الدلالة.

(ان قلت): ان بين رواية ميمون (منصور، ظ) الصيقل و الروايات المتقدمة عموما من وجه، فإن الأولى دالة على وجوب الاولى سواء كان في مورد علم بالنجاسة أم لا، و الروايات الأخر دالة على عدم وجوب الإعادة سواء كان في مورد علم بالنجاسة و غسلها أم لا، ففي مورد العلم بها مع فرض غسله ثوبه مع عدم التفحص بعد الغسل ثم بان بقائها يجتمعان، فمن حيث انه لم يتفحص تجب و من حيث انه لم يعلم لا تجب عليه الإعادة، فمقتضى القاعدة هو العمل بمقتضى قاعدة التعارض.

(قلت): و ان كان الأمر كما ذكرت الا ان في مورد الرواية خصوصية يمكن ان يقال باعتبارها بالإعادة، و هو ان المتعارف في ثوب يصيبه الجنابة انه لو تفحص المنى لوجده، و هذا المقدار من

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 9 من أبواب الجنابة كما تقدم.

(2) المصدر، الحديث 7، كما تقدم.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 315

التفحص يمكن ان يقال في مثل هذا المورد الذي علم بوقوع الجنابة بوجوبه، ففي غير هذا المورد يعمل بعمومات الرواية.

فرع لو علم بالنجاسة و غسلها و صلى ثم بان له انها باقية، فهل يجب عليه إعادة الصلاة أم لا؟
قد يقال: بعدم وجوبها،

فان كان الدليل رواية ميمون (منصور- ظ) المتقدمة باعتبار التفصيل الواقع بين الفحص و عدمه بالحكم بها في الثاني دون الأول، فبإطلاقه يشمل ما لو علم بالنجاسة و تفحص ثم بان له بقاء النجاسة.

ففيه مع ان القائل بعدم وجوب الإعادة لا يقول بهذا التفصيل- انه قد

مرّ انّ موردها يقتضي وجوبها في صورة عدم الفحص باعتبار أصابه الجنابة ثوبه ليلا بمعنى ان من لم يتفحص في النجاسة بعد العلم بتحققها ثم صلى فبان وجودها لم يجب عليه الإعادة، لا انه من غسل ثوبه و حصل له العلم بطهارته فبان انه كان جهلا مركبا فلا تكون الرواية دليلا على الحكم.

و قد يقال: بدلالة رواية ميسر بن عبد العزيز

«1» و هي ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير

______________________________

(1) لا يخفى ان الحكم بضعف ميسر بن عبد العزيز ضعيف، لأن الكشي نقل عن ابن فضال، عن ابن مسعود العياشي، انه نقل عن على.

ابن الحسن بن فضال ان ميسر بن عبد العزيز ثقة، و قد قال العياشي على نقل الكشي: انى لم أجد في خراسان و سمنان أفضل من حسن بن على بن فضال و قد روى الكشي في ترجمة عبد اللّٰه بن عجلان بمناسبة انهما يرويان معا عن المعصوم عليه السلام ما يدل على حسن تشيعه و ثبات قدمه، مثل ما رواه عن جعفر بن محمد، قال: حدثني على بن الحسن بن فضال، عن أخويه محمد و احمد، عن أبيه، عن ابن بكير عن ميسر بن عبد العزيز، قال: قالى لي أبو عبد اللّٰه عليه السلام: رأيت كأني على رأس جبل فيجي ء الناس فيركبونه فإذا كثروا عليه تطاول بهم في في السماء و جعل الناس يتساقطون من كل جانب فيجي ء الناس فيركبونه فإذا كثروا تصاعد بهم فيشترون عنه فيسقطون فلم يبق معي الا عصابة يسيرة أنت منهم و صاحبك الأحمر- يعني عبد اللّٰه بن عجلان- و قريب منها رواية أخرى، و مثل ما روى عن ابن مسعود، قال حدثنا عبد اللّٰه بن

محمد بن خالد، قال حدثنا الوشاء، عن بعض أصحابنا، عن ميسر، عن أحدهما عليهما السلام، قال: قال لي: يا ميسر، انى لا ظنك وصولا لقرابتك قلت: نعم جعلت فداك، لقد كنت في السوق و انا غلام و أجرتي درهمان و كنت اعطى واحدا عمتي، و واحدا خالتي، فقال: اما و اللّٰه لقد حضر أجلك مرتين كل ذلك يؤخر.

و في أخرى: دخلنا على أبي جعفر عليه السلام و نحن جماعة فذكروا صلة الرحم و القرابة، فقال أبو جعفر عليه السلام: يا ميسر اما انه قد حضر أجلك غير مرة كل ذلك يؤخر اللّٰه بصلتك قرابتك.

دلت على انه كان وصولا لرحمه أيضا، فالرجل موثوق به، هذا مضافا الى ضميمة رواية جمع من المشايخ عنه، فراجع، منه دام ظله.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 316

عن معاوية بن عمار، عن ميسر بن عبد العزيز، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: آمر الجارية فتغسل ثوبي من المنى، فلا تبالغ في غسله فأصلي فيه، فإذا هو يابس؟ قال: أعد صلاتك، اما انك لو كنت غسلت

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 317

أنت لم يكن عليك شي ء «1».

دلت بظاهرها على انه لو غسله و تيقن بطهارة ثوبه لم يجب الإعادة مطلقا سواء انكشف الخلاف أم لا.

و فيه- مضافا الى ان القائل بوجوب الإعادة لا يفرق بين أخبار ذي اليد أو غسله بنفسه- لا دلالة فيها ظاهرة على المدعى.

فان قوله عليه السلام: اما انك، الى آخره، يحتمل وجهين لا جامع بينهما:

(اما) انه عليه السلام في مقام الإرشاد و بيان ان الاولى ان المكلف يتحمل بنفسه الأمور الموضوعة للآثار الشرعية و لا يكله الى غيره فإنه لو أقدم بنفسه لكان مبالغا

في تطهيره حتى يطهّره واقعا فلا يكلف ثانيا بالإعادة باعتبار إزالته النجاسة واقعا.

(و اما) انه عليه السلام في مقام بيان الحكم بأنه فرق بين كشف الخلاف بعد غسل الجارية و بينه بعد غسل نفسه، بعدم وجوب الإعادة في الثاني و وجوبها في الأول.

(فعلى الاحتمال الأول): لا دلالة لها على حكم مفروض المسألة ابدا.

(و على الثاني): يمكن ان يقال بدلالتها حينئذ، الا انه ليس بأولى من الأول، بل قول الراوي: (و لم تبالغ) يؤيد الأول.

______________________________

(1) راجع الوسائل، باب 18 حديث 1، من أبواب النجاسات ج 2 ص 1024.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 318

هذا مضافا الى ان القاعدة تقتضي العكس، فان في الأول أخبار ذي اليد، و معه حكم ظاهري يقتضي الاجزاء، بخلاف قطعه بنفسه فإن القاعدة تقتضي لزوم الإعادة، لعدم إتيانه بالمأمور به الواقعي و لا بمقتضى الدليل الظاهري.

و بالجملة مقتضى الأدلة المفصلة بين صورة مسبوقية العلم بحصولها في الثواب و عدمها كما تقدم ذكرها وجوب الإعادة فإن المفروض كونه عالما بها قبل الصلاة و كان علمه جهلا مركبا، و مجرد الحالة النفسانية الغير المطابقة للواقع لا يوجب تغيّر حكم النجاسة الذي هو مانعيتها عن صحة الصلاة إذا علم سابقا.

و الحاصل انه يستفاد من الأدلة كون العلم بها موجبا لبطلان الصلاة سواء صلى عامدا أو ناسيا أو جاهلا بالجهل المركب.

نعم لو لم يعلم بها أصلا ثم علم بها بعدها لا يكون وجودها الواقعي مبطلا.

فالأقوى في الفرع المذكور هو البطلان، نعم لو أخبر ذو اليد بطهارته ثم انكشف، يمكن ان يقال: بعدم وجوب الإعادة بمقتضى قاعدة الإجزاء، لكنه محل تأمل، فالأحوط الإعادة في هذه الصورة أيضا لمكان هذه الرواية.

هنا قولان آخران
اشارة

في أصل المسألة مع قطع النظر

عن هذا الفرع:

(أحدهما): التفصيل بين الوقت و خارجه،

و يظهر من المحقق

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 319

رحمه اللّٰه وجود هذا القول بين القدماء حيث قال- بعد قوله: بعدم وجوب الإعادة-: و قيل: يعيد في الوقت، و الأول أظهر.

و لا دليل لهذا القول الا توهم دلالة روايتين:

إحداهما: رواية وهب بن عبد اللّٰه المتقدمة «1».

ثانيهما: روايتي أبي بصير و محمد بن مسلم المتقدمتين «2» بعد حملهما على كون العلم في الوقت من باب القدر المتيقن بمعنى ان روايات عدم وجوب الإعادة و ان كانت مطلقة الا انها لو كانت هاتان الروايتان مقيدتين لها، فالقدر المتيقن من التقييد ما إذا لم يكشف في الوقت، بل إذا انكشف بعد خروجه و هما أيضا و ان كانتا مطلقتين الا انه لو كان لهما مقيد لكان مقيدا بهما بما إذا انكشف في الوقت فيؤخذ بالقدر المتيقن من كل منهما، و هو كون الانكشاف في خارج الوقت، في روايات عدم وجوب الإعادة، و في الوقت، في روايات وجوبها.

نظير ما وجه به الشيخ الأنصاري رحمه اللّٰه كلام الشيخ الطوسي رحمه اللّٰه في مسألة حرمة بيع العذرة حيث ان مفاد بعض الروايات عدم البأس ببيعها و بعضها الآخر الحكم بكون ثمنها سحتا، بحمل الاولى على عذرة غير المأكول و الثانية على المأكول.

(و فيه): انه لا شاهد لهذا الجمع في الروايات.

(ثانيهما): التفصيل بين التفحص و عدمه

بوجوب الإعادة في الثاني دون الأول، و هذا القول لم يكن بين القدماء، بل نشأ بين المتأخرين، استنادا إلى رواية منصور المتقدمة حيث فصل فيها بقوله

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 8 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1060.

(2) المصدر، الحديث 1- 2، ص 1059.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 320

عليه السلام: (ان كان حين قام نظر فلم

ير شيئا فلا اعادة عليه، و ان كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة) «1» و قد تقدم ان لموردها خصوصية يمكن ان يقال معها بالإعادة.

و الى رواية محمد بن مسلم المتقدمة، و فيها: (و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه و صليت فيه ثم رأيته بعد ذلك فلا اعادة عليك، الى آخره) «2».

و فيه ان الظاهر بيان شقوق المسألة بأنه اما ان يعلم قبل الصلاة أو فيها أو بعدها، ففي الأولين تجب الإعادة دون الأخيرة و ليس لخصوصية النظر دخالة في هذا الحكم و الا يلزم عدم بيان بعض الشقوق، و هو صورة عدم النظر ثم الرؤية، و هو خلاف الظاهر، فلا دلالة فيها أيضا على التفصيل، فالأقوى هو الأول.

هذا كله لو انكشف بعد الصلاة و اما لو انكشف في أثنائها أو علم بها كذلك فهل يجب عليه الاستيناف أم لا؟ فبيانه يحتاج الى ذكر شقوق المسألة، فنقول:

اما ان يعلم ان النجاسة قد عرضت الآن و لم تكن قبل، أو يشك فيها، أو يعلم بأنها كانت من أول الصلاة.

اما الصورة الأولى فنقول: قد وردت روايات في باب دم الرعاف العارض في أثناء الصلاة و قد حكموا عليهم السلام بوجوب الاستيناف ان لم يمكن إلقائه أو تطهيره أو تبديله، و عدمه ان أمكن أحدها، و لا شبهة في عدم خصوصية للدم الخارج من الأنف، بل يشمل كل دم، كما

______________________________

(1) الوسائل باب 41 قطعة من حديث 3 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1062.

(2) المصدر، قطعة من حديث 2.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 321

انه لا خصوصية للدم الخارج منه، بل الدم الواقع من الخارج أيضا كذلك لا يبعد إلغاء الخصوصية بالنسبة إلى

الدم أيضا، بل يفهم منه ان النجس بما هو حكمه كذا.

فيقال حينئذ: إذا وقع النجس على ثوبه في أثناء الصلاة و أمكن بأحد الأمور المذكورة «1» رفعها وجب و الّا استأنف.

و مجمل الكلام في هذه المسألة انه ان حصل له العلم بالنجاسة في أثناء الصلاة:

فاما: ان يعلم بحدوثه حين الصلاة.

و اما ان يكون محتمل الوجهين و لا يعلم أحدهما بعينه.

فعلى الأول يحكم بوجوب طرحه أو غسله أو تبديل الثوب ان لم يستلزم فعل المنافي استنادا الى اخبار الرعاف المستفيضة «2» و الا يقطع الصلاة و يغسله ثم يعيد.

و لا يقدح تخلل الأكوان في حال عدم طهارة الثوب اما لأجل أن الصلاة عبارة عن نفس الافعال و الأقوال، و الأكوان الخالية عنهما المتخللة بينهما ليست أجزاء لها، أو لأجل انه و ان قيل: انها عبارة عن الحالة الخضوعية بين يدي الرب جل اسمه ثبوتا، الا انه يكفى في مقام الإثبات لعدم القدح روايات الرعاف، لكن الأظهر هو الأول.

(و على الثاني): يحكم بمقتضى استصحاب الطهارة بصحتهما مضافا الى قاعدة الإجزاء أيضا، ذلك حتى على تقدير كشف الخلاف

______________________________

(1) يعني الإلقاء أو التطهير أو التبديل.

(2) راجع الوسائل باب 2 حديث 4 ص 1244.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 322

بعد الصلاة، و الى الاخبار المتقدمة الدالة على صحتها إذا علم بعد الصلاة بوجود النجاسة قبل الصلاة، بل بطريق أولى، فإنه إذا علم بوجودها في جميع أجزاء الصلاة، و مع ذلك لا يكون قادحا في صحتها ففي صورة الشك بالنسبة إلى بعض الاجزاء بطريق اولى.

(و على الثالث): فمقتضى القاعدة أيضا هو الحكم بالصحة، عملا بمقتضى قاعدة الاجزاء و الاخبار المتقدمة.

لكن صحيحة زرارة التي قد تمسك بها لحجية الاستصحاب قد

تضمنت هذه الصور الثلاث مع ظهورها أو صراحتها في بطلانها في الصورة الثالثة.

و هي ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه- في التهذيب- بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، قال: قلت:

أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من المني (منى، خ ل) فعلمت أثره الى ان أصيب له من الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت ثم انى ذكرت بعد ذلك، قال: تعيد الصلاة و تغسله قلت: فانى لم أكن رأيت موضعه و علمت انه قد اصابه فطلبته فلم اقدر عليه فلما صليت وجدته؟ قال: تغسله و لا تعيد الصلاة.

قلت فلم ذلك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين ابدا.

قلت: فانى قد علمت انه قد اصابه و لم أدر أين هو؟ فاغسله؟ قال:

تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد اصابه حتى تكون على يقين من طهارتك.

قلت: ان رأيته و انا في الصلاة؟ قال: تنقض الصلاة و تعيد إذا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 323

شككت في موضع منه ثم رأيته، و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت الصلاة لعله شي ء أوقع عليك، فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك «1».

و حاصلها انه سأله عليه السلام عن ست مسائل:

(الأولى): العلم التفصيلي بوقوع النجاسة قبل الصلاة، و موضعها ثم الصلاة نسيانا فحكم عليه السلام ببطلانها.

(الثانية): العلم الإجمالي بعدها فحكم عليه السلام بصحتها معللا بعدم انبغاء نقض اليقين بالشك.

(الثالثة): العلم الإجمالي بموضعه بعد العلم بوقوعه فحكم عليه السلام بوجوب غسل ما يحصل معه اليقين بالطهارة.

(الرابعة): السؤال عن وجوب الفحص في صورة الشك في وقوعها

على ثوبه فأجاب عليه السلام بالعدم.

(الخامسة): العلم بها في الأثناء فأجاب عليه السلام بحكمين على تقديرين:

أحدهما: وجوب الإعادة في صورة الشك ابتداء قبل الصلاة ثم رؤيتها بمعنى حصول العلم بأنه هو الذي كان شاكا في تحققه قبلها.

ثانيهما: عدم وجوب الإعادة لاحتمال ان يكون قد وقع عليه الآن فيستفاد بالفحوى انه إذا علم بوقوعها حين الرؤية لا اشكال فيها، بل المقطوع ذلك لانه عليه السلام حكم بصحتها باحتمال ان يكون قد وقع عليه فعل، و معلوم انه لو علم ذلك فلا اشكال فيه أصلا.

______________________________

(1) الوسائل أورد قطعة منه في باب 42 حديث 3 و قطعة منه في باب 44 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1063- 1065.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 324

فالتقدير الأول من السؤال الخامس هو ما نحن فيه، فظاهر جوابه عليه السلام لزوم الإعادة فيعارض قاعدة الاجزاء و فحوى الأولوية المتقدمة الدالة على صحتها إذا علم بعدها بوقوع جميع اجزائها مع النجاسة.

فمقتضى قاعدة لزوم الأخذ بظواهر الأدلة لا بدّ أن يفتي ببطلانها في هذه الصورة.

(ان قلت): ان مقتضى عموم التعليل في الجواب عن السؤال الثاني عدم لزوم الإعادة، فإنه بعينه جار في ذلك، و قاعدة الاجزاء لا يفرّق فيها بين جميع أجزاء الصلاة أو بعضها.

(قلت): ليست قاعدة الاجزاء من الأحكام العقليّة الغير القابلة للتخصيص، غاية الأمر أنا استظهرنا من ظواهر أدلة حجية الأصول و الأمارات، دلالتها على الاجزاء، و هي قابلة للتخصيص بدليل نظير الخروج عن تحت تلك في الطهارة الحدثية إذا انكشف بعد العمل عدمها بعد عمل المصلى بالأصول الظاهرية في مقام إحرازها.

و قد يؤيد برواية محمد بن مسلم المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: ذكر المنى

فشدده فجعله أشد من البول ثم قال: ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل الصلاة فعليك الإعادة، الخبر «1».

(و فيه): انه بناء على ان المراد انه بعد رؤيته النجاسة صلى نسيانا ثم تذكر بعد الصلاة لا دلالة فيها على المدعى، بل ظاهرها- بقرينة ذكر رؤيتها قبل الصلاة- هو وجوب الإعادة إذا صلى نسيانا أعم من ان اتى بجميع اجزائها مع النجاسة أو ببعض أجزائها.

______________________________

(1) الوسائل باب 41 حديث 2 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1062.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 325

نعم يمكن ان يستدل بما رواه محمد بن يعقوب الكليني رحمه اللّٰه عن على بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به؟ قال: عليه ان يبتدئ الصلاة.

قال: و سألته عن رجل يصلى و في ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم؟ قال: مضت صلاته و لا شي ء عليه «1».

حيث دلّ صدرها على عدم وجوب الإعادة، هذا.

و لكن قد يعارض تلك الأدلة بما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن على ابن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال:

قلت له: الدم يكون في الثوب علىّ و انا في الصلاة؟ قال: ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك، و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم و ما كان أقل من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من

مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه «2».

و في التهذيب أيضا عن شيخه المفيد رحمه اللّٰه، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب روى مثله الا انه زاد قبل قوله:

(ما لم يزد) كلمة (واو) و أسقط قوله: (و ما كان أقل) فتصير العبارة هكذا:

(و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي ء، الخبر).

فعلى نسخة الكافي اما ان يكون قوله عليه السلام: (ما لم يزد، الى آخره) قيدا لخصوص الجملة الأخيرة أعني قوله عليه السلام: (و ان لم يكن

______________________________

(1) الوسائل باب 40 حديث 2 من أبواب النجاسات ح 2 ص 1059.

(2) الوسائل باب 20 حديث 6 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1027.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 326

عليك ثوب غيره، الى آخره) و اما ان يكون قيدا للجميع.

(فعلى الأول): يصير المعنى وجوب طرح الثوب مطلقا، سواء زاد الدم على مقدار الدرهم أم لم يزد في صورة وجود ثوب آخر و وجوب المضي و عدم وجوب الإعادة في صورة عدمه إذا لم يزد على مقدار الدرهم.

و هو بعيد في نفسه مع عدم فتوى الأصحاب باستحباب الإعادة أيضا في هذه الصورة.

و اما ان يحمل على الوجوب و يقيد بدليل آخر بل بذيل هذا الخبر و هو قوله عليه السلام: (و ما لم يزد فليس بشي ء رأيته قبل أو لم تره).

(و على الثاني): يصير المعنى وجوب الطرح و المضي في صورة عدم الزيادة و عدم التعرض لصورة ما إذا لم يزد و لم يكن عليه ثوب.

و على كلا التقديرين لا معارضة بينهما و بين صحيحة زرارة المتقدمة لأن سوق الرواية يعطي انه عليه السلام في

مقام التفصيل بين صورة عدم كون الدم بمقدار الدرهم، أو كونه بمقداره.

و اما شمولها لما إذا علم في الأثناء ان الدم كان قبل الصلاة فيمكن منعه، و لا أقل من الإطلاق فيقيد بصحيحة زرارة.

و بالجملة فبناء على نقل الكافي تكون الرواية خالية عن السلامة فإن قوله عليه السلام: (ما لم يزد، الى آخره) ان قيدا للجملة الأخيرة يلزم ان يحمل الصدر بإطلاقه على الاستحباب لعدم وجوب الطرح في صورة كون الدم أقل من الدرهم، و ان كان قيدا لهما يلزم سكوته بالنسبة الى ما كان زائدا على مقدار الدرهم و المفروض ان كان قيدا للجملة الأخيرة ظاهرة فيما إذا كان قد رأى النجاسة ثم صلى غفلة عن وجودها، فلا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 327

يشمل ما إذا رأى في الأثناء، فيكون المعنى حينئذ: ان لم يكن زائدا على مقدار الدرهم يلزم الطرح إذا كان له ثوب آخر، و عدمه إذا لم يكن.

و اما على نقل الشيخ رحمه اللّٰه عن الكافي فهو سليم عن هذه الخدشة مع قطع النظر عن الإشكال الآتي، لصيرورة المعنى حينئذ- بعد تقييد الجملتين الأوليتين بقوله عليه السلام: (و ما لم يزد على مقدار الدرهم، الى آخره)-: انه ان كان الدم أقل من الدرهم فلا بأس به، سواء كان له ثوب آخر أم لا، و سواء رآه قبل أم لا.

و ان كان بقدره، فان كان متمكنا من غسله، أو تبديله، أو طرحه (و بعبارة أخرى): يكون متمكنا من إتيان بقية الاجزاء مع الطهارة من دون فعل المنافي، يجب ذلك و ان لم يمكن ذلك فلا بأس.

نعم يكون إطلاق هذا الحكم الأخير منافيا و مخالفا للمشهور فلا بد اما من حمله

على ضيق الوقت و اما على إسقاط شرطية الطهارة حينئذ، و على كل تقدير فمعارضتها لرواية زرارة بالإطلاق و التقييد «1».

______________________________

(1) (ان قلت): يمكن ان يقيد رواية زرارة بما في هذه الرواية التبديل، أو الطرح أو الغسل المفهومة من قوله عليه السلام: ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ، الى آخره، فتحمل تلك الرواية الدالة على البطلان على صورة إمكان أحد المذكورات.

(قلت): المفروض في رواية زرارة أيضا تمكنه من الإزالة، و مع ذلك قد حكم عليه السلام بالنقض و اعادة الصلاة، فإن قوله عليه السلام (قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت الصلاة) ظاهر في تمكنه من ذلك من دون لزوم فعل المنافي، و لذا لم يحكم بوجوب الإعادة فتكون ظاهرة في ان الغسل ثم البناء لا يصحح الصلاة، فلا محيص عن التقييد المذكور من بيان سيدنا الأستاذ مد ظله العالي، على پناه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 328

و اما توهم أن الكافي أضبط عند الدوران بينه و بين غيره من الكتب الأربعة و غيرها (فمدفوع): بأنه و ان كان أصل هذا الكلام صحيحا في الجملة الّا ان تطبيقه على المقام في غير محله، لأن الرواية التي رواها الشيخ تنتهي إلى الكافي، لا انه أخذها من كتاب آخر ليحكم بان الكافي أضبط، و لا وجه للحكم باضبطية هذه النسخ التي بأيدينا من النسخة التي كانت موجودة عند الشيخ رحمه اللّٰه كما لا يخفى.

فرع لو علم بالنجاسة ثم نسي فصلى ثم تذكر بعد الصلاة،
اشارة

فهل تجب عليه الإعادة مطلقا أم لا مطلقا أم التفصيل بين الوقت و خارجه بالإعادة في الأول دون الثاني أم التفصيل بين أنواع النجاسات بان يقال بوجوب الإعادة في نسيان غير الاستنجاء و عدمه فيه؟ وجوه و أقوال، منشأها اختلاف

الأخبار.

ففي عدة من الاخبار المستفيضة دلالة على الأول.

و في خمسة أخبار ما يدل على وجوبها مطلقا، اثنان منها في نسيان استنجاء البول، و اثنان منها في نسيان استنجاء الغائط و واحد منها عام.

(و منها) صحيحة زرارة «1» المتقدمة بتمامها، و فيها الأمر بإعادة الصلاة في صورة نسيان الغسل حيث قال عليه السلام: تعيد

______________________________

(1) الوسائل باب 42 حديث 2 مع باب 41 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1065 و 1063.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 329

الصلاة و تغسله.

(و منها): ما يدل على التفصيل بين الوقت و خارجه، فلنذكر الأخبار الواردة عن الأئمة عليهم السلام فنقول:

منها ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن على، عن سهل بن زياد، عن احمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم بن عمرو، عن الحسن (الحسين، خ ل) بن زياد، قال: سئل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكته من البول، فيصلى ثم يذكر بعد انه لم يغسله، قال: يغسله و يعيد صلاته «1».

(و منها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يرى في ثوبه الدم فنسي أن يغسله حتى يصلى؟ قال:

يعيد صلاته كي يهتم بالشي ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه.

قلت: فكيف يصنع من لم يعلم أ يعيد حين يرفعه؟ قال: لا و لكن يستأنف «2».

و بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: ان أصاب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة، و ان هو علم قبل ان يصلى فنسي و صلى

فيه، فعليه الإعادة «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 42 حديث 6 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1064.

(2) الوسائل باب 42 حديث 5، منها، ص 1064.

(3) الوسائل باب 40 حديث 7، منها، ص 1064.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 330

و بإسناده، عن الصفار، عن احمد بن محمد، عن على بن الحكم عن زياد بن أبي الجلال، عن عبد اللّٰه بن أبي يعفور (في حديث) قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلى ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلاته؟

قال: يغسله و لا يعيد صلاته الا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا «1».

و غيرها من الاخبار الدالة على وجوب الإعادة مطلقا يجدها المتتبع.

و اما ما دل على عدم وجوب الإعادة إذا نسي الاستنجاء مطلقا فمثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد بن عبد الهّٰ ، عن الحسن بن على بن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن العباس بن عامر القصباني عن المثنى الحناط، عن عمرو بن أبي نصر، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: انى صليت فذكرت انى لم اغسل ذكري بعد ما صليت أ فاعيد؟

قال: لا «2».

و بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن موسى بن الحسن و الحسن ابن على، عن احمد بن على، عن احمد بن هلال، عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يتوضأ و ينسى ان يغسل ذكره و قد بال؟ فقال: يغسل ذكره و لا يعيد صلاته «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 20 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1026.

(2) الوسائل باب 18 حديث 4 من

أبواب نواقض الوضوء ج 1 ص 208.

(3) الوسائل باب 10 حديث 2، من أبواب أحكام الخلوة ج 1 ص 224.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 331

و بإسناده عن محمد بن على بن محبوب، عن احمد بن محمد، عن موسى بن القاسم، عن على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل ذكر و هو في الصلاة انه لم يستنج من الخلاء؟ قال: ينصرف و يستنجى من الخلاء و يعيد الصلاة و ان ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك و لا اعادة عليه «1».

و بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن حماد بن عثمان، عن عمار بن موسى قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: لو ان رجلا نسي ان يستنجى من الغائط حتى يصلى لم يعد الصلاة «2».

و الأوليان في نسيان الاستنجاء من البول، و الأخريان في نسيان الاستنجاء من الغائط على تأمل في الثالثة.

و اما ما دل على عدم الإعادة مطلقا، فمثل ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن على بن محبوب، عن احمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء النجس فنسي أن يغسله فيصلى فيه ثم يذكر انه لم يكن غسله أ يعيد صلاته؟ قال: لا يعيد قد مضت الصلاة و كتبت له «3».

و اما ما دل على التفصيل بين الوقت و خارجه فهو ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن الحسن الصفار، عن احمد بن محمد

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 4

من أبواب أحكام الخلوة ج 2 ص 224.

(2) المصدر، الحديث 3.

(3) الوسائل باب 42 حديث 2 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1063.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 332

و عبد اللّٰه بن محمد جميعا عن على بن مهزيار، قال: كتب اليه سليمان ابن رشيد الى آخر الخبر «1» و قد مر ذكره سابقا في مسألة مانعية أصل النجاسة.

إذا عرفت هذا فنقول: اما رواية ابن مهزيار ففيها:

(أولا): عدم معلومية كونها عن الامام عليه السلام، و على بن مهزيار و ان كان أجل شأنا من ان يسأل غيره عليه السلام الا انه لم يسأل و لم يكتب هو بنفسه و لم يعلم حال سليمان بن رشيد.

اللّٰهم الّا ان يقال: ان اهتمام المحدثين بضبط هذه الرواية في كتبهم مع ما عرفت من حالهم من عدم نقلهم و عدم ضبطهم الا الاخبار المنقولة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام يوجب الظن القوى بكونه عنه عليه السلام.

(و ثانيا): اختلالها من حيث المتن من وجوه، لان التفصيل بين الوقت و خارجه معللا بقوله عليه السلام: (ان الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت، الى آخره) مع فرض كون السؤال لم يكن عن الثوب، بل عن البدن حيث قال في صدر السؤال: أنه بال في ظلمة الليل و انه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه اصابه و انه مسحه بخرقة و تمسح هذين فمسح به كفه و وجهه و رأسه، الى آخره، غير مرتبط «2» لأن السؤال لم يكن عن نجاسة الثوب أصلا.

هذا مضافا الى عدم ذكر الجواب عما سأل الراوي.

و الى انه ان قلنا: بكفاية الغسلة الواحدة في تطهير الخبث

______________________________

(1) الوسائل

باب 42 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1063.

(2) خبر قوله مد ظله: لان التفصيل.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 333

و عدم الاحتياج الى التعدد و حصول الطهارة عن الحدث أيضا بنفس هذه الغسلة، فلا وجه للحكم بوجوب الغسل و اعادة الصلاة.

و ان قلنا بكفاية الغسلة في حصول الطهارة عن الخبث و عدم حصول الطهارة عن الحدث، فلا فرق بين الوقت و خارجه.

و ان قلنا بعدم حصول واحد منهما فلا فرق أيضا.

و بالجملة اضطراب المتن يمنعنا عن التمسك بها.

(و ثالثا): عدم فتوى المشهور بمضمونها، بل و اعراضهم عنها الذي هو الموجب لسقوطها عن الحجية و لو كانت واضحة سندا و دلالة فالتفصيل لا وجه له.

و يبقى الطائفتان الأخيرتان

فهل بينهما معارضة فيحتاج الى الترجيح أم لا؟ قد يتخيل بعدم المعارضة، و انهما من قبيل النص و الظاهر، فإن صحيحة العلاء «1» دالة على عدم وجوب الإعادة صريحا فيحمل الأدلة الدالة على وجوبها على الاستحباب.

و اما الاخبار الواردة في نسيان الاستنجاء فهي معارضة بما ورد في تلك المسألة الدالة على وجوب الإعادة.

و في الجواهر: انهما متعارضتان، فيرجع الى الترجيح بالشهرة و كذا في مصباح الفقيه للهمدانى رحمه اللّٰه، و هو الحق، فقد بينا في

______________________________

(1) الوسائل باب 42 قطعة من حديث من أبواب النجاسات ج 2 ص 1063

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 334

الأصول مشروحا، في ذيل كلام صاحب المعالم رحمه اللّٰه في آخر مسألة دلالة الأمر على الوجوب عنده قوله رحمه اللّٰه:

يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمة عليهم السلام ان استعمال صيغة الأمر في الندب كان شائعا في عرفهم بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح

الخارجي فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الأمر به منهم عليهم السلام (انتهى).

ان الأوامر الصادرة عنهم عليهم السلام على قسمين:

أحدهما: ما يكون منشأ لاستحقاق العقوبة على مخالفة هذا الأمر كالأوامر الصادرة عنهم عليهم السلام في مقام اعمال السلطنة المجعولة من الشارع لهم على الناس، و يعبر عنها بالأوامر المولوية.

ثانيهما: ما يكون نظير أوامر الطبيب على المريض، فكما ان المريض إذا خالف الطبيب في أوامره لا يصير مستحقا للعقوبة على المخالفة و لا يترتب عليها الا الوقوع في مفسدة ترك العمل، كذلك هذا القسم من الأوامر عنهم عليهم السلام.

و المقام من قبيل الثاني، فإنه عليه السلام بين في الروايات الدالة على وجوبها ان حكم اللّٰه تعالى في هذه الواقعة ان هذه الصلاة ليست بصحيحة في مقابل ما دل- مثل صحيحة العلاء- على انها صحيحة لا انه في الأولى مأمور بالفساد و في الثانية بالصحة، بل مفادهما الصحة و عدمها فتقع المعارضة لإرشاد إحديهما إلى فساد الصلاة و الأخرى إلى صحتها، فيحتاج الى المرجح، فنقول: أول المرجحات الشهرة فهي موافقة لما دل على وجوب الإعادة، و القول بالعدم شاذ فيطرح.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 335

فرع لو نسي نجاسة شي ء ثم لاقاه بثوبه في حال النسيان
اشارة

فصلى في هذا الثوب الملاقي للنجاسة فالظاهر انه من باب الجهل بالموضوع لا نسيانه لانه لم يعلم بنجاسة ثوبه في زمان.

مسألة: لو لم يكن معه الا ثوب واحد و لم يمكن غسله

لعدم الماء أو لغيره، فهل يجب عليه الصلاة عاريا مطلقا أو يصلى فيه مطلقا أو الأوّل في صورة عدم التمكن من الصلاة عاريا لبرد أو غيره و الثاني مع فرض التمكن؟ وجوه.

المشهور بين القدماء الى زمن المحقق هو الثالث و اختاره هو أيضا في عدة من كتبه الفتوائية كالشرائع و النافع.

و اختار في المعتبر التخيير و تبعه العلّامة رحمه اللّٰه في عدة من كتبه، و كذا عدة من المتأخرين إلى زمان المحقق الأردبيلي رحمه اللّٰه و تلميذه صاحب المدارك رحمه اللّٰه، فاحتملا تعين الصلاة في النجس لو لم يخالف الإجماع.

و كان هذا الاحتمال جاريا فيمن تأخر عنهما الى زمن المعروف بالفاضل الهندي الأصبهاني الأصل، شيخ الإمامية في أصبهان في أواخر القرن الحادي عشر إلى أوائل القرن الثاني عشر فأفتى هو على سبيل البت و الجزم بتعين الصلاة فيه و قد حدث من زمان كاشف اللثام فصارت بعده رحمه اللّٰه موردا للتسالم.

فهي بالنسبة إلى فتوى القدماء شاذة.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 336

و منشأ الاختلاف اختلاف الاخبار.

فما يدل بظاهره على تعيّن الصلاة فيه، فهو ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن على الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلى فيه فإذا وجد الماء غسله «1».

و عنه انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله؟ قال: يصلى فيه «2».

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد،

عن القاسم بن محمد، عن ابان بن عثمان، عن محمد الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلى فيه إذا اضطر اليه «3».

و بإسناده عن على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم يصلى فيه أو يصلى عريانا؟ قال: ان وجد الماء غسله و ان لم يجد ماء صلى فيه و لم يصلّ عريانا «4».

و مرجعها الى روايتين: أحدهما رواية الحلبي، و ثانيهما رواية على بن جعفر.

غاية الأمر ان الروات عن الحلبي متعددون و ضبطوها في الكتب

______________________________

(1) الوسائل باب 45 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1066.

(2) المصدر، الحديث 3، ص 1067.

(3) المصدر، الحديث 7.

(4) المصدر، الحديث 5.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 337

المتعددة فيتخيل أنها اخبار متعددة مستفيضة، و من العجيب انه ادعى تواترها. فان من البعيد تكرر السؤال من الحلبي عن مسألة واحدة.

و اما ما يدل بظاهره على وجوب الصلاة عريانا فهو ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض و ليس عليه الا ثوب واحد، و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يتيمّم و يصلى عريانا قاعدا يومئ إيماء «1».

و بإسناده، عن الحسين بن عبيد اللّٰه، عن احمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن على بن محبوب، عن الحسين، عن الحسن، عن زرعه، عن سماعة، قال: سألته الخبر، الا انه قال: (قائما) بدل (قاعدا)

«2».

و بإسناده، عن محمد بن احمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الحميد عن سيف بن عمير، عن منصور بن حازم، عن محمد بن على الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل اصابته و هو في الفلاة و ليس عليه الا ثوب واحد و أصاب ثوبه منى؟ قال: يتيمّم و يطرح ثوبه فيجلس مجتمعا فيصلى و يومئ إيماء «3».

و مرجعها أيضا الى روايتين أحدهما رواية سماعة و ثانيهما رواية الحلبي.

و قد عرفت مما ذكرنا ان الأقوال في المسألة ثلاثة:

______________________________

(1) الوسائل باب 46 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1068.

(2) المصدر، الحديث 3.

(3) المصدر، الحديث 4.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 338

أحدها: التفصيل.

ثانيها: التخيير.

ثالثها: تعيّن الصلاة فيه.

و الأول هو المشهور بين قدماء الأصحاب، و الثاني مختار المحقق في المعتبر و من تبعه، و الثالث مختار كاشف الغطاء و من تبعه.

و مستند الأخير هو أكثرية الروايات الدالة عليه و استفاضتها لو لم تكن متواترة، و كون رواية سماعة مضمرة، و رواية الحلبي معارضة بما رواه هو، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام.

لكنك عرفت ان شيئا منها لا يكون أو لا ينفع، لما قلنا من كون رواية الحلبي واحدة بل لا يبعد ان يقال باتحادها ما رواه مع رواية منصور بن حازم عنه، غاية الأمر قد سئل عن مسألتين في مجلس واحد، ثم نقله لآخرين حسب الاحتياج في الأوقات المختلفة.

و الإضمار في رواية سماعة وقع من الناقلين حيث قطعوا هذا الكلام عما قبله، فإنه كان لسماعة كتاب قد صدّره بقوله: (سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن كذا ثم اتبعه بقوله و سألته عن كذا و سألته عن كذا و هكذا، فلا يضر

مثل هذا الإضمار.

و سيأتي بيان عدم المعارضة بين روايات الحلبي إن شاء اللّٰه.

فمثل هذه الأمور لا يوجب الحكم بتعيّن الصلاة.

و قد يتوهم بان التعين بحكم العقل أيضا، فإن الأمر دائر بين رفع اليد عن الموصوف اعنى الستر و الصفة اعنى شرطية الطهارة معا، و بين رفعها عن الصفة فقط بان يستر عورته و لو كان الساتر نجسا حيث انه حينئذ أحرز الساتر و لم يحرز وصفه.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 339

و فيه: (أولا): ان وصف الطهارة ليس شرطا لخصوص الساتر بل هو شرط للباس.

و (ثانيا): بأن الطهارة أمر عدمي، و هو عدم القذارة و ليست شرطا، بل القذارة مانعة فيكون الأمر دائرا بين رفع اليد عن مانعية المانع و بين رفع اليد عن شرطية الشرط، و بينهما تباين لا انهما من قبيل الأقل و الأكثر، ليحكم بتعين الأقل.

و كيف كان فلا دليل للقول بتعيّن الصلاة عريانا فيبقى القولان الآخران.

(أحدهما): التخيير و لا ريب ان ليس المراد التخيير الشرعي.

(أما أولا) فلأن ما هو الواجب هو الصلاة معينة، و الصلاة عاريا أو مع اللباس من مصاديق تلك الطبيعة، لا انه تعلق أمر من الشارع بخصوصيتها.

(و اما ثانيا) فلأن المفروض هو وجوب الصلاة فقط على كل تقدير.

بخلاف التخيير الشرعي، فإنه تعلق الأمر بأحد شيئين متباينين فان معنى الوجوب التخييري هو تعلق البعث بالمكلف بالنسبة إلى المكلف به على سبيل البدلية، و هذا قسم من الواجب غير الواجب المعين فلا يحتاج الى التكلف بان الواجب هل هو أحدهما المعين أو غيره بل هذا القسم من الواجب له آثار مخصوصة عند العقلاء.

و كيف كان فمعنى التخيير في المقام، هو رفع اليد اما عن مانعية النجاسة أو عن شرطية

الطهارة، أو عن كلتيهما، فيرجع الى الجمع العرفي بمعنى ان العرف لا يفهمون من قوله عليه السلام (يصلّى

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 340

فيه) «1» و قوله عليه السلام: (عريانا) «2» المنافاة بين الكلامين، بل يجمعون بينهما بالتخيير، فمعنى قوله عليه السلام: (يصلى فيه) يعنى مخيرا، و قوله عليه السلام: (يصلى عريانا) أيضا يعني مخيرا بينه و بين الآخر.

لكن هذا النحو من الجمع بعيد، عن فهم العرف.

فيبقى الجمع الذي اختاره الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّٰه في كتبه، و هو حمل الروايات الدالة على الصلاة مع الثوب، على صورة عدم التمكن، و الأخرى على صورة التمكن.

و لا يبعد أولوية هذا النحو من الجمع الذي فعله المحقق اعنى التخيير، لان ما دلّ على فعل الصلاة عريانا مورده هو السؤال (عن رجل في فلاة من الأرض) و معلوم ان المتعارف فيمن كان في الفلاة عدم وجود ناظر آخر، فلا حرج و لا مشقّة في الصلاة كذلك.

و ما دلّ على الصلاة فيه أعم من ذلك، بل في رواية الحلبي على نقل ابان بن عثمان «3» تجويزه إذا اضطر اليه فيقيّد بها سائر ما نقل عنه مطلقا، فليست روايات الحلبي متعارضة بعضها مع بعض بل يقيّد بعضها ببعض.

و كذا رواية سماعة موردها كون الرجل في فلاة من الأرض و (توهم) عدم حجيتها بالإضمار (مدفوع) بما مر من عدم كون الإضمار قادحا.

هذا مضافا الى معروفية العمل بمضمونها بين القدماء الى زمن

______________________________

(1) كما ذكر في أكثر أحاديث باب 45، كما تقدم.

(2) كما ذكر في أكثر أحاديث باب 46، كما تقدم.

(3) الوسائل باب 45 حديث 7 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 2 ص 1067.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص:

341

المحقق، بل الى زمن كاشف اللثام، فان المفروض ان القائلين بالتخيير أيضا يجوزون الصلاة عريانا، فالرواية التي كانت موردا للعمل الى القرن الثاني عشر، لا يجوز ردها بمجرد الإضمار كما لا يخفى.

هذا مضافا الى إمكان ان يقال: ان التخيير لا وجه له أصلا، فإنه بعد تسليم ان المأمور به هنا لا يكون إلا صلاة واحدة يدور الأمر بين رفع اليد عن الشرطية أعني شرطية الستر و بين رفع اليد عن مانعية المانع اعنى وجود النجاسة، و معنى كون شي ء شرطا دخالته في ترتب المصلحة بحيث يكون جزء ماله دخل في ترتب عنوان الصلاة على الاجزاء و الشرائط، و معنى كونه مانعا كون وجوده مخربا و مخلّا للمصلحة التي يترتب على الاجزاء و الشرائط.

فحينئذ نقول: معنى رفع اليد عن شرطية الستر كون المانع باقيا على مانعيته حتى في صورة التمكن العقلي من الصلاة عريانا، فكما انه إذا لم يتمكن من الثوب يكون الشرط ساقطا عن الشرطية، فكذلك إذا تمكن عقلا، و معناه حينئذ ان يكون المانع في هذه الصورة أيضا باقيا على مانعيته.

فمعنى التخيير الذي اختاره المحقق رحمه اللّٰه حينئذ يرجع الى التخيير بين سقوط المانع عن المانعية و بين عدمه و لا محصل له حينئذ كما لا يخفى.

نعم لو كانا شرطين يمكن ان يقال بعدم ترجيح بينهما من حيث دخالة كل واحد في ترتب العنوان.

(ان قلت): ان رواية على بن جعفر «1» آية عن حمل الشيخ

______________________________

(1) الوسائل باب 45 حديث 5 من أبواب الأطعمة المحرمة ج 2 ص 1067.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 342

رحمه اللّٰه و جمعه، فان ظاهرها كون الرجل قادرا و متمكنا من الصلاة عريانا، و مع الثوب كليهما،

فحكمه عليه السلام حينئذ بأحدهما لا يكون الا باعتبار كونه هو المتعين، فان قول الراوي: (سألته عن رجل عريان قد حضرت الصلاة، فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله هل يصلى فيه أو يصلى عريانا؟) ظاهر فيما ذكر من تمكنه من كلا الأمرين، و كذا جوابه عليه السلام بأنه (يصلى فيه و لا يصلى عريانا) فحملها حينئذ على فرض عدم التمكن من الصلاة عريانا خلاف الظاهر.

(قلت): و ان كانت الرواية صحيحة سندا باعتبار نقل النقلة المتعددين، عن على بن جعفر عليه السلام، مثل العمركي بن على البوفكي، و موسى بن قاسم، و عبد الرحمن بن حسن بن على بن جعفر عن جدّه، و قد نقلت في الفقيه، و التهذيب و كتاب قرب الاسناد الا ان في دلالتها و كونها ظاهرة بحيث لا تقبل الحمل مع كون رواية محمد بن على الحلبي قد قيدت بكونه يصلى في صورة الاضطرار، تأملا بل منعا.

و ان أبيت إلا عن دعوى ظهورها، و كونها غير قابلة الحمل فنقول: انها بهذا المضمون معرض عنها الى زمان كاشف اللثام أضف اليه ورود الاشكال على جمع المحقق كما بيّناه.

فتحصل انه ان كان هذا المقام مقام الجمع، فما جمع به الشيخ اولى، و ان كان الخبران متعارضين فالترجيح للمشهور القائلين بالتفصيل.

مسألة- 1-: لو كان له ثوبان أحدهما نجس و اشتبه بالآخر

فمقتضى القاعدة هو الصلاة مكررا لتمكنه من الصلاة مع الثوب الطاهر و لو بتكرر العمل، و به افتى الشيخ رحمه اللّٰه في المبسوط و الخلاف ناسبا

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 343

له في الثاني الى بعض أصحابنا، و قد وردت به رواية:

مثل ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه، عن صفوان بن يحيى، و الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد، عن على بن إسماعيل-

و الظاهر انه الملقب بالسندي- عن صفوان، انه كتب الى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو؟

و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يصلى فيهما جميعا «1».

و معنى خوف الفوت انه ان اجتهد في تحصيل الماء يخاف فوتها و هذا لا ينافي حكمه عليه السلام بتكرار الصلاة الظاهر في عدم فوت الوقت.

فلا يتوهم ان الحكم بتكرار الصلاة مناف لما فرضه الراوي من خوف الفوت، هذا.

و لكن قد يقال: بوجوب الصلاة عريانا كما نسبه الشيخ رحمه اللّٰه قال في الخلاف: و ذهب اليه قوم من أصحابنا.

و اختار هذا القول محمد بن إدريس الحلي في السرائر حيث قال:

و إذا حصل معه ثوبان أحدهما نجس و الآخر طاهر و لم يتميز له الطاهر و لا يتمكن من غسل أحدهما، قال بعض أصحابنا: يصلى في كل واحد منهما على الانفراد وجوبا، و قال بعض منهم: نزعها و يصلى عريانا، و هذا الذي يقوى في نفسي و به افتى، لان المسألة بين أصحابنا فيها خلاف و دليل الإجماع فيها مفقود (منفي، خ ل)، فإذا كان كذلك، فالاحتياط يوجب ما قلناه (فان قال قائل) الاحتياط يوجب

______________________________

(1) الوسائل باب 64 حديث 1 من أبواب النجاسات ج 2 ص 1082.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 344

الصلاة فيهما على الانفراد، لأنه إذا صلى فيهما جميعا تبين و تيقن بعد فراغه من الصلاتين معا انه قد صلى في ثوب ظاهر، (قلنا):

المؤثرات في وجود الافعال تجب ان تكون مفارقة لها لا متأخرة عنها و الواجب عليه عند افتتاح كل فريضة ان يقطع على ثوبه بالطهارة و هذا يجوز

عند افتتاح كل فريضة صلاة من الصلاتين انه نجس و لا يعلم انه طاهر عند افتتاح كل صلاة (انتهى موضع الحاجة من كلامه قدس سرّه).

و ظاهر كلامه رحمه اللّٰه ان الدليل منحصر بالإجماع و حيث ان الإجماع غير محقق في المقام، فاللازم الرجوع و هو هنا الاحتياط، و هو يقتضي ما ذكره.

فكأن هذا الكلام مشتمل على مقدمات خمس:

إحداها: انحصار الدليل بالإجماع.

ثانيتها: عدم تحقق الإجماع.

ثالثتها: كون الوظيفة حينئذ الرجوع الى القاعدة.

رابعتها: كون القاعدة حينئذ الاحتياط.

خامستها: مقتضى الاحتياط الصلاة عريانا.

و فيه:

(أولا): عدم انحصار الدليل بالإجماع لوجود الخبر الصحيح كما تقدم.

و (ثانيا): عدم اقتضاء القاعدة عند عدم الدليل الاحتياط، بل الرجوع الى البراءة عن الشرط المشكوك الشرطية.

و (ثالثا): عدم كون مقتضى الاحتياط الصلاة عريانا، بل مقتضاه تكرارها كما تنبه هو رحمه اللّٰه، و قوله رحمه اللّٰه: (المؤثرات في وجود

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 345

الافعال تجب ان تكون مقارنة لها، الى آخره) غير منظم.

فإنه ان كان المراد انه يشترط في اللباس ان يكون طاهرا حين الصلاة فالمفروض حصول العلم باتيانهما مع تحقق هذا الشرط و يكون مقارنا لهما أيضا، و ان كان لا يعلم به حين إتيانهما.

و ان كان المراد انه يشترط ان يكون عالما بتحققه حين الصلاة فلا دليل على اعتبار هذا الشرط، لان ظاهر الأدلة كون القذارة مانعة أو الطهارة شرطا، لا ان للعلم بها دخلا في صحتها.

و ان كان المراد ان العلم بالطهارة ان لم يكن شرطا لنفس الصلاة لكنه شرط في تحقق قصد القربة و الامتثال بحيث لو لم يعلم لم يحصل له هذا القصد أصلا.

(و بعبارة أخرى): انطباق عنوان الصلاة على القول بإمكان أخذ قصد القربة في العبادة شطرا أو شرطا

كما نفينا الإشكال بالنسبة إلى الأخير في الأصول و قلنا: بإمكان مأخوذيته على هذا النحو أو حصول الغرض على القول بعدم إمكانه و كونه دخيلا في حصول الغرض كما اختاره في الكفاية.

متوقف على إتيانها بقصد القربة و الامتثال، و هو لا يحصل إلا إذا كان عالما حين الإتيان باجتماع الشرائط، لأن التقرب الا بقصده و هو لا يحصل الا بعد إحراز الشرائط و حيث لا يعلم حين العمل فلا يحصل له قصد التقرب، فلا ينطبق عليه عنوان الصلاة أو لا يحصل الغرض على الوجه الآخر.

ففيه «1» ان معنى قصد التقرب ليس إلا إتيان العمل بداعي

______________________________

(1) جواب لقوله قدس سره: و ان كان المراد ان العلم، الى آخره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 346

الأمر، و هو كما يكون موجودا مع العلم التفصيلي، كذلك يحصل مع العلم الإجمالي، فالأمر يصير داعيا له نحو العمل.

و هو أيضا معلوم غير مشتبه، لا بحسب الواقع، و لا عند المكلف فإنه عبارة عن الصلاة مع طهارة ما يلابسه من الثوب، غاية الأمر تطبيق العمل على المدعو اليه لما كان غير ميسّر عند الاشتباه فلا جرم يكون العقل حاكما بلزوم إتيانه مكررا ليحصل له العلم بانطباقه بحسب الواقع و لو كان لا يعلم حين الانطباق أيّهما هو الداعي.

و لا يقدح حينئذ حصول قصد التقرب و الامتثال، فإن الداعي على العمل في خصوص العبادات لا يكون إلا ناشئا عن قصد الامتثال لعدم كونها موافقة للميولات النفسانية غالبا.

حتى ان الرياء في العمل أيضا باعتبار ان المرائي يرى غيره ما هو بصورة العبادة و الامتثال ليريه انه عابد له تعالى فالمحرك له أولا و بالذات إتيان العمل العبادي، و لكن بملاحظة ان غرضه

من إتيان هذا العمل العبادي الغير الموافق لشهوته إراءة الغير فيكون فاسدا من هذا الجهة.

فلا يتصور في العبادات غرض غير إتيانه على وجه العبادة، غاية الأمر انه إذا كان المحرك له على إتيانه بهذا الغرض، هو قصد التقرب و الامتثال يسقط الأمر، و الّا فلا.

و لذا ترى ان الاخبار الواردة عن الأئمة الأطهار صلوات اللّٰه عليهم قد دلت على النهى عن العمل للرياء لا أمر بإتيانه مقترنة بقصد التقرب لعدم الاحتياج الى هذا الشرط كما لا يخفى فلا يكون هذا الوجه مانعا من تحقق قصد التقرب كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 347

(ان قلت): الامتثال التفصيلي مقدم على الامتثال الإجمالي لأن الداعي في الأول هو الأمر نفسه، و في الثاني احتمال الأمر، و على تقدير عدم تقدمه عليه جزما فلا أقل من الاحتمال فيقدم بحكم العقل.

(لا يقال): في صورة عدم القطع بتقدمه عليه يجرى البراءة.

(فيقال): الأصل براءة الذمة من وجوب الإطاعة التفصيلية.

(قلت) «1»: و ان كان المدعى حقا الا ان الدليل لا يثبته، لأن الداعي إلى إتيان العمل في أمثال المقام الأمر نفسه لا احتماله، غاية الأمر تردد المأمور به بين الأمرين صار سببا لتكرره، لا ان احتمال الأمر صار سببا و لذا لم يحصل له بعد العمل الا تقرب واحد.

نعم يمكن ان يخدش في جواز التكرار بوجه آخر و هو ان العبادات التي أمر بها الشارع تكون غالبا مخالفة للميولات النفسانية و لا داعي للمكلف في إتيانها الأمر بأن يكون قاصدا للإطاعة و الامتثال و هو متوقف على ثبوت الأمر من الشارع.

فلو فرضنا انه عالم بنجاسة ثوبه و قام و صلى بقصد العبادة يكون تشريعا محرما، فان معنى التشريع ليس هو

النسبة القولية إلى الشارع و لا إيجاد فعل لو رآه الغير نسبه الى الشارع مع فرض عدم صدوره منه بل معناه الإتيان بفعل بعنوان العبادة مع عدم بيان من الشارع.

و الصلاة من العبادات التي لا تكون فيها شائبة غير العبادة فالإتيان بها في ثوب غير معلوم الطهارة بل معلوم النجاسة واقعا بعنوان العبادة، يكون تشريعا فيحرم فلا يمكن الاحتياط.

و كذا إذا علم ان أحد الثوبين نجس فإنه يعلم بحرمة احدى

______________________________

(1) جواب لقوله «قده»: (ان قلت).

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 348

الصلاتين، فيحتاج حينئذ في موارد العلم الإجمالي إلى الدليل على لزوم الاحتياط يكون آتيا بقصد هذا الأمر كما في المقام.

فإن رواية صفوان بن يحيى الدالة على لزوم الإتيان بالصلاتين تكون واضحة الدلالة، و قد عمل بها الأصحاب و صارت مشهورة بينهم.

فرع لو كان الوقت مضيقا بحيث لا يسع إلا لصلاة واحدة،

فهل تجب عليه الصلاة عاريا أو في أحدهما مخيرا؟ وجهان مبنيان على المسألة السابقة من دوران الأمر بين الصلاة عاريا أو في النجس؟

فان اخترنا فيها ما اختاره المحقق رحمه اللّٰه و من تبعه من التخيير، يكون الحكم في تلك المسألة كذلك، و ان اخترنا ما جمع به الشيخ رحمه اللّٰه- كما نفينا عنه البعد سابقا- يصلى عاريا عند التمكن فان المستفاد من الأدلة هناك ان الشارع قد قدم مراعاة المانعية على مراعاة الشرطية.

و معنى ذلك انه ان صلى في النجس ساترا للعورة لم يصل أصلا و ان صلى عاريا من دون النجس يكون ممتثلا، فالأمر دائر بين الموافقة الاحتمالية و الموافقة القطعية و المفروض عدم وجود المحرز لان يصيّر هذا المحتمل بمنزلة المتيقن كما في مورد جريان أصالة الطهارة أو استصحابها و العقل حاكم بتقديم الثاني فتجب الصلاة عاريا.

(ان قلت): كما انه

على تقدير كون الثوب الذي صلى فيه نجسا لم يكن ممتثلا كذلك على تقدير كون الثوب طاهرا لم يكن ممتثلا، لكون

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 349

وظيفته حينئذ الصلاة مع الثوب الطاهر فلا وجه لتقدم العاري.

(ان قلت): قد فرضنا ان الأدلة المتقدمة بحسب الجمع العرفي قد دلت على إلغاء شرطية الستر و المفروض عدم كون صلاته على تقدير وقوعها في النجس، صلاة عند الشارع بخلاف صلاة العاري، فإنها صلاة واقعا و لو كان بحسب الواقع طاهرا، لان الشارع ألغى هذا الشرط في صورة عدم التمكن من إحراز الطهارة بالعلم أو ما قام مقامه يتعين الصلاة عاريا، كما لا يخفى.

هذا بعض الكلام في الستر و شرائط اللباس، و اما ما هو راجع الى:

ه [فصل في] مكان المصلّي

فليس فيه شرط مستقل غير عدم كونه مغصوبا،

بمعنى كونه مأذون التصرف.

و قد تقدم و مر مرارا عدم كون الغاصبية دخيلا في هذا الشرط بل الملاك فيه و في أمثاله عدم كونه متصرفا في ملك الغير بغير اذنه و قد مر انه لا دليل على غير مسألة اعتبار قصد التقرب، و عدم قابلية كون المبغوض مقربا اليه تعالى، فراجع.

نعم مسألتان

اشارة

قد تعرض لهما فقهائنا في مكان المصلى و ان لم يكن للمكان- بما

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 350

هو- دخل فيه فلنقتف آثارهم.

(أحدهما): مسألة محاذات المرأة للرجل حال الصلاة.

(ثانيهما): شرائط مسجد المصلي.

(اما الاولى): فالمعروف عن الشيخين، بطلان الصلاة إذا كانت المصلية محاذية للرجل المصلى أو مقدمة عليه بغير الحاجب أو الفصل الآتي.

و اختار المتأخرون و السيد المرتضى من المتقدمين رحمه اللّٰه الكراهة.

و منشأ الاختلاف اختلاف الاخبار.

فما يدل على الأول، [المنع]

ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد عن محمد بن الحسين و ما رواه الكليني رحمه اللّٰه، عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن حماد بن عيسى، عن إدريس عبد اللّٰه القمي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يصلى و بحياله امرأة قائمة على فراشها جنبة (جنبا، ئل)؟ قال: ان كانت قاعدة فلا تضره (تضرك، ئل) و ان كانت تصلى فلا «1».

و روى الكليني رحمه اللّٰه، عن الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن الوشاء، عن ابان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه البصري، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يصلى و المرأة بحذائه يمنة أو يسرة؟ قال: لا بأس إذا كانت لا تصلى «2».

و دلالتهما على بطلان الصلاة إذا كانت المرأة و الرجل

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 425.

(2) الوسائل، باب 4 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 2 ص 425.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 351

محاذيين، بالمفهوم لا بالمنطوق.

و ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما

السلام، قال: سألته عن الرجل يصلى في زاوية الحجرة و امرأته أو ابنته تصلى بحذاه في الزاوية الأخرى؟ قال: لا ينبغي ذلك، فان كان بينهما شبر أجزأه يعني إذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر «1».

و عنه عن صفوان و فضالة، عن العلاء، عن محمد، عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا؟ فقال: لا و لكن يصلى الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة «2».

و دلالتهما على البطلان ظاهرة و لا سيما الأخيرة، فإن الأمر باتيانهما الصلاة مترتبين مع كون ذلك في المحمل، و لا يكون النهي التنزيهي مقتضيا لتحميل هذه المشقة عليهما، كما لا يخفى.

(و منها): ما رواه محمد بن إدريس في مستطرفات السرائر، عن كتاب احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن المفضل، عن محمد بن الحلبي، الى آخره «3» و هي بعينها مثل الرواية الأخيرة قد مناها الا انه قال مكان قوله عليه السلام: (بشبر) في الموضعين بالشين المعجمة (بستر) بالسين المهملة.

و يحتمل بعيد أكون (محمد) في نقل ابن إدريس هو (محمد بن مسلم)

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

(2) المصدر، الحديث 2.

(3) الوسائل باب 8 حديث 3 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 432.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 352

فاشتبه النساخ فبدلوه ب (محمد بن الحلبي) «1».

و يؤيد كون الستر بالمهملة أصح، كون الحجرة التي صلينا فيه ضيّقة بحيث يكون الفصل بينهما بمقدار الشبر بعيدا جدا «2».

(و منها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن محمد بن احمد ابن يحيى، عن احمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد المدائني، عن مصدق بن صدقة،

عن عمار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انه سأل عن الرجل أ يستقيم له ان يصلى و بين يديه امرأة تصلى؟ قال: لا تصلى حتى يجعل بينه و بينها عشرة أذرع، و ان كانت عن يمينه و عن يساره جعل بينه و بينها مثل ذلك، فان كانت تصلى خلفه فلا بأس و ان كانت تصيب ثوبه، و ان كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت «3».

و بإسناده، عن سعد، عن سندي بن محمد، عن ابان بن عثمان عن عبد اللّٰه بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: أصلي و المرأة إلى جانبي (جنبي، خ ل) و هي تصلى؟ قال: لا الّا ان تتقدم (تقدم، ئل) هي أو أنت، و لا بأس ان تصلى و هي بحذاك جالسة أو

______________________________

(1) أقول: و يؤيد هذا الاحتمال ان المتقدمة رواها الكليني ره عن على ابن محمد، عن سهل بن زياد، عن احمد بن محمد أبي نصر، و نقل هذه الرواية ابن إدريس من نوادر احمد بن محمد بن أبي نصر عن المفضل عن محمد الحلبي، فتأمل جدا.

(2) أقول: و يبعد هذا التأييد ان الراوي فرض ان الرجل صلى في زاوية و المرأة في زاوية أخرى فلم تكن الحجرة ضيقة، و اللّٰه العالم.

(3) الوسائل باب 7 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 431.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 353

قائمة «1».

و بإسناده عن محمد بن على بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن المرأة تصلى

عند الرجل؟ قال: لا تصلى المرأة بحيال الرجال الا ان يكون قدامها و لو بصدره «2».

و هذه الرواية الثانية تدل على بطلان الصلاة بالمحاذاة أو تقدم المرأة، منطوقا أو مفهوما.

و في بعض الروايات التفصيل بين بلد مكة (زادها اللّٰه شرفا) و بين غيرها من البلدان.

ففي العلل للصدوق رحمه اللّٰه: محمد بن الحسن رحمه اللّٰه، قال حدثني محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن على بن مهزيار، عن فضالة بن أيوب، عن ابان، عن الفضيل، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: انما سمّيت بكة بكة (مكة مكة، خ ل) لانه يتبك (تبك، ئل) بها الرجال و النساء، و المرأة تصلي بين يديك، و عن يمينك و عن شمالك و عن يسارك و معك و لا بأس بذلك، انما يكره في سائر البلدان «3».

بناء على ان المراد من قوله عليه السلام: (بين يديك، الى آخره) كونهما كليهما مصلّيين.

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 5 من أبواب مكان المصلى ج 2 ص 428.

(2) المصدر، الحديث 2، باب 6، ص 430.

(3) الوسائل، باب 5 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 429.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 354

نعم يمكن ان يستفاد المنع أيضا مما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال:

الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه، سجودها مع ركبتيه «1».

هذا كلّه فيما استدل به على المنع.

و اما ما استدل به على الجواز فروايات:

(منها): رواية جميل بن دراج و هي ثلاث روايات:

(أحدها): ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده عن جميل، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: لا بأس ان تصلى المرأة بحذاء الرجل و هو يصلّى، فإن النبي صلى اللّٰه

عليه و آله كان يصلى و عائشة مضطجعة بين يديه و هي حائض و كان إذا أراد ان يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد «2».

(ثانيها): ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه الأشعري القمي، عن يعقوب بن يزيد (تارة) و عن محمد بن على بن محبوب، عن محمد بن الحسين (اخرى) عن الحسن بن على بن فضال عمن أخبره، عن جميل، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يصلّى و المرأة تصلي بحذاه (بحذائه، خ ل) أو الى جنبه- في رواية محمد بن الحسين-؟ قال: لا بأس (في رواية يعقوب بن يزيد) (و في رواية محمد ابن الحسين): إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس «3».

و بهذا الاختلاف صار رواية جميل بحسب نقل الشيخ رحمه اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 9 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 428.

(2) الوسائل باب 4 حديث 4 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 426.

(3) الوسائل باب 5 حديث 6 و باب 6 حديث 6 منها ج 3 ص 426- 430.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 355

و الصدوق رحمه اللّٰه ثلاثة.

و لا يبعد اتحاد الأخيرتين بل المظنون بالظن القوى ذلك لبعد سؤال جميل عن الصادق عليه السلام عن حكم هذه المسألة مرتين و جوابه عليه السلام (تارة) بعدم البأس مطلقا و (اخرى) مع التقييد بقوله عليه السلام: إذا كان ركوعها مع سجوده، و نقل جميل لمن أخبر ابن فضال (تارة) ذلك النقل و (اخرى) هذا النقل، و من أخبر ابن فضال كان قد أخبره مرّتين بهذين الخبرين، و ابن فضال قد أخبرهما مرتين، يعقوب بن يزيد البغدادي (تارة) و لمحمد

بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي (أخرى).

بل يمكن دعوى القطع باتحادهما كما لا يخفى على من كان مطلعا على كيفية نقل الروات للأحاديث الصادرة عن الأئمة عليهم السلام.

فيدور الأمر حينئذ بين الزيادة من محمد بن الحسين أو النقصان من يعقوب ابن يزيد.

و حيث ان العرف عند الدوران يقدمون الثاني خصوصا مع هذه الخصوصيات المشار إليها فلا جرم يحمل ما رواه يعقوب بن يزيد، عن ابن فضال، عمن أخبره، عن جميل، عنه عليه السلام اما على اشتباهه، أو على اشتباه سعد بن عبد اللّٰه في مقام النقل أو غير ذلك من المحامل.

و على تقدير عدم إحراز الوحدة فلا دليل بوجوب إحراز التعدد و ما لم يحرز التعدد، لا يوجب العقلاء ترتب آثاره.

و على تقدير التعدد فمقتضى الجمع هو حمل المطلق على المقيد لا حمل المطلق على عدم البأس في مقابل الحرمة، الغير المنافي للكراهة و المقيد على عدم البأس رأسا حتى بالنسبة إلى الكراهة، فلا دلالة في

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 356

هاتين الروايتين على الجواز لو لم تكونا دالتين على المنع.

و اما ما رواه الصدوق رحمه اللّٰه بإسناده، عن جميل «1»، ففيه:

(أولا): عدم إحراز سنده الى خصوص جميل من حيث الوسائط، نعم ذكر في مشيخة الفقيه ان ما رويته عن جميل و محمد بن حمران فقد رويته عن أبي رحمه اللّٰه، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن حمران و جميل بن درّاج (انتهى).

و وجه تشريكه في هذا السند مع محمد بن حمران أن النجاشي قد ذكر في رجاله ان له كتابا اشترك هو و محمد بن حمران فيه (انتهى).

(و ثانيا): عدم صحة ذيل الخبر، و هو قوله:

(فإن النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان يصلى و عائشة مضطجعة، الى آخره) و ذلك لمنافاته لمقام النبوة فلا بد ان يحمل على التقية لوجود من في مجلس الامام عليه السلام يتقى عليه السلام منه.

(و ثالثا): عدم تناسب التعليل للمعلّل، فإنه عبارة عن نفى البأس عن صلاة المرأة بحذاء الرجل، و التعليل يفيد العكس الّا ان يقال ان قوله عليه السلام: (لا بأس) تمهيد و مقدمة لبيان العكس، أو يقال:

ان المسألة غير مختصة بخصوص صلاتهما، بل تعمّ مطلقا محاذات المرأة للرجل، سواء كانت مصلّية أم لا.

و الأوّل خلاف الظاهر، و الثاني خلاف المفروض فإنّ المفروض ما إذا كانا مصلّيين كما لا يخفى.

نعم مسألة سنّه الموقف مسألة اخرى، و هي انه إذا ائتمّت المرأة بالرجل، فهل يجب تأخّرها عنه بتمام بدنها أم يكفي التأخّر و لو بجزئه

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 4 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 426.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 357

أم يكفي المساواة أيضا كما قد يقال بذلك في اقتداء الرجل بالرجل و قد اخترنا في موضعه بحسب الاحتياط أو انها تؤخّر عنه بحيث يكون موضع سجودها خلفه «1».

و هذه المسألة كانت معنونة عند العامّة و الخاصّة و قد ذكرها الشيخ رحمه اللّٰه في الخلاف فقال ص 57، مسألة 170:

لا يجوز للرجل ان يصلّى و امرأته تصلّي إلى جانبه أو قدّامه، فإن صلّت خلفه جاز و ان كانت قاعدة بين يديه أو بجنبه لا تصلّى جازت صلاته أيضا، و متى صلّى و صلّت الى جانبه أو قدّامه، بطلت صلاتهما معا اشتركا في الصلاة أو اختلفا، و قال الشافعي: ذلك مكروه و لا تبطل الصلاة، و اختاره المرتضى رحمه

اللّٰه من أصحابنا (الى ان قال):

و تحقيق الخلاف بين أبي حنيفة و الشافعي انه إذا خالف سنّة فعند الشافعي لا تبطل الصلاة و عند أبي حنيفة تبطلها استحسانا، و عند الشافعي ان المخالفة منهما و عند أبي حنيفة من الرجل دونها، فلهذا بطلت صلاته دونها (انتهى موضع الحاجة).

(و رابعا): إمكان اتحادها مع الرواية التي رواها الشيخ رحمه اللّٰه لاتحاد أغلب رواته كسعد و يعقوب بن يزيد و جميل، غاية الأمر مع نقص في الصدر بإسقاط السؤال و زيادة بذكر العلّة.

(و خامسا): تقييدها بروايته الأخرى على تقدير التعدد.

(و منها): رواية على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام و هي منقولة بأربع طرق مع اختلاف في كيفيّة النقل.

______________________________

(1) راجع العروة الوثقى، فصل في مستحبات الجماعة (أحدها ان يقف المأموم، الى آخره.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 358

ففي التهذيب، بإسناده، عن احمد بن محمد، عن موسى بن القاسم، و أبي قتادة جميعا، عن على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلّى على الرف المعلّق بين نخلتين؟ قال: ان كان مستويا يقدر على الصلاة عليه فلا بأس (الى ان قال):

و سألته عن الرجل يصلى في مسجد حيطانه كوّاء (كوى- ئل) كله و جانباه و امرأته تصلي حياله و يراها و لا تراه قال: لا بأس، الحديث «1».

و قريب منها بحسب المضمون ما رواه عبد اللّٰه بن جعفر الحميري في قرب الاسناد، عن عبد اللّٰه بن الحسين بن على بن جعفر، عن جدّه على بن جعفر، عن أخيه، قال: سألته عن الرجل هل يصلح ان يصلّى في مسجد قصير الحائط و امرأة قائمة تصلّى و

هو يراها و تراه؟ قال: ان كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس «2».

و في التهذيب أيضا، بإسناده، عن محمد بن مسعود العيّاشي عن جعفر بن محمد، عن العمركي بن على البوفكي، عن على بن جعفر عليه السلام (تارة) و بإسناده عن على بن جعفر (اخرى) قال: سألته عن امام كان في الظهر فقامت امرأة (امرأته، خ ل) بحياله تصلّى معه و هي تحسب انها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على

______________________________

(1) الوسائل، أورد صدره في باب 35 حديث 1 و ذيله في باب 8 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 467- 431.

(2) الوسائل باب 8 حديث 4 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 432.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 359

القوم و تعيد المرأة صلاتها «1».

و الحكم بإعادة المرأة صلاتها (اما) باعتبار اختلاف الصلاتين بحسب النوع، و هو بعيد (و اما) باعتبار كونها بحياله، و مع عدم الفصل بينها و بينه.

و يؤيّد الأخير رواية على بن جعفر، الأخرى عن موسى بن جعفر عليهما السلام، في قرب الاسناد، بالسند المذكور آنفا، قال: سألته عن الرجل يصلّى ضحى و أمامه امرأة تصلي، بينهما عشرة أذرع؟ قال:

لا بأس ليمض صلاته. «2».

فحكم عليه السلام بصحة الصلاة لوجود الفصل و يستفاد منها ان لزوم الفصل بينها و بينه كان مغروسا في ذهن على بن جعفر.

و بالجملة فروايات على بن جعفر أيضا لو لم تدل على المنع لم تدل على الجواز قطعا، فإن الأوليين قد حكم فيهما بعدم المنع باعتبار وجود الحائل و لا كلام حينئذ.

و الثالثة أما

مجملة أو ظاهرة في المنع، و الرابعة دالة على عدم المنع في صورة الفصل.

(و منها): رواية زرارة رواها الصدوق بإسناده، عنه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا كان بينه و بينها قدر ما يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا (فلا بأس) صلت بحذاه أو وحدها «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 9 حديث 1 من أبواب مكان المصلّى ج 3 ص 429، و لم يذكر فيه السند الثاني.

(2) الوسائل باب 7 حديث 2 من أبواب مكان المصلّى ج 3 ص 431.

(3) الوسائل باب 5 حديث 8 من أبواب مكان المصلى، و فيه: إذا كان بينها و بينه ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا فلا بأس ج 3 ص 428

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 360

و في كتاب مستطرفات السرائر، من كتاب حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: المرأة و الرجل يصلى كل واحد منهما قبالة صاحبه؟ قال: نعم إذا كان بينهما قدر موضع رجل (رحل، خ ل) «1».

و عنه عن زرارة، قال: قلت له: المرأة تصلي بحيال زوجها؟ قال:

تصلى بإزاء الرجل إذا كان بينها و بينه قدر ما يتخطى (ما لا يتخطى) أو قدر عظم الذراع فصاعدا «2».

و الظاهر اتحادها أيضا، لاتصال سند الصدوق (رحمه اللّٰه) الى حريز عن زرارة على ما عن مشيخة الفقيه، غاية الأمر عدم الفقيه للسؤال، و اختلافها في تعيين مقدار الفصل من كونه بقدر موضع رحل أو عظم ذراع أو قدر ما يتخطى (ما لا يتخطى، خ ل) فيكون الحاصل ان الجامع بين المعاني قد صدر من الامام عليه السلام.

فيمكن أن يكون زرارة قد نقل هذا اللفظ الى المعنى، و يمكن كون ذلك من

حريز، و يمكن ان يكون من الراوي غير حريز.

و بالجملة لما كان عمدة الدليل في حجية الأخبار الآحاد هو بناء العقلاء كان اللازم في أمثال المقام هو الأخذ بالقدر المتيقن، و حيث انه لم يعلم ذلك فلا يرتّبون في صورة الاختلاف آثار الحجية، نعم من جعلها روايات عديدة (متعددة، خ ل) يحملها على مراتب الكراهة شدة و ضعفا حسب اختلاف القرب و البعد بينهما.

لكن مع احتمال اتحادها خصوصا مع وحدة الراوي و مضمونها

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 12 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 428.

(2) الوسائل باب 5 حديث 13 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 428.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 361

لا يحرز التعدد، فيشكل التمسك بها على الجواز، فلا يعارض احتمال الدلالة للأخبار الدالة منطوقا أو مفهوما على المنع.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تقرير بحث السيد البروجردي؛ ج 1، ص: 361

(و منها): رواية الفضيل المتقدمة، بناء على حمل الكراهة على الكراهة المصطلحة في مقابل الحرمة.

و فيه: أوّلا: عدم ثبوت هذا الاصطلاح في تلك الأزمنة.

و ثانيا: عدم العمل بها بهذا التفصيل.

(و منها): رواية أبي بصير، و هي اثنتان بحسب النقل:

إحداهما: ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين عثمان، عن الحسن الصيقل، عن ابن مسكان عن أبي بصير، قال: سألته عن الرجل و المرأة يصليان في بيت واحد، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال: لا، حتى ان يكون بينهما شبرا و ذراع، ثم قال: كان طول رحل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و

آله ذراعا و كان يضعه بين يديه إذا صلّى ليستره ممن يمرّ بين يديه «1».

حيث دلت على ان الفصل بمقدار الشبر فصاعدا رافع للمنع.

و فيه: أوّلا: عدم مناسبة ذيل الحديث الذي هو بمنزلة التعليل لحكم الصدر، فان الرجل الذي كان يضعه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله بين يديه غير ما إذا كان عن يمينه صلى اللّٰه عليه و آله أو عن يساره، كما لا يخفى.

و ثانيا: عدم ظهورها في المحاذاة الحقيقية، فلعلّها كانت عن يمينه الذي يعبّر عنه بالحذاء أحيانا.

و ثالثا: احتمال كون معنى قوله عليه السلام: (الّا ان يكون بينهما

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 3 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 362

الى آخره) هو الاستثناء المنقطع و أريد من قوله عليه السلام: (بينهما) التقدم و التأخر بأن يكون الرجل متقدما.

ثانيتهما: ما رواه الشيخ رحمه اللّٰه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان، عن عبد اللّٰه بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: سألته، إلى آخر ما في الاولى مع إسقاط قوله عليه السلام: (ثم قال، الى آخره) «1».

فذلكة الكلام في المسألة

انه ليس لنا رواية دالة على الجواز بقول مطلق من دون تفصيل إلا إحدى روايات جميل حيث قال عليه السلام: (لا بأس) «2».

لكن قد عرفت ان المظنون بالظن القوى الاطمئناني كونها متحدة مع روايته الأخرى المقيدة بقوله عليه السلام: (إذا كان سجودها مع ركوعه) «3» فيبقى الآخر التي يمكن ان يستدل بها على الجواز في الجملة و المنع كذلك.

و هي طوائف: الأولى ما يدل على المنع منطوقا أو مفهوما مطلقا كرواية إدريس بن عبد اللّٰه القمي «4» و

رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 4 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

(2) الوسائل باب 7 حديث 5 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 430.

(3) المصدر، الحديث 3.

(4) الوسائل باب 4 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 426

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 363

البصري «1» و رواية عبد اللّٰه بن أبي يعفور «2» و رواية على بن جعفر التي رواها العمركي، عنه، عن موسى بن جعفر (ع) «3» على وجه تقدم.

الطائفة الثانية: ما يدل على المنع في المحمل كرواية محمد بن مسلم «4» و رواية أبي بصير «5».

الطائفة الثالثة: ما يدل على التفصيل بين كون الفصل بينهما بعشرة أذرع محاذيا أو متأخرا عنها، و عدمه بالجواز في الأول و عدمه في الثاني كرواية عمار بن موسى «6» منطوقا و رواية على بن جعفر «7» على وجه تقدم.

الطائفة الرابعة: ما يدل على التفصيل بين وجود الحاجز بينهما أو الستر أو الحائط القصير أو الطويل و عدمه بالجواز في الأوّل و عدمه في الثاني لكن دلالته بحسب المفهوم فقط أيضا كإحدى روايات محمد بن مسلم «8»، و احدى روايات على بن جعفر المروية في

______________________________

(1) الوسائل باب 4 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 426.

(2) المصدر، الحديث 5.

(3) الوسائل باب 9 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 432.

(4) الوسائل باب 10 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 433

(5) المصدر، الحديث 2.

(6) الوسائل باب 7 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 431.

(7) المصدر، الحديث 2.

(8) الوسائل باب 8 حديث 2 من أبواب مكان

المصلى 3 ص 431.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 364

في السرائر «1» و رواية أخرى لمحمد بن مسلم «2» و رواية محمد بن على الحلبي «3» و رواية لعلي بن جعفر المروية في قرب الاسناد، عن أبي عبد اللّٰه بن الحسن، عن جدّه، عن على بن جعفر، عن أخيه «4».

الطائفة الخامسة: ما يدل على التفصيل بين فصل ما، على اختلاف التعابير في الروايات بشبر أو ذراع أو مقدار عظم الذراع أو قدر موضع رجل أو ما يتخطى أو ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا و عدمه كروايتي أبي بصير «5» و رواية معاوية بن وهب «6» و روايات زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «7» و رواية حريز «8» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام.

فهذه طوائف خمسة و لا منافات بين الاولى و الثانية إلّا بالإطلاق و التقييد فليحمل عليه.

و كذا بينهما و بين الثالثة، و كذا بين الطوائف الثلاث الأوّل و بين الرابعة.

بل يمكن ان يقال: بعدم شمول الإطلاق لصورة وجود الحاجز.

______________________________

(1) الوسائل باب 8 حديث 3 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 431.

(2) الوسائل باب 5 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

(3) الوسائل باب 6 حديث من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 432.

(4) الوسائل باب 7 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 431.

(5) الوسائل باب 5 حديث 3 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

(6) المصدر، الحديث 4.

(7) المصدر، الحديث 7.

(8) المصدر، الحديث 8.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 365

و انما الكلام و البحث في معارضتها للطائفة الخامسة فإنها تدل على عدم الفصل بعشرة أذرع، و عدم لزوم الساتر

فلا بد من علاج التعارض على تقديره:

فقبل الورود في كيفيّة الجمع بينهما، نقول: ان هذه المسألة على ما يظهر بعد التتبع في الاخبار و التأمل في كلمات الفريقين من العامة و الخاصة و مسائل الخلاف بينهم لم تكن معنونة الى زمن الصادقين عليهما السلام، و الذي كان متداولا هو مسألة سنة الموقف كما نقلنا كلام الخلاف الدال على الاختلاف بين أبي حنيفة و غيره كأحمد و الشافعي.

و لكن تلك المسألة انما هي في الجماعة دون الانفراد و كان المتعارف بين المسلمين فيها تأخر المرأة عن الرجل بحيث كان مستنكرا عندهم خلاف ذلك فشرع أصحاب أبي جعفر عليه السلام و أبي عبد اللّٰه عليه السلام في السؤال عن صورة الانفراد يعني إذا صلى كل واحد من الرجل و المرأة منفردا عن الآخر لعدم تمكن الأئمة الذين قبلهما عليهما للسلام من بيان الاحكام على ما هي و معلوم ان من البعيد إرادة سؤالهم إياهم عليهم السلام من حيث الكراهة و المنقصة الواردة على الصلاة، بل الظاهر كون سؤالاتهم انما هي عن صحة الصلاة و عدمها.

و لذا ترى انه عليه السلام أجاب عن السؤال عن الصلاة في المحمل، بأنه يصلى الرجل ثم تصلي المرأة مع كون ذلك شاقا على المسافر و هذا من مبعدات حمل روايات التفصيل على مراتب الكراهة، كما لا يخفى.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 366

ثم ان تلك تحتمل وجوها:

(أحدها): التفصيل بالتقديرات المذكورة التي ترجع إلى شي ء واحد، و هو كفاية الشبر من حيث السعة.

و يبعّده الروايات الدالة على عدم جواز الصلاة معا في المحمل مع ان الفصل بهذا المقدار حاصل غالبا في أغلب المحامل، و كذا الرواية الدالة على عدم جواز الصلاة في

زاويتي الحجرة إلّا إذا كان بينهما شبر لبعد كون الحجرة ضيقة بحيث يكون الفضل بين الزاويتين أقل من الشبركى يسأل عن حكمه.

مضافا الى تبديل الشبر بالمعجمة ب (الستر) بالمهملة مع التاء المنقوطة كما سمعت، و مضافا الى بعد صلاة الرجل و المرأة متلاصقا جنب أحدهما بجنب الآخر كي يحكم بعدم الجواز إلا في صورة الفصل بلا شبر فظهر ان في هذا الحمل مبعّدات.

(ثانيهما): الفصل بها من حيث الفصل بها من ارتفاع الحائل.

و يؤيّده الروايات الدالة على جواز الصلاة في صورة تقدمه و لو بصدره أو ركبتيه.

فعلى الأخيرين لا منافاة بين الاخبار، و على الأوّل يحمل الأخبار المانعة على الكراهة، غاية الأمر كلما كان قربهما أقلّ يكون الكراهة أشد.

فالأمر يدور بين حمل الروايات المفصلة على الكراهة و بين حملها على صورة التقدم و التأخر.

و منشأ الدوران كون المراد من (الحذاء) الوارد في الاخبار، هل هو الحقيقي ليكون الفصل بهذا المقدار أيضا كذلك فيثبت الأوّل أو الأعم من الحقيقي و غيره، فيكون استثناء الفصل بمقدار الشبر أو الذراع

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 367

و نحوهما استثناء منقطعا في مقابل الأوّل الذي يكون متصلا.

فمعنى قوله عليه السلام: في رواية أبي بصير- بعد سؤاله عن كون المرأة عن يمين الرجل: (لا، الا ان يكون بينهما قدر شبر أو ذراع) «1» انه لا يجوز الصلاة في صورة المحاذاة الحقيقية، لكن إذا لم تكن حقيقية و كان الرجل متقدما و لو بشبر أو ذراع يكفي في صحة الصلاة و اما إذا كان الاستثناء متصلا يصير المعنى لا بأس بها إذا كان بينه و بينها قدر شبر.

(و بعبارة أخرى): الأدلة المفصلة و لو كانت بحسب الحكم ناصّة في الجواز الا

انها من حيث الموضوع لا تكون كذلك كما ان أدلة المنع بالعكس فإنها ناصّة من حيث الموضوع ظاهرة من حيث الحكم.

فالأمر يدور بين التصرف في موضوع المجوزة أو التصرف في حكم المانعة و المرجع في تشخيص أحدهما العرف، هل يحكمون بالأوّل أو الثاني؟ و المسألة بعد محل اشكال.

و على تقدير عدم إحراز ظهور أحد الحملين فهل يرجع الى إطلاق أدلة المنع أو الى أصالة البراءة؟ وجهان.

و حاصل الكلام على نحو الاختصار ان المسألة ينظر فيها الأقوال و اخرى الروايات اما الأول: فنقول: انها غير معنونة في كلمات العامة لعدم ذكرها في مسائل الخلاف بينهم و بين الإمامية في الكتب المعدة لنقل موارد الخلاف بينهم، مثل الخلاف للشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه اللّٰه، و الناصريات و الانتصار للسيد المرتضى رحمه اللّٰه، و الغنية

______________________________

(1) الوسائل، باب 5، حديث 3- 4 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 427.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 368

لابن زهرة، و المنتهى للعلّامة.

نعم هذه المسألة معنونة بينهم في مسألة سنة الموقف في صلاة الجماعة، و لم يصل إلينا من كلمات الإمامية قبل السيد المرتضى رحمه اللّٰه الا من كان دأبه نقل كلمات الأئمة بصورة الفتوى.

و الشيخان رحمهما اللّٰه و من تبعهما قد منعوا من صحة الصلاة في صورة المحاذاة أو التقدم و ابن إدريس- و ان افتى بالجواز- الا ان طريقته في الفقه غير طريقة القدماء و ان كان موافقا للمرتضى رحمه اللّٰه تقريبا.

و اما الثاني، فإحدى روايتي أبي بصير و محمد بن مسلم «1» واردتان في المتزاملين و المحمل مع ان المسألة مما كانت عامة البلوى و ان كانت لم تبلغ من حيث كثرة الابتلاء مثل مرتبة الأذان و

الإقامة و لذا قلنا في محله: انهما لو كانتا واجبتين لكان وجوبهما بديهيا عند المسلمين.

و كيف كان فروايات المنع مؤيّدة بروايات الحاجب، و الساتر و الحاجز، و الحيطان، و الجدار.

و روايات الجواز مطلقا- على تقدير وجود الإطلاق- أو المفصلة الدالة على عدم البأس في صورة وجود الشبر أو الذراع أو قدر موضع رحل أو موضع رجل واردة في مورد روايتي لوجود الفصل بالشبر، بل الذراع و الحجب بها.

فيدور الأمر بين حملها على الكراهة على اختلاف المراتب.

______________________________

(1) الوسائل باب 10 حديث 2، و باب 5 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 433 و ص 427، على الترتيب.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 369

أو يقال: ان روايات الشبر و الذراع تحمل على ارادة الفصل بينهما من حيث التقدم و التأخر، لا من حيث الفصل مع مراعاة المحاذاة و يحمل روايات هشام بن سالم و ابن أذينة عن زرارة و جميل و عمار، الدالة على عدم البأس إذا كان الرجل متقدما بركبتيه أو كان سجودها مع ركوعه، أو كان متقدما و لو بصدره، أو إذا كانت تصيب ثوبه.

و مرجع جميعها الى ان التقدم و لو كان يسيرا يكفي في الخروج عن صدق المحاذاة فحينئذ يسقط روايات الجواز عن النصوصية، فلا تحمل على الجواز.

و على تقدير عدم ظهور في إحداهما فاللازم الرجوع الى المرجحات و الترجيح مع المنع فتوى و رواية أيضا لكون رواية الجواز منحصرة في ثلاثة أو أربعة أقسام.

(أحدها): رواية زرارة.

(ثانيها): رواية معاوية بن وهب (ثالثها): رواية جميل «1».

(رابعها): رواية حريز «2».

هذا مضافا الى إمكان ان يقال: ان المنع مخالف للعامة لعدم تعرضهم للمسألة في غير سنّة الموقف المعنونة عند العامة فيمكن ان

يقال

______________________________

(1) الوسائل باب 5 حديث 9 و باب 6 حديث 3 و باب 5 حديث 6 و باب 6 حديث 7 و باب 7 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 3/ 427 ..

(2) الوسائل باب 5 حديث 8- 7- 6- 11 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 428- 429.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 370

ان الأرجح المنع و على تقدير عدم الأرجحية فالفتوى بالجواز مشكلة.

تذنيب

المستفاد من الأدلة كون المحاذاة مبطلا لصلاة كليهما، فإنها بحسب الواقع لا تخلو اما ان تكون الصلاتان صحيحتين أو فاسدتين أو إحداهما المعين صحيحة و الأخرى فاسدة أو إحداهما غير المعين كذلك، لا سبيل إلى الأوّل لمنافاته لمقتضى الأدلة و لا الى الثالث لعدم المعين، و لا الى الرابع لعدم وجودهما فتعين الثالث.

هنا مسألتان
(الاولى): يرتفع المنع الوضعي مطلقا بأمرين:

(أحدهما): تقدم الرجل على المرأة، و قد اختلف التعابير الواقعة في الاخبار.

(فتارة): قيده بقوله عليه السلام: (إذا صلت خلفه فلا بأس و ان كانت تصيب ثوبه) «1» كما في رواية عمار، و هو محتمل لوجهين:

أحدهما: ان يكون المراد أصابتها لثوبه في حال القيام.

و ثانيهما: أصابتها له في حال السجود، فعلى الأوّل لا يلزم تأخرها عنه بتمام بدنها، و على الثاني يلزم ذلك.

(و اخرى): قيده بقوله عليه السلام: (إذا كان سجودها مع ركوعه

______________________________

(1) الوسائل باب 7 حديث 1 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 430.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 371

فلا بأس) كما في مرسلة ابن بكير «1» و بعد معلومية عدم ارادة تقدم ركوعه على سجودها بالمعنى المصدري يحمل على اراده كون مسجدها محاذيا لموضع ركوعه، و هذا أقلّ تأخرا من الأوّل بناء على ثاني احتماليه.

و (ثالثة): قيده بقوله عليه السلام: (إذا كان سجودها مع ركبتيه) كما في رواية هشام بن سالم «2».

و هذا أيضا يحتمل وجهين:

أحدهما: ان يكون المراد أن الرجل إذا ركع يكون موضع ركوعه محاذيا لموضع سجودها.

ثانيهما: ان يكون المراد كون موضع ركبتيه حال السجود محاذيا لموضع سجودها.

(و رابعة): قيده بقوله عليه السلام: (ان يكون قدامها و لو بصدره) كما في رواية عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «3»، و هذا أقل

تقدما من الكل بناء على ان يكون المراد تقدم صدره عرضا لا طولا بمعنى ان يكون الرجل بمقدار صدره متقدما على المرأة و الا يكون متحدا مع غير الاولى تقريبا.

و لا يبعد اتحاد الثلاثة الأخيرة و رجوعها إلى أمر واحد، و هو كفاية التقدم في الجملة، غاية الأمر اختلافها بحسب المصاديق و تحمل رواية عمار أيضا على أحد المصاديق و لا يبعد ذلك و ان كان الأحوط

______________________________

(1) الوسائل باب 7 حديث 5 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 430.

(2) الوسائل باب 5 حديث 9 من أبواب مكان المصلى ج 2 ص 428.

(3) الوسائل باب 6 حديث 2 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 430.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 372

اختيار مفاد رواية عمار على الاحتمال الأوّل.

(و ثانيهما) «1» الفصل بالحاجب، و هو أيضا على اختلاف التعابير الواردة في الأخبار يكفي في رفع المنع الوضعي، مثل الحاجب و الستر و الحاجز و الجدار مطلقا، و الحيطان كذلك «2».

نعم لا يكفى كونه حاجزا في حال السجود فقط دون الركوع و الجلوس و القيام.

(الثانية): قد عرفت ان المستفاد من الأدلة، بطلان صلاتيهما معا

لا بمعنى انهما يتحققان أوّلا آناً ما ثم يبطل في الآن الثاني كما في الجواهر، و ذلك انه انما يحتاج اليه فيما إذا دل الدليل القطعي على اعتبار كون المتصف بالبطلان، هو الصلاة المتحققة كما في أعتق عبدك عنّى حيث دل الدليل على صحة العتق و توقفه على الملك فيلتزم بالملك آناً ما.

و اما في مثل المقام لكون المتصف بالبطلان هو الصلاة المتحققة الصحيحة فهو أوّل الكلام بل «3» بمعنى عدم تحققهما معا و عدم صيرورتهما صلاة في الرتبة الواحدة كما لا يخفى.

فحينئذ لو شرع أحدهما في الصلاة ثم شرع

الآخر فهل يبطل صلاة المتأخر فقط أم المتقدم أيضا؟ وجهان بل قولان.

ففي الجواهر اختار الثاني استنادا إلى رواية أبي بصير و محمد بن مسلم و عبد اللّٰه بن أبي يعفور «4» فإنها دالة بإطلاقها على ان صلاة

______________________________

(1) عطف على قوله مد ظله: أحدهما تقدم الرجل.

(2) لاحظ الوسائل باب 8 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 431.

(3) استدراك من قوله مد ظلّه: لا بمعنى انهما يتحققان، إلخ.

(4) الوسائل باب 10 حديث و باب 5 حديث 2 و 5 من أبواب مكان المصلى ج 3 ص 433 و 427- 428 على الترتيب.

تقرير بحث السيد البروجردي، ج 1، ص: 373

كل واحد منهما في صورة فرض المحاذاة، أو تقدم المرأة على الرجل باطلة من دون تقييد بكون أحدهما آخذا في الصلاة متقدما أو شرعا معا.

و فيه ان غاية مفاد الروايات عدم صحة صلاتيهما معا بمعنى انهما لو أرادا صحة صلاتيهما فليصل أحدهما أوّلا ثم الآخر ثانيا، و اما في غير هذه الصورة فلا تعرّض فيها للصحة مطلقا، و لا البطلان، و لا صحة إحديهما و بطلان الأخرى.

و من هنا يظهر الجواب عما عن جامع المقاصد كما عن الجواهر من أن «1».

______________________________

(1) الى هنا جفّ قلمي في تقرير بيانه قدس سرّه في هذه المسألة فالمناسب نقل ما في الجواهر تتميما لها، قال في الجواهر ج 8 ص 313 ما لفظه: و على كل حال فقد ظهر لك من ذلك كله انه لا محيص عن القول بالكراهة كما انه يظهر لك من التأمل فيه، وجه النظر فيما أطنب فيه في الحدائق من ترجيح المنع.

و الظاهر ان المدار في الكراهة أو المنع صحة الصلاتين لو لا المحاذاة فلا عبرة بالفاسدة

لفقد طهارة مثلا، اما بناء على انها اسم للصحيح فواضح، و اما على الأعم فلأنها المنساقة إلى الذهن في أمثال هذه المقامات بل هي المسئول عن صحتها و فسادها في النصوص السابقة، فإطلاق الأدلة المقتضي صحة المقارنة لها الفاسدة بحالها بلا معارض.

و منه يظهر ضعف احتمال التعميم في جامع المقاصد و غيره لإطلاق اسم الصلاة على الصورة غالبا، و لامتناع تحقق الشرط عند بطلان الصلاتين، و لا يجدي التخصيص بقيد لولاه.

و فيه ان الإطلاق لا ينفى الانسباق في خصوص المقام و انهما عند الصحة لولاه تنعقدان ثم تبطلان، و لا تنعقدان عند البطلان، فلا تبطل الصحيحة منهما، بل هو عند التأمل مرجعه إلى المغالطة.

كالمحكي عن بعضهم من المناقشة في أصل الحكم، بان المانع اما صورة الصلاة، و هو باطل لعدم اعتبار الشارع ايّاها، و اما الصحيحة، و هو باطل و الا لاجتمع الضدان أو ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح، ضرورة عدم كون الشرط، الصحة، بل هو عدم البطلان بسبب آخر و معناه الصحة على تقدير عدم المحاذاة و التقدم.

و ما أشبه هذه المناقشة بما وقع لأبي حنيفة في الاستدلال على دعواه من اقتضاء النهي في الصلاة الصحة؟ فلا ينبغي وقوع مثلها بعد وضوح المراد.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تقرير بحث السيد البروجردي، 2 جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.